الأربعاء، 25 فبراير 2009

مدخل لمعرفة الزيدية (جمع حسن زيد)

مدخل:_

تتعرض الزيدية في اليمن منذ أربعة عقود وحتى اليوم لهجمة شرسة تهدف إلى القضاء على وجودها،وأخطر أساليب الحرب الموجهة تجاه الزيدية،الفكر والمذهب والإنسان تتمثل في تشويه ملامحها وتقديمها على غير حقيقتها،مع منع الزيدية من التعريف بها أو الدفاع عن أنفسهم وعما يعتقدون،يلتقي في ميدان هذه الحرب المعلنة ضد الزيدية المتعصب مذهبياً الذي تلقى وعيه بدينه في معاهد الدعوة السلفية المتعصبة سواء في اليمن أو خارج اليمن مع السياسي العنصري ضد الهاشميين الذي لا يرى من المذهب الزيدي إلا شرط النسب في الإمام واعتقاد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويجهل ما عدا ذلك،ولقد كان الأمر قبل سنوات مقتصراً على منع الفكر بوضع عراقيل نشره والتعريف به بتعريض من يتصدى للكتابة عنه بإنصاف للمضايقة وإلحاق الأذى به كإلغاء عقد الدكتور أحمد محمود صبحي من التدريس بجامعة صنعاء لأنه كتب عن الزيدية بإنصاف،ولم يقتصر الأمر على إلغاء عقده بل تم منعه من بيع كتابه (المذهب الزيدي) ومصادرة نسخه،والتزمت الأجهزة سياسة صارمة بحرمان أي ناشط زيدي من الوصول إلى مواقع التعليم خصوصاً أقسام اللغة العربية والدراسات الإسلامية وكليات التربية ومعاهدها،إلى منع العلماء من تدريس الفقه في المساجد،وتدمير منازل الطلبة التي كانت منتشرة في معظم مساجد الهجر والمدن اليمنية،والتصرف بأوقاف العلماء والمتعلمين وتبديد العائد منها،وصولاً إلى استباحة دماء الدعاة،
كل ذلك يتم تحت عنوان القضاء على(التشيع ألإمامي)باعتبار وجوده مداً للنفوذ الإيراني،وحماية الصحابة من أن يتعرضوا للسب....إلخ التهم والدعاوى الفارغة،التي تطلقها المنشورات المشبوهة التي توزع في طول اليمن وعرضها تبريراً لإجراءات الإبادة التي تمت،وتمهيداً لما هو أعظم خطراً لأن الحملة المنظمة المدعومة تهدف إلى غسل أدمغة بعض الشباب وبرمجتهم ليكونوا أداة قتل الزيدي لأنه زيدي،وقد بدأت هذه الحملة بكتاب هو عبارة عن منشور كتبه القاضي إسماعيل بن علي الأكوع من منطلق التحامل على الزيدية و الهاشميين منهم بالذات أطلق عليه(الزيدية نشأتها ومعتقداتها) وقد كتبه بهدف التقليل من الأثر الإيجابي الذي أحدثه كتاب الدكتور أحمد محمود صبحي(الزيدية)والمذهب الزيدي،وكتاب الشيخ محمد أبو زهرة(الإمام زيد)وكتيب القاضي العلامة المرحوم حسين بن أحمد السياغي نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى،وكتاب الباحث اليمني الدكتور عبد الفتاح شائف نعمان الذي كتب عن الإمام الهادي فقيهاً ووالياً ومجاهداً[1] ،وغيرها من الكتب التي سمح بنشرها وتداولها عقب الوحدة المباركة،وقد تزامن صدور هذا المنشور مع إشاعات بأن الزيدية في اليمن لم يعودوا زيدية بل تحولوا إلى شيعة إماميه رددها بعض المتعصبين من السياسيين المتأسلمين الذين يرون في وجود المذاهب عائقاً أمام انتشارهم وسيطرتهم الكاملة على اليمن،وتوحيدها بدول الجوار تمهيداً للوحدة الإسلامية التي لا يمكن من وجهة نظرهم أن تتم إلا إذا تم القضاء على التعدد المذهبي وتوحيد الأمة وفق رؤية مذهبية واحدة،وتعاون معهم المرضى بالعنصرية المقيتة الذين خلطوا بين عجزهم وفشلهم عن اكتساب حب الشعب وبين وجود من ينتسبون إلى ما يعرف بأهل البيت،ليستدروا عطف ودعم الدول والمؤسسات الخليجية والدولية التي ترى في انتشار المذهب الجعفري مداً لنفوذ إيران السياسي إلى اليمن.
يتضح صدق تقييمنا لهدف القاضي إسماعيل الأكوع لأي قارئ منصف لمنشور القاضي إسماعيل لأنه أفصح في كتابه عن عدم موضوعية وتحامل على الزيدية بدرجة جعلته يحاول حجب نور الحقيقة الساطع بأكاذيب ويشكك في سعة اطلاع الأستاذ الدكتور أحمد صبحي بقوله(أما زيدية اليمن،فقد كتب عنها الأستاذ الدكتور أحمد محمود صبحي مؤلفاً كبيراً حينما كان أستاذاً في جامعة صنعاء بعنوان الزيدية،ولقي الكتاب رواجاً في أواسط أتباع المذهب الهادوي،وأشاد به من أشاد منهم،مستشهداً ببعض ماورد فيه من ثناء حسن لبعض أفكار الزيدية،وذلك لأن الدكتور صبحي أثنى عليها حينما ذكر محاسنها في بداية ظهورها.وظن أن زيدية اليمن التي ابتدأت من أواخر القرن الثالث للهجرة،واستمرت إلى عصرنا،هي امتداد لزيدية القرن الثاني التي ظهرت في الكوفة في عهد مؤسسها زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم،وليس ذلك بشيء،لأن الصلة بين زيدية اليمن وبين زيدية الكوفة انقطعت من القرن الثالث للهجرة الذي ظهرت فيه المذاهب الشيعية)[2][3] ومخالفة الحقيقة في هذا النص أمر واضح وجلي لأن كتاب الدكتور صبحي تناول الزيدية ابتداءً بالإمام زيد بن علي وحتى محمد بن علي الشوكاني مروراً بزيدية القرن الثالث وهم الإمام الهادي إلى الحق يحيي بن الحسين،وجده الإمام القاسم بن إبراهيم والإمام الناصر الأطروش والصاحب بن عباد والحاكم الجشمي فالإمام المؤيد بالله يحيي بن حمزة والمهدي أحمد بن يحيي المرتضى،والسيد حميدان بن يحيي .....وصولاً إلى العلامة ابن الوزير وابن الأمير فشيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني، وفي كتابه الآخر المذهب الزيدي ضمن متني الأساس للإمام القاسم بن محمد ومصباح العلوم في معرفة الحي القيوم للرصاص(وهما من نتاج زيدية اليمن في القرن الحادي عشر)، فهل ظن أد/صبحي أن زيدية اليمن امتداد لزيدية القرن الثاني أم أنه علم أنها كذلك فعلاً بناءً على معرفة بكتبها؟أم أن القاضي لم يوفق في القول؟لأن عبارته (ظن أن زيدية اليمن امتداد لزيدية القرن الثاني)يُفهم منها أن صبحي اكتفى بقراءة بعض الكتب عن زيدية القرن الثاني وعمم أحكامه على الزيدية في اليمن مع أن العكس هو الصحيح فصبحي قرأ عن زيدية اليمن أضعاف ماسمع به القاضي ا لأكوع ويكفي أن يطلع القارئ على حجم المراجع التي رجع إليها صبحي ليعرف جرأة القاضي على تجاهل الحق وسيستبين خطأ القاضي أكثر عندما نجد أنه أكتفي بالاعتماد بدرجة أساسية في أغلب منقولاته عن الزيدية على كتاب الجوهرة الخالصة للشريف الدامغاني،الذي قد لا يسلم القاضي من تهمة أنه لم يكن أميناً في النقل عنه،لأن من يتهم بأن عادته عدم الدقة في النقل عن الأحياء كحال القاضي الأكوع في كل كتاباته لن يتردد مدفوعاً بموقفه النفسي المتحامل على الهاشميين من تجاوز الحقيقة إلى نقيضها في تضمين نصوص مخطوطة لم تنشر بعد.
لقد كان على القاضي إسماعيل الأكوع أن يناقش ما أورده صبحي من أحكام أشاد بها من أشاد من زيدية اليمن،ليثبت أن ما أورده صبحي من أراء وما توصل إليه من أحكام عن الزيدية غير صحيحة أو بنيت على غير أساس من كتب زيدية اليمن،ولكن تعصبه أعماه عن تلمس طريق الموضوعية،أو التظاهر بها، يتضح هذا التعصب مثلاً في تعليقه على نص نقله عن الشريف الدامغاني الذي يقول فيه عن الزيدية(أتقى الشيعة لولا ما نقم عليهم)فعلق الأكوع عليه بالقول:(هكذا كانت الزيدية في عصر الدامغاني.أما اليوم فإن أكثر العلويين المنتسبين مذهباً إلى زيد بن علي،ونسباً إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه،ومن اعتزي إليهم من أهل اليمن-وما أكثرهم-قد تحول بعد قيام الثورة الإيرانية سنة1979م إلى شيعة اثني عشرية تحت غطاء مذهب الإمام زيد بن علي.ولو كان الأمر يتعلق بهؤلاء شخصياً لهان الخطب،ولكنهم يسعون بنشاط دائم إلى التبشير بهذا المذهب بالدعاية له وتوزيع كتبه مجاناً،غير ما يباع منها في مكتبات خاصة بأثمان زهيدة،وذلك للانتقام من النظام الجمهوري.....إلى أن يقول وكان الأحرى بأتباع مذهب الإمام الهادي-إذا كانوا حريصين على نفي ما رسخ في أذهان أتباع المذاهب الأربعة من أن المذهب الزيدي لا يختلف عن المذهب الجعفري،وأنهما يصدران من مشكاة واحدة-أن يلتزموا بما كان عليه الإمام زيد بن علي رضي الله عنه الذي ينتسبون إلى مذهبه اسماً فيرفضون من رفضهم،ويترضون على من ترضى عنهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ويعملون بما جاء في مجموع زيد بن علي من رفع اليدين وضمهما في الصلاة والتأمين.(ومراده هو خلاصة كلامه،أي أن خلافه مع الزيدية هو فقط في الضم والرفع والتأمين،ولنا أن نتصور مدى ضحالة تفكير القاضي إسماعيل فمجرد تمسك الزيدي بما يعتقده صحيحاً من إرسال يديه في الصلاة وعدم رفعهما حال التكبير وعدم قول آمين عقب الفاتحة تعبير عن الحقد على الجمهورية......الخ كلامه، فهل الجمهورية هي الضم والتأمين في الصلاة؟؟؟؟وما علاقة نوع النظام بكيفية الصلاة؟و الأسخف من كل ذلك تناقضه في زعمه أنه مع حرية الاجتهاد وقبح التقليد،وفي نفس الوقت لا يقبل من الزيدي أن يخالفه في كيفية وضع اليد عند الصلاة والامتناع عن قول آمين!!وكأن القاضي يضع نفسه بإمراضه وعقده في موقع المشرع الذي يحدد للمسلمين نتاج تفكيرهم وكيفية عبادتهم،وكأن العبادة له وليست لله،وهو إذ يطالب الزيدية بالعمل بما زعم أنه في مجموع الإمام زيد بن علي(عليهم السلام)،يتهم الإمام زيد بن علي(وحاشا الإمام زيد)بمخالفة ماكان عليه أبائه)حيث يقول في صفحة 15معرفاً بالزيدية(وهي إحدى فرق الشيعة الثلاث:الزيدية والاثنى عشرية(الجعفرية)والإسماعيلية(زيدية إمامية باطنية)ولكن الزيدية أعدلها وأقربها إلى مذهب أهل السنة والجماعة،إذ كانت في بداية ظهورها وعصر نشأتها على ماكان عليه السلف الصالح من العمل بأحكام كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقط،خلا أنها خالفت أهل السنة في أمرين:
أحدهما:-نزوعها في العقيدة إلى الاعتزال،تبعاً لزيد بن علي الذي قد أخذه عن واصل بن عطاء رأس المعتزلة...من حيث أنه (أي زيد)يتكلم في القدر على غير ما تكلم أسلافه ..[4]}وواضح هنا أنه يتهم الإمام زيد (ع)بالابتداع لأنه بحسب تعبيره تكلم في القدر على غير ما تكلم أسلافه،وهي فرية لأن الإمام زيد(ع) كان حليف القرآن،وتلميذ بيت النبوة،وكلام الإمام زيد في القدر هو كلام أسلافه،كما سيتبين لنا من نص الإمام زيد حول الموضوع،الذي نقلناه عنه صدر البحث.والأكوع ومن تأثر به يرددون مقولة أن الزيدية في اليمن لم يعودوا كذلك بل هادوية وكأن الهادوية غير الزيدية ولبيان وفضح هذه التهمة الغامضة نسأل( هل يوجد أي اختلاف بين مذهب الإمام زيد في الأصول والفروع ومذهب الهادي؟ في الواقع ونفس الأمر-؟ أعتقد أنه لا يوجد أي اختلاف الأصول و نعني بالأصول ما تعرف به عند الزيدية أو غيرهم من أنها التي لا يجوز فيها التقليد والمتابعة لأن الحق فيها واحد غير متعدد كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، أو الإيمان بأن الله واحدٌ فرد صمد لا شريك له ولا شبيه أو ند - لا يفعل القبيح لغناه عنه وأنه أمرنا ونهانا عما نقدر على فعله ونستطيع الامتناع عنه وأنه لا يرضى بالظلم أو يحبه ولم يرده.. بهذا المعنى - لا يوجد أي اختلاف بين الهادي والإمام زيد والإمام علي (ع)، أو الباقر والصادق والقاسم والناصر ومن جاء بعدهم سلام الله عليهم، وإن أختلف التعبير عنها من إمام إلى آخر, بحسب المقام والمتلقي .
و يحيى بن الحسين وصاحب الجامع الكافي(الذي ينقل عنه إسماعيل الأكوع بدون أمانة) لم يقصد أن الإمام زيد والإمام الهادي مختلفان في العدل والتوحيد، أو الإمامة والوعد والوعيد، ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو بحد السيف، فهما عدليان في مقابل الجبرية، وهما غير مشبهين في مواجهة المجسمة والمشبهة وهما وعيديّان في مقابل المرجئة وهما قائلان بوجوب الدعوة والخروج والثورة على الظالم عند توفر الشروط لذلك ويتفقان على إمامة البطنين........إلخ . ووجوب النظر وعدم جواز التقليد للقادر على الاجتهاد ووجوب العرض على القرآن فيما روى عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأختلف فيه، وإن إجماع أهل البيت حجة لأن ما أجمعوا عليه لا يمكن أن يخالفوا الحق فيه، وأن الطريق إلى الإمامة هي الدعوة والخروج للجهاد. والزيدية تعد بين الفرق الكلامية، بالإضافة إلى أنها حركة سياسية ومذهب فقهي.
أحد فرق أهل العدل والتوحيد لها رؤية في مسائل العدل والتوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمنزلة بين المنزلتين والنبوة والإمامة والمعاد - في مقابل المرجئة والمشبهة والمجسمة والجبرية، وحركة سياسية تتفق مع الإسماعيلية و الخوارج في وجوب الخروج وتختلف معهم في التكفير والتفسيق والإمامة، ويختلفون ..عن الحنابلة في القول بعدم جواز الخروج على الحاكم . ومذهب فقهي في مقابل الحنفي والمالكي والحنبلي وإن كان المذهب يتميز عن المذاهب الفقهية الأخرى في أن قواعده، نفي وإقرار للتمذهب، نفي للتمذهب لا يجابها الاجتهاد على كل قادر على الاجتهاد وعدم تجويز الاكتفاء بالظن فيما يمكن العلم به وإيجابها تقديم الإنسان لعلم نفسه على علم غيره - كائناً من كان الآخر - وتقديم ظن الإنسان لنفسه على ظن غيره. وإقرار للتمذهب بتجويزها التقليد لغير القادر على الاجتهاد وتصويب فعل العامي فيما فعله معتقداً لصوابه ما لم يخرق الإجماع والإلزام في المعاملات بمذهب الحاكم حتى لو خالف اجتهاد الفاعل وهو مذهب الإمام زيد والإمام القاسم والناصر والمرتضى بمعنى منهجهم في كيفية الاستنباط حتى لو خالف المذهب النتائج التي توصل إليها أي واحد من أئمة المذهب لأن مذهبه في الاستنباط بمعنى المنهج أو القاعدة التي سار عليها في استنباط الحكم الشرعي هي المذهب وليست النتيجة التي توصل إليها ولهذا خالف المذهب، الإمام زيد أو الإمام الهادي أو الإمام القاسم والناصر - بل وبعض ما روى عن الإمام علي سلام الله عليهم التزاماً بمنهج هؤلاء الأئمة كما فعل الإمام الشافعي في مخالفة نفسه أو بمعنى أدق عندما تغيرت البيئة وتوسعت معرفته بالنصوص وكل مذهب فقهي هو كذلك حتى مذهب أهل الحديث والظاهرية لأنهم يلتزمون القواعد. والقواعد الأصولية - كالهندسة أو الرياضيات - لا يمكن أن يبتدعها كلها شخص واحد - بل يبني المتأخر ويضيف إلى ما ابتكره المتقدم ولكن الريادة للأول وكما توسعت وتشعبت قضايا أصول الدين لدى المتكلمين حتى وصلت إلى فرعيات تطبيقية حول الأفعال المتولدة والطفرة والكمون والجزيء والذرة والجزء الذي لا يتجزأ والإحالة والاستحالة......, حدث بشكل أوضح هذا التطور في الجدل الفقهي المذهبي وكما حدث التمايز والانقسام بين المذاهب حدث التمايز والانقسام داخل كل مذهب)[5].
ومن يوحد بين الزيدية والمعتزلة في الأصول ،لا يخرج قوله عن الأقوال التالية:-
الأول : أنَّ الإمام زيد بن علي زين العابدين (ع) هُوَ أولُ مَن بدَّلَ وتأثّر بالاعتزال وأهله ، وذلك عن طريق تتلمذه على يد واصل بن عطاء ، فبدأت الزيدية مِن هُنا بالانحراف عن مذهب أهل البيت الصحيح إلى مذهب الاعتزال واليونان .وفي هذا الكلام، تشكيكٌ ظاهرٌ في سلامة عقيدة الإمام زيد بن علي (ع) ، وتشكيكٌ في عِلمِه الذي أطبقَ أعلامُ الأمّة من السنة والشيعة على تبحرّه فيه ، وأنّه كانَ أحد أفضل أهل زمانه علماً وعَملاً . وهو مخالف للواقع لأن كل ماعرف عن فكر الإمام زيد بن علي(ع)كان معروفاً عن آبائه وإخوانه من أهل البيت،بل وعامة المسلمين،وبدون تحديد ما لذي تميز به الإمام زيد(ع)وواصل عمن سبقهم أو عاصرهم من العلماء فإن القول بالتتلمذ والتأثير والتأثر لغو وكلام لا معنى له،
وإنْ كانَ التاريخُ قد أثبتَ علاقةً جمَعَت بين زيد بن علي (ع) وبين واصل بن عطاء ، فإنّه ليسَ من الضروري أن تكون هذه العلاقة علاقة تتلمذ -لأنّهما قد اجتمعا على فكرٍ مُتقاربٍ ، فكرُ أهل العدل والتوحيد فكر أهل البيت (ع) ، فزيدٌ عن أهلِ بيته أخذَ عِلمَهُ وفِكْرَه ، وواصلٌ عن أبي هاشم عبدالله بن محمد ( ابن الحنفية ) بن علي بن أبي طالب أخَذَ عِلمَهُ وفِكرَه ، فاجتمعَ هذان العَلَمان من هذا المُنطلق - مُنطلق تقارب الأفكار في الدين - ، وكذلكَ جمَعهم عاملٌ مُهمٌ وهُو حُب الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تغاضى عنه كثيرٌ من المسلمين في زمنهم فانتشر الفساد والظُلم والجور ، إذ كانَ واصلُ بن عطاء أحدَ أعوان الإمام ومُناصريه،يدل على هذا التقاء الخوارج مع المعتزلة والزيدية و الإمامية في الأصول،
ومن السخف العلمي افتراض أن يكون أثر لقاء الإمام زيد بن علي (ع)بواصل ابن عطاء والإمام في الأربعين أكثر تأثيراً عليه من علاقته بوالده زين العابدين ومن بعد ذلك أخيه محمد الباقر وهما من هما علماً وتأثيراً؟
ثم أن من يرمي الإمام زيد بن علي عليه السلام بتهمة متابعة واصل بن عطاء في الأصول لايبين فيم تأثر به،فالخروج الذي هو نتيجة أو تعبير عن اعتقاد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مذهب ومنهج الإمام الحسين بن علي عليهما،جد زيد(ع) الذي أحياء بخروجه سنة جده،الحسين الذي استقاه من جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم،والقول بالعدل،أو بالقدر كما يقول إسماعيل الأكوع،هو عقيدة السلف الصالح،وهو لب وجوهر العقيدة الإسلامية لأن عدم الإيمان به أو عدم اعتقاده،يتناقض مع الحكمة من إرسال الله للرسل،ويتناقض مع العقل الذي يقضي بداهة أننا المسؤلون عن أفعالنا،ويتناقض مع الحكمة من التكليف والثواب والعقاب.
إن من يزعم أن لواصل تأثيراً على الإمام زيد،يعبر عن جهل جعله خاضعاً للدعاية المضللة التي رددتها السلطة الأموية ثم العباسية لتحد من نمو واستمرار الثورات التي قادها أئمة الزيدية عبر التاريخ الإسلامي،
والثابت أنَّ الإمام زيد بن علي (ع) أُثِرَ عنْهُ تقديم وتفضيل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على مَنْ تقدَّمَه من الثلاثة - أبو بكر وعمر وعثمان غفر الله لهم - مِن غير سبٍ ولا براءة صدرَت منه عليه السلام منهم ، وهذا القول هُو قولُ الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي (ع) ، وقولُ الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) ، وقولُ الإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش (ع) ، وهُوَ أيضاً قولُ ساداتِ أهل البيت الزيدية عليهم السلام إلى اليوم،فما الذي قاله الإمام زيد مخالفاً لأئمة آل البيت؟ هل في العدل أم التوحيد أم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم الإمامة؟ وما الذي أخذه عن واصل أو نقله إلى واصل مما لم يقله المعاصرون له من أهل البيت؟
لم يقدم إسماعيل الأكوع ومن سبقه بياناً عن ما الذي اتفق فيه الإمام زيد مع واصل واختلف فيه مع علماء أهل البيت.
هل هو القول المنسوب لواصل - بأن الإمام علياً (ع) لم يكن على يقين من الصواب في حروبه مع معاوية, وأن أحدهما فاسق لا بعينه أم في القول بالمنزلة بين المنزلتين؟ أم وجوب الخروج والثورة؟
من المؤكد أن عقيدة الإمام زيد (ع) عن حروب الإمام علي (ع) لا تختلف عن عقيدة آبائه وإخوانه وأغلب الأمة في أن الحق مع الإمام علي (ع) وأن معاوية هو الباغي لأن إمامة الإمام علي (ع) شرعية والخارج عليه باغ وأن الإمام علياً (ع) كان يعتقد أنه على صواب في حروبه ولم يخالجه شك في وجوب ذلك عليه. لأن الإمام زيداً يرى القتل على الشك كالقتل ظلماًً و كل من روى مواقف الإمام زيد وقرأ ما نسب إليه, يعلم بوضوح أن موقف الأمام زيد من خلاف الإمام علي (ع) والخارجين عليه لا يختلف عن موقف الشيعة وأغلب أهل السنة وهو تخطئة الخارجين على الإمام والجزم بأن الحق كل الحق مع الإمام
وبالنسبة للقول بالمنزلة بين المنزلتين فلم يثبت استخدام الإمام زيد بن علي (ع) لهذا المصطلح إلا أن عدم استخدامه لا يعني إطلاقاً عدم اتفاقه مع واصل بن عطاء أو عدم اتفاق واصل معه ومع السائد آنذاك بين علماء الأمة بمن في ذلك الحسن البصري وأغلب المرجئة لأن الخلاف لفظي. والمنزلة بين المنزلتين ترجمة أو توضيح لمعنى فاسق الذي هو في منزلة بين الكفر والإيمان - أو العاصي.
ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو بحد السيف ليس اجتهاداً خاصاً بواصل أو بالإمام زيد بن علي (ع) فخروج الحسين بن علي (ع) وثورته أوضح تعبير عن كونها مبدءاً أصيلاً في الفكر و دور الإمام زيد بن علي عليه السلام إحياء له - مشاركاً في ذلك من قبل الخوارج الذين - وإن اختلفوا مع الزيدية والمعتزلة في عدم القول بتوسط الفسق والعصيان بين منزلة الإيمان والكفر – إلا أنهم من القائلين بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخارجون على عثمان رضي الله عنه كانوا من القائلين - بالخروج والثورة - وهم زمنياً أسبق في الوجود من واصل والإمام زيد (ع)" والإعرابي الذي أجاب أبا بكر رضي الله عنه(لقومناك بسيوفنا) كان يعبر عن شيوع ورسوخ هذا المبدأ في الذهنية الفطرية.

