الأربعاء، 25 فبراير 2009

عن المذهب الفقهي الزيدي

ثالثاً:- المذهب

للتعريف بالمذهب يذكر القاضي العلامة حسين أحمد السياغي المراحل التي مر بها
المرحلة الأولى:- تدوين مجموع الإمام زيد بن علي زيد والهادي – عليم السلام ومجيء المحصلين – كالإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني الأول وأخيه أبي طالب
المرحلة الثانية: المقررون لقواعد المذهب بضوابط منطبقة على أصول الشريعة وعلى والأحوط في المعاملة والعبادات والمصلحة التي بنيت عليها الشريعة من جلب المصالح ودفع المفاسد وبنوا عليها تقرير سموه بالمذهب سواء وافق زيد بن علي أو الهادي أو أحد الأئمة الأربعة أو ممن تبعهم وكثيراً ما يروون نص الهادي ويقررون المذهب على خلافه وكثيراً ما قرروا على كلام أحد الأئمة الأربعة بمعنى أن المذهب تطبيق للقواعد (التي أُجمع عليها في الأصول والدائرة على الصحة والاحتياط.. ولذلك صار مذهباً فيه من المرونة ما جعله متماشياً مع كل المذاهب وما تكاد يوجد مسألة من المسائل التي حرروها إلا وهي توافق قول أحد الأئمة الأربعة إلا ماكان نادراً، وما مسألة إلا لمنطوقها ولمفهومها دليل من كتاب أو سنة..... الخ)[31]
فالمذهب يعتمد على تطبيق القواعد التي أجمع عليها المسلمون في أصول الشريعة والالتزام بها وعملاً بالأحوط الذي لا خلاف فيه أو الأقرب للمجمع عليه في حال الخلاف بين المذاهب
وتتضح ماهية المذهب بصورة أدق من خلال قواعدها التي نذكر بعضاً منها نقلا عن مقدمة شرح الأزهار
-ما أمكن العلم به لا يغني الظن فيه
-ما لا يتم الواجب إلا به يجب كوجوبه
-تحصيل شرط الواجب ليجب لا يجب....
-الخلاف في المسألة يصيرها ظنية..
-كل مجتهد في المسائل الفرعية مصيب.

وقد عرف القائلون بها المصوبة ويعبر عن دلالة هذه القاعدة وأهميتها الإمام المؤيد بالله يحيي بن حمزة بقوله:(واعلم أن هذه المقدمة لابد للفقيه الخالي من علم الأصول من إحرازها والإحاطة بها لأوجه ثلاثة:
أما أولاً:-فلأن يُعلم فضل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على غيره من الأنبياء بما خصه الله تعإلى بما لم يخص به غيره من الرسل وفضل هذه الشريعة على غيرها من سائر الشرائع المتقدمة باتساع طرقها وامتداد أطرافها وفضل هذه الأمة على غيرها من الأمم السابقة بأن جعلهم حاكمين في كل حادثة بأنظارهم الثاقبة ،وفاصلين في كل قضية بمواد فكرهم الصائبة.
وأما ثانياً:- فلئلا يستوحش الناظر لما يرى من كثرة الخلاف في كل مسألة من المسائل الاجتهادية ،فإذا عرف أنها كلها صائبة هان عليه الأمر ولم يعظم عليه الخطب فيبقى في حيرة من أمره ،فإذا عرف أنها كلها على الحق زال عنه الخوف وزاح عنه الطيش والفشل.
وأما ثالثاً:- فلئلا يستعجل إلى تخطئة من يخالفه في المسلك ،فيحكم له بخطأ أو بهلاك من غير بصيرة ،ومع إدراك هذه الخصلة أعني معرفة التصويب لا يستعجل بهلاك من يخالفه،وكيف يقع الهلاك والآراء كلها صائبة وكلها حق وصواب ،وهذا من فضل الله ورحمته وعظيم منته على الخلق وجزيل نعمته .