العدلية والقاسم المشترك:

إن الريادة التي تحسب لواصل وعمرو بن عبيد ليست نظرية - كما قد تبدو للمتعجل في التصنيف - ولكنها في الأساس عملية تتمثل في إعداد تنظيم سياسي يقوم على إرسال الدعاة للثورة والتحريض عليها بأسلوب منظم شارك في وصول الناقص من الأموية إلى السلطة, والتف حول عمر بن عبد العزيز ثم تبنى البحث عمن يقود الثورة ضد السلطة الأموية التي فقدت مبررات وجودها وكان من الطبيعي أن يتجه إلى الإمام زيد بن علي (ع)
وريادة الإمام زيد نظرية وعملية، نظرية في تأصيله لثورة الإمام الحسين عليه السلام وتجسيد النظرية في موقفه العملي بالدعوة والخروج السياسي والفكري والاجتماعي.
أما الفكر كفكر العدل والتوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو القاسم المشترك بين جميع من عرفوا بالعدلية فيما بعد من شيعة ومعتزلة وخوارج وجمهور أهل السنة الذين شاركوا في كل الثورات ضد السلطة أو عمالها كالحجاج وأبن زياد وغيرهما)[6]
الخلاصة أنه لا يوجد مايميز الإمام زيد عمن سبقه أو عاصره من أئمة آل البيت أو غيرهم،إلا أنه خرج ثائراً على الظلم ليحيي سنة من سنن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي كادت أن تغيب عن ذهن الأمة ووجدانها نتيجة للقمع الذي مارسته الدولة الأموية في ألطف باستحلالها دم الحسين وآل بيت النبوة وانتهاكها لحرمة المدينة المنورة وقتلها بقايا الصحابة وأبنائهم من المهاجرين والأنصار يوم الحرة،وأعظم من ذلك استباحة أعراض المسلمات حتى روي ما لايصدق، وانتهاك حرمة مكة ورميها بالمنجنيق والتمثيل بجثة ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزبير بن العوام رضي الله عنه وابن ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها
وإحياء الإمام زيد لواجب الخروج على الظلم،لا يجعله مبتدعاً بل هو المتبع ومن خالفه وأشاع النهي عن واجب دفع المنكر،ومن زعم أنه خلاف الإجماع فهو المبتدع.(وعدم خروج غير الإمام زيد من الأئمة آنذاك أو قبله لا يعني عدم إيمانهم بالخروج كواجب بقدرما يعني اعتقادهم عدم تعينه عليهم لسبب لا علاقة لهم به،كعدم وجود الناصر،أو أن الظروف غير مهيأة للخروج)
بل (أن مبدأ وجوب دفع المنكر) هو مبدأ الأنبياء والمرسلين المبلغين عن رب العالمين، فالنبوات إنما كانت ثورات على المتعالين الظالمين، وقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد الثائرين انتصاراً للإنسانية من ظالميها وأشد الثائرين على الطغيان والفسوق والعصيان، وهو رسول الألفة والمحبة والمساواة {وأمرت لأعدل بينكم}،وأهل ملته ودينه هم المتآلفون المتحابون المتعاونون على الخير والبر والتقوى فمن لم يكن في هذه العروة الوثقى فهو خارج عنهم وليس منهم ولا فيهم، وقد كان الإمام زيد بن علي رضوان الله عليه يأخذ على مبايعيه في صيغة بيعته، الدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين، تطبيقاً لمقاصد الإسلام الواردة بأسلوب الحث والاستنكار الذي هو أقوى من أسلوب الأمر في قوله تعالى: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها).
فالزيدية أخذت بمبدأ الخروج على الظالمين لأنه أهم الأوليات التي بعثت الرسل من أجلها حتى لا يكون ظلم ولا ظالمون في خلافة أرض الله وفي عباد الله، ويكون الدين كله لله، والناس سواسية وكلهم عيال الله، وهو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي سيحيي الأمة إحياء حقيقياً، ويضمن استجابة الدعاء كما في الحديث، ويحث الإسلام على إقامته، ويعتبره من أساسياته.)[7]
إلا أن الخروج لايعني الحرب الدائمة،بل تقدم مصلحة الأمة في السلم مادامت المصلحة العامة متحققه (وبهذا المفهوم فهمه الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وتعلمه تطبيقاً لمدرسة رسول الله، وقاتل من أجله، لا من أجل نفسه، حيث قال محذراً ومنذراً: (والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين)، فسلم حين سلمت أمور المسلمين، وثار مغضباً حين مس الظلم أمور المسلمين وانتهكت حقوق المسلمين، فحياته كانت للإسلام والمسلمين، وجهاده للإسلام والمسلمين، واستشهاده من أجل الإسلام وحقوق المسلمين،
ولما كان الجهاد في سبيل الله والمستضعفين هو مبدأ الإمام علي بن أبي طالب فإليه تنتمي الزيدية)[8]

*****
ونتيجة للحملة الظالمة على فكر أهل البيت من الزيدية مع منع الزيدية عن التعريف بمذهبهم ساد الجهل بالزيدية فسهل على خصومها إلصاق التهم بها تارة بنسبتها إلى المعتزلة،وتارة أخرى بنسبة أتباعها إلى الإمامية الجعفرية وتحميل الزيدية ماينسب افتراءً إلى المعتزلة والشيعة الإمامية من أقوال ومعتقدات تستفز أهل السنة لما تحمله ذاكرة أهل السنة من فهم مغلوط للفكر المعتزلي،ولما يقال عن موقف الإخوة الإمامية من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما،ولاشك أن الزيدية تلتقي مع المعتزلة في الكثير،كما تلتقي مع الشيعة الإمامية أيضاً في الأكثر بل أنه لايضير الزيدية أن تلتقي مع الإمامية الجعفرية،لأنها تلتقي معها في المصدر وأيضاً تلتقي مع مذاهب السنة(وبالذات الأحناف في المنهج حتى شاع أن الزيدية في الأصول معتزلة وفي الفروع حنفية)وتلتقي إلى درجة التطابق مع أصول الإباضية من الخوارج باستثناء الإمامة و الميل إلى عدم تكفير من ثبت إسلامه،كما تختلف عن المعتزلة بقدر التقائها مع أهل السنة والإباضية،
والمهم هو موقف الزيدية من الآخرين؟هل تقبل التعايش معهم وتعترف بحقهم في الاختلاف معها؟

النسبة إلى الزيدية

النسبة إلى الزيدية

(إن الزيدية هم منتسبون في التحقيق إلى الإمام علي بن أبي طالب، وإنما كان انتسابهم إلى الإمام زيد بن علي لأنها وقعت فترة بعد مقتل الحسين بن علي كادت تنسي أشهر صفات أهل البيت، وهي الجهاد، فقام زيد بسنة آبائه فانتسب إليه من وراءه لهذه الخصوصية...الخ، وانطلاقاً من هذا المبدأ مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -ملتقى الزيدية- ظهرت الزيدية بفكرها الثائر في مواقفها المعادية وحركات المعارضة المتتالية للدول الظالمة التي كانت الجبرية والمرجئة يبررون لها ويغضون الطرف عن مظالمها، وكان للزيدية صولاتها وجولاتها في مقاومة الظلم والظالمين: (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة)، وشعار كلمات الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (الموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين)، فكان شرف اختصاصها بمواقفها في وجوه الظالمين من بين الناس في المجتمع العربي المهادن هو آفاتها ومحنتها وسبب تجمّع القوم عليها، من سحيق الدار وبعد المزار للتنكيل بها وقهرها ودحرها وإسكاتها، فقتلوا حتى قلوا، وقهروا حتى ذلوا، وما زال الكيد لهم من أعداء فكرهم لا يزالون إلى يوم الناس هذا حتى تُلغي الزيدية فكرها وتتبع فكرهم بالتسليم المطلق للقضاء والقدر في كل ما يجري عن أيدي ولاة السوء مهما كان ظلماً وباطلاً، وما عليهم إلا أن يلبسوا لبوس الاستكانة، ويظهروا بضرع الاستسلام والذلة، ويقطعوا صلتهم بتراثهم الفكري والفقهي)[9]
ومع أنها في حقيقة الأمر تنتسب إلى الإمام علي عليه السلام إلا أن الزيدية تنسب إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)،لتتميز عن المذاهب الشيعية الأخرى التي تنتسب للإمام علي يروى أن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن الإمام علي عليهم السلام قال العلم بيننا وبين الناس الإمام علي وبيننا وبين الشيعة الإمام زيد بن علي، فيقال (زيدي) للمسلم الملتزم بنفس النهج الذي التزمه الإمام زيد بن علي (عليهما السلام)، في سلوكه (التعبدي) المبني على فهم وتعبير مميز لالتزامه (بالإسلام) كمنهج شامل لجميع جوانب الحياة ومكونات الشخصية المسلمة وعلاقاتها، وأساس التميز منهجي متعلق بكيفية الوصول إلى معرفة الحكم الشرعي حيث يقدم العقل المعتمد على التجربة على ما سواه من مصادر المعرفة عند التعارض
فالزيدي من يوافق الإمام زيد (ع) في الأصول (المنهجية) مصادر التشريع ووجوب النظر لعدم جواز التقليد في مسائل أصول الدين وأصول الفقه... والموالاة والمعاداة وما يترتب على ذلك من وجوب (الخروج)على الظلم عند توفر أسبابه وشروطه، وهو(خروج) سياسي لأنه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر... وخروج مذهبي فكري عقائدي ثقافي بالاجتهاد بالنظر لتحرير ذهنية الأمة من الانحرافات والخرافات(كالتشبيه) الذي هو نتاج للخضوع لحشو الحديث وتغييب العقل، وتحرير ها من(الجبر)الذي فرض ثقافة على الأمة لتبرير الظلم، و(الإرجاء) الذي أشيع لإعذار الظالمين وتأجيل الحكم على سلوكهم المنحرف عن موجبات إسلامهم،والاستسلام لأوهام الشهرة، هروباً من تحمل مسئولية كل فرد في الأمة لأمانة البحث والتفكير في إصلاح أمر الأمة بأداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،لمواجهة المظالم والانحرافات.
بينما الاختلاف في الفروع الفقهية مناط الأحكام الظنية التي لم تجمع عليها العترة أو الأمة أو لم يرد فيها نص قاطع صريح لا يحتمل إلا معنى واحد فإنه لا يشترط أن يكون الزيدي موافقاً للإمام زيد (ع) بل قد يجب عليه مخالفته إن ترجح لديه رأيٌ خلاف رأي الإمام زيد (ع) (إن كان قادراً على الترجيح) ولو في مسألة جزئية واحدة (فعلمه) مقدم على علم الإمام زيد (ع) وظنه مقدم على ظن الإمام زيد(ع) بل إن الجاهل الصرف أو العامي إن فعل فعلاً تعبدياً ولم يخرق الإجماع فمذهبه مذهب من وافق (أي حكمه كالمجتهد)كما تقول قواعد الزيدية التي استنبطت من النصوص القاطعة ومن أقوال وأحكام أئمة آل البيت وذلك لأن الزيدية في الفروع (العبادات تحديدا) مذهب إجماع الأمة) فالأصل في العبادات (وجوب العمل بالأحوط) عند تعارض الأدلة،والأحوط هو الذي لا خلاف على صحته عند الأمة،أو الأقرب إلى الصحة عند الجميع،{مثال إرسال اليدين في الصلاة، صلاة المرسل مجمع على صحتها،لأن القائلين بضم اليدين في الصلاة لا يعتبرون الضم شرط لصحة الصلاة فصلاة المرسل صحيحة عند الجميع بينما،بعض العلماء يعتبر أن الضم في الصلاة مفسد لها،}
الزيدية، بالإضافة إلى أنها تطلق على المسلمين الذين يعتقدونها لتميزهم عن غيرهم
هي أولاً: فرقة من فرق علم الكلام لها أراء تميزها عن غيرها في مسائل التوحيد والعدل والوعد والوعيد والإمامة
وهي كمدرسة تمثل (دائرة) تتقاطع (بدرجة) التطابق أحياناً مع الفرق الإسلامية التي قد لا يكون بينها -كفرق متمايزة-أي تقاطع، ولذلك يقول عنها السنة بأنها أقرب المذاهب الشيعية إليها،وبعض مؤرخي الشيعة يعتبرها أقرب المذاهب السنية إلى الشيعة، وكذلك يوحد بينها وبين كالمعتزلة وتميز عن الأشاعرة والمجبرة... الخ.
وثانياً: حركة سياسية كان لها حضور تاريخي أسهم في صياغة التاريخ الإسلامي وتشكيله،يتضح ذلك لأي مهتم بمعرفة الزيدية أو متابع لمايدور عنها، فالحديث عن الزيدية كحركة سياسية (وفي سبيل تحديدها)، يستدعي الحديث عن الفرق سياسية الطابع،كالخوارج والمرجئة والشيعة وأهل السنة والجماعة)

وثالثاً: مذهب فقهي

ومن الجدير بالذكر أن مؤرخي الفرق والمذهب تحدثوا عن فرق زيدية أوصلها بعضهم إلى عشرين فرقة،إلا أن أشهرها ثلاث هي:-
الجارودية
الصالحية
السليمانية
وفيما بعد المخترعة والمطرفية
(أما بقية الفرق الزيدية العشرين فلم يبق منها شيء يذكر)[10]
ويعلق الباحث عبد الله أحمد عارف (على قول نشوان الحميري "إن الفرقة الزيدية الوحيدة في اليمن هي الجارودية"بالقول(غير أننا إذا ماذهبنا نلتمس عقائد هذه الفرقة في التفكير الزيدي في اليمن فإننا لن نجد شيئاً من تلك الأفكار والعقائد الغالية لهذه الفرقة كقولها بالرجعة وشمول العلم والمعرفة لآل محمد منذ المهد إلى الكبر،وقولها بالمهدية بالمعنى الشيعي ألإمامي،بل سوف نجد في ثنايا ذلك التراث فكراً متكاملاً في العدل والتوحيد والإمامة،موافقاً في كثير لعقائد المعتزلة،وتهذيب للشطح والتطرف في عقائد المعتزلة كقولها بالإرادة الحادثة في حق الله وقولهم بالوجوب على الله في فكرة الصلاح ورفضهم لمبدأ الوجوب العقلي في بعض المسائل)[11]
(وليس لهذه الفرق جميعاً مذاهب كلامية متكاملة،وإنما الذي نقل من آرائها وأفكارها نظرات متفرقة في مسائل أصول الدين والإمامة،وهي النظرات نفسها التي رويت عن الإمام زيد كالكلام حول الفاضل والمفضول،ومرتكب الكبيرة ونفي الصفات،والاستطاعة،وهي من المسائل التي كان الجدال والنقاش يدور حولها بين الفرق الإسلامية المعاصرة لها)[12]
1:-(الجارودية،
أتباع أبي الجارود زياد بن المنذر(ت مابين 150-160هـ)يقول عنه يحيي بن الحسين أنه:"أول من أثبت النص في علي بالوصف الذي لا يوجد إلا فيه دون التسمية،على معنى أنه لم يكن النص على إمامته صريحاً باسمه بل بأوصاف واضحة لم توجد إلا فيه،ولما اختصت به جعلوها كالنص عليه باسمه)[13]

(الصالحية:

هم أتباع الحسن بن صالح بن حيى الهمداني(100-168هـ)وكثير بن إسماعيل النوى الملقب بالأبتر،وقد درجت كتب المقالات باعتبارهما فرقة واحدة وذلك لتوافقهما في الآراء فتارة يطلق عليهما الصالحية وتارة البترية وإن كانت شخصية الحسن كثيراً ماتتصدر هذه الفرقة مما يدل على أن له مكانة علمية سامقة،فيحيي بن الحسين يقول في ترجمته:(الحسن بن صالح العالم المشهور علمه في كل مكان وهو من علماء الزيدية الفحول)ويذكر أبن النديم أن الحسن كان من كبار الشيعة وعلمائهم وقد اجتمعت فيه إتقان وفقه وعبادة وزهد)[14]
(أما كثير الأبتر فشيعي جلد كما يقول يحيي بن الحسين،شارك الإمام زيداً في حروبه،وكان من أصحاب الحديث كما أنه أيضاً غلب على أتباعه الاشتغال بالحديث،وقد عد النوبختي منهم سفيان الثوري،وشريك بن عبد الله وبن أبي ليلى ومحمد بن إدريس(الشافعي) صاحب المذهب،ومالك بن أنس صاحب المذهب)[15]

آراء الصالحية:

(أما علي فهو عندهم أفضل الناس بعد الرسول وأولاهم بالإمامة،لكنه سلم الأمر لهم راضياً وفوض الأمر إليهم طائعاً،وترك حقه راغباً فنحن راضون بما رضي، مسلمون بما سلم، لا يحل لنا غير ذلك،ولو لم يرض علي بذلك لكان أبي بكر هالكاً،وهم الذين جوزوا إمامة المفضول وتأخير الفاضل،والأفضل إذا كان الفاضل راضياً بذلك

شوروية الإمامة:

ترى الصالحية أن الإمامة أمر شوري يصح أن تنعقد بعقد رجلين لواحد،من خيار المسلمين ولأجل ذلك أثبتت الإمامة في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي على التوالي،وقد ذهبت إلى ذلك لإجماع الصحابة،"وتوقفت في أمر عثمان بعد الأحداث التي نقمت أهو مؤمن أم كافر؟قالوا إذا سمعنا الأخبار الواردة في حقه وكونه من العشرة المبشرين بالجنة قلنا:يجب الحكم بصحة إسلامه،وإيمانه وكونه من أهل الجنة،وإذا رأينا الأحداث إلي أحدثها من استهتاره بترقية بني أمية وبني مروان،واستبداده بأمور لم توافق سيرة الصحابة،قلنا يجب أن نحكم بكفره فتحيرنا في أمره،وتوقفنا ووكلنا أمره إلى أحكم الحاكمين
وقول الصالحية بشورية الإمامة لا يعدوا أن يكون تبريراً لتصحيح إمامة أبي بكر وعمر وعثمان،والذي يدل على ذلك أنها لم تقل بهذه الشورية لغيرهم،بل جعلتها في ولد علي من البطنين الحسن والحسين فمن خرج من هؤلاء شاهراً سيفه داعياً إلى سبيل الله عالماً زاهداً شجاعاً فهو الإمام)
(وقد عد أهل السنة الصالحية بأنها من فرق الشيعة المعتدلة،ولأجل ذلك أعتد أصحاب السنن برواياتهم،ووثوقهم، وقد روى الترمذي في سننه لكثير بن إسماعيل وكذا شريك،وأبن عيينه وأخرج مسلم للحسن بن صالح،ووثقه الذهبي في الميزان والنسائي في السنن وذكره البخاري في التاريخ الكبير،)

السليمانية

هم أتباع سليمان جرير الرقي،ويطلق عليهم أيضاً الجريرية،وقد ظهر سليمان في عهد المنصور،(137-158هـ)وكان في أول أمره إمامياً إلا أنه ترك الإمامية لقولها بالبداء على الله،وإجازة التقية،وإثر انفصاله عنها شنع عليها مما جعل كثير من إتباعها يتخلون عنها،وينضمون إلى الزيدية حيث لا توجد تقية ولا علم سري ولا إمام معصوم،ويبدو أن مكانة سليمان العلمية كانت كبيرة في أوساط زيدية ذلك العصر فقد أورد له الأشعري في المقالات مسائل مستقلة في أصول الدين وقال عنه المؤرخ يحيي بن الحسين انه القاضي العلامة،وكان له تأثير على معتزلة بغداد فقد تابعه جعفر بن مبشر وجعفر بن حرب في القول بجواز إمامة المفضول.)

آراء السليمانية الكلامية
الإمامة:
يرى سليمان بن جرير،أن الإمامة شورى تصح با لاختيار وتنعقد من أثنين لواحد،من خيار المسلمين،وأنها في جميع قريش دون استثناء،أما رأيه في التفضيل فإن علياً عنده أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه أولى بالخلافة من غيره من الصحابة ولكنه هؤلاء الآخرين أخطئوا في تولية غيره لمنصبها غير إن خطأهم يعد من قبيل الاجتهاد ولا يصل إلى درجة الفسق.
وقد طعن سليمان في عثمان للإحداث التي أحدثها وكذا ذهب إلى تكفير عائشة وطلحة والزبير لإقدامهم على قتال علي،)[16]

وزيدية اليمن أشهرها المطرفية والمخترعة

نصوص زيدية في أصول الدين

أولاً: أصول الدين

تتميز من خلال جملة من المسائل العقائدية التي يجمع عليها أئمة الزيدية،والمعروفة بأصول الدين وهي التي يعتبر أن الحق فيها مع واحد أي لا تقبل التعدد والمخالف غير معذور ولا يجوز فيها التقليد ولا يغني فيها الظن ولا يقبل فيها إلا الدليل القطعي المستمد من العقل أو النص المحكم المتواتر. وتلخص إجمالاً في التوحيد والعدل والوعد والوعيد ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو بحد السيف(ويلخص الإمام علي عليه السلام التوحيد في القول:التوحيد أن لا تتوهمه، والعدل أن لا تتهمه،ويوضح الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (ت122هـ) عقيدة الزيدية في العدل في رسالةٍ لهُ إلى المُجبرَة بقوله : ( ... سُبَحَانَه وتَعالَى عَمّا تَقُولُ المُجْبِرةُ والمشبِّهةُ عُلواً كبيراً. إذ زَعَمُوا أنّ اللّه سُبحَانَهُ وتَعَالَى خَلَقَ الكُفْرَ بنفسهِ، والجُحودَ والفِرْيَةَ عَلَيه ، ...... ، فَقَالُوا: مِنهُ جَمِيْعُ تَقَلُّبِنَا فِي الحَرَكَات، التِي هِيَ: المَعَاصِي، والطّاعَات، وإنّه مُحَاسِبُنَا يومَ القِيامَة عَلى أفعَالِه التِي فَعَلَهَا، إذْ خَلَقَ: الكُفر، والزِّنا، والسَّرقة، والشِّرك، والقَتل، والظّلم، والجُور، والسَّفَه. ولَولا أنّه خَلَقَها - زعموا - ثم أجْبَرَنا عليها، ما قَدَرْنَا على أن نَّكْفُرَ، وأن نُشْرِكَ، أو نُكَذِّب أنبياءه، أو نَجحَد بِآيَاته، أو نَقتُلَ أوليَاءَه، أو رُسُلَه، فلمّا خَلَقَهَا وجَبَرَنا عَليها، وقَدَّرَها لنَا، لَم نَخرُج مِن قَضائِهِ وقَدَرِه، فَغَضِبَ عَلينَا، وعذَّبنا بالنّار طُولَ الأبَد. .... كَلاّ وبَاعِثِ المُرسَلين، مَاهَذِه صِِفَةُ أحكَم الحَاكِمِين، بَل خَلقَهُم مُكَلَّفِين مُستطيعِين مَحْجُوْجِيْنَ مَأمورين مَنهيين، أمَرَنا بالَخْيرِ ولَم يمْنَعْ مِنه، ونَهى عن الشَّر ولم يُغْرِ عليه، .... فنفتِ المُجبرَةُ والمُشبّهَة عَن أنفُسِهِم جَميعَ المَذَمَّات، والظّلم، والجور، والسَّفَه، ونَسَبُوها إلى اللّه عزّ وجل مِن جَميع الجِهَات. فَقَالوا: خَلقَنَا اللّه أشقياء، ثم عَذَّبنا بالنار، ولَم يَظلِمنَا. فأيّ استهزَاءٍ أعظَمُ مِن هَذا، وأيّ ظًلمٍ أوضح، أو جُور أبْيَن مّمَا وصَفوا بِه اللّه عز وجل؟! ، كَلاَّ ومَالِكِ يومِ الدّين مَا هذهِ صِفَة أرحَمِ الرّاحِمِين، مَن يَأمُر بالعَدلِ والإحسان، ويَنهَى عَن الفَحشَاء والمُنكَر، كَمَا قال سبحانه: ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّه نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ و وُسعها : طاَقَتها. بَل كَلّفَهُم أقلّ مِمّا يُطيقُون، وأعطَاهُم أكثرَ ممّا يَسْتَأهلون، لَم يَلتَمِس بِذلِكَ مِنهُم عِلَّة، ولَم يَغتَنِم مِنهُم زَلَّة، ولَم يُخَالِف قَضَاءَهُ بِقَضَائِه، ولا قََدَرَه بِقَدَرِه، ولا حُكمَهُ بِحُكمِه، تَعالى عمّا تَقول المُجبَرة والمُشبّهة عُلواً كبيراً، إذ شبَّهوا اللّه سبحانه بالجِنِّ والإنس؛ لأنّ الظُلمَ، والجَهلَ، والفُسوق، والفُجورَ، والكُفر، والسَّفَه لا تَكونُ إلا مِنَ الجِنِّ والإنس )) [17]
وقد أوجزها الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي(ع) في الخمسة أصول
(أولهن:-أن الله سبحانه وتعالى إله واحد"ليس كمثله شيء"وهو خالق كل شيء يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار وهو اللطيف الخبير.
والثاني من الأصول:أن الله سبحانه وتعالى عدل حكيم غير جائر لا يكلف نفساً إلا وسعها ولا يعذبها إلا بذنبها،لم يمنع أحدا من طاعته بل أمر بها،ولم يدخل أحداً في معصيته بل نهاه عنها.
والثالث من الأصول: إن الله سبحانه صادق الوعد والوعيد يجزي بمثقال ذرة خيراً ويجزي بمثقال ذرة شراً،من صُير إلى العذاب فهو أبداً خالداً مخلداً كخلود من صير إلى الثواب الذي لا ينفد.
الرابع من الأصول:أن القرءان(القرآن) الكريم مفصل محكم وصراط مستقيم لاخلاف فيه ولا اختلاف،وأن سنة رسول الله ماكان لها ذكر في القرءان(القرآن) ومعنى.
والخامس من الأصول:أن التقلب بالأموال والتجارات والمكاسب في وقت ما تعطل فيه الأحكام وتنتهب ماجعل الله للأرامل والأيتام والمكافيف والزمنى وسائر الضعفاء ليس من الحل والإطلاق كمثله في وقت ولاة العدل والإحسان والقائمين بحدود الرحمن.
فلايسع أحد من المكلفين جهل هذه الأصول الخمسة بل تجب عليهم معرفتها.)[18])
إن أهم مايميز الزيدية في القرون الأولى هو موقفها من قضتين أساسيتين حددهما الإمام القاسم في الأصل الرابع والخامس.
القضية الأولى:-التأكيد على مرجعية القرآن الكريم واعتباره حكماً فيما اختلفت الأمة حوله من السنة المروية،عملاً بحديث العرض على القرآن(سيكذب علي كما كذب على الأنبياء من قبلي فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فأنه مني وأنا قلته وما خالفه فليس مني ولم أقله)أو كما قال،وترتب على ذلك التزام الزيدية بعدم القبول بالأخبار المعارضة للقطعي فيما لا يجوز فيه إلا العلم.والتأكيد على معيار نقد متن الخبر بصرف النظر عن سلسلة الرواة.
والقضية الثانية هي قضية العدل الاجتماعي،فمالم توجد الدولة العادلة فإن التجارة والزراعة وأي نشاط اقتصادي يساهم في استمرار الدولة الظالمة ليس من الحل كمثله في وقت ولاة العدل والإحسان،فالخلاص الفردي غير ممكن بل لابد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يتم دفع المنكر الذي من أعظمه حكم الظلمة،وتصبح المسؤولية جماعية حتى يتم التغيير،لأن دفع المنكر فرض على الكفاية،وفرض الكفاية يأثم الكل إن لم يؤد، وفي هذا يقول الإمام الهادي إلى الحق(الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض من الله لا يسع تركه ولا يحل رفضه، قال تعالى:"الذين إن مكناهم أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور"الحج41) فيجب على المؤمنين إنكار المنكر على الظالمين بأيديهم إن استطاعوا ذلك وإن لم يستطيعوا وجب عليه إنكاره بألسنتهم،فإن لم يمكنهم ذلك وجبت عليهم الهجرة عنهم والإنكار والمعاداة للظالمين بقلوبهم وترك المقام بينهم والمجاورة لهم،فمن لم يستطع ذلك من المؤمنين لكثرة عياله وحاجتهم إليه ولم يكن يستطع أن يشخص بهم معه فليقم عندهم فينة من دهره يكتسب فيها ما يجزيهم ثم يشخص مهاجراً إلى أرض الله حتى إذا خاف على عياله عاد عند حاجتهم إليه،ينبغي إذن أن لا يقيم المؤمن مع الظالمين وأن لا يضيع في نفس الوقت من معه حتى يجعل الله من أمره مخرجاً.
ولا تحل مكاتبة الظالمين ولا مؤانستهم بكتاب ولا غيره،لأن في المكاتبة تطميناً لهم وتحبباً إليهم ومايدعو إلى المودة بينهم والله يقول"لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله..."المجادلة22)إلا أن يضطر مؤمن مكاتبة ظالم لضرورة يخاف منها إن ترك مكاتبته تلف نفسه فيكاتبه عند الضرورة،)[19]...ويوضح الإمام الهادي أكثر بقوله:.(وإنما يظلم الظالمون ويتسلطون على الناس بأعوانهم الذين يتبعونهم ويعينونهم على ظلمهم،ولو تفرق الأعوان عنهم لم تقم لهم دولة، ولكنهم يتقوون بهم على باطلهم فيستضعفون المستضعفين والله يمهل الظالمين ويسلط بعضهم على بعض"وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون"الأنعام129)وقال تعالى:"...بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد" الاسراء 5 ) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:{لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم ،حتى إذا بلغ الكتاب أجله وكان الله هو المستنصر لنفسه فإنه يقول:مامنعكم إذ رأيتموني أعصى أن لاتغضبوا لي}[20](والظالمون لأنفسهم أو المستضعفون من الرعية أصناف:قوم قالوا بالجبر ونسبوا أفعال العباد إلى الله وقالوا إن هذا الظلم الذي نزل بنا من قضاء الله وقدره،ولولا أن الله قد قدره عليناً ماقدر الظالم أن يظلمنا،فإن كان هؤلاء ينسبون شرار أفعال الخلق إلى الله فكيف يدعونه، وكيف يستعينون به على ظالمهم؟إنهم يدعون إلههم الذي قضى عليهم الظلم وقدره،لا إله العالمين العادل في حكمه المنزه عن أفعال العباد،ولذا أسلمهم الله إلى ظالمهم؟ وحرمهم من توفيقه وخذلهم ولم ينصرهم وكيف ينصرهم على ظالمهم وهو المقدر لهذا الظلم الذي نزل بهم في تخليهم ،أما أنهم لو أنصفوا وعرفوا الله حق معرفته ونفوا عنه ظلم عباده كما نفاه عز وجل عن نفسه ثم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ثم دعوا ربهم على ظالمهم لاستجاب لهم وكشف مابهم من الظلم والجور،قال تعالى:"كذلك حقاً علينا ننج المؤمنين"يونس 103)وقال أيضاً:"وكان حقاً علينا نصر المؤمنين" الروم:47)
ومنهم الذين يعينون الظالمين ويقيمون دولتهم بزرعهم وتجارتهم وينصرونهم على قتل المسلمين وهتك حريمهم وأخذ أموالهم،ولولا التجار والزارعون ماقامت للظالمين دولة ولا ثبتت لهم راية،ولذلك قال تبارك وتعالى:"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار" هود113)الحراثون يحرثون والظالمون يحصدون،الحراثون يجوعون والظالمون يشبعون،إنهم يسعون في صلاحهم وهم يسعون في هلاك الرعية،هم لهم خدم لايؤجرون وأعوان لا يشكرون،فراعنة جبارون،وأهل قنا(فحش)فاسقون،إن استرحموا لم يرحموا،وإن استنصفوا لم ينصفوا، ؟؟؟؟قد اتخذوا دين الله دغلاً وعباده خولا وماله دولة بما يقويهم التجار والحراثون،ثم هم يقولون أنهم مستضعفون،كأن لم يسمعوا قول الله تبارك وتعالى فيهم وفيمن اعتل بمثل علتهم إذ يحكى عنهم قولهم:"إن الذين تتوفاهم الملآئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا" النساء:97)وقال سبحانه"ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة"النساء 100)[21]
ويؤكد الإمام الهادي إلى الحق يحيي بن الحسين ([22])
إجماع الأمة على هذه الأصول،كما يؤكد على أن عقيدة الزيدية هي المجمع عليه،وفي ذلك يقول:(أن جميع الأمة بجملة قولنا مصدقون..وهم فيما ندين الله به من أصول التوحيد والعدل وإثبات الوعد والوعيد،والقول بالمنزلة بين المنزلتين،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصدقون...وذلك أنهم شهدوا:أن الله واحد ليس كمثله شيء،ثم نقضت ذلك المشبهة بقول من قال منهم إنه على صورة آدم،...فلما شهدوا لنا أنه واحد ليس كمثله شيء،أخذنا بذلك وتركنا اختلافهم،
وأما شهادتهم لنا في العدل فإنهم شهدوا أن الله تبارك وتعالى عدل لا يظلم ولا يجور،وأنه خير للخلق من الخلق لأنفسهم،وهو أرحم الراحمين،ثم نقضت ذلك المجبرة،بقول قائل منهم:إنه كلف العباد مالا يطيقون،وأنه أخرجهم من الطاعة،وأنه عذبهم على ماخلقهم فيهم......فأخذنا بما شهدوا لنا به في أصل شهادتهم:انه عدل لا يظلم،ولا يجور،ولا يعبث وأنه حكيم رحيم عدل كريم وتركنا مانقضوا به جملتهم عند اختلافهم...
أما شهادتهم لنا في الوعد والوعيد،فإنهم شهدوا جميعاً:أن الله تبارك وتعالى صادق في جميع أخباره،وأنه لايخلف الميعاد،ولايبدل القول لديه،صادق الوعد والوعيد في أخباره،ثم نقض المرجئة،بقول من زعم أن الله جائز أن يعفو لمن قد أخبر أنه يعذبه.
وأدعى بعضهم الخصوص في الأخبار،فزعموا أن كل خبر جاء من الله عاماً في الظاهر،فقد يجوز أن يكون خاصاً،كقول الله عز وجل"وإن جَهَنمَ لَمُحيِطَةٌ بالكافرين"فزعموا أنه يجوز أن يكون عنى بعض الكافرين دون بعض .....وزعم بعضهم أنه ليس في أهل الصلاة وعيد وإنما الوعيد في الكفار خاصة دون غيرهم.
وكل هؤلاء وغيرهم من أصناف المرجئة ناقضون لمعنى ما أخبر الله في كتابه،وحكم به من وعده ووعيده
فلما شهدت لنا الفرق كلها أن الله صادق الوعد والوعيد،لاخلف لوعده،ولاتبديل لقوله،أخذنا بما أجمعوا عليه من ذلك،...
وقولنا:إن أهل الكبائر من أهل الصلاة فساق وفجار أعداء الله،ظلمة معتدون فإنهم شهدوا لنا بذلك فشهدنا بما شهدوا.
ثم ادعى بعض الخوارج:أنهم كفار،وأن فسقهم قد بلغ بهم الكفر والنفاق دون الشرك،وقال بعضهم:بلغ بهم فسقهم الكفر والشرك..
وادعت المرجئة:أنهم مع فسقهم مؤمنون،وخالفهم في ذلك عامة الأصناف.
وقالت المعتزلة:هم فساق وفجار لايبلغ بهم فسقهم كفراً ولاشركاً ولانفاقاً،وكذلك قالت المرجئة والعامة
وقالت المعتزلة أيضاً:لايجب لهم أسم الإيمان مع الفسوق،وكذلك قالت الخوارج والزيدية...
فوجدناهم كلهم قد أجمعوا على شهادة واحدة أنهم فساق فجار معتدون،فأخذنا بما أجمعوا عليه من ذلك،وتركنا ما أختلفوا فيه...
أما شهادتهم لنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنهم شهدوا أن ذلك واجب إذا أمكن وقدر عليه،وشهدوا أن نصرة المظلوم فرض،والأخذ على يد الظالم فرض إذا أمكن ذلك،ثم اختلفوا بعد ذلك فقال منهم قائلون:لاندفع الظالم عن أنفسنا ولاعن غيرنا إلا بالقول والكلام،وإن انتهبت أموالنا،وانتهكت حرماتنا لم نقاتل بالسلاح.....
وقال آخرون:نقاتل وندفع عن أنفسنا وعن حرماتنا وأموالنا بالسلاح وغيره،فإن قتلنا رجونا أن نكون شهداء،وإن قتلناهم رجونا أن نكون سعداء.فأخذنا بما أجمعوا عليه
)[xxiii] أي أن عقيدة الزيدية في الأصول هي العقيدة المجمع عليها وأنها لا تخالف أي مذهب أو فرقة إلا فيما انفردت به الفرقة الأخرى فخالفت بقية المسلمين في أصول العقيدة المتعلقة بالتوحيد والعدل وصدق الوعد والوعيد ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو بحد السيف،
(هذا هو نهج الزيدية في أصول عقائدها، ودعوتها محتسبة أجرها عند الله، ابتداءً بنهج قائدها وسيدها وقدوتها، إمام المستضعفين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي تابع طلب الشهادة لنفسه في مقاومته الطغيان والطغاة، حتى ظفر بها، وهي غية رغبته ومناه وكسبه الذي لم يخرج من الدنيا بسواه، بعد جهاده الطويل وبلائه المرير في الله، ومواساته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، وتتأخر فيها الأقدام، نجدة أكرمه الله بها، ابتغاء لأجر ذلك وفضله، ولو كان ذلك الجهاد والبلاء والابتلاء من أجل الدنيا وزخرفها وزبرجها – وحاشاه- وتكون النهاية ضربة برأسه من سيف شقي، لكان الإمام علي بن أبي طالب في جهاده بحياة الرسول ومن بعده، وتعبه في تجويع نفسه، وتقشفه بخشونة ملبسه وجشوبة مأكله، وقنوعه بالقرص مطعوماً، والملح مأدوماً، وترقيع مدرعته حتى استحيا من راقعها، وهو يقدر أن يحصل على مصفى العسل ولباب القمع ونسائج القز، ولكنه يأبى ذلك ويقول: (هيهات أن يقودني جشعي ويغلبني هواي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع) فإذا كان هذا كله وأكثر بكثير منه من أوصاف حياته من أجل الدنيا ونيلها، وقد خرج صفر اليدين منها، وبتلك النهاية التي قتل فيها، إذا كان هذا، والعياذ بالله، فيا خيبة المسعى وخيبة الداعي ومن دعى، ولكن لا لا، إنها معرفته بالله، وما أوجب على العلماء، وعلى أئمة العدل والتوحيد، ذلك هو ما جعله يفعل بنفسه ذلك كله، وهو على يقين مما وعده ربه، وإن له عنده للحسنى وزيادة، فهو يكدح لها لا لسواها، ويقول عند يقينه من استشهاده فرحاً مستبشراً: (فزت ورب الكعبة)، نعم إنه فاز بالشهادة التي كان يسعى لها لا إلى درهم ولا دينار، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدوته في كل أفعاله وأقواله.
فكان يحمد الله إذ جعله قائداً له يتبعه ويطأ عقبه، وجاء من بعد الإمام علي ابنه الإمام الحسين بن علي، فكان أبوه قدوته، وأبى إلا الخروج على الظلم والظالمين، رافضاً قبول نصائح القاعدين عن الثورة على الطغيان عند دعوتهم له إلى القعود إيثاراً للسلامة، وتبعه في الاهتداء والاقتداء الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي رضوان الله عليهم، وقال للناس الذين أرادوا تثبيطه عن الخروج: (والله لو لم أكن إلا أنا وحدي وابني لخرجت على هشام، فليس الإمام منا من أرخى عليه ستره، وإنما الإمام من شهر سيفه)، وأقدم على الموت، وهو ينشد لأصحابه:
أذل الحياة وعز الممات * * * وكل أراه طعــــــــاـاًـلاً
فان كان لابد من واحد * * * فسيروا إلى الموت ســـيراً جميــلاً
وهكذا تتابعوا للموت، وقتل معهم أتباعهم من الزيدية تحت كل كوكب، ممن لا يأتي عليهم الحصر.
ومن سلمت له نفسه من أئمة الزيدية المحسنين المجتهدين المؤلفين، يكون قد ضحّى في جهاده بأعز أتباعه وأولاده، ولم يحرم الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، من الانتفاع المقصود منها، فلم يكونوا بمؤلفاتهم وإرشادهم وهدايتهم، يسألون على ذلك أجراً، ولا كان لهم من عوضاً وفراً، وإلا فأخبرونا أي أجر ووفر نعموا به منها؟ وهل ترونهم صنفوا وألفوا ليقدموا مؤلفاتهم لمطابع تاريخ عصرهم، فيكسبون من رواج بيعها وأرباح ثمنها؟ أو أنه ما أخذ الله على العلماء من البيان، وعدم الكتمان لواجب الهداية إلى الحق وإلى طريق مستقيم؟ فما لكم (كيف تحكمون)
(قال عبيدالله بن العلا، قال: سمعت رجلاً يسأل زيد بن علي عليه السلام عن قول اللّه عز وجل: ﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ [الجاثية: 23]، ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [البخل: 93]، ثم قال: ﴿وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ﴾ [طه: 85]، ثم قال: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾ وعن قوله: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ﴾ [إبراهيم: 35 ـ 36] . وما معنى هذا الضلال والإضلال؟

قال زيد بن علي عليه السلام: معانيه مختلفة:

الإضلال من اللّه عز وجل بوجهين، أحدهما: التسمية بالضلال، والحكم على أهله بالعذاب، كما يقول القائل: كفَّرت الرجل وفسَّقته وزنَّيته إذا سميته بذلك.
والمعنى الثاني: الخذلان والترك والتخلية بعد المعصية من المخذول، وهو أن يخذله فلا يزيده في قوته ولايشرح صدره ببسطه له، هذا حكمه في العاصين، كما يقول الرجل لصاحبه: أهلكت ابنك وأفسدته، أو خادمك، إذا خليت بينه وبين هواه، ولم تأخذ على يديه، وأنت لم تدخله في فساد أكثر من التخلية والترك، وقد كان معه من عقله وقوة اللّه فيه ما يردعه عن المعصية، وإن أنت لم تأخذ على يديه وخليته فالحجة عليه، وكذا التخلية من اللّه سبحانه إنما هي ترك الزيادة في قوته، وقد تقدم إليه بوعد اللّه ووعيده وتقويته له.
وأما الضلال من الآدمي لمثله، ومن الشيطان، فهو الدعاء والتَّزيين للمعصية، فإذا دعوته إلى معصية وزينتها له فقد أغويته وأضللته، وهذا المعنى منفي عن اللّه جل اسمه.
وأما إضلال الأصنام وهي لاتدعو إلى ضلال ولاتعقل، وذلك كقوله: ﴿وَلاَيَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً﴾ [نوح: 23ـ24]، وإنما ذلك لأن القوم لما ضلوا عن الأصنام وكانت سبب ضلالهم؛ لأنهم عبدوها سميت مضلة لهم، كقولك: قد أهلكت هذه المرأة الرجل وأفسدته، وأذهبت عقله ولعلها لم تعلم به ولم تره، ولكنها لما فسد عنها قيل ذلك، فهذا مجاز الضلال.
قال: كذلك الهدى يكون على وجوه، فمنها قوله: ﴿وَهَدَينَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: 87]، وقال: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشعراء: 52]، وقال: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ [الأنبياء: 73]، فأخبر أنه يهدي، وأن النبي يهدي، وأن المؤمنين يهدون.
والمعنى من اللّه في الهداية: دلالته على الحق، ودعوته إليه وتسميته به، والدليل على ذلك قول اللّه عز وجل: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَينَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا العَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: 17]، والمعنى: دللناهم وبينـا لهم، وقال: ﴿إِنَّا هَدَينَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾ [الإنسان: 3].
والهداية الثانية من اللّه: العصمة هكذا حكمه جل ثناؤه فيهم.
وأما الهداية من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم والمؤمنين، فالدلالة وحدها، والبيان والمعنى الزائد في القوى وشرح الصدور عن إبادتها كذلك.)[xxv]

شروط الامام عند اهل السنة

ثانياً:-الإمامة

(التركيز على الشخص لا النظام هو ماجعل أبحاث المسلمين في السياسة تدور كلها حول الإمام بل وتسمى الإمامة)
مفهوم الإمامة:(الإمامة في اللغة: التقدم سواء كان عن استحقاق أم لا، وسواء كان في خير أو شر، قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ..﴾ (الإسراء/71).
يمكن أن يُقسم رأي الإسلاميين فيما يتعلق بالسلطة في اتجاهات رئيسة :-
1- وجود خليفة أو أمير أو سلطان أو رئيس واجب عقلاً وشرعاً أو عقلاً أو شرعاً
فريق ذهب إلي الوجوب العقلي والشرعي معاً،وفريق قال بأن ا لوجوب مصدره العقل أو يقضي به العقل فقط ولا توجد نصوص صريحة في الدلالة على الوجوب وفريق ذهب إلى القول بأن النصوص الشرعية هي التي قضت بالوجوب ((منها الإجماع لأنه كاشف عن النص الذي فرض على الصحابة رضوان الله عليهم المسارعة ألي مبايعة الخليفة قبل أن يوُارى جثمان الرسول صلى الله عليه وعلى اله وسلم الثرى
2-اختلفوا في قطعية وظنية الدليل فبعض ذهب ألي أنه ظني الدلالة والآخرين قالوا بأنه قطعي الدلالة
3:-وقلة ذهبوا إلي أنها ليست واجبة لا عقلاً ولا شرعاً ولو تناصف الناس لما احتاجوا إليها بمعنى أنها مسألة وضعية بحتة لا علاقة للشرع بها والأولى عدمها ومصدرها هنا اتفاق الناس .
ورغم الخلاف إلا أنهم اتفقوا على وظائفها :-وأهمها
1:-حفظ بيضة الإسلام {أي الدفاع عن حرية أفراد الأُمة وسلامة أراضيها
2:-إقامة العدل بين الناس وتنفيذ الحدود الشرعية وإعادة توزيع الثروة وضمان الأمن،وحمل الناس على أداء الواجب ......الخ
ولضمان قيام الدولة بهذه المهمة وجب على مجموع الأمة الطاعة في غير معصية ومنحت السلطة صلاحيات وفي نفس الوقت وضعت ضوابط وشروط لضمان عدم تجاوز السلطة لحدودها

أهل السنة وشرط النسب

اتفقت الحركات والطوائف الإسلامية على وجوب نصب إمام(لم يشذ إلا النجدات من الخوارج،وأبو بكر الأصم من المعتزلة)[xxvii] فالواجب نصب شخص وإن اختلفت الألقاب التي تطلق على رأسه{إمام،خليفة،أمير مؤمنين،ملك سلطان} وقد اختلفوا في بعض الشروط الواجب تحققها في الإمام أو الخليفة كشرط النسب إلا أن الشيخ الشوكاني يصرح بأن ماجاءوا به في خلافهم،حجج ساقطة وأدلة خارجة عن محل النزاع-لأنهم أطالوا من غير طائل(لأن هذه الإمامة قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإرشاد إليها والإشارة إلى منصبها كما في قوله""الأئمة من قريش""[xxviii]
ويؤكد هذا المعنى أحد رموز التيار السلفي في اليمن الشيخ عقيل المقطري: ( لقد ذهب إلى اشتراط القرشية في الحاكم أهل العلم ممن يعتد بخلافهم من أهل السنة والجماعة بل حكى الإجماع، وقد استدل القائلون باشتراط القرشية على صحة ما ذهبوا إليه بالسنة الصحيحة والصريحة وبالإجماع.
أما السنة فقد صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تفيد أن قريشا هم ولاة هذا الأمر (أي الخلافة):-
1- فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلم، وكافرهم تبع لكافرهم، تجدون من خير الناس أشد كراهية لهذا الشأن حتى يقع فيه) وفي رواية أخرى عنه رضي الله عنه: (الناس تبع لقريش في هذا الأمر)[xxix]
2- عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين)[xxx]
3- عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان) وفي رواية (ما بقي منهم اثنان)[xxxi]
4- عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الأئمة من قريش ولي عليكم حق عظيم ولهم مثله ما فعلوا ثلاثا: إذا استرحموا فرحموا، وحكموا فعدلوا، وعاهدوا فوفوا، فمن لم يفعل منهم فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين)[xxxii]
قال الحافظ بن حجر رحمه الله جمعت طرقه على نحو أربعين صحابيا ونص الحافظ (ابن حجر) على تواتره كذلك الكتاني في (نظم المتناثر في الحديث المتواتر).
5- عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا معشر قريش فإنكم ولاة هذا الأمر مالم تعصوا الله فإن عصيتموه بعث عليكم من بلحاكم كما يلحا القضيب، لقضيب في يده)[xxxiii]
6- عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يزال الإسلام عزيزا إلى أثنى عشر خليفة كلهم من قريش)[xxxiv]
هذه بعض الأحاديث الواردة في هذا الشأن وتركت الكثير منها خشية الإطالة وهذه الأحاديث نصوص صريحة تفيد اختصاص قريش بولاية أمر المسلمين أي الخلافة وقد عبر عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ الأمر والشأن بل إنه صرح بأن الأئمة من قريش وأن الدين لا يزال عزيزاً حتى يلي أمر الناس اثنى عشر خلفية كلهم من قريش.
وهذا ما فهمه جماهير علماء المسلمين من سلف هذه الأمة ولم يشذ عنهم سوى من لا عبرة بخلافه من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والروافض.
ويختم المقطري بقوله:(ثم نقول أخيرا على دعوى مخالفة هذه الأحاديث للمبادئ الإسلامية فيه كمبدأ المساواة
نقول إن التفضيل لا يعني إقرار العصبية لأن الإمام ليس له في نظر الإسلام ميزة عما سواه فهو مثلهم إلا أنه أكثرهم حملا واختصاص البعض بحكم شرعي لا يعني الخروج على المساواة وإقرار مبدأ التعصب المذموم.. وقد خص الشارع قريشاً بأن الإمامة فيهم وخص بني هاشم بتحريم الصدقة عليهم واستحقاقهم الخمس من الغنائم)

طرق تنصيب الإمام وحكم مخالفيه

اتفق علماء المسلمين باستثناء الشيعة الإمامية(الجعفرية والإسماعيلية) على أن الإمام لا يصير إماماً بمجرد صلاحيته للإمامة، بل لابد من أن ينضم إلى ذلك أمر آخر، ثم اختلفوا في ذلك الأمر: فقيل: يكفي بيعة أحد الحاضرين كما في بيعة أبي بكر. وقيل: بالوصية كما في خلافة عمر. وقيل: بالاختيار والعقد من معينين لذلك كما في خلافة عثمان. وقيل: بالبيعة العامة كما في بيعة علي. وقيل: بالغلبة كما في حكم الأمويين والعباسيين. وقيل: حسب الإرث كما يروى عن أنصار العباسيين. وقيل: بظهور المعجزة على يديه. وقيل: بالجزاء على الأعمال.
ولكن الزيدية لم تقل بأنها وراثة،أو بمجرد العقد،بل لابد من الدعوة التي تقابلها الآن الترشح،والخروج،إعلان الثورة على الظالم إن كان الحاكم القائم يستمد شرعيته من القهر والغلبة،فإن استجابة الأمة،ممثلة في العدد الكافي لحدوث التغيير فتتم مبايعة الإمام الجديد، مالم يسقط الواجب عن المؤهل للإمامة،وتأثم الأمة لعدم استجابتها إن كان التغيير ممكناً،
هذا مجمل ما ذكر في المسألة من الأقوال وهي كما ترى تحاكي وقائع فرضت في أوقات معينة، ثم طلب لها الترجيحات الشرعية وصارت بعد ذلك مذاهباً فقهية.