فإذا تمهدت هذه القاعدة فاعلم أن كل مسألة ليس فيها دلالة قاطعة فلأُمة فيها فريقان :-
الفريق الأول :- قائلون بأن الواقعة ليس فيها حق معين ،وأن الآراء كلها حق وصواب ،فهؤلاء هم المصوبة ،أئمة الزيدية والجماهير من المعتزلة والمحققون من
الأشعرية ،وعليه جمهور الفقهاء أبو حنيفة والشافعي ومالك وأتباعهم
والذي نرتضيه هو ما قاله أصحابنا والمعتزلة وذهب إليه محققوا الاشعرية والفقهاء وهو أن الواقعة ليس فيها لله حكم معين ،وإنما يكون على نظر المجتهد ورأيه ........فإنه متى أدى نظره إلى حكم من الأحكام من تحليل أو تحريم أو غيرهما من سائر الأحكام الشرعية العملية، فإن ما هذا حاله يكون حقاً وصواباً عند الله تعإلى . ))[32] و(قاعدة كل مجتهد في المسائل الفرعية مصيب حمل كل مجتهد على السلامة فيما أداه إليه اجتهاده، وذهب إلى القول به مرجحاً له على غيره، وأن الخلاف المنهي عنه إنما هو مرجحاً له على غيره، وأن الخلاف المنهي عنه إنما هو التخطئة من بعض لبعض لا في اختلاف الاجتهاد الذي اشتهر أمره حتى في عصر الصحابة، كما أن نصاً آخر من قواعدها الكلية يقول: (وتقليد الحي أولى من تقليد الميت)، هكذا فهي لا تقيد تابعيها بالأشخاص مهما عظموا ممن مضى من الأولين، وتجعل المقلد في حل من ذلك، وتعتبر أن الأولى به أن يفعله في نهجه هو تقليد الحي من المجتهدين، ثم إن شئت ما هو ادعى للإعجاب من نصوصها في باب الجماعة قولها: (إن الإمام حاكم)، فيما يدين بفعله مذهباً له أو اجتهاداً، مهما كان المؤتم به يدين بخلافه، فالإمام إنما جعل ليؤتم به، أما النص الاجتماعي في نفس الباب المبني على وجوب حسن ظن المسلم بأخيه المسلم، فتعالوا معي واقرأوه، وتمعنوا فيه تمعناً فكرياً، ببديع مقاصده ومعانيه، وهو يقول: (ويكفي ظاهر العدالة ولو من قريب) فمهما كنت قد أطلعت من أخيك المسلم في سلوكه الشخصي على هنات تخل بعدالته، وتجرح في استقامته، ثم ظهر متحولاً إلى حال استقامة وسلوك حسن، فخذ بهذا الظاهر، والله متولي السرائر، فتأتم بصلاته وتأخذ بشهادته، تغليباً لشرعية حسن الظن دون تعمق في التدقيق والبحث الدقيق مهما كان ظاهر الاستقامة من قريب)[33]
-الاجتهاد الأول بمنزلة الحكم لا ينقضه الثاني
-إذا تعذر الاجتهاد جاز التقليد (وتعني أن الأصل وجوب الاجتهاد والتقليد جائز فقط- عند العجز عن – الاجتهاد.
-الجاهل الصرف كالمجتهد فيما فعله معتقداً جوازه وصحته – ولم يخرق الإجماع – جرى مجرى التقليد لمن وافق.
-العامي الذي لم يميز، مذهبه مذهب طائفته
-علم الإنسان أقدم من علم غيره وظنه – وعلم الغير في العبادات أقدم من ظن نفسه وظن نفسه أقدم من ظن غيره بالنظر إلى العمل.
والتكامل فيما بين هذه القواعد واضح ولن يعدم.الباحث عند تحليله لمضمون هذه القواعد الاستناد إلى دليل من الكتاب أو السنة لكل قاعدة أو مجموعة من القواعد)
وبالتأمل في القواعد نجد أن المذهب الزيدي هو دعوة للاجتهاد (الخروج على التمذهب) وفق قواعد مجمع عليها لأنه مبرهن عليها بصورة يقينية وفي نفس الوقت هو إلزام للمتذهب بنتائج التزامه خصوصاً في ماضي أفعاله وعباداته، وهو تبرير لأتباع المذاهب الأخرى واعتبارهم كالمجتهدين ما داموا عاجزين عن الاجتهاد لأن قواعده تجيز تقليد الميت والإفتاء لغير المجتهد، ولأن العامي الذي لم يميز مذهبه مذهب طائفته.. ولأن كل مجتهد في المسائل الفرعية مصيب... ولأن الخلاف في المسائل يصرها ظنية.. إلا أنه مع ذلك.. يوجب على الفرد أن يعمل بعلم نفسه لأنه لا مبرر إن قدم علم غيره على ما يعلمه فالتقليد لن يكون إلا في المسائل التي كل مجتهد فيها مصيب وإن اختلفوا والخلاف يكون في تطبيق القواعد الأصولية على الحالات الجزئية أما الأصول فإن الاتفاق عليها هو الإطار الذي يجمع الزيدية وهم هنا كل الأئمة المجتهدين العدول من آل البيت وغيرهم من أئمة المسلمين..
يؤكد هذا أن المذهب هو نتيجة جهد جماعي لمجموعة من العلماء في عصر من العصور يقوم العلماء(المقررون) بتحديد الاختيارات الجديدة المعالجة للواقع ويطلق عليها تقرير
فالزيدي هو من يلتزم (بالمنهج)الذي برهن على صحته بالأدلة القاطعة و هو قواعد أصول الشريعة المجمع عليها من قبل أئمة المسلمين، وقد عبر عن هذا المعنى الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي في معرض إجابته على سؤال:عن ماهية المذهب الذي تضمنه متن الأزهار.
هل هو على مذهب إمام معين ؟ نحو الهادي – أو زيد بن علي – أو غيرهما؟ فإن قلتم :نعم: فلم يضعف كلام الهادي في بعض المواضيع أو غيره ويجعل المذهب غيره.......؟
فأجاب: أما المذهب الذي يتضمن الأزهار مسائله فهو أصول وقواعد أصلها وفسرها وأخذ بها المحصلون للمذهب مما تقرر عندهم من أقوال القاسم(الرسي)وابنه محمد والهادي إلى الحق وابنه محمد وأحمد عليهم السلام في فتاويهم ورسائلهم في جميع أبواب الفقه.
جعلوا المذهب ما انطبقت عليه تلك القواعد والأصول من مسائل الفروع في كل باب.
فما كان من أقوال الأئمة المتقدمين كزيد بن علي والصادق وأمثالهم وغيرهم ملائماً لتلك القواعد جعلوه مذهبا.
وبالنسبة لتضعيف قول من ينسب إليه المذهب – فالمذهب هو الأصول والقواعد وما انطبقت عليه من المسائل كما تقرر سابقاً فالتضعيف إنما هو مخالفة تلك الأصول)[34].
ولذلك فإن تطبيق المنهج أو الالتزام به من قبل المجتهد الزيدي قد يؤدي به إلى موافقة قول الشافعي وترك قول الهادي مخالفاً لما روي عن الإمام زيد بن علي (ع)،لأن المنهج هو المذهب،وليس نتائج اجتهاد الأئمة، فالزيدي هو الذي يلتزم بالمنهج ولا يقلد الأئمة في نتاج اجتهادهم،لأن أصول الفقه الزيدي (تنهج منهاج المتكلمين في أصولهم،فهي تقرر المناهج مجردة من غير محاولة أن تكون خادمة لفروع معينة فليس طريق استنباطها الرجوع إلى فروع،بل هي مستنبطه استنباطا منطقياً،فهي موازين لاتتجه إلى الموزون،ولكن يتجه المستنبطون إلى ضبط الميزان في ذاته......لأن المجتهدين من أئمة آل البيت في المذهب الزيدي كانوا لا يتقيدون بأصول معينة بل كانوا يجتهدون في الأصول كما يجتهدون في الفروع،)[35].(لأن علم الكلام كان قاعدة تقام عليها عمد أصول الفقه اعتبروا قضايا العقل الأصل الأول في علم الاجتهاد،وعلى المجتهد أن يسلك منهاج العقل في إثبات الأصول الأولى للاستنباط الفقهي ولذلك جاء في الفصول اللؤلؤية)[وكيفية الاجتهاد في الحادثة أن يقدم عند استدلاله،
قضية العقل المبتوتة
ثم الإجماع المعلوم،
ثم نصوص الكتاب والسنة المعلومة
ثم ظواهرهما،كعمومهما
ثم نصوص أخبار الآحاد ثم ظواهرها كعمومها
ثم مفهومات الكتاب والسنة المعلومة على مراتبها
ثم مفهومات أخبار الآحاد
ثم الأفعال والتقريرات كذلك
ثم القياس على مراتبه
ثم ضروب الاجتهاد الأخرى ثم البراءة الأصلية ونحوها])[36]
إلا أن السيد لقمان في شرحه للكافل يرتب الأدلة عند الزيدية بصورة تختلف قليلاً عما نقله الشيخ محمد أبو زهرة عن الفصول اللؤلؤية وهي (والأدلة الشرعية أربعة:وهي الكتاب والسنة والإجماع من الأمة أو من أهل البيت عليهم السلام والقياس)[1]