شروط الإمام

ا:-أهل السنة
في مطلع العصر العباسي ظهر بين فقهاء المسلمين ما يعرف بـ (فقه السير)، وهو مجال من مجالات الفقه يتناول أحكام الإمامة وما يتعلق بها، وكان من ذلك أن صنفت شروط للمرشح للإمامة، منها ما اتفقوا عليه ومنها ما اختلفوا فيه.. فعند أهل السنة يحق لأي أحد أن يرشح نفسه للإمامة إذا توفرت فيه عدة شروط بعضها أهم من بعض ومعظمها وضع بهدف تحقق المراد من الإمامة:
وهذه الشروط كما سترى منها ما تقتضيه طبيعة المنصب، ومنها ما لا يحتاج إليه، ومنها ما يستحب أن يكون، ومنها ما هو طبيعي، ومنها ما هو مكتسب، ومن الطبيعي ما هو متفق عليه، ومنه ما هو مختلف فيه، فالشروط السبعة يوافق عليها جمهور أهل السنة،
(الأول العدالة على شروطها الجامعة.
الثاني العلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام
الثالث سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان ليصح معها مباشرة مايدرك به.
الرابع سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة النهوض.
الخامس الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح.
السادس الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو
السابع النسب وهو أن يكون من قريش لورود النص فيه وانعقاد الإجماع عليه،ووفقاً لهذا الرأي يرى الماوردي أنه لايجوز لمن لا يتوافر فيه ذلك أن يرشح نفسه للخلافة،فإن الخلافة ليست جائزة لجميع المسلمين،لأنه لا يجوز منازعة الأمر أهله)[xxxvi]
إلا أن(من غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولايراه إماماً عليه براً كان أو فاجراً فهو أمير المؤمنين)[xxxvii] على أن يكون من قريش (أي ممن ينتسبون لفهر بن مالك) لأن شروط العدالة والعلم والفضل يمكن إسقاطها بحسب كلام ابن الفراء الحنبلي استناداً إلى ما رواه الإمام أحمد بن حنبل وإن ظلم أو جار (وإن أخذ الحق وجلد الظهر) مالم يعلن الكفر البواح بمنعه المسلمين من إقامة الصلاة،
ويصبح القرشي إماماً أو خليفة بمجرد العقد له من أهل الاختيار،(وإعطاء البيعة للإمام الجديد أمر نافذ وليس هناك حق في الاعتراض عليه،لأن البيعة تصبح ملزمة للجميع الشاهد والغائب معاً،والتنازع على الإمامة لايقدح في المتنازعين لسببين اثنين،الأول إن طلب الإمامة ليس مكروهاً في حد ذاته،والثاني ما أجمع عليه أهل الشورى الذين حددهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل وفاته،واختلف أهل العلم{من أهل السنة}في ثبوت إمامته وانعقاد ولايته بغير عقد ولا اختيار،فذهب بعض فقهاء العراق إلى ثبوت ولايته وانعقاد إمامته وحمل الأمة على طاعته،وإن لم يعقدها أهل الاختيار لأن مقصود الاختيار تمييز المُوَلَى وهذ قد تميز بصفته)[xxxviii]
وتصح الخلافة بوصية من الخليفة المتوفى أي عن طرق العهد(وشرعية هذا الطريق تقوم على مبدأ الإجماع قياساً على"أمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما:أحدهما أن أبابكر رضي الله عنه عهد بها إلى عمر رضي الله عنه فأثبت المسلمون إمامته بعده،والثاني أن عمر عهد بها إلى أهل الشورى فقبلت الجماعة دخولهم فيها وهم أعيان العصر..فصار العهد إجماعاً في انعقاد الإمامة)[xxxix]وللإمام في الفكر السني الحديث والمعاصر كما يعبر عن ذلك الإمام الشهيد حسن البناء مؤسس ومرشد جماعة الأخوان المسلمين نفس مكانة الإمام المعصوم عند الشيعة الإمامية حيث يقول(الإمام الذي هو واسطة العقد،ومجتمع الشمل،ومهوى الأفئدة،وظل الله في الأرض،والإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام ،وأنه شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها والاهتمام بشأنها،فالخليفة منط الكثير من الأحكام في دين الله ولهذا قدم الصحابة رضوان الله عليهم النظر في شأنها على النظر في تجهيز النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى فرغوا من تلك المهمة واطمأنوا إلى انجازها، والأحاديث التي وردت في وجوب نصب الإمام وبيان أحكام الإمامة وتفصيل ما يتعلق بها لاتدع مجالاً للشك في أن واجب المسلمين أن يهتموا بالتفكير في أمر خلافتهم منذ حورت عن مناهجها ثم ألغيت بتاتاً إلى الآن،والإخوان يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم)[xl]

ب:-الشيعة الإمامية(الجعفرية)
ترى أنه لابد أن يتم تحديد الإمام بالنص المعين من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم باعتبار الإمامة امتداد لمهمة الرسالة،وحصرتها في 12إمام أولهم الإمام علي بن أبي طالب وآخرهم المهدي محمد بن الحسن العسكري،ولكي تكون الإمامة امتداد للنبوة يجب أن يكون الإمام معصوماً بحيث لايمكن أن يرتكب خطأً في ممارسته،

شروط الامام عند الزيدية

ج:- الشيعة الزيدية

الإمامة في الاصطلاح الشرعي عند الزيدية: رئاسة عامة لشخص واحد في أمور مخصوصة، على وجه لا يكون فوق يده يد أخرى.
والمعروف عند الزيدية أن الإمام مجرد ناقل للشرع ومطبق لأحكامه وفق علمه واجتهاده، وليس مشرعاً، ولا معصوما عن الخطأ، بل لا تجب طاعته في غير ما تتوقف عليه صحة إمامته، كتنفيذ الأحكام وتعيين الولاة وتسيير الجيوش ونحو ذلك)
والمشهور من مذهب الزيدية أنهم يرون أن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كان الأولى والأحق بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا تعصباً لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لأهليته وكفاءته، وتعاملوا مع ما جرى في التاريخ برويَّة وحكمة، كما صنع الإمام علي نفسه.
وفي أيام الدولة الأموية برزت معالم الصراع على الخلافة، وأصر الأمويون على أن خلافتهم امتداد للخلافة الراشدة، وبالتالي استحضرت الخلافة الراشدة في فكر الصراع، وأقيمت الخلافات السياسية ـ عند ذلك ـ على أساس ديني، ومن ثم نشأت الفرق والجماعات وتبنت الخلاف السياسي كجزء من مقومات فكرها ومساحة حضورها.
وكان الإمام زيد بن علي عليه السلام (75 ـ 122 هـ) ممن عاش حياته في ظل الحكم الأموي حيث شهد صوراً متعددة لممارسات الحكام، ففي صباه شهد حكم الوليد بن عبد الملك وأخيه سليمان، فأحس بلفحات الجور وشعر بألم الاستبداد، وحين كان شاباً شهد حكماً عادلا رشيداً مثَّله عمر بن عبد العزيز ولكنه لم يدم طويلاً، فخلفه يزيد بن عبد الملك فكان مشغولاً باللهو والترف ولم تطل مدته ، ومن بعده جاء هشام بن عبد الملك فأعلن منذ توليه الخلافة أنه لا يقول له أحد: اتق الله، إلا ضرب عنقه[xlii]
. فوجد الإمام زيد نفسه مضطرا لمواجهة الاستبداد والبطش، فذهب إلى الشام لمقابلة هشام ونصحه، وبمجرد أن قال له: "اتق اللّه يا هشام" استشاط غضباً وقال: "ومثلك يأمر مثلي بتقوى اللّه"؟! فقال له زيد : "يا هشام إن اللّه لم يرفع أحداً فوق أن يُؤْمَر بتقوى اللّه، ولم يضع أحداً دون أن يَأمُر بتقوى اللّه"!!
واستمرت المواجهة وأصر الإمام على تغيير الوضع القائم، فبدأ بمحاولة الإصلاح السلمي حين دعا علماء الدين إلى القيام بواجبهم في توعية الجماهير، ووجه إليهم رسالته العظيمة التي جاء فيها: "والذي نفس زيد بن علي بيده لو بَيَّنتم للناس ما تعلمون، ودعوتموهم إلى الحق الذي تعرفون، لتضعضع بُنْيَان الجبَّارين، ولتهدم أساس الظالمين". وقال مخاطبا علماء السلاطين: "أمكنتم الظلمة من الظلم، وزينتم لهم الجور، وشددتم لهم ملكهم بالمعاونة والمقاربة، فهذا حالكم. فيا علماء السوء، محوتم كتاب اللّه محواً، وضربتم وجه الدين ضرباً، فَنَدَّ واللـه نَدِيْدَ البعير الشَّارِد، هربا منكم، فبسوء صنيعكم سُفِكت دماء القائمين بدعوة الحق من ذرية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ورُفِعَت رؤوسهم فوق الأسِنَّة، وصُفِّدوا في الحديد، وخَلص إليهم الذل، واستشعروا الكرب، وتسربلوا الأحزان، يتنفسون الصعداء ويتشاكون الجهد" [xliii].
وحينما لم يُجْدِ الكلام نفعاً رفع وتيرة المواجهة وأصر على التغيير ولو كلف ذلك غالياً؛ رغم أن جراحات كربلاء لا تزال تنزف وعويل الثكالى لا يزال يدوي ويهز القلوب والمشاعر.. وانطلقت ثورة الإمام زيد في ظل أهداف معلنة، جاء فيها: " يا معاشر الفقهاء، ويا أهل الحجى، أنا حجة اللّه عليكم، هذه يدي مع أيديكم، على أن نقيم حدود اللّه، ونعمل بكتاب اللّه، ونَقْسِم بينكم فَيْئَكم بالسوية[xliv] ]
.. فوالذي بإذنه دَعَوْتُكم، وبأمره نصحتُ لكم، ما ألتمس أَثَرَةً على مؤمن، ولا ظلماً لِمُعَاهِد، ولوددت أني قد حميتكم مَرَاتع الهَلَكَة، وهديتكم من الضلالة، ولو كنت أوْقِدُ ناراً فأقذفُ بنفسي فيها، لا يقربني ذلك من سخط اللّه، زهداً في هذه الحياة الدنيا، ورغبة مني في نجاتكم وخلاصكم، فإن أجبتمونا إلى دعوتنا كنتم السعداء والمَوْفُوْرين حظاً ونصيباً"[xlv] ومضى في هذا النهج حتى استشهد في سبيل إصلاح الأمة وصيانتها، وعُرِف الثائرون على نهجه من بعده بالزيدية، فلم يمت حين قتل؛ لأن الشعلة التي أو قدها ظلت مسرجة بدمه ودم الشهداء من بعده تضيء للأجيال دروب الحرية والكفاح.
وبعد شهادة الإمام زيد عام (122هـ) لم تدم الدولة الأموية بعده طويلاً، فقد انهارت عام ( هـ).وعلى أنقاضها قامت الدولة العباسية وفيها عاش الصدر الأول من أئمة الزيدية كعيسى، والحسين، ومحمد أبناء زيد بن علي، وكذلك عبد الله بن الحسن المثنى، وإخوته: الحسن، وإبراهيم، وجعفر، وأبنائه: الإمام محمد بن عبد الله النفس الزكية، وإبراهيم، ويحيى، وإدريس. وكذلك الإمام الحسين بن علي الفخي، وغيرهم وخاضوا ثورات متعددة على نهج الإمام زيد في طلب الإصلاح والنصح للأمة، ولم نجد في دعواتهم ما تجاوز ذلك.
وفي العصر العباسي تبلورت معظم نظريات الإمامة عند مختلف التيارات وتشكلت معالمها، ودرست موافقاتها ومفارقاتها، وكان علماء الزيدية ممن خاضوا غمار تلك النظريات فظهرت معالم أفكارهم متفقة في الكليات ومختلفة في بعض الجزئيات، فذكر عن أبي الجارود زياد بن المنذر الخارفي (150 هـ) ـ وكان إمامي التوجه ثم لحق بالإمام زيد وصار من أصحابه ـ أنه اعتبر مسألة الإمامة قطعية، وأنها في الإمام علي بالنص الجلي(كما نسب إليه أيضاً القول بأنها في الإمام علي عليه السلام بالنص الخفي، و أنها لا تجوز في غير أبناء الحسنين، ووافقه على ذلك الزيدية
و على عكسه روي عن الحسن بن صالح بن حي (168 هـ) التسامح في المسألة فرأى أن الإمامة خاضعة لأنظار العارفين، وأنها تجوز في سائر الناس وإن كانت في أهل البيت أولى إذا توفرت سائر شروطها، وأن علياً كان الأحق بالخلافة بالنص الخفي،ووافقه على ذلك بعض الزيدية فصاروا يعرفون (بالصالحية)، وقد استقرت الزيدية على القول بأن الإمام علياً عليه السلام هو خليفة رسول الله بلا فصل إلا أنها أثبتت خلافته بالنص الخفي،ولذلك عذر من تقدمه ومن بايعهم
وهنا يجب التأكيد على أن ما يعرف بـ(الجارودية والصالحية) ليست فرقاً بالمعنى الدارج، فليس هنالك جارودي أو صالحي في العقائد أو الفقه، ولكنهم مجرد فرقا في جملة من مسائل الإمامة، أبرزها : النص على الإمام علي والحكم على متقدميه،

فالزيدية يشترطون أن يكون الإمام:(ذكراً،حراً علوياً،فاطمياً،سليم الحواس والأطراف،مجتهداً عدلاً،سخياً يضع الحقوق في مواضعها،مدبراً،أكثر رأيه الإصابة مقداماً حيث يجوز السلامة،لم يتقدمه مجاب وطرقها الدعوة لا التوريث)[xlvi] و(ان يكون له ورع يحجزه عن الوقوع في المحرمات،ويمنعه من الإخلال بشيء من الواجبات)[xlvii] (و أنه يجب شرعاً على أهل الحل والعق والنظر من المسلمين المجتهدين أن يفزعوا إلى البحث والنظر والتفكير فيمن يصلح للرعاية العامة وهي الإمامة إذ لابد للمجتمع الإسلامي من راع يجمع شمل المسلمين لإقامة الشرع الحنيف،وردع القوي عن الضعيف،وإنصاف المظلوم من الظالمين،وإقامة شعائر الدين،وحماية الإسلام ودفع المعتدين،ثم بعد شوراهم عليه يسألونه الدعوة والقيام بأعبائها،دستوره كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين الهادين من قبله.
والإمامة رئاسة عامة لشخص مخصوص بحكم الشرع ليس فوق يده يد إلا يد الله تعالى،والسلطان الذي يؤتاه صاحب الإمامة هو من الأمة لاسلطان له عليها إلا منها.
وطريقها الدعوة فيجب عليه القيام والإجابة إلى ذلك عيناً حيث لم يصلح غيره أو قد عينه أهل النظر،وكفاية في غير ذلك،ثم إذا قام ودعا وتهيأ لها وجب على المسلمين إجابة دعوته مع كمال شروطها،لما أخرجه أحمد والترمذي من حديث الحارث الأشعري بلفظ"من مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية"رواه الحاكم من حديث ابن عسر ومن حديث معاوية ورواه البزار من حديث ابن عباس.
واعلم أنه لا يصير إماماً بعد الدعوة إلا من جمع أربعة عشر شرطاً.وهي نوعان:سبعة منها خَلْقٍية أي طبيعية،وسبع اكتسابية:
الأول والثاني- أن يكون مكلفاً،ويتضمن هذا الشرط البلوغ والعقل فلا تصح إمامة الصبي والمجنون.فإن جن ثم أفاق لم يفتقر إلى تجديد دعوة مالم ييأس من عود عقله فإنه يحتاج إلى تجديد دعوة إن عوفي بعد الإياس.
الثالث-ذكراً فلا تصح إمامة المرأة
الرابع-حراً
والشرط الخامس من شروط صحة الإمامة عند الزيدية وقوع الدعوة من علوي فاطمي أي سبطي من ذرية أحد السبطين إما الحسن أو الحسن.وقالت المعتزلة وغيرهم إن الإمامة تختص بقريش فكل بطون قريش على سواء في صحتها فيهم وقال آخرون الإمامة جائزة في المسلمين كلهم ماصلحوا في أنفسهم وكانوا عالمين بكتاب الله وسنة رسوله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم،وخير القول بين القولين:أن نقول لو أن الذي أشترطوا القرشية في الخلافة واستدركوا الأمر بقولهم إنه إذا تساوى القرشي وغير القرشي في الاشتمال على شروط الإمامة فالقرشي أولى من غيره لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم"الأئمة من قريش" وغير ذلك من الأحاديث ولمكانه من قرابته ورئاسته القديمة لكان أقرب إلى الصواب إذ المراد من الخلافة أن يكون نائباً عن الله سبحانه وتعالى في القيام بأمور عباده ليحملهم على مصالحهم ويردهم عن مضارهم وهو مخاطب بذلك ولايخاطب بالأمر إلا من له القدرة عليه....
والشرط السادس وقوع الدعوة من سليم الحواس
والسابع من شروط صحة الإمامة أن تكون الدعوة من سليم الأطراف
الثامن وقوع الدعوة من مجتهد،قال الإمام يحي بن حمزة في الإنتصار:(فإن لم يوجد مجتهد في الزمان ففي جواز إمامة المقلد تردد،اختار جوازها جماعة من شيعة أهل البيت واشترطوا أن يكون مجتهداً في أبواب السياسة).... وأهم الشرائط الورع والقوة على القيام بأمر الأمة نعم وقد أجاب السيد عبد الله بن يحيي أبو العطايا على قول الإمام عليه السلام في البحر(فيجب أن يكون مجتهداً إجماعاً ليتمكن من إجراء الشريعة على قوانيها)....قلت بل المراد من شرط الاجتهاد ليكون منصفاً غير متعصب لمذهب من المذاهب ولانحلة من النحل ولايكون كذلك إلا المجتهد فمن كان كذلك فهو القائم في مقام النبوة مترجم عنها حاكم بإحكامها)[xlviii]
التاسع عدلاً
العاشر سخياً يضع الحقوق في مواضعها
الحادي عشر مدبراً،أكثر رأيه الإصابة
الثاني عشر مقداماً حيث يجوز السلامة،
الثالث عشر لم يتقدمه مجاب
الرابع عشر أن يدعو إلى نفسه لأن طريقها الدعوة لا التوريث
شروط الإمامة عند المطرفية هي نفس شروط عامة الزيدية(وهذا نقيض مانسبه الأكوع إليهم وكذلك من تأثر به) ف(المخطوطة الوحيدة الباقية في علم الكلام المطرفي توضح وتبين أن المطرفية تأخذ نظرية الإمامة عند الهادي والقاسم الرسي مع التشدد في شروطها ولم تتهم المطرفية قط بأنها أبطلت نظرية الإمامة الزيدية بل إن أكبر خصومها الإمام - عبد الله بن حمزة - أتهمها بالتشدد في شروطها حتى عطلتها
وينقل د/علي محمد زيد عن مؤلف الرائق قوله في مقام الرّد على من لم يجزم بخلافة الإمام علي (ع) لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل قوله: - ((وإنما بنى الكل ممن قدمنا ذكره ذلك على أصل فاسد وهو القول بولاية من تقدم على أمير المؤمنين على بن أبي طالب وأن خطيئة من تقدم عليه صغيره مغفورة.
والذي يذهب إليه أهل البيت عليهم السلام ومن طابقهم من علماء الإسلام أن أمير المؤمنين (علياً) أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن من تقدمه أو جلس مجلسه فمخطئ في ذلك، وكذلك الحسن والحسين أفضل الناس بعد أبيهما وإليه ذهب أبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر ونظراؤهم من الصحابة وهو مذهب الشيخ أبي عبد الله البصري والمدرسة البغدادية وقاضي القضاة (الشيخ عبد الجبار) والشيخ أبي رشيد وهو الصحيح المعول عليه. ص 95 – 96 من كتاب علي محمد زيد معتزلة اليمن في القرن السادس. كما ينقل عن الرائق الرّد على القائلين بجواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل بأدلة من الكتاب الكريم والسنة والإجماع. أي أن مذهبهم عين مذهب الجارودية في الإمامة والموقف من الصحابة)[xlix]
--------------------------------------------------------------------------------

[1] وقد طبع مع مقدمة كتبها العلامة أحمد محمد بن علي الشامي،اشاد فيها بموضوعية الكاتب واستطرد بالذكر لماكتبه الأستاذ الدكتور أحمد محمود صبحي منوهاً بجهده القيم،بقوله: الذي أنصف بما وصف وعرف بمفهومه مما وقف وعرف، ولينظر في درر بيانه وعقود جمانه..
بعد أن جال جولته الطويلة في كتب الزيدية وخزائنها، ونظر فيها نصوصاً وفحصاً، تخليصاً وتمحيصاً وتلخيصاً، وينظر نظر المتأمل في كلامه عن الزيدية وأئمتهم ومجتهديهم ومؤلفيهم، وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم، وفي مقدمتهم الإمامان الأعظمان الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، وحفيده الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم اللذان أفاض في بيان درجتهما العالية في العلم والمعرفة، عن اطلاع ونقاش فاحص لمؤلفاتهما، ثم كلامه عن الزيدية (الفكر والتراث) ومأساة فكرها وتراثها في أسف وحزن عميق، بنقد لاذع للمتآمرين عليه، ولوم صادع للمحتاجين إليه، من عالم محق كان المقياس عنده فيما يقول: هو العلم وحده وخدمة العلم وحده والبحث وحده، فقال مختتماً كتابه في صفحة 586 بما لفظه:
(وبعد فإنه لا يصح أن يؤاخذ الأولون بجريرة المتأخرين، ولا يُسئل الآباء عن آثام الأبناء فلا يحمل يحيى بن الحسين (يعني الإمام الهادي إلى الحق)، مساوئ آل حميد الدين، ولا يصح كذلك أن نهدم بيتنا القديم وما زلنا فيه ساكنين قبل أن نبني بيتاً جديداً أو نجدده، ومن فقد ماضيه فقد جذوره، ومن فقد جذوره أصبح كشجرة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار.
أريد أن أقول: هذا تراث ينبغي أن يبعث وينشر على الناس، وهو ليس مقصوراً على الكلام وأصول الدين، وإنما في الفقه وأصوله والتفسير والنحو وسائر العلوم الدينية واللغوية، وإنها مسئولية كبرى على القوامين على الثقافة في اليمن وبخاصة مركز الدراسات والبحوث اليمنية، وأخيراً فإن قدر لهذا الكتاب أن يكشف عن صورة ناصعة من صور الفكر الإسلامي، وأن يستحث المسلمين بعامة واليمنيين بخاصة على مزيد من الدراسة والبحث الفكري الزيدي، بخاصة على مزيد من الدراسة والبحث في الفكر الزيدي، وأن يستنهض الهمم لتطوير المذهب، أكون بذلك قد أديت ما علي والله أسأل أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وهو ولي الهداية والتوفيق..... المؤلف)والظاهر أن اشادة العلامة الشامي بكتاب صبحي وعبد الفتاح شايف نعمان ومحمد عماره قد حفزت اسماعيل الأكوع للتقليل من آثار هذه الكتابات المنصفة فكتب منشوره سيء الصيت والأثر.
[3] اسماعيل الأكوع "الزيدية نشأتها ومعتقداتها" أعتبر شخصياً هذا الكتاب من أكثر المنشورات التحريضية تأثيراً ولاشك أن القاضي إسماعيل الأكوع نتيجة لجهل الكثير من النافذين بالمذاهب و الفرق بل بالإسلام بوجه عام نجح في تحريض هؤلاء على إهدار وسفك الكثير من الدماء البريئة لالشيئ سوى أنهم هاشميون أو زيدية أو هاشميين وزيدية معاً،وأخشى أن تسفك الكثير من الدماء بفعل التعبئة المذهبية العنصرية المريضة التي أعتمدت على هذا المنشور،وإذا كان غرض اسماعيل الأكوع الوصول لهذه النتيجة فقد نجح أيما نجاح،وعليه إن يتوقع يوم القيامة-إن كان مؤمناً بها- الكثر من الضحياء التي سفكت دمائهم بسبب ماكتب،
[4] المصدر السابق ص15
[5] مجلة المسار مقال لحسن محمد زيد بعنوان المطرفية ومحنة شيخ الإسلام
[6] المسار (المطرفية ومحنة شيخ الإسلام العمري)لحسن محمد زيد
[7] العلامة أحمد محمد الشامي (مقدمة كتاب الإمام الهادي فقيهاً وجاهداً ووالياً)
[8] العلامة أحمد محمد الشامي (مقدمة كتاب الإمام الهادي فقيهاً وجاهداً ووالياً)
[9] العلامة أحمد محمد الشامي (مقدمة كتاب الإمام الهادي فقيهاً وجاهداً ووالياً)
[10] الصلة بين الزيدية والمعتزلة أحمد عبد الله عارف ص31
[11] الصلة بين الزيدية والمعتزلة أحمد عبد الله عارف ص30-31
[12] الصلة بين الزيدية والمعتزلة أحمد عبد الله عارف ص34
[13] الصلة بين الزيدية والمعتزلة أحمد عبد الله عارف ص35
[14]الصلة بين الزيدية والمعتزلة أحمد عبد الله عارف ص36-37
[15] الصلة بين الزيدية والمعتزلة أحمد عبد الله عارف ص38-39
[16] الصلة بين الزيدية والمعتزلة أحمد عبد الله عارف ص39
[17] مجموع رسائل الإمام زيد بن علي (ع) .
[18] مجموع الإمام القاسم الرسي نقلاً عن كتاب الزيدية للدكتور أحمد محمود صبحي ص119-120 وينقل العلامة الشامي عن تعليق عمارة على أراء الإمام القاسم والإمام الهادي عند تحقيقه لرسالتيهما في تقديمه ومقدمته لرسائل العدل والتوحيد قوله: (هما علمان من الأعلام وإمامان من أئمة الزيدية، مقدمان في رجالاتهم كل التقديم، وأول هذين العالمين هو الإمام القاسم بن إبراهيم بن اسماعيل الرسي، أما العلم الثاني من علمي أئمة الزيدية اللذين اخترنا لهما بعض الرسائل في العدل والتوحيد فهو حفيد الإمام القاسم المتقدم الذكر الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم، وهو فضلاً عن مواصلة حياته الفكرية لحياة جده الإمام القاسم، فلقد أفاض كثيراً في تدعيم الحجج الفكرية لأهل العدل والتوحيد، كما أفرد الكثير من رسائله وكتبه لهذا الموضوع، أما عن الرسائل فيسترسل ويقول في مقدمته هذه المقتطفات: (وإننا إذا شئنا أن نزيل من حياتنا الآثار الضارّة للتواكل والإتكالية والسلبية، بل والأنانية، وأن نشيع روح المسئولية لدى إنساننا العربي المسلم المعاصر، فلا بد وأن ندعم قيم الحرية والمسئولية التي نقدمها له اليوم، بذلك التراث الغني الذي قدمه أهل العد والتوحيد في ميدان حية الإنسان، ومسئوليته عن أعماله ونتائجها، وكيف أنه حر مختار صانع لأعماله، بل خالق لها على سبيل الحقيقة لا المجاز، كما قرروا ذلك منذ قرون وقرون.
وإننا إذا شئنا خلفية فكرية تؤصل قيم العدالة الاجتماعية والاقتصادية التي نستهدفها، فلا بد لنا من التمييز بين تلك الصفحات من التراث التي فسر أصحابها أصول تشريعنا قرآناً وحديثاً، ذلك التفسير المتقدم الذي يناصر الجمهور، ويحرص على إعطاء الحقوق المادية لأصحابها، ويقف بالمرصاد للغاصبين والظالمين.
التمييز بين هذه الصفحات وبين صفحات الذين سكتوا عن الجور أو ناصروه، وإننا إذا شئنا أن نغرس في عقولنا وقلوبنا وضمائرنا القيم الثورية والتي تدعو للخروج على الظلم والطغيان، والإطاحة بالظلمة والطغاة فلا بد لنا من أن نشيع في حياتنا المعاصرة ذلك الجانب من تراثنا الذي دعا مفكروه للثورة على الظلم، وامتشاق الحسام لتغيير الأوضاع الجائزة المفروضة على الناس دون أن يشاء الله أو يريدها، لأن الله لا يأمر بالفحشاء ولا بالمنكر، ولأنه ليس بظلام للعبيد ، وفي مقابل الآثار الفكرية التي تؤكد حرية الإنسان، واختياره وخلقه لأعماله ومصيره: هناك الذين ينكرون كل ذلك.
وفي مقابل الأفكار التي خلفها لنا أهل العدل والتوحيد التي بلغت في ميدان تنزيه الخالق والمؤثر في هذا الكون درجة من الخصوبة والنقاء تشهد لعقولهم بالمقدرة ولعقيدتهم بالسمو ولأرواحهم ونفوسهم بالشفافية، نجد المجسمة والمشبهة الذين انحدروا إلى حضيض التشبيه والتجسيم)أحمد الشامي مقدمة الإمام الهادي فقيهاً ووالياً ومجاهداً للدكتور عبد الفتاح شائف نعمان
[19] يحيي بن الحسين الأحكام في الحلال والحرام كتاب السير
[20] رسائل العدل والتوحيد للإمام الهادي يحيي بن الحسين تحقيق محمد عمارة ج/2ص83-87 نقلاً عن صبحي ص163
[21] الإمام الهادي رسائل العدل والتوحيد مصدر سابق

[21] المجموعة الفاخرة،مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق،تحقيق علي أحمد الرازحي 45-49
[22] الشامي مصدر سابق
[23] النص الإمام زيد بن علي نقلاً عن كتاب العلامة محمد عزان
[24] أحمد محمود صبحي الزيدية ص 36
[25] شرح الأصول العشرين للإمام الشهيد حسن البناء إعداد محمد عبد الحكيم ص 77
[26] الشيخ محمد بن علي الشوكاني،السيل الجرار ص503،وفي الحاشية تخريج لهذا الحديث،يقول،أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث علي رضي الله عنه وأخرجه يعقوبي بن سفيان وأبو يعلى والطبراني من حديث أبي برزة الأسلمي،وأخرجه الطيالسي والبراز والبخاري في التاريخ من حديث أنس،وله طرق متعددة عن أنس،وأخرجه أحمد من حديث أبي بكر الصديق،وقد نقل المناوي عن أبن حجر أنه جمع طرقه في جزء ضخم عن نحو أربعين صحابياً،أنظر السنن الكبير للبيهقي والجامع الصغير بشرح فيض القدير3/189فتح الباري على صحيح البخاي.
[27] رواه البخاري في كتاب الأحكام، باب ما يكره من الحرص على الإمارة الحديث رقم (7148) ورواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1818).
[28] رواه البخاري في كتاب الأحكام باب الأمراء من قريش حديث رقم (39) وفي كتاب المناقب رقم (3500).
[29] رواه البخاري في كتاب الأحكام رقم (7140) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (1820).
[30] رواه أبو داود الطيالسي في مسنده رقم (2133) وهو صحيح على شرط الستة (أي البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة) وقد ورد هذا الحديث من حديث مجموعة من الصحابة منهم أنس وعلي وأبو برزة الأسلمي وغيرهم. وقد نص البعض على تواتر هذه الرواية.
[31] رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو يعلى الموصلي والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح (انظر مجمع الزوائد 5 ص 192
[32] رواه مسلم بعدة روايات في كتاب الإمارة انظر رقم (1821).
[33] جريدة الناس العدد
[34] أحمد مبارك البغدادي_كتاب الفكر السياسي عند أبي الحسن الماوردي، وينقل النص عن الأحام للماوردي ص6
[35] كتاب الأحكام السلطانية لإبن الفراء ص20
[36] أحمد مبارك البغدادي مصدر سابق ص118-119
[37] نفس المصدر ص123-124 وكذلك ص 10من كتاب الأحكام السلطانية للماوردي
[38] شرح الأصول العشرين للإمام الشهيد حسن البناء إعداد محمد عبد الحكيم 199
[39] أنظر القاسم بن محمد: الإرشاد إلى سبيل الرشاد 28.نقلاً عن محمد عزان الزيدية ونظرية الإمامة
[40] ذكر ذلك الشرقاوي في كتابه أئمة الفقه التسعة 11.نقلاًعن عزان
[41] من رسالة الإمام زيد إلى علماء الأمة.نقلاً عن عزان
[42] من خطبة له تضمنت بعض بنود دعوته، انظر مجموع كتب ورسائل الإمام زيد.عزان
[43] من رسالة الإمام زيد إلى علماء الأمة.عزان
[44] متن الأزهار كتاب السير،عزان
[45] المعالم الدينية للإمام يحيي بن حمزة،عزان
[46] التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار في فقه الأئمة الأطهار تأليف أحمد بن قاسم العنسي ج/4/ص405-407
[47] مجلة المسار مصدر سابق

من احكام الامامة عند الزيدية

الجزء الثاني

(للزيدية في مسألة نصب الإمام تفصيل، فهم يعتبرون الإمامة في علي والحسنين بالنص على تفصيل في ذلك. أما إمامة غيرهم فتتم بطريقين:
1: الدعوة، وذلك بأن يدعو من اكتملت فيه الشروط إلى نفسه، ويقدم للأمة برنامجاً (الدعوة العامة) يوضح فيه طبيعة دعوته ومقاصدها، شريطة أن لا يكون ذلك في ظل وجود إمام شرعي سابق.
2: الاختيار، وذلك بأن يرشح أهل الحل والعقد من يرونه صالحاً لهذا المنصب ويبايعوه إن وافق على ذلك
والجدير بالتنبيه هنا أن طبيعة المذهب الزيدي القائمة على التجديد والاجتهاد لا تمانع من ابتكار أسالب جديدة ما دامت تهدف إلى تحقيق مصلحة الأمة واستقرارها.
والعبرة عند الزيدية بصلاحية الإمام للقيام بما أوكل إليه بغض النظر عن عدد المبايعين له، يقول الإمام القاسم بن إبراهيم (ت 246هـ): "اعلم أن الإمامة إنما تثبت لمن ثبتت له بالله وحده وبما جعلها تجب به من كمال الكامل، المطيق لها بالعلم غير الجاهل، فمن كان في العلم كاملاً، ولم يكن بما يحتاج إليه في الدين جاهلاً، فعلى المسلمين العقد له والرضى به، ولو لم يكن العاقد له إلا واحداً كان عقده عقداً، إلا أن العقد إنما يجب له بنفسه وكماله، وبما وصفنا من حاله، فإذا تمت حاله، ورضيت أفعاله، فعلى كل واحد التسليم له والرضى به
وعن الإمام أحمد بن عيسى بن زيد (ت247هـ) أنه قال: "ليس للأمة أن يؤثروا رجلاً يولوه فيجعلوه إماماً قبل أن ينظروا في الكتاب والسنة، فإن وجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفعله ولَّوه عليهم لفضله عليهم في الكتاب والسنة، فإن لم يجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفعله كانت لهم الشورى من بعد ذلك فيما وافق الكتاب والسنة[1]"
وعن الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (260هـ) أنه قال: لو أن رجلاً مستوراً عالماً بالكتاب والسنة، عالماً بظاهر الأحكام التي يحتاج الناس إليها من الفرائض والطلاق والإيلاء وغير ذلك من الحدود صلح هذا الأمر له)[2]
وإذا تزامنت دعوة إمامين في قُطر رجح الأكمل، فإن تساويا فالأسبق، فإن لم يُعلم دُعيا للمناظرة بحضرة كبار العلماء وأهل السياسة والتجربة، فمن رجحت كفته وتفوق على منافسه نصبوه إماماً. وهذه طريقة راقية لتجاوز النزاع والوصول إلى الأصلح للأمة.

صفة الإمام

يلخص الإمام القاسم الرّسي صفة الإمام من أهل البيت (ع (بقوله:(وإنما صِفَةُ الإمام، الحَسَنُ في مَذهَبِه، الزَّاهِدُ فِي الدّنيا، العَالِم فِي نَفسِه، بِالمؤمنِينَ رَؤوفٌ رَحِيم ، يَأخذُ عَلى يَدِ الظَّالِم، وَينصُرُ المَظلوم ، وَيُفَرِّجُ عَن الضّعِيف، وَيَكُونُ لِليَتِيم كَالأبِ الرّحِيم، ولَلأرمَلَة كَالزّوج العَطُوف، يُعَادِي القَريب فِي ذَاتِ الله، ويُوالي البَعيد فِي ذَاتِ الله، لا يَبخَلُ بِشَيء مِمَّا عِندَه مِمَّا تَحتَاجُ إليهِ الأمّة، مَنَ أتَاهُ مِن مُسْتَرشِدٍ أرْشَدَه ، ومَن أتَاهُ مٌتَعَلّمِاً عَلَّمَه ، يَدعُو النَّاسَ مُجتَهِداً إلى طَاعَةِ الله، ويُبَصِّرَهُم عُيوبُ مَا فِيهِ غَيهم، ويُرَغِّبَهُم فِيمَا عِندَ الله، لا يَحتَجِبُ عَن مَن طَلَبَه، فَهُو مِن نَفسِه فِي تَعَبٍ مِن شِدَّة الاجتهَاد ، وَ النَّاسُ مِنهُ فِي أَدَبٍ، فَمَثلُه كَمَثَلِ المَاءِ الذي هُوَ حَياةُ كُلِّ شَيء، حَيَاتُهُ تَمضِي، وَعِلمُه يَبقَى، يُصَدِّقُ فِعْلُه قَولَه، يَغرِفُ مِنهُ الخاصُّ والعَام، لا يُنكِرُ فَضلَهُ مَن خَالَفَه، ولا يَجحَدُ عِلمَه مَن خَالَطَه، كِتابُ الله شَاهِدٌ لَه ومُصَدِّقٌ لَه، وفِعلُه مٌصَدِّقٌ لِدَعْواه)[3]
(ومن كان على غير ماشرحنا،من آل الرسول صلى الله عليه وعلى آله،فنكث عليهم،وأساء في فعله إليهم،ومنعهم من حقهم الذي جعله الله لهم،واستأثر بفيهم،وأظهر الفساد والمنكر في ناديهم،وصير مالهم دولة بين عدوهم يتقوى به عليهم،ولم يقبضه منهم،ويقسمه على صغيرهم وكبيرهم،وكانت همته كنز الأموال،والاصطناع لفسقة الرجال،ولم يزوج أعزابهم،ولم يقض غراماتهم،ولم يكس الظهور العارية،ولم يشبع منهم البطون الجائعة،ولم ينف عنهم فقراً،ولم يصلح لهم من شأنهم أمراً،فليس يجب على الأمة طاعته،ولاتجب عليهم موالاته،ولاتحل لهم معاونته،ولاتجوز لهم نصرته،بل يحرم عليهم القيام معه ومكاتفته،ولايسعهم الإقرار بحكمه،بل يكونوا شركاه إن رضوا بذلك من أفعاله ويكونوا عند الله مذمومين،ولعذابه مستوجبين،فنعوذ بالله من الرضاء بقضاء الظالمين،ونعوذ به من الإعراض عن جهاد الفاسقين،الذين لايأمرون بالمعروف ولاينهون عن المنكر،فإن من أعرض عن جهادهم فقد برئ من الله وبرئ الله منه،وبعد عن حزب الرحمن،وصار من حزب الشيطان)[4]
(يفترض أن تقوم علاقة الإمام بالأمة على حسن التعامل والأداء، بحيث يكون الإمام كالأب الحنون وتكون الرعية كالأبناء البررة، وفي ذلك قال الإمام أحمد بن عيسى بن زيد: "ليس للإمام أن ينتقص الرعية حقها، ولا للرعية أن تنتقص حق إمامها، فمن حق الرعية على إمامها: إقامة كتاب الله وسنة نبيه فيها، والعدل في أحكامها، والتسوية بينها في قسمها، والأخذ لمظلومها من ظالمها، ولضعيفها من قويها، ولوضيعها من شريفها، ولمحقها من مبطلها، والعناية بأمر صغيرها وكبيرها، ولينفذ لمعاشها في دنياها ومصلحتها في دينها، وعمومها بالحنين عليها والرأفة والرحمة لها، كالأب الرؤوف الرحيم بولده المتعطف عليهم بجهده، الكالي لهم بعينه ونفسه، يجنبهم المراتع الوبية، ويوردهم المناهل الروية العذبة، فإن الله سبحانه حمد ذلك من أخلاق نبيه عليه السلام، فقال جل وعلا: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾(التوبة/128). فإذا فعل ذلك الوالي برعيته كان حقاً على الرعية: كرامته، وتعظيمه، وإجلاله، وتبجيله، وبره، وتفضيله، ومكافأته، ومعاونته، وطاعته، ومؤازرته، والاستقامة ما استقام على كتاب الله وسنة نبيه، فإن خالف ذلك إلى غيره من التسلط بالجبرتة، والتكبر عليهم، فمنعهم حقهم، واستأثر عليهم بفيئهم، فلا طاعة له عليهم في معصية خالقهم، وحرمت عليه إمامتهم وولايتهم، وحرمت عليهم طاعته ومعاونته، وكان حق الله عليهم مجاهدته حتى يفيء إلى أمر الله أو يعتزل ولاية أمره، فإنه لا ولاية لمن لم يحكم بما أنزل الله[5]"

عزل الإمام

ويروي الطبري أن الإمام المهدي النفس الزكية محمد بن عبد الله بن الحسن لمااستولى على المدينة،خطب فيهم قائلاً:(أما بعد أيها الناس فإنه قد كان من أمر هذا الطاغية عدو الله أبي جعفر المنصور مالم يخف عليكم من بنائه القبة الخضراء التي بناها تصغيراً للكعبة،وإنما أخذ الله فرعون حين قال: أنا ربكم الأعلى،وإن أحق الناس بالقيام بهذا الدين أبناء المهاجرين والأنصار الموالين،اللهم انهم أحلوا حرامك وحرموا حلالك وأمنوا من أخفت وأخافوا من أمنت ...أيها الناس والله ماخرجت من بين أظهركم وأنتم عندي أهل قوة ولاشدة ولكني اخترتكم لنفسي،والله ماجئت وفي الأرض مصر يعبد الله فيه الا وقد أخذ لي فيه البيعة)[6] وهذه الخطبة تلخص موقف الزيدية من السلطة ومصدر الشرعية لها والغاية من وجودها،وكيفية التعامل معها عندإنحرافها،فالموقف من السلطة ومظالمها، هو المميز للزيدية عن أهل السنة والجماعة والشيعة والإمامية،
أما عزل الإمام فقد ذكر فقهاء الزيدية أنه يُعزل عند ثلاثة أنواع من الأسباب هي:
* اختلال شروط يزول معها التمكن من القيام بما نصب لأجله، كالجنون، وبطلان بعض حواسه المحتاج إليها كالبصر والسمع، والمرض المقعد، فمتى صار كذلك خرج عن كونه إماماً ولا يحتاج إلى من يخرجه.
* اختلال شروط لا يزول معها التمكن من القيام بمهامه، كالفسق، وهو نوعان: باطن، أو ظاهر، إن كان باطناً لم ينحلّ به عقد الإمامة، لأن الحكم عليه مجرد ظن وتخمين. وإن كان ظاهراً، بطل كونه إماماً.
* التقصير في أداء مهامه، كالملل والانشغال ولو بالعبادة وإصلاح شئونه الخاصة[7]. ويروى عن الهادي(ع) قوله إذا تميز الحاكم على أفقر رعاياه في المأكل أو الملبس فقد وجب الخروج عليه،وللإمام علي(ع)قول مشهور:كيف أكون أميراً للمؤمنيين ولاأشاركهم شظف العيش!!!)ويؤثر عنه قوله أن على الإمام أن يقدر عيشه بضعفة الناس حتى لايتهيأ الغني بغناه ولاي
وينقل العلامة الشامي عن الإمام الهادي قوله: (من أعان ظالماً ولو بخط حرف أو برفع دواة ووضعها، ولم يكن اضطرته على لك مخافة على نفسه، لقي الله يوم القيامة وهو معرض عنه غضبان عليه، ومن غضب الله عليه فالنار مأواه والجحيم مثواه، أما أني لا أقول إن ذلك في أحد دون أحد من الظالمين، بل أقول إنه لا يجوز معاونة ظالم ولا معاضدته ولا منفعته ولا خدمته، كائناً من كان (من آل رسول الله أو من غيرهم)، كل ظالم ملعون، وكل معين لظالم ملعون، وفي ذلك ما بلغنا عن سول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من جبا درهماً لإمام جائر كبه الله في النار على منخريه) وفي ذلك ما يقال (إن المعين للظالم كالمعين لفرعون على موسى....الخ).
وفي نص له آخر يقول عن حكم ما في أيدي الظلمة وأعوانهم: (إذا ظهر إمام الحق على أئمة الجور أخذ كل ما في أيديهم ولهم من قليل وكثير ودقيق وجليل عرض أو غيره، وأما ما كان سوى ذلك من الضياع والأموال وغير ذلك مما استحدثوه في سلطانهم، فيؤخذ كله مما استحدثوه في أموال الله، وما استحدثوا في السلطة من غير ذلك من غلات إن كانت لهم من قبل سلطتهم، لأن ما استهلكوه من أموال الله أكثر مما يؤخذ منهم، وكذلك الحكم في اتباعهم وأهل معاونتهم على ظلمهم الخ....)[8]

حكم مخالف الإمام

(يذكر فقهاء الزيدية أن من حق المعنيين ببيعة الإمام أن يتأكدوا من صلاحيته حتى لو كلف الأمر أن يمتحنوه بأسئلة أو مواقف ذات علاقة؛ لمعرفة مدى استيفائه الشروط المعتبرة. وإذا لم يقتنع أحد فلا يجبر على البيعة ولا تلزمه الطاعة، غير أنه يُمنع من الإفساد على الإمام بالتحريض على العصيان والتمرد، وليس له أن يطالب الإمام بقبول رأيه ومشورته، لأنه اختار المفارقة.. هذا على مستوى النظرية، أما التطبيق فقد اختلفت مواقف علماء الزيدية تجاه منكر إمامة الإمام، فمنهم من شدد الحكم عليه فجزم بفسقه، واعتزل الصلاة خلفه، ومنهم من تسامح في ذلك وأوكله إلى اجتهاده، وقد عكس صورة ذلك الخلاف طرف من الحوار الذي دار بين الإمام عز الدين بن الحسن وعلماء عصره ـ وأشرنا إليه سابقاً ـ وخلاصته أن الإمام عز الدين شنع على المفسقين لنافي الإمامة، واستنكر ما ظهر في زمانه من تجاوز في ذلك فقال: " والعجب مما ظهر في زماننا من تجاسر غير العارفين - من المثبتين للإمامة - على تفسيق النافي لها أو المتوقف، ولعنه واعتزال الصلاة خلفه، مع أن التفسيق لا يصح الأخذ فيه والإثبات له إلا بالبرهان القاطع، الذي لا مانع له ولا مدافع، من كتاب صريح، أو خبر متواتر صحيح، أو إجماع قطعي". وذكر أن الظاهر عن أكثر أئمتنا وعلمائنا القول بعدم التفسيق، وأنه لو سلم قطعية المسألة، فإنه لا يجوز التكفير والتفسيق فيها؛ لأنه لا يثبت كون المعصية كبيرة إلا بدليل.
ورد عليه العلامة عبد الله النجري فأكد فسق النافي قياسا على تفسيق المحارب للإمام بيده ولسانه. فأجاب عنه الإمام بأن ذلك قياس مختل؛ لوجود الفارق بين الأصل والفرع.
أما العلامة علي بن محمد البكري فمال إلى حجة الإمام في عدم التفسيق ورجحه. وكذلك السيد صارم الدين الوزير أيد كلام الإمام، وحكم بأن سكوت العلماء عن النكير عند سماع التكفير أو التفسيق حرام.)[9]

النص على الإمام علي والحكم على من تقدم عليه

قال العلامة علي بن الحسين الزيدي في (المحيط بالإمامة)[10] وذهبت الزيدية والإمامية إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص على علي عليه السلام نصا لم يعلم السامعون منه مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة ولا من بعدهم، وإنما يُعرف مراده بالاستدلال، وذلك كخبر الغدير وخبر المنزلة. واختلفوا في النص الجلي عليه فلم يثبته الزيدية، و ادعى جلاءه الإمامية وقالوا إن من سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم ضرورة أن مراده به الإمامة.
قال السيد صارم الدين الوزير (914هـ) في (الفصول)[11]: النص الخفي هو: الدال على معنى لا يحتمل غيره بالنظر، لا بضرورة الوضع. ومنه الدليل على إمامة الوصي عليه السلام، عند (جمهور أئمتنا) وعلق السيد صلاح بن أحمد المهدي (1044هـ) على هذا الكلام في (شرحه على الفصول[12]) بقوله: "لأنه لو كان جلياً لعلمه الناس كلهم، ولتوفرت الدواعي إلى نقله؛ لأنه من مهمات الدين كالصلاة والزكاة والحج ونحوها، ولما خفي على أبي بكر وقال بحضرة الجماعة: وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن هذا الأمر فيمن هو فلا أنازعه. وهذه النصوص ـ يعني حديث الغدير وحديث المنزلة ـ تحتمل غير ظاهرها؛ لأن لفظ مولى مشترك، وكذلك ولي، وكذلك ليس في خبر المنزلة تصريح بالإمامة. قالوا: فإذا كان كذلك حكمنا بأنه خفي وقطعنا بدلالته على الإمامة؛ لأن احتمالات غير الإمامة لا تقاوم دلالته عليها، فعند هؤلاء أنه من الخفي".

ومثل هذا قال الإمام يحيى بن حمزة (ت749هـ) في (الانتصار[13])

وقال الإمام الموفق بالله الحسين بن إسماعيل الجرجاني (420 هـ) : " فإن قيل: فما حكم من خالف هذه النصوص الدالة على لإمامة أمير المؤمنين هل يفسق قيل له إنه يكون مخطئا غير كافر ولا فاسق فلو كانوا فساقا لما أولاهم أمير المؤمنين الذكر الجميل"[14]
وقال الإمام عبد الله بن حمزة : " إن النصوص ـ الواردة في حق علي ـ استدلالية؛ لأنها محتملة، ولذلك جرى فيها النزاع الطويل والجدال الشديد من ذلك اليوم إلى يوم الناس هذا وإلى انقطاع التكليف وكل يحتج بما له وجه"[15]
وقال الأمير الحسين بن بدر الدين في (الشفاء) [16]: "الذي نختاره أن النص وقع على وجه يحتاج في معرفة المراد به إلى تأمل، ولا نكفر من دافعه ولا نفسقه، ونقطع على تخطئة من تقدمه".
وذكر الهادي بن إبراهيم الوزير عن الإمام المهدي علي بن محمد بن علي (773 هـ) أنَّه سُئل عمن تقدم أمير المؤمنين أو خالفه، فأجابَ : أنَّ مذهب جمهور الزيدية أنَّ النص وقع على وجه يحتاج في معرفة المراد به إلى نظر وتأويل، ولا يكفرون من دافعه ولا يفسِّقونه"[17].
وحكى هذا المذهب عن الزيدية ابن خلدون في (المقدمة)[18] فقال: "ومن الشيعة من يقول: إن هذه الأدلة إنما اقتضت تعيين علي بالوصف لا بالشخص والناس مقصرون حيث لم يضعوا الوصف موضعه، وهؤلاء هم الزيدية، ولا يتبرؤون من الشيخين ولا يغمضون في إمامتهما مع قولهم بأن علياً أفضل منهما لكنهم يجوزون إمامة المفضول مع وجود الأفضل".
وقال العلامة الديلمي : "الصحيح عندنا أن تلك النصوص خفية لا يعلم المراد بها إلا بضرب من الاستدلال، فلا يكون الصارف لها عن الإمامة إلى غيرها مما يحتمل لفظ ذلك النص راداً لما علمه ضروري من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يستحق بذلك الكفر ولا الفسق، إذ لا دلالة تدل على استحقاقه ذلك" [19].
ونتيجة لهذه الرؤية لم يعرف عنهم تجريح فيمن تقدم علياً من الخلفاء، لاحتمال أنهم لم يعلموا النص، أو لم يفقهوه. وفي ذلك يقول الإمام القاسم بن محمد (1029هـ) في (الأساس)[20] "والحق أنهم إن لم يعلموا استحقاقه دونهم بعد التحري فلا إثم عليهم .. وإن علموا فخطيئتهم كبيرة.. ثم قال: ولعل توقف كثير من أئمتنا لعدم العلم بأنهم علموا أو جهلوا".
وقال الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى (840هـ) في (القلائد)[21] " مسألة: المحققون من الزيدية وخطأ المتقدمين على علي في الخلافة قطعي؛ لمخالفتهم القطعي، ولا يقطع بفسقهم إذ لم يفعلوه تمرداً بل لشبهة. قلت: فلا تمتنع الترضية عليهم لتقدم القطع بإيمانهم فلا يبطل بالشك فيه"
وقال الإمام عز الدين بن الحسن (ت900 هـ): "أما أكثر أئمتنا وعلمائنا فالظاهر عنهم القول بعدم التفسيق ـ يعني لمن نفى إمامة الإمام ـ ولهذا نُقِلَ عنهم حسن الثناء على المشايخ المتقدمين على أمير المؤمنين علي عليه السلام، والترضية عنهم والتعظيم العظيم لهم"[22]
وأقل أحوال الكثيرين من أئمة الزيدية التوقف في الحكم على من تقدم علياً، فعن الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين ( ت 411 هـ ) أنه قال : "ما أعلم أن أحداً من العترة يسب الصحابة، ومن قال ذلك فقد كذب"[23]
وسئل الإمام عبد الله بن حمزة (ت614هـ) عن الصحابة الذين تقدموا علياً فقال: " لنا أئمة نرجع إليهم في أمور ديننا ونقدم حيث أقدموا، ونحجم حيث أحجموا، وهم علي وولداه عليهم السلام، والحادث عليهم وغضبنا فيهم، ولم نعلم أحدا منهم سب أحداً من الصحابة ولا لعنه ولا شتمه لا في مدة حياتهم ولا بعد وفاتهم. ثم تحدث عن موقفهم من أهل البيت فقال: "إن القوم لم يقع منهم البغضة، بل يدعون المحبة والمودة، ويظهرون الولاية والشفقة، وبواطن الأمور لا يعلمها إلا الله عز وجل" ثم ذكر فدكاً، فقال : "كان فيها النزاع وتأولوا خبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما خلفناه صدقة" على غير ما تأولناه" ثم ختم كلامه بعد ذلك بقوله: " وقد وقعت أمور هنالك رددنا أمرها إلى الله عز وجل، ورضَّينا على الصحابة عموما، فإن دخل المتقدمون على علي عليه السلام في صميمهم في علم الله سبحانه لم نحسدهم رحمة ربهم ، وإن أخرجهم سبحانه بعلمه لاستحقاقهم فهو لا يتهم في بريته، وكنا قد سلمنا خطر الاقتحام، وأدينا ما يلزمنا من تعظيم أهل ذلك المقام، الذين حملوا حوزة الإسلام ونابذوا في أمره الخاص والعام "[24] وروى عنه ابن المظفر في (الترجمان) أنه قال: " ولا يمكن أحداً أن يصحح دعواه على أحد من سلفنا الصالح أنهم نالوا من المشايخ أو سبوهم بل يعتقدون فيهم أنهم خير الخلق بعد محمد وعلي وفاطمة"[25] ] .
وقال الإمام يحيى بن حمزة(ت749هـ) في (الانتصار) والإقدام على إكفار الصحابة وتفسيقهم دخول في الجهالة وحمق ونقصان في الدين وجرأة على الله".
ويحدد السيد أحمد الشامي بوضوح(أن الزيدية وإن عدت من فرق الشيعة والتشيع الذي اتخذه دعاة التفرقة سلاحاً للتشنيع، فهي ليست من الغالين ولا من القالين، وإنما وسط بين ذلك، فتشيعهم لم يكن إلا بمعناه اللغوي الذي هو (شيعة الرجل اتباعه) لا بمفهومه الاصطلاحي (التكفير والتفسيق) عند المغالين، وإذا كانت الزيدية ترى تقديم الإمام علي بن أبي طالب على الشيخين، فهم مع ذلك لا يرون تقدمهما الفعلي عليه مؤثراً على فضل سابقتهما إسلاماً وهجرة وجهاداً، وهذا الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى وهو من أعلام أئمة الزيدية المؤلفين المجتهدين، ومؤلفاته معتمد الدارسين، يعطينا نصه الجلي القاطع في قضية اعتبرتها بعض فرق الشيعة أعظم مأخذ أخذته على الخليفة أبي بكر عن قضية (فدك)، وإصرار فاطمة الزهراء على أحقيتها بها، ومنعها منها، فقال الإمام المهدي في مقدمة كتابه البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، قاطعاً كل لسان، بما لفظه: (مسألة: وقضاء أبي بكر في فدك صحيح)[26].
وبهذا تتضح رؤية الزيدية فيمن تقدم علياً من الصحابة، ويعلم أن اتهام الزيدية ـ كمذهب ـ بتجريح الصحابة إتهام باطل، فالزيدية ينظرون إلى الصحابة على أنهم نالوا من شرف صحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لم ينله غيرهم، ولكنهم في نفس الوقت بشر يجوز عليهم الخطأ كغيرهم، فمن ثبت عليه خطأ تحمل نتيجة خطئه مهما كان وكائنا من كان، بلا مبالغة في النقد ولا غلوا في الدفاع.

مكانة الإمامة وحكمها

يتوافق معظم الزيدية بمختلف تياراتها على أن وجود زعامة تقود المجتمع وفق نظام قويم أمر مهم في حياة البشر؛ لذلك اعتبروها واجباً شرعياً يلزم الأمة القيام به، فعند الصالحية أن الإمامة من مهمات مسائل الدين؛ ولكنها ليست من الأساسيات التي لا يتم الدين إلا باعتقادها، لأنها لو كانت كذلك لنص عليها القرآن وفصلتها السنة بكلام بين يعلمه كل مكلف به ويدرك معناه، فقد فصل القرآن والسنة ما هو أقل منها شأنا من الآداب والأخلاق، حتى أن أطول آية في القرآن نزلت لتشرح كيفية المداينة وأحكامها، فكيف يقال بأن هذه المسألة من أعظم مسائل الدين، ثم تترك للاستنتاج والاختلاف!؟ وعلى هذا الأساس يرعون حرمة من خالفهم في هذه المسألة فلا يكفرونه ولا يفسقونه ولا يعتزلون الصلاة خلفه.
وهذا هو موقف كثير من أئمة الزيدية البارزين، كالإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني والإمام يحيى بن حمزة، وقال الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى (ت840هـ): "هذا هو الحق عندي وعليه أهل التحصيل من الزيدية"[27]واحتج الإمام عز الدين، لذلك بأن أئمة الزيدية وعلماءهم يترحمون على المعتزلة، ويرضُّون عنهم، ويعتقدون نجاتهم، مؤكداً على أن مخالفتهم في الإمامة لا تقتضي تكفيراً ولا تفسيقاً[28]

بعض المعاصرين من الزيدية ومسألة الحصر

في عصرنا الحاضر برزت معالم التغير في هذه المسألة وذلك ما يمكن قراءته من خلال أدبيات أبرز حزبين سياسيين يمثلان في خلفيتهما التيار الفكري الزيدي وهما: (حزب الحق)، وحزب: (اتحاد القوى الشعبية)، حيث نص كل منها في أهدافه السياسية على ضرورة الحفاظ على النظام الجمهوري نوعاً للحكم المبني على الشورى وحرية الآراء في إطار الإسلام. وفي نفس الاتجاه أصدر مجموعة من علماء الزيدية المعاصرين بياناً في الرابع والعشرين من ربيع الثاني/ 1411 هـ الموافق 12/11/1990م نص على أن الولاية العامة حق لكل مسلم كفء تختاره الأمة، ووقع عنهم بعنوان (بيان شرعي لعلماء اليمن) وقع عنهم: العلامة أحمد بن محمد بن علي الشامي أمين عام حزب الحق، والعلامة محمد بن محمد المنصور، والعلامة حمود بن عباس المؤيد نائب مفتي الجمهورية يومها، والعلامة قاسم بن محمد الكبسي الأمين العام المساعد لحزب الحق، وقد نشرته آنذاك عدد من الصحف اليمنية ومن بينها صحيفة (الأمة) الناطقة باسم حزب الحق، في العدد (26) والصادر بتاريخ يوم الخميس 19 ربيع الثاني/ 1413 هـ الموافق 15/10/1992م.
وفي حوار مع العلامة أحمد الشامي ـ أمين عام حزب الحق ـ أجرته معه مجلة (البلاد) اللبنانية في عددها السادس والخمسين الصادر في جمادى الأولى 1412هـ الموافق تشرين ثاني 1991هـ يقول: "قد أصدرنا بياناً وأوضحنا فيه أن الإمامة صيغة تاريخية مضى وقتها وانقضى، وما بقي لها مكان في هذه البلاد، واعتبرنا أن قائد الأمة هو أجيرها وليس إمامها ـ إن خير من استأجرت القوي الأمين ـ فإذا صلحت أمور الأمة وسلمت شؤونها فعلى أي يد كانت، لا نشترط فيها عنصراً ولا نسباً ولا شيئاً من ذلك المهم سلامة شئون الأمة" [29]ويؤكد على هذا المعنى في مقدمة كتاب الهادي بقوله )
ثم إنا لا نختلف اليوم إن أحق الناس بأمر الأمة: أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه، فيكون أحسنهم سياسة، وأكثرهم علماً وإجراءً للتدبير بمقتضى العلم، مرضياً لله، مرضياً للأمة المؤمَّر عليها،فإذا ظفرنا بهذا نكون قد أحرزنا النصر المؤزر للإسلام والمسلمين: (إن خير من استأجرت القوي الأمين)، ولا نتمسك بعرف ولا نسب تفريقاً مخالفاً لإرادة الله من توحيدنا صفاً وهدفاً).
.وفي حوار مع المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير ـ أمين عام (إتحاد القوى الشعبية) ـ يقول: إن مسألة الحصر مسألة اجتهادية تماماً ووضع الزيود في هذه الحالة كوضع غيرهم من المذاهب الأخرى بالنسبة لآرائهم في مسألة شرطهم في ضرورة أن يكون الإمام من قريش تطبيقاً للحديث النبوي، والمسألة برمتها لدى هؤلاء وهؤلاء مسألة اجتهادية كما أسلفنا، قد تناسب عصراً معيناً وقد لا تناسب عصراً آخر وقد يكون لأولئك الأئمة حجتهم في ذلك العصر، ولا يكون لنا حجة في هذا العصر"[30]

عن المذهب الفقهي الزيدي

ثالثاً:- المذهب

للتعريف بالمذهب يذكر القاضي العلامة حسين أحمد السياغي المراحل التي مر بها
المرحلة الأولى:- تدوين مجموع الإمام زيد بن علي زيد والهادي – عليم السلام ومجيء المحصلين – كالإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني الأول وأخيه أبي طالب
المرحلة الثانية: المقررون لقواعد المذهب بضوابط منطبقة على أصول الشريعة وعلى والأحوط في المعاملة والعبادات والمصلحة التي بنيت عليها الشريعة من جلب المصالح ودفع المفاسد وبنوا عليها تقرير سموه بالمذهب سواء وافق زيد بن علي أو الهادي أو أحد الأئمة الأربعة أو ممن تبعهم وكثيراً ما يروون نص الهادي ويقررون المذهب على خلافه وكثيراً ما قرروا على كلام أحد الأئمة الأربعة بمعنى أن المذهب تطبيق للقواعد (التي أُجمع عليها في الأصول والدائرة على الصحة والاحتياط.. ولذلك صار مذهباً فيه من المرونة ما جعله متماشياً مع كل المذاهب وما تكاد يوجد مسألة من المسائل التي حرروها إلا وهي توافق قول أحد الأئمة الأربعة إلا ماكان نادراً، وما مسألة إلا لمنطوقها ولمفهومها دليل من كتاب أو سنة..... الخ)[31]
فالمذهب يعتمد على تطبيق القواعد التي أجمع عليها المسلمون في أصول الشريعة والالتزام بها وعملاً بالأحوط الذي لا خلاف فيه أو الأقرب للمجمع عليه في حال الخلاف بين المذاهب
وتتضح ماهية المذهب بصورة أدق من خلال قواعدها التي نذكر بعضاً منها نقلا عن مقدمة شرح الأزهار
-ما أمكن العلم به لا يغني الظن فيه
-ما لا يتم الواجب إلا به يجب كوجوبه
-تحصيل شرط الواجب ليجب لا يجب....
-الخلاف في المسألة يصيرها ظنية..
-كل مجتهد في المسائل الفرعية مصيب.

وقد عرف القائلون بها المصوبة ويعبر عن دلالة هذه القاعدة وأهميتها الإمام المؤيد بالله يحيي بن حمزة بقوله:(واعلم أن هذه المقدمة لابد للفقيه الخالي من علم الأصول من إحرازها والإحاطة بها لأوجه ثلاثة:
أما أولاً:-فلأن يُعلم فضل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على غيره من الأنبياء بما خصه الله تعإلى بما لم يخص به غيره من الرسل وفضل هذه الشريعة على غيرها من سائر الشرائع المتقدمة باتساع طرقها وامتداد أطرافها وفضل هذه الأمة على غيرها من الأمم السابقة بأن جعلهم حاكمين في كل حادثة بأنظارهم الثاقبة ،وفاصلين في كل قضية بمواد فكرهم الصائبة.
وأما ثانياً:- فلئلا يستوحش الناظر لما يرى من كثرة الخلاف في كل مسألة من المسائل الاجتهادية ،فإذا عرف أنها كلها صائبة هان عليه الأمر ولم يعظم عليه الخطب فيبقى في حيرة من أمره ،فإذا عرف أنها كلها على الحق زال عنه الخوف وزاح عنه الطيش والفشل.
وأما ثالثاً:- فلئلا يستعجل إلى تخطئة من يخالفه في المسلك ،فيحكم له بخطأ أو بهلاك من غير بصيرة ،ومع إدراك هذه الخصلة أعني معرفة التصويب لا يستعجل بهلاك من يخالفه،وكيف يقع الهلاك والآراء كلها صائبة وكلها حق وصواب ،وهذا من فضل الله ورحمته وعظيم منته على الخلق وجزيل نعمته .
فإذا تمهدت هذه القاعدة فاعلم أن كل مسألة ليس فيها دلالة قاطعة فلأُمة فيها فريقان :-
الفريق الأول :- قائلون بأن الواقعة ليس فيها حق معين ،وأن الآراء كلها حق وصواب ،فهؤلاء هم المصوبة ،أئمة الزيدية والجماهير من المعتزلة والمحققون من
الأشعرية ،وعليه جمهور الفقهاء أبو حنيفة والشافعي ومالك وأتباعهم
والذي نرتضيه هو ما قاله أصحابنا والمعتزلة وذهب إليه محققوا الاشعرية والفقهاء وهو أن الواقعة ليس فيها لله حكم معين ،وإنما يكون على نظر المجتهد ورأيه ........فإنه متى أدى نظره إلى حكم من الأحكام من تحليل أو تحريم أو غيرهما من سائر الأحكام الشرعية العملية، فإن ما هذا حاله يكون حقاً وصواباً عند الله تعإلى . ))[32] و(قاعدة كل مجتهد في المسائل الفرعية مصيب حمل كل مجتهد على السلامة فيما أداه إليه اجتهاده، وذهب إلى القول به مرجحاً له على غيره، وأن الخلاف المنهي عنه إنما هو مرجحاً له على غيره، وأن الخلاف المنهي عنه إنما هو التخطئة من بعض لبعض لا في اختلاف الاجتهاد الذي اشتهر أمره حتى في عصر الصحابة، كما أن نصاً آخر من قواعدها الكلية يقول: (وتقليد الحي أولى من تقليد الميت)، هكذا فهي لا تقيد تابعيها بالأشخاص مهما عظموا ممن مضى من الأولين، وتجعل المقلد في حل من ذلك، وتعتبر أن الأولى به أن يفعله في نهجه هو تقليد الحي من المجتهدين، ثم إن شئت ما هو ادعى للإعجاب من نصوصها في باب الجماعة قولها: (إن الإمام حاكم)، فيما يدين بفعله مذهباً له أو اجتهاداً، مهما كان المؤتم به يدين بخلافه، فالإمام إنما جعل ليؤتم به، أما النص الاجتماعي في نفس الباب المبني على وجوب حسن ظن المسلم بأخيه المسلم، فتعالوا معي واقرأوه، وتمعنوا فيه تمعناً فكرياً، ببديع مقاصده ومعانيه، وهو يقول: (ويكفي ظاهر العدالة ولو من قريب) فمهما كنت قد أطلعت من أخيك المسلم في سلوكه الشخصي على هنات تخل بعدالته، وتجرح في استقامته، ثم ظهر متحولاً إلى حال استقامة وسلوك حسن، فخذ بهذا الظاهر، والله متولي السرائر، فتأتم بصلاته وتأخذ بشهادته، تغليباً لشرعية حسن الظن دون تعمق في التدقيق والبحث الدقيق مهما كان ظاهر الاستقامة من قريب)[33]
-الاجتهاد الأول بمنزلة الحكم لا ينقضه الثاني
-إذا تعذر الاجتهاد جاز التقليد (وتعني أن الأصل وجوب الاجتهاد والتقليد جائز فقط- عند العجز عن – الاجتهاد.
-الجاهل الصرف كالمجتهد فيما فعله معتقداً جوازه وصحته – ولم يخرق الإجماع – جرى مجرى التقليد لمن وافق.
-العامي الذي لم يميز، مذهبه مذهب طائفته
-علم الإنسان أقدم من علم غيره وظنه – وعلم الغير في العبادات أقدم من ظن نفسه وظن نفسه أقدم من ظن غيره بالنظر إلى العمل.
والتكامل فيما بين هذه القواعد واضح ولن يعدم.الباحث عند تحليله لمضمون هذه القواعد الاستناد إلى دليل من الكتاب أو السنة لكل قاعدة أو مجموعة من القواعد)
وبالتأمل في القواعد نجد أن المذهب الزيدي هو دعوة للاجتهاد (الخروج على التمذهب) وفق قواعد مجمع عليها لأنه مبرهن عليها بصورة يقينية وفي نفس الوقت هو إلزام للمتذهب بنتائج التزامه خصوصاً في ماضي أفعاله وعباداته، وهو تبرير لأتباع المذاهب الأخرى واعتبارهم كالمجتهدين ما داموا عاجزين عن الاجتهاد لأن قواعده تجيز تقليد الميت والإفتاء لغير المجتهد، ولأن العامي الذي لم يميز مذهبه مذهب طائفته.. ولأن كل مجتهد في المسائل الفرعية مصيب... ولأن الخلاف في المسائل يصرها ظنية.. إلا أنه مع ذلك.. يوجب على الفرد أن يعمل بعلم نفسه لأنه لا مبرر إن قدم علم غيره على ما يعلمه فالتقليد لن يكون إلا في المسائل التي كل مجتهد فيها مصيب وإن اختلفوا والخلاف يكون في تطبيق القواعد الأصولية على الحالات الجزئية أما الأصول فإن الاتفاق عليها هو الإطار الذي يجمع الزيدية وهم هنا كل الأئمة المجتهدين العدول من آل البيت وغيرهم من أئمة المسلمين..
يؤكد هذا أن المذهب هو نتيجة جهد جماعي لمجموعة من العلماء في عصر من العصور يقوم العلماء(المقررون) بتحديد الاختيارات الجديدة المعالجة للواقع ويطلق عليها تقرير
فالزيدي هو من يلتزم (بالمنهج)الذي برهن على صحته بالأدلة القاطعة و هو قواعد أصول الشريعة المجمع عليها من قبل أئمة المسلمين، وقد عبر عن هذا المعنى الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي في معرض إجابته على سؤال:عن ماهية المذهب الذي تضمنه متن الأزهار.
هل هو على مذهب إمام معين ؟ نحو الهادي – أو زيد بن علي – أو غيرهما؟ فإن قلتم :نعم: فلم يضعف كلام الهادي في بعض المواضيع أو غيره ويجعل المذهب غيره.......؟
فأجاب: أما المذهب الذي يتضمن الأزهار مسائله فهو أصول وقواعد أصلها وفسرها وأخذ بها المحصلون للمذهب مما تقرر عندهم من أقوال القاسم(الرسي)وابنه محمد والهادي إلى الحق وابنه محمد وأحمد عليهم السلام في فتاويهم ورسائلهم في جميع أبواب الفقه.
جعلوا المذهب ما انطبقت عليه تلك القواعد والأصول من مسائل الفروع في كل باب.
فما كان من أقوال الأئمة المتقدمين كزيد بن علي والصادق وأمثالهم وغيرهم ملائماً لتلك القواعد جعلوه مذهبا.
وبالنسبة لتضعيف قول من ينسب إليه المذهب – فالمذهب هو الأصول والقواعد وما انطبقت عليه من المسائل كما تقرر سابقاً فالتضعيف إنما هو مخالفة تلك الأصول)[34].
ولذلك فإن تطبيق المنهج أو الالتزام به من قبل المجتهد الزيدي قد يؤدي به إلى موافقة قول الشافعي وترك قول الهادي مخالفاً لما روي عن الإمام زيد بن علي (ع)،لأن المنهج هو المذهب،وليس نتائج اجتهاد الأئمة، فالزيدي هو الذي يلتزم بالمنهج ولا يقلد الأئمة في نتاج اجتهادهم،لأن أصول الفقه الزيدي (تنهج منهاج المتكلمين في أصولهم،فهي تقرر المناهج مجردة من غير محاولة أن تكون خادمة لفروع معينة فليس طريق استنباطها الرجوع إلى فروع،بل هي مستنبطه استنباطا منطقياً،فهي موازين لاتتجه إلى الموزون،ولكن يتجه المستنبطون إلى ضبط الميزان في ذاته......لأن المجتهدين من أئمة آل البيت في المذهب الزيدي كانوا لا يتقيدون بأصول معينة بل كانوا يجتهدون في الأصول كما يجتهدون في الفروع،)[35].(لأن علم الكلام كان قاعدة تقام عليها عمد أصول الفقه اعتبروا قضايا العقل الأصل الأول في علم الاجتهاد،وعلى المجتهد أن يسلك منهاج العقل في إثبات الأصول الأولى للاستنباط الفقهي ولذلك جاء في الفصول اللؤلؤية)[وكيفية الاجتهاد في الحادثة أن يقدم عند استدلاله،
قضية العقل المبتوتة
ثم الإجماع المعلوم،
ثم نصوص الكتاب والسنة المعلومة
ثم ظواهرهما،كعمومهما
ثم نصوص أخبار الآحاد ثم ظواهرها كعمومها
ثم مفهومات الكتاب والسنة المعلومة على مراتبها
ثم مفهومات أخبار الآحاد
ثم الأفعال والتقريرات كذلك
ثم القياس على مراتبه
ثم ضروب الاجتهاد الأخرى ثم البراءة الأصلية ونحوها])[36]
إلا أن السيد لقمان في شرحه للكافل يرتب الأدلة عند الزيدية بصورة تختلف قليلاً عما نقله الشيخ محمد أبو زهرة عن الفصول اللؤلؤية وهي (والأدلة الشرعية أربعة:وهي الكتاب والسنة والإجماع من الأمة أو من أهل البيت عليهم السلام والقياس)[1]
(والسنة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله وتقريره،والقول ظاهر وهو اللفظ المفيد وهو أقواها)(فما فعله الشارع وعلمنا وجوبه من أفعاله وتروكه فظاهر في أنه يجب علينا مثله،وما علمنا حسنه من أفعاله وتروكه دون وجوبه فندب،إن ظهر فيه قصد القربة،كالصدقات النافلة وإلا فإباحة،إذا لم يظهر فيه قصد القربة كالصيد،وتركه صلى الله عليه وآله وسلم لما كان قد أمرنا في وقت معين ثم لم يفعله في ذلك الوقت لا لسهو ولا لكونه نفلاً،علمنا أن الوجوب قد ارتفع
وفعله وتركه صلى الله عليه وآله وسلم لما كان نهى عنه يقتضي الإباحة
أما القسم الثالث وهو التقرير منه صلى الله عليه وآله وسلم لأحد على فعل أو ترك فإذا علم صلى الله عليه وآله وسلم بفعل من غيره ولم ينكره وهو قادر على إنكاره،ولاأنكره غيره دل ذلك التقرير على إباحته
وطريقنا إلى العلم بالسنة الأخبار،وهي متواتر وأحاد،والمتواتر يفيد بنفسه العلم بصدقه لأنه خبر جماعة عن جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب ولاحصر لعدده،بل هو ما أفاد العلم الضروري،والأحاد لايفيد بنفسه العلم بصدقه،ومنه المستفيض وهومازاد نقلته عن ثلاثة نوع من الأحادي وهو مسند ومرس



ولايؤخذ بأخبار الأحاد في مسائل الأصول أي أصول الدين وأصول الفقه وأصول الشريعة،لأن هذه إنما يؤخذ فيها باليقين وأخبار الأحاد لاتثمر إلا الظن
وكذلك لايقبل خبر الأحاد فيما تعم البلوى علماً وعملاً وفيما تَعم به البلوى عملاً كحديث مس الذكروكذا في وجوب الغُسل من غسل الميت وغسل اليدين عند القيام من النوم ففي قبوله خلاف بين الأصوليين،والصحيح أنه يقبل
وشرط قبولها:الأول العدالة،والضبط،وعدم مصادمتها دليلاً قطعياً،وفقد إستلزام متعلقها الشهرة،ويقبل الخبر المخالف للقياس فيبطله إذا كان القياس ظنياً أما إذا كان قطعياً فإن القياس يقدم على خبر الواحد{كقياس العبد على الأمة في تنصيف الحد}ويرد ماخالف الأصول المقررة)[37][1]
وبهذا يُفسر تقارب الزيدية المذهب مع الإمام أبو حنيفة والاحناف لاتفاقهما في(المنهج)،ويقارن الشيخ الجليل محمد أبوزهرة بين الزيدية والحنفية وهو حنفي المذهب ليخلص إلى القول(وفي المنهاج نجد المذهب الزيدي يأخذ بكل ما أخذ به الحنفية،فقواعد القياس عند الحنفية مأخوذً بها،وكذلك قواعد الاستحسان،حتى أن التعريف متحد في المذهبين،ولكن نجد أصول المذهب الزيدي أكثر اتساعاً من ثلاث نواحي:
أولها-أخذه بالمصلحة المرسلة،إذ أخذ أكثر أئمته بالمناسب المرسل،وعدوا ذلك من قبيل القياس،فهم قد زادوا في الأصول،أو وسعوا في معنى القياس أكثر مما توسع الحنفية،وبذلك يتقاربون من المذهب المالكي بمقدار إنفراج الزاوية عن المذهب الحنفي.
والثانية:-بالإستصحاب يوسعون الاستنباط فيه عن المذهب الحنفي،فيعتبرونه مثبتاً للحقوق،كما يعتبرونه حافظاً للحقوق الثابتة، بينما المذهب الحنفي يأخذ بالاستصحاب بقدرما يحافظ على الحقوق الثابتة،ولايأتي بحقوق جديدة.
والثالثة-أنه يفتح باب الحكم بالعقل إذا لم يوجد دليل.
وأنه بملاحظة أصول الزيدية يتبين أنهم أخذوا من الأصول والمناهج أوسعها مدى وكلما كثرت الأصول كان المذهب أكثر نماءً وأوسع رحاباً،فإذا أضيف إلى ذلك فتح باب الاجتهاد والتخريج في كل العصور وكثرة الأئمة الذين خرجوا واجتهدوا واختاروا مع فتح الباب للأراء في المذاهب الأربعة وغيرها كان هذا المذهب أكثر المذاهب الإسلامية نماءً وقدرة على مسايرة العصور.)[38]