(والسنة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله وتقريره،والقول ظاهر وهو اللفظ المفيد وهو أقواها)(فما فعله الشارع وعلمنا وجوبه من أفعاله وتروكه فظاهر في أنه يجب علينا مثله،وما علمنا حسنه من أفعاله وتروكه دون وجوبه فندب،إن ظهر فيه قصد القربة،كالصدقات النافلة وإلا فإباحة،إذا لم يظهر فيه قصد القربة كالصيد،وتركه صلى الله عليه وآله وسلم لما كان قد أمرنا في وقت معين ثم لم يفعله في ذلك الوقت لا لسهو ولا لكونه نفلاً،علمنا أن الوجوب قد ارتفع
وفعله وتركه صلى الله عليه وآله وسلم لما كان نهى عنه يقتضي الإباحة
أما القسم الثالث وهو التقرير منه صلى الله عليه وآله وسلم لأحد على فعل أو ترك فإذا علم صلى الله عليه وآله وسلم بفعل من غيره ولم ينكره وهو قادر على إنكاره،ولاأنكره غيره دل ذلك التقرير على إباحته
وطريقنا إلى العلم بالسنة الأخبار،وهي متواتر وأحاد،والمتواتر يفيد بنفسه العلم بصدقه لأنه خبر جماعة عن جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب ولاحصر لعدده،بل هو ما أفاد العلم الضروري،والأحاد لايفيد بنفسه العلم بصدقه،ومنه المستفيض وهومازاد نقلته عن ثلاثة نوع من الأحادي وهو مسند ومرس



ولايؤخذ بأخبار الأحاد في مسائل الأصول أي أصول الدين وأصول الفقه وأصول الشريعة،لأن هذه إنما يؤخذ فيها باليقين وأخبار الأحاد لاتثمر إلا الظن
وكذلك لايقبل خبر الأحاد فيما تعم البلوى علماً وعملاً وفيما تَعم به البلوى عملاً كحديث مس الذكروكذا في وجوب الغُسل من غسل الميت وغسل اليدين عند القيام من النوم ففي قبوله خلاف بين الأصوليين،والصحيح أنه يقبل
وشرط قبولها:الأول العدالة،والضبط،وعدم مصادمتها دليلاً قطعياً،وفقد إستلزام متعلقها الشهرة،ويقبل الخبر المخالف للقياس فيبطله إذا كان القياس ظنياً أما إذا كان قطعياً فإن القياس يقدم على خبر الواحد{كقياس العبد على الأمة في تنصيف الحد}ويرد ماخالف الأصول المقررة)[37][1]
وبهذا يُفسر تقارب الزيدية المذهب مع الإمام أبو حنيفة والاحناف لاتفاقهما في(المنهج)،ويقارن الشيخ الجليل محمد أبوزهرة بين الزيدية والحنفية وهو حنفي المذهب ليخلص إلى القول(وفي المنهاج نجد المذهب الزيدي يأخذ بكل ما أخذ به الحنفية،فقواعد القياس عند الحنفية مأخوذً بها،وكذلك قواعد الاستحسان،حتى أن التعريف متحد في المذهبين،ولكن نجد أصول المذهب الزيدي أكثر اتساعاً من ثلاث نواحي:
أولها-أخذه بالمصلحة المرسلة،إذ أخذ أكثر أئمته بالمناسب المرسل،وعدوا ذلك من قبيل القياس،فهم قد زادوا في الأصول،أو وسعوا في معنى القياس أكثر مما توسع الحنفية،وبذلك يتقاربون من المذهب المالكي بمقدار إنفراج الزاوية عن المذهب الحنفي.
والثانية:-بالإستصحاب يوسعون الاستنباط فيه عن المذهب الحنفي،فيعتبرونه مثبتاً للحقوق،كما يعتبرونه حافظاً للحقوق الثابتة، بينما المذهب الحنفي يأخذ بالاستصحاب بقدرما يحافظ على الحقوق الثابتة،ولايأتي بحقوق جديدة.
والثالثة-أنه يفتح باب الحكم بالعقل إذا لم يوجد دليل.
وأنه بملاحظة أصول الزيدية يتبين أنهم أخذوا من الأصول والمناهج أوسعها مدى وكلما كثرت الأصول كان المذهب أكثر نماءً وأوسع رحاباً،فإذا أضيف إلى ذلك فتح باب الاجتهاد والتخريج في كل العصور وكثرة الأئمة الذين خرجوا واجتهدوا واختاروا مع فتح الباب للأراء في المذاهب الأربعة وغيرها كان هذا المذهب أكثر المذاهب الإسلامية نماءً وقدرة على مسايرة العصور.)[38]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق