الأربعاء، 22 يوليو 2009

رد لم ينشر عن المطرفية

هوامش عن المطرفية
الإثنين , 24 ديسمبر 2007 م

بعض دعاة الفتنة الذين يستهدفون الفكر الزيدي يعتمدون فيما يكتبونه عن المطرفية على ما نشره زيد الوزير في مجلته المسار ونشر في كتاب بعنوان المطرفية الفكر والمأساة ، ولما كان جل اعتمادهم هي الأحكام المتعجلة التي أصدرها زيد الوزير عن طبيعة الخلاف بين المطرفية والإمام عبد الله بن حمزة،فإن مناقشة سريعة لها قد تضع حداً لجرأتهم وقد تدفعهم إلى الإطلاع أكثر قبل تناول التاريخ بخفة،
وقبل البدء يجب القول بأنه لا جدال في أن محنة المطرفية نقطة سوداء مظلمة في تاريخ الزيدية،
إلا أن ما يكتب عنها يتجاوز المعقول ولا يستند إلى الوقائع التاريخية ولتوضيح الصورة نشير إلى أن زيد الوزير أغفل الوقائع التالية
1- أن المطرفية أكثر تشدداً في التعامل مع الخصوم من الإمام عبد الله بن حمزة وهذا ما ألمح إليه زيد الوزير نفسه في أكثر من موضع وذلك عند قوله بأن اتفاق الإمام واختلافه مع المطرفية والأمير العفيف كان يطرد مع مواقف الإمام من الجهاد فعندما يجاهد يتفقون معه والعكس .
2- هم من بدأ الحرب ضد الإمام عبد الله بن حمزة لأن أول خلاف بين المطرفية والإمام عبد الله بن حمزة بدأ قبل تكفير الإمام للمطرفية فقد جمعوا جمعاً كبيراً لمنع الإمام من قبول الصلح مع الأيوبيين وهذا ما يقوله د/علي زيد أنهم في عام 599هجرية (جمعوا جمعاً كبيراً من المقاتلين يقودهم الأمير المنتصر العفيف....وخرجوا بهم إلى بيت بوس جنوب صنعاء لمنع الإمام من قبول الصلح مع الأيوبيين لكن الإمام لم يستمع إلى نصيحتهم ولم يعتد بما جمعوا من المقاتلين. فقد وقع الصلح مع الأيوبيين مما أثار غضبهم فدفعهم إلى عدم الاعتراف بسلطته التي تقع تحت نفوذهم وباشروا قبض الزكاة فيها وأجروا الأحكام الشرعية وحلوا الخصومات والنزاعات) وحرب الإمام عليهم لم تبدأ إلا في العام 609هـ أي أنهم لمجرد التزام الإمام عبد الله بالصلح نكثوا بيعته وبغوا عليه بمنازعته لما هو من واجباته حصراً بناءً على ثقافتهم المشتركة مع الإمام عبد الله بن حمزة،جمع الزكاة والحدود .والجهاد..الخ ولذلك(نسب إليهم مشاركة الخوارج في ثلاث خصال :
:اعتراضهم على الإمام وطعنهم في سيرته وطلبهم منه أن يسير إلى رأيهم فإن امتنع نكثوا بيعته وخرجوا عن طاعته.ويشبه حاله معهم بحال علي بن أبي طالب مع الخوارج
:تجويزهم لأنفسهم تجييش الجيوش لمحاربة من تولى من الأئمة )
3 -المؤكد أن المطرفية أكثر حدة في التكفير لأنهم كما قال رئيس تحرير المسار (توصف بأتباعه{الإمام الهادي إلى الحق يحيي بن الحسين} المتمسكين باجتهاده، الذين يحرمون اجتهاد غيره على اجتهاده) فهي لا تعذر المخالف للإمام الهادي في الفروع فكيف ستعذر المخالف في الأصول والتكفير هو نتاج اعتقاد أن الحق مع واحد أي أنهم أكثر حدة في التكفير من الإمام عبدا لله بن حمزة .
4-لم يترددوا في مهاجمة الإمام عبد الله بن حمزة وإعلان الحرب عليه وعلى المخترعة قبل خراب "وقش" وقد اثبت هذا د/علي محمد زيد نقلاً عن "روضة الحجوري" (وفي سنة 609هجرية "1212و1213م"خرج محمد بن منصور بن مفضل وهو أخو الأمير المنتصر المذكور سالفاً وكان يدعى "المشرقي" لتردده بين "وقش" وممتلكاته في خولان العالية "المشرق" وتوجه إلى مسور بمن جمعه من المطرفية في وقش وغيرها ومن ناصرهم من رجال القبائل المجاورة ولعل سلطان مسور وعدهم النصرة بالمقاتلين. ثم خرجوا من هناك جميعاً إلى المصانع وحشدوا أنصارهم في الهجرة والأشمور وحلملم وما جاورها ........ فتوجهوا معهم لحصار قوات الإمام ...التي تتحصن في حصني عران والمصنعة) وقد أكد هذا رئيس تحرير المسار في تحليله لأسباب الخلاف ببقوله :( والآن ما هي الأسباب التي أدت إلى الخلاف بعد الولاء؟
يمكن إجمالها في خمس نقاط :
الأولى: اعتقاد المطرفية بمخالفة المنصور للهادي في الإمامة و مسائل الفروع
الثانية: طبيعة الفكر الذي يحملونه فبينه وبين فكر المنصور هوة لا تردم .
الثالثة: الشروط الرفيعة لمن يتبوأ منصب الإمامة،والتي من شأنها أن تفقد المنصور حقاً قانونياً .
الرابعة:إيمانهم باستمرار المقاومة وعدم مهادنة الظلمة .
الخامسة: تكفير الإمام لهم ){ }
فأربعة من الأسباب يتحملون مسئوليتها إذا جاز التعبير بحسب ما توصل إليه زيد الوزير فبالإضافة إلى ذلك تخطئتهم للإمام عبد الله ومنازعتهم له السلطة، وإنكار شرعيته بعد مبايعته فاستحلوا قتل الإمام قبل أن يستحل دمهم، والاستحلال هو نفسه بصرف النظر عن المبرر الذي يحتج به القاتل سواء كان المبرر ظلم الحاكم أم بغي وحرابة المحكوم فالقتل هو القتل بصرف النظر عن موقع القاتل والمقتول مادام القتل لم يتم بموجب حكم شرعي بات نهائي أو نص قطعي الدلالة والسند، .
5- الثابت أنهم كانوا يعتقدون وجوب قتل الإمام بينما الإمام لا يعتقد وجوب قتلهم بل جوازه والجائز قد لا نفعله بينما الواجب لابد من أن نفعله، بينما الإمام كان يعتقد جواز قتالهم
6-ما نسب إليهم من عقيدة اعتبروها جزءً من أصول الدين كان من الصعب على مخالفيهم تقبلها وفهمها في وقتها من ذلك ما نسبه زيد الوزير إليهم بقوله:(ويقولون إن الحوادث اليومية كالنباتات والمولودات والألم ونحوها حادثة من الطبائع الحاصلة في الأجسام ولا تأثير للقديم فيها أصلاً،ولهذا سموا طبائعيين .)[ ] ولذلك ألزموا باعتقاد نفي قيمومة الله على الكون، ونسب إليهم خصومهم القول بأنه(لوعدم الله{ونستغفر الله} لسار العالم على ما هو عليه )
أهم فكرة تميزوا بها بحسب زيد الوزير كانت عصية على فهم الآخرين لها (ويمكن تلخيص زبده أقوالهم في كلمتين هما:(الإحالة والاستحالة)وهم ينسبونها إلى الهادي)[ ]ويقول(إن الإحالة والاستحالة،هي النظرية التي لم يستوعبها المخترعة)[ ] وتعني أن الكون يخلق نفسه لأن الله خلق أصول العالم الأربعة وأودع فيها قوانينها وبالإحالة والاستحالة تتم عملية الخلق وليس لله تأثير فيها
7- الحديث عن الإبادة الجسدية فيه مبالغة لأن أكثرهم رجعوا عن مذهبهم، بدليل ما جاء في النص الذي أورده رئيس تحرير المسار عن العلامة يحيي بن الحسين (وقد كان المطرفيه قبائل ضخمه فأقماهم الله تعالى وطهر البلاد منهم،لما حاربهم الإمام المنصور قتل منهم واحتج عليهم بحجج كثيرة،والأكثر منهم تابوا ورجعوا وصاروا سيوفاً على الباقين)[ ] وهذا النص حجة على صاحب المسار ومن ينقل عنه أحكامه المتسرعة من وجوه عده منها أن اغلبهم رجعوا وتابوا عما كانوا عليه،والحديث عن ألاف القتلى فيه مبالغة لأن عدد السكان آنذاك وحدود المواجهة وأيامها والمعارك وأماكن وقوعها لم تتجاوز الآحاد بل أن زيد الوزير لم يذكر إلا مقتل 3 أشخاص من المطرفية، وقلة عدد القتلى لا يخفف من حجم شعورنا بالمأساة فقتل إنسان كقتل الناس جميعا ولكنا في مقام بيان وجود مبالغة فيما يكتب أي بيان عدم الدقة العلمية في وصف وتحليل ماحدث
8-المطرفية يوافقون الإمام عبد الله في التكفير بدليل تكفيرهم المجبرة والحكم بردتهم كما أنهم يزايدون على الإمام في الحكم على الحسينية مع أن الحكم على الحسينية مبني على الإلزام وإنما ألزم إلزاماً أو أسيئ فهم مقصده، والغريب أن من يعيب على الإمام عبد الله بن حمزة تكفيره للمطرفية لا يتردد عن التعبير عن تعصبه ضد الحسينية، مع أن الواجب رفض التكفير كمبدأ
9-لا توجد نصوص تاريخية تثبت وقوع السبي في حق المطرفية ولذلك نستبعد وقوع السبي في حقهم لأن أطراف الصراع هم الأسرة الواحدة أو القبيلة الواحدة فالانقسام مابين مطرفي ومخترعي كان يتم بين الأخ وأخوه، والأهم أننا لم نجد في ثنايا الكتاب المسمى المطرفية الفكر والمأساة وقائع محددة بوقوع السبي، ومع التسليم بأن الفتوى بالسبي صريحة فيما نسب إلى الإمام عبد الله بن حمزة إلا أنا نستبعد وقوعها في حقهم لأن السبي كما قال الإمام نفسه (ليس بواجب على الأئمة، بل لهم أن يسبوا وأن يتركوا ){ } وصرح في مقام آخر كما نقل عنه د/علي محمد زيد بأن الأولى عدمه حتى لا يقتدي بنا الظلمة
10-لم يذكر زيد الوزير أو غيره ممن نقل عنهم كم قتل من المطرفية؟ وكم نساء سبين؟ وكم طفل استرق؟ وكل ما نقله أن هجرة وقش هدمت بجوامعها ....الخ ، وعلى الرغم من حدة د/ علي محمد زيد في نقده للإمام عبد الله بن حمزة إلا أنه نص في كتابة على أنه (على الرغم من حكم السبي يسري على أطفال المطرفية والمخالفين ،فإن أحداً لم يسجل وقائع سبي الأطفال ){ } ونقول بأنه لم يسجل أيضاً وقائع سبي النساء ولا المذبحة،
إن أهم سبب للصراع هو عدم موافقة المطرفية للإمام عبد الله بن حمزة في خطه السياسي الواقعي الذي مال إلى المصالحة مع الدولة الحاتمية ثم الأيوبية وإصرارهم على استمرار الحرب وعدم المهادنة_وقد أصبحوا قوة فعبروا عن رفضهم لسياسته بمنازعتهم له السلطة وعدم التزامهم بمقتضى البيعة وجمعهم للزكاة مع رفض تسليمها له والتفافهم حول دعوة المشرقي،. هذه الأسباب هي التي أدت إلى مقاتلتهم لأنهم تجاوزوا كونهم أصحاب بدعة من وجهة نظر الإمام والمخترعة من قبله إلى أصحاب شوكة يمارسون البغي ،في سلوكهم السياسي قبله،بل وفي نصوص الإمام ما يوحي بأنهم مارسوا إرهابا فكرياً على من لا يرى رأيهم وفرضوا على من عاش معهم أن يسلم بما امنوا به وذلك في تعريفه لدار الحرب بأنها (القرية أو الناحية التي يتمسك فيها أهله بخصلة من خصال الكفر ،ولا يمكنون أحداً من السكنى فيها إلا بأن يظهر التمسك بما يدينون به من ذلك وأن من يظهر ذلك على غير ذمة أو جوار){} وفي كل الأحوال هم من وجهة نظر الإمام عبد الله بن حمزة أكثر كفراً وردة ممن أطلق عليهم المرتدين لامتناعهم عن تسليم الزكاة في عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأن المطرفية نكثوا البيعة بعد أن ألزموا أنفسهم بها وأولئك لم يعترفوا بشرعية ما حدث في السقيفة وتأولوا النص (خذ من أموالهم )بأنه خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يسلموا لأبي بكر أنه في مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لقد استند الإمام عبد الله بن حمزة في تبرير موقفه من المطرفية بما فعله الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه في حق الممتنعين من الزكاة لذلك لابد لكل باحث يسعى إلى تحرير الفكر الإسلامي من جذور تطرف وعنف السلطة أن يتناول الموضوع الأصل لأن الخليفة أبو بكر رضي الله عنه ينظر إليه على أن فعله عند أغلب المسلمين تشريع(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) خصوصاً والإمام عبدالله بن حمزة لم يجد مبرر لموقفه المتشدد من المطرفية إلا الاحتجاج بسيرة أبي بكر رضي الله عنه كما نقل عنه د/علي محمد زيد
11-أن المطرفية في مسألة الإمامة أشد تطابقاً مع ما ينسب إلى الجارودية من المخترعة وقد نص على هذا د/علي محمد زيد بقوله عن مطرف (ويستدل على حصر الإمامة فيهم بحديث يقول {إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض})[ ] بل و يعتبرون تقدم المشايخ على الإمام علي عليه السلام كبيره وليس صغيرة ومرتكب الكبيرة فاسق نجاته مشروطة بالتوبة ومع الإصرار على الكبيرة فهو هالك، فالمطرفية ليست كما أشاع عنها إسماعيل الأكوع في مسألة الإمامة(القول بجوازها في غير العلوي، إلا أنهم تميزوا عن المخترعة بالقول أن حصرها في البطنين استحقاق وليس تفضلاً، وأن النصوص الدالة على الحصر إخبار (لأن الله علم أنه لن يستحق الإمامة إلا الواحد بعد الواحد من آل محمد ) والخبر النبوي لا يمكن أن يتخلف
وفي روضة الحجوري نص على أن من الجارودية (المطرفية باليمن والمخترعة وهما فريقا الزيدية اليحيوية باليمن وقيل أن المخترعة من الصالحية) ص235مخطوط روضة الحجوري نسخة كتبت بخط صلاح احمد السودي في القرن الحادي عشر الهجري
ولهذا فإن الاعتقاد بأن المطرفية أقرب من المخترعة إلى الصالحية غير صحيح لأن المخترعة في مجملهم أقرب إلى الصالحية المطرفية منها، وهو الأقرب إلى المنطق لأن المطرفية عرفت بالتشدد في وجوب أن يكون الإمام هو الأفضل أي أنها لا تقول بجواز إمامة المفضول والعكس من ذلك المخترعة، وخلافهم مع الإمام عبد الله بن حمزة كما نقل صاحب المسار نتاج اعتقادهم أن عبد الله بن حمزة لا يستحق أن يكون إماماً ولم يعترفوا للعفيف بالصلاحية للإمامة ولهذا كان مجرد(داعياً)
وموقفهم من الصحابة أكثر تشدداً من موقف المخترعة ومن موقف الإمام عبد الله بن حمزة، وقد نقل محمد عزان نصوصاً صريحة في دلالتها على أن الإمام عبد الله بن حمزة كان معتدلاً في موقفه من الشيخين بل إن الإمام عبد الله بن حمزة احتج بفعل أبي بكر الصديق وسيرته وصحح موقفه وحكمه عليهم بالارتداد بينما المطرفية ينتقدون من يعتبر تقدم المشايخ على الإمام علي صغيرة مغفورة لاعتقادهم {أي المطرفية}أنها كبيرة وهنا يتطابق موقفهم مع ما ينسب إلى الجارودية
ولتوضيح اعتدال الإمام عبد الله والمخترعة مقارنة بموقف المطرفية نقول بأن الإمام عبد الله بن حمزة ينتقد تبرأ الأمامية من الشيخين حيث يقول:( ونحن وإياهم{أي الإمامية} قد اتفقنا على أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وأن من تقدم عليه فقد أخطأ وعصى فلو كان ما ذكروا من النص يوصلا إلى الضرورة لوصلنا)ويقول:(الظاهر المعلوم من الأئمة الطاهرين،والأئمة العلماء إلى يومنا هذا عدم السب والبراءة،ولا نجد أحدا ًيحكي عنهم حكاية صحيحة لسب ولا براءة، بل وكلوا أمرهم إلى رب العالمين){ }بل ويروى عنه قوله(ولا يمكن أحداً أن يصحح دعواه على أحد من سلفنا الصالح أنهم نالوا من المشايخ أو سبوهم بل يعتقدون فيهم أنهم خير الخلق بعد محمد وعلي وفاطمة)(وهم(أي أئمة آل البيت) لا يسبون الصحابة ولا يفسقونهم وإنما يخطئونهم في ترك الاستدلال .....){ }

وبعد ألا يجب على الإخوة الذين يرفعون أصواتهم لإرهاب الزيدية من خلال استرجاع مأساة المطرفية ومحنتهم بصورة مبالغ فيها، ألا يجب عليهم البحث أولاً في كتب التاريخ والعقائد أو على الأقل مراجعة ما يكتبونه هم ليستفيدوا منه في استنتاجاتهم بدلا من أن يتناقضوا معها كما فعل الأستاذ زيد الوزير الذي يتوحد مع المشرقي في الخصومة مع الإمام عبدالله بن حمزة ويستخدم محنة المطرفية وسيلة للثأر من الإمام عبدالله بن حمزة عصبية ً لجده

خواطر عن الاسلام والديمقراطية

الإسلام والديمقراطية
حسن محمد زيد

(( المطلوب لله من عباده الاجتهاد ،وكل مجتهد مصيب )) -من قواعد المذهب الزيدي التنوع والوحدة
يجب الاعتراف منذ البدء أن التاريخ مليء بالنماذج التاريخية التي لا يمكن الدفاع عنها للأنظمة الاستبدادية التي حكمت باسم الإسلام وادعت القداسة حتى وصل الأمر ألي أن يعتقد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك أن الخليفة لا يحاسب بل لن يحاسب يوم القيامة ويوافقه على ذلك أربعين عالماً من علماء السلطة لأن السلطة القوية المستبدة الدموية هي (الغاية) التي يهون في سبيلها ومعها التضحية بكل المبادئ والقيم والمثل التي جاء الإسلام للدعوة أليها (العدالة والمساواة وضمان حق الإنسان في الاختيار الحر وحقه في الحياة بكرامة وعزة .....الخ
وقبل الوليد قال والده عبد الملك لمن شمته عندما عطس بأنه سيقتله لو أعادها وأن من قال برأسه كذا (أي مال به ميلاً بسيطاً في حضرته قلنا برأسه بسيفنا كذا ومن قال أتق الله سيقتل
وَقٌولَ عبد الملك تعبير عن نزوع استبدادي لم يحفظ للإسلام أي حرمة (والله لو نازعني صاحب هذا القبر [مشيراً ألي قبر الرسول (ًص) لقطعت عنقه وقد قٌوِلَ نفس القول بعده الخليفة العباسي هارون الرشيد ومن قبله المؤسس جده أبو جعفر المنصور
واستبيحت الحرمات حتى وصل الأمر أن يبرر الفقهاء قتل سيد شباب أهل الجنة سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي سبط الرسول ويقتل معه أطفال بيت النبوة الرضع وتنتهك حرمات بنات النبي في كر بلاء ويسقن مأسورات لا حول لهن ولا قوة من جنوب العراق ألي دمشق ورأس الإمام الحسين على رأس القافلة يمثل بها وتشفياً في آل بيت النبوة ....ويبرر ذلك الفقهاء وبجرأة وصلت حد قول بعضهم ألي أن الحسين وأبنائه وأبناء أخيه قتلوا بسيف جدهم رسول الله (ص) بمعنى أن الرسول (وحاشاه ) هو الذي أمر بقتلهم حفاظاً على وحدة الجماعة التي يجوز قتل ثلثها من أجل الثلثان أو قتل ثلثاها لصلاح الثلث كما روي عن أحد الأئمة وبعد الحسين استبيحت المدينة المنورة ثلاثة أيام انتهكت إن صدق المؤرخون كل الحرمات وفعل ببقايا الصحابة من الأنصار والمهاجرين ما لم يفعل بأهل الأخدود وما لم يفعل الصرب والصهاينة بالعرب والمسلمين حتى قيل أنه في يوم الحرة بلغ عدد القتلى عشرة آلاف من بقايا المهاجرين والأنصار وأبنائهم ومواليهم وحملت ألف فتاة عذراء من بنات المدينة اغتصاباً.......الخ ومع ذلك لا يستنكر عالم أهل السنة ومؤرخهم وحجتهم في التفسير حتى اليوم(الحافظ بن كثير )إلا ما نسب من شعر ألي يزيد

ومنه القول

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع آلا شل
لعبت هاشم بالملك فلا ملك جاء ولا وحي نزل
وظاهرها الكذب عليه لأنه حتى لو كان يعتقد ذلك فأنه لا يمكن أن يصرح به لأن سلطته مستمدة من الإسلام وقدسيته في النفوس ومن غير المعقول أن يضحي بكل ذلك ليقول ما يقول يضاف ألي ذلك وهو الأهم أن (هاشم ) لم تحكم حتى يقال بأنها لعبت بالحكم ، ولكننا لا ندفع احتمال أن تكون شهوة الانتقام من الأنصار هي المحرض له على إباحة المدينة للأجلاف من جيشه وقد ثبت عدم محاسبته من نفذ الجريمة البشعة في حق الأنصار والمهاجرين فرضاه عن الفعل مقطوع به كرضاه عن المذبحة التي تعرض لها آل البيت في كر بلاء
وأبن كثير كغلاة من يزعمون أنهم أهل السنة من الحشو يه لم يستنكر فعل يزيد وجيشه بل برر له بدعوى أنه مجتهد وولي الأمر ولكنه استنكر نسبة الشعر ألي يزيد ولعن المفتري عليه ولم يلعن ما فعله يزيد لأنه مجتهد وإمام له ذلك (يراجع في ذلك تاريخ بن كثير /ج8/ص والإمامة والسياسة لابن قتيبة)
ولا يزال حتى الآن اغلب الإسلاميين يخشون من الاعتراف للأمة بحق الولاية على نفسها خوفاً من أن يختار أفرادها غير الإسلام لأن هؤلاء لا يؤمنون بخيرية المسلم ولا بصدق إيمانه أو أنهم لا يثقون بقدرته على التمييز فهو حتى اللحظة محجور عليه من قبلهم ومن قبل الحكام الظلمة المتحالفون مع وعاظ السلطة تاريخياً وزعماء الأحزاب والتنظيمات الإسلامية التي نشأت في أحضان أجهزة السلطة القمعية وتربت على سوء الظن بالمسلين وبالذات من لهم مواقف ناقدة للظلم أمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر وتحالفت مع السلطات وشاركت في القمع والتبرير له بدعوى محاربة الأحزاب العلمانية والشيوعية والقومية بل وحتى الإسلامية المخالفة لما ذهبوا اليه ولو في قضية فرعية ظنية اجتهادية
هذه الأحزاب لا تزال عاجزة عن الأيمان بان الإسلام لا يمكن أن يسود في مجتمع ما إلا إذا كانت الحرية المناخ الحاكم لهذا المـجـتمـع
ورغم القمع الذي طال حلفاء الظلم والاستبداد من الإسلاميين إلا أن رهانهم لا يزال على إمكانية وصولهم ألي السلطة بمعجزة (سماوية ) خارقة ليمكنوا من القوة التي سوف تستخدم لنصرة الإسلام في مواجهة أعدائه وأولهم أشدهم خطراً عليه وهم في كل الأحوال ومطلقها المنافقين أو المندسين أو شاقي عصى الطاعة المفارقين للجماعة الذين بايعوا ونكثوا بمجاهرتهم نقد خطايا دولة الإسلام وإمام المسلمين أو أمير المؤمنين ...........الخ التهم الذي لن ينجوا منها إلا من وضع صدفة في موقع الأمير أو الحاكم باسمه حتى ولو كان صاحب البيعة الشرعية بحسب منظومتهم الفكرية والأمثلة على هذا من الواقع المعاصر لا تخفى على عين البصير
والإشكالية بحسب ما اعتقد تتمثل في تحويل الدولة من وسيلة لتحقيق غايات ومقاصد الشرع

حفظ الحق في الاختيار الحر والتعبير عن ذلك بحرية

وحفظ الحياة حياة كل إنسان المسلم والكافر بتوفير ما يؤدي ألي ذلك ومنه بالضرورة القضاء على الأسباب المؤدية ألي تفشى الأمراض والفتن والجرائم وتوفير الغذاء والدواء ليصل الإنسان ألي معدل العمر الطبيعي
وحفظ العقل بتوفير فرص النمو العقلي الحر ومنع السموم والأمراض المؤثرة بالسلب على قدرة الإنسان العقلية بتوفير مناخ يساعد على نمو الصحة النفسية والعصبية .....ألخ
وحفظ العرض بمنع أي انتهاك لكرامة الإنسان والمساس بآدميته وحقه في الشعور بأنه خليفة لله كما كان أبوه آدم ممثلاً له في ذلك
وحفظ المال مال الأمة (مال الله الذي يستوي في الحق فيه خلق الله المسلم والكافر الطائع والعاصي .....الخ
بدلاً عن أن تكون الدولة وسيلة تحولت ألي غاية في ذاتها يتعبد الناس في الخضوع لها ولو جردوا من الحقوق والحريات وقٌتِلوا وصٌلبوا وحرموا من حقهم في أن يكونوا مسلمين بإرادتهم الحرة
تحولت الدولة إلا سلامية ألي قوة يراد منها وبها الغزو والقتل والنهب باسم الفتح ونشر الدعوة وإذلال المخالفين من أهل الكتاب ولكن قبلهم المبتدعة والبغاة على (الظلم ) من دعاة العدل /ولهذا لا تزال أعمال الظلمة عبر التاريخ( من وجهة نظر هؤلاء )رحمة على الأمة مع أنها كانت نقمة على خيار المسلمين /و لا تزال الحركة الإسلامية تتغنى بالجرائم التي تعرض لها الأخيار قبل الكفار على يد الحجاج وابن زياد ومسلم بن عقبة ومسرور سياف هارون ومجازر المتوكل العباسي وأمثاله مصدر فخر ويتغنى بها ويدان الضحية والمتعاطف معه رغم أن ما تعرض له أصحاب الأخدود دون ما حدث لأهل الحرة على يد جند الخلافة وما حدث للحسين وأهل بيته في كر بلاء وما حدث للعراقيين طيلة عقود من الزمن على يد ابن زياد والحجاج وخالد بن عبد الله القسري وآل المهلب بن أبي صفرة.....
لا تزال السلطة التي قتلت على الشبهة هي النموذج الذي يراد تكراره لأنه نجح في الانتصار على المخالفين ووسع دائرة الخراج بتوسيعه رقعة الدولة
لا يزال هارون الرشيد نموذجاً للفخر بحكمه مع نقضه للعهود واستباحته للدماء واستئثاره بمال المسلمين وجعله دولة للجواري والمخصيين
ما زالت الدولة (العثمانية ) هي الحلم الذي يراد تحقيقه رغم أن ما حدث منها في حق المسلمين تشيب منه الرضع
وفي تاريخنا في اليمن نسب إلى الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة أنه قتل كل (مطرفي) تمكن منه وجوز سبي نسائهم حتى بنات الأمام الهادي إلي الحق يحي بن الحسين ولو لم يكن مطرفيات بل لمجرد مجاورتهن للمطرفية في قراهم وهجرهم حتى لو كن غير راضيات عن المجاورة، مع انه كان يرى أن( المطرفية ) خلص أتباعه وشيعته لولا خلافهم معه سياسياً بتبنيهم دعوة (الداعي المشرقي )
ونحن نعتقد أن ما نسب إليه قد لا يكون حدث فعلاً حتى لو ثبتت الفتوى منه بجواز ذلك، لأن المفتي لا يعمل بما يفتي به إلا إذا صرح بأن ما أفتى به واجب عليه خصوصاً والمعارضة للفتوى لم تتوقف حتى سلم بأن الأولى عدم السبي ولأن إجماع آل البيت على عدم سبي نساء الباغي بل وعدم جواز قتله إلا إذا كان أثناء المعركة وهو مقبلا وليس مدبراً لقول الإمام علي عليه السلام موصياً أتباعه في معاركه مع البغاة عليه في صفين والنهر وان وغيرهما ولا تتبعوا مدبراً ولا تجهزوا على جريح وفي فعله هو مع عمرو بن العاص في معركة صفين وتعامله مع مروان بن الحكم عقب معركة الجمل رغم ما يمثلانه من خطر وما يلعبانه من دور في الإفساد والحرابة بل وتصريحه عدم إسلام مروان عندما رفض قبول بيعته
ونحن وإن كنا لا نصدق ما نسب ألي الإمام عبد الله بن حمزة إلا أن دفاع بعض المدعين الولاء له من أتباع المذهب الزيدي اليوم مع تسليمهم بصحة ما نسب إليه من إبادة المطرفية وسبي نسائهم يجسد الفهم ألا استبدادي في أوضح صوره خصوصاً وقد سيطر على بعض مدعي آلا نتساب ألي الإمام زيد بن علي الذي أحيا سنة أجداده الحسين وعلي والمصطفى عليهم الصلاة والتسليم ومن جاء بعدهم من الشهداء الذين قدموا حياتهم دفاعاً عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإماتة البدع الظالمة التي حرفت الدين لتستبد بالأمر دون الأمة وتستبيح الحرمات.......دفاع هؤلاء يمثل أزمة لأنه نقضٌ لكل ما خرج من أجله الحسين وقتل مع أبنائه في سبيله وخرج من أجله بعد ه الأئمة من (أهل البيت ) فهل خرج من خرج من الأئمة سلام الله عليهم ليستبيح عبد الله بن حمزة من يعارضه في الإمامة أو يختلف معه في قضية فيزيائية ؟ هل خرج الإمام زيد واستشهد الإمام الحسين ومن معه لتسبى بناته لمجاورتهن مكانياً دون اختيار منهن للمجاورة المخالف للإمام عبد الله بن حمزة في القول بأن الله يخترع المخلوقات آناً بعد آن ؟؟
وجوهر المشكلة كما نظن يكمن في التحريف الذي تعرض له الإسلام بتحوله ألي مسائل كلامية وشعارات وألفاظ وطقوس من قالها وتبناها فهو المؤمن المسلم الذي يجوز له إن تمكن قتل المسلمين المخالفين له في الفهم ولو كان ذلك في قضية متعلقة بالطبيعة والقوانين التي تحكمها إذا كانت القضية سيلزم منها بحسب فهم القيم على العقيدة [وكل جماعة أو طائفة أو فرقة تصبح هي القيمة على العقيدة المعنية بالدفاع عنها ليس بالحجة والبرهان ولكن بالقضاء على المخالف واستأصله من الوجود والأقربون أولى بالمعروف ] سيلزم منها الشرك أو الكفر
وبينما نجد الإمام الهادي يحارب (عقيدة الجبر) لأنها السبب في ركون الأمة ألي الظلم وسكوتها عن حقها في الحياة الحرة الكريمة ونجد الإمام زيد بن علي يعلن أن إنكاره تجييش الجيوش لغزو الأمم المجاورة لتوسيع الأرض الخراجية من أهم أسباب خروجه ويعلن بوضوح أن خروجه لتوحيد أمة جده صلوات الله عليه وعلى اله وليس تفريقها نجد هؤلاء يقرون ما نسب ألي الإمام عبد الله بن حمزة من فعل ليس له فعله شرعاً ويستحيل فعله منه عقلاً والمخالف فيه لما عليه المذهب وإجماع آل البيت ليعبروا عن نزوعهم العدواني وينفرون من الإسلام الذي ما جاء إلا ليحمي الناس من بعض الظلم الذي يتباهون بحدوثه ويدافعون عنه
ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم والإسلام يستخدم لتبرير الخيانة والانقلابات وعمليات القمع على مسمع من علماء الإسلام الذين قد لا يتحرجون في تكفير من يذكر بجريمة كر بلاء حتى لا تتكرر أو يدين أعمال العنف والإرهاب التي تمارس تحت مسمى الجهاد أو دفع المنكر أو تنفيذ حد الله في مسلم اتهم بالردة لمخالفته للمألوف من الفكر كما حدث للمفكر المسلم د/فرج فوده وسمعنا من يشهد من العلماء آلا جلاء الذين نظروا ضد آلا استبداد السياسي بأن القاتل مجرد مفتئت على السلطة بتنفيذه الحد الموكول واجب تنفيذه أليها ولأنها كانت قد أخلت بواجبها فأن الواجب لا يسقط وللمسلم المتعطش لسفك الدم أن يفعل ذلك عنها وليس عليه إلا عقوبة المفتئت على السلطة أن ثبت عدم قيامها بالواجب
يجب الاعتراف أن الإسلام بالفهم التاريخي الذي (لخبط في ترتيب الأوليات ) لا يزال يستخدم غطاءً للانقلاب على محاولات وجود وتكون الديمقراطيات في باكستان وتركيا والسودان.....
إلا أن الصحوة الإسلامية باتت أقرب ألي أن تخطو خطوتها الأولى في طريق تحولها ألي صحوة بالفعل من خلال وعيها بضرورة التمييز بين الإسلام الرسالة التي من الله والمسخ التاريخي الذي تجسد في الدولة التي تسلطت باسم الإسلام وانتهكت كل المبادئ والقيم والمثل الإسلامية
وكما أن علينا أن نعترف بذلك لنطهر الإسلام من الشوائب التي تلصق به من خلال عملية التوحيد بينه وبين التجربة التاريخية التي ادعت تمثيله مع أنها في الواقع وحقيقة الأمر مثلت به وشوهت معالمه وتعاليمه حتى بتنا كمن قبلنا ممن حولوا الدين الرسالة الرحمة ألي شعار وهوية يقاتل باسمها وتحت رايتها للاستعلاء على الآخرين ونهب ثرواتهم
علينا أن نذكر بأن التجربة الديمقراطية كانت منذ دولة المدينة في المجتمع (آلا ثيني اليوناني ) غطاء للعبودية ولا تزال حتى اليوم كما تتجلى في النموذج الأعظم الولايات المتحدة الأمريكية وعلينا أن نتذكر أن العبودية وانتهاك حقوق الإنسان والقتل لم تمارس من قبل الأنظمة الديكتاتورية والفاشية كما مورست من قبل الديمقراطيات الإمبريالية ألاستعمارية كبريطانيا ووريثتها الولايات المتحدة الأمريكية التي كان لها شرف استخدام القنبلة النووية لإرهاب الإنسان في العالم وإرضاء شهوة الانتقام لأن الحرب كانت قد حسمت لصالحها على اليابان ومذبحة مدينة (در زدن ) بعد استسلام (ألمانيا ) شاهد على ما نقول وبعدها عمليات الإبادة التي تعرض لها الفيتناميون (ثلاثة مليون قتيل ) بل والمذابح التي تعرض لها الهنود الحمر والعبودية التي لم تنمحي آثارها بعد على الأمريكيين الأفارقة حتى بعد إقرار قانون الحقوق المدنية الذي صدر في ستينات القرن الماضي ((والأقبح من كل هذه الجرائم هو أن الضمير الأمريكي الجمعي لم يشعر بالندم مما حدث بل على العكس لا يزال قتل الشعوب المستضعفة هو الورقة الانتخابية الرابحة في الصراع الانتخابي في معقل الديمقراطية والدعم غير المشروط وغير المحدود الذي يقدم للصهيونية للقضاء على شعب فلسطين لسيطرة اللوبي اليهودي على القرار الأمريكي يؤكد على أن النموذج الأمريكي لم ينجح في تجاوز سيطرة القلة المستبدة على القرار والحكم ضد مصالح الأغلبية الصامتة المسيطر على وعيها بوسائل الأعلام الديماغوجية
إلا أن الديمقراطية نجحت في تجنب الصراع المستمر على السلطة الذي حكم التاريخ مع أن أزمة الانتخابات الأخيرة في الولايات المتحدة تؤكد على قصور خطير في آلياته
ولا تزال السياسة آلا استعمارية آلإستكبارية المستبدة تمارس بوقاحة غير مسبوقة ولكن مع هذا ستظل الديمقراطية أفضل الأنظمة السياسية التي اهتدت إليها الإنسانية ولا يمكن القبول بأن تحسب عليها الجرائم التي ترتكب بدعوى الدفاع عنها وحمايتها كما أنه لا يجوز أن تحسب على الإسلام التجربة التاريخية التي زعمت أنها تحكم باسمه وتتبنى الدعوة إليه بل تحاسب وتقيم التجربة من خلال التزامها بقيمه ومبادئه وأهدافه وغايته
مدخل إلي الموضوع:

الحديث عبارة عن خواطر شخصية عن الإسلام ولا أدعي أنه الإسلام في ذاته لأن الإسلام الرسالة الإلهية أوسع وأعظم من أن يحيط بها فرد أو جماعة إلا إذا كانت معصومة
وأيضا َالحديث مجرد أفكار عامة وليست بحثاً علمياً
وكذلك الأمر بالنسبة للديمقراطية لأنني أفهم أن الندوة تبادل لوجهات نظر المشاركين كخطوة أولى للحوار الذي يستهدف الوصول ألي قواسم مشتركة لخلق حالة من الوعي بالإسلام, والديمقراطية معاً تساعدنا على القبول ببعضنا لأن ذلك وحده شرط الخروج من الأزمة التي انعكست سلباً على كل مناحي حياتنا, وأصابتنا بالعجز الشامل.

الإسلام

الإسلام بالمعنى العام كما افهمه:- هو-الاستسلام لله سبحانه وتعإلى، وبهذا المعنى كان أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام (( أول المسلمين)) كما نص القرآن الكريم على ذلك {ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً}{ملة أبيكم إبراهيم _هو الذي سماكم المسلمين }وحاكياً على لسان إبراهيم عليه السلام {وأنا أول المسلمين }وعلى لسان ملكة سبأ {أسلمت مع سليمان }
وهو مشتق لغويا ًمن السلام و الاستسلام معاً:- بمعنى الخضوع والقبول والتسليم
وهو عقيدة
وشريعة

عقيدة:- تتمثل في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر
الإيمان بالله:- إلهاً واحداً فرداً صمداً لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ليس كمثله شيء
غنياً حكيماً, عادلاً بمعنى أنه لا يظلم أحداً.......الخ

وشريعة:- تتمثل في الأوامر والنواهي التي منها:-
القطعي الدلالة والسند, وهي التي لم يختلف علماء الأُمة في فهمها
وظني الدلالة والسند،
أو الدلالة أو السند، ولذلك اختلفت أنظار علماء الأُمة في نتائج الاجتهادات المتعلقة بها.

وموضوع هذه الأحكام:- سلوك الأفراد والجماعات / علاقة الفرد بنفسه أو بغيره فرداً أو جماعة أو علاقته بالطبيعة من حوله.
وقوة الإلزام لضمان تطبيقها الإيمان بالله سبحانه وتعإلى، واختيار أغلب أفراد المجتمع لها كتشريع قانوني وعرف اجتماعي يحتكم الناس أليها ويقيمون بعضهم بموجب الالتزام بها.
والهدف منها صلاح الفرد والجماعة ليسود السلام ويتحقق العدل والمساواة وتضمن حرية الأفراد والجماعات
والإيمان بالله لا يمكن أن يكون إلا بمحض اختيار الأفراد أنفسهم ((لا إكراه في الدين)) ((فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )){{ ليحي من حيَ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة }} والحياة والهلاك يوم الدين أي يوم القيامة

* من قواعد المذهب الزيدي
هذه الأوامر التي تسمى أحكاماً منها ما يعرف بالعبادات وأحكامها في الأغلب توقيفية أي غير محكومة بعلة سوى الطاعة لله بإخلاص أي دون ترغيب أو ترهيب من أحد لأن فعلها من أجل الآخرين شرك خفي [رياء].
و الحكمة منها كما يرى البعض تربية الفرد والجماعة على أن يكون أقوى وأفضل, وأكثر إنسانية وأقدر على حب الأخر واحترامه، وأعمق وعياً بالكون والحياة وأقرب إلى التشبه بأخلاق الله كما أُمر أن يكون ((تخلقوا بأخلاق الله))....كما جاء في الحديث
وأحكام المعاملات هي الأحكام المحكومة بالعلة منها:-والغاية التي يُبتغى الوصول إليها سماها بعض الفقهاء الأُصوليين بمقاصد الشريعة ((1-حفظ الحرية في اختيار الدين أوفي البقاء على الفطرة التي تعني الإسلام
2- الحياة
3- العقل
4-العرض
5-المال))
:-أو جلب المصالح ودرء المفاسد.
ولما كانت أحكام المعاملات هي موضع التشريعات القانونية التي تصدرها المجالس التشريعية وتصدر بها القوانين بقرارات محكومة بالعلة منها أو بالقصد من الأمر والنهي المتعلق بها _لما كانت ظنية اجتهادية( كل مجتهد مصيب فيها) فإن الجماعة {في البرلمان أومن يؤدي المهام التشريعية} أقدر على تطوير التشريعات بما يحقق المصلحة منها وفي نفس الوقت يفتح باب التعددية في أوسع مدى له.

الإسلام والدولة

لقد كان إبراهيم عليه السلام ا ول المسلمين ، وكل الأنبياء والمرسلين ومن تبع هديهم بالمعنى العام للإسلام مسلمين أو على الأقل الأنبياء من آل إبراهيم [عليهم السلام ] كأبيهم مسلمين بل أكثر إسلاماً منا
والرسول صلى الله عليه واله وسلم:- لم ينشأ دولة بالمعنى المعاصر للدولة في عصره ولم يسعَ ألي ذلك ولم يأمر أتباعه بفعل ذلك و أيضاً لم ينههم عن إنشائها.
ولكن وجودها نتيجة حتمية لوجود المجتمع المسلم الذي واجه تحدياً تمثل في الأخطار التي أحاطت به وهددت وجوده وحقه في المحافظة على حرية أفراده في اعتناق عقيدة الإسلام
لقد أوجد الرسول صلى الله عليه واله وسلم في المدينة ((مجتمعا له دولة))ً كان الرسول صلى الله عليه واله وسلم ((إمامه)) وشاهداً عليه وعلى الأُمة من بعده.
وأي قراءة لتجربة الإمام علي عليه السلام تبين أن الإمام علي عليه السلام عمل على التخلص من( مظاهر سلطة الدولة التي كانت قد بدأت بالتشكل في عهدي عمر وعثمان رضي الله عنهما)
وكأن الإمام عليه السلام كان يرى في وجود (سلطة للدولة ) تأثيرسلبي على إمكانية أن يكون المرء مسلماً في ضل وجود دولة تملك سلطة قد توحي للمسلم بإمكانية أن تمارس عليه قهراً وبالتالي تحد من حريته فتكون اختياراته متأثرة بفكرة السلطة الموجودة من قبل الدولة عليه إما رغباً أي طمعاً في عطاء السلطة التي كانت تملك الكثير منه في مخازن بيت المال أو في ألا قطاعات التي كانت تحت تصرف الخليفة ولذلك فقد كان أول عمل قام به الإمام كما يروى توزيع العطاء بالتساوي بين المسلمين الحر والعبد سواسية فيه إن المال مال الله والخلق عيال الله لا فرق بينهم فيه يستوي المهاجر مع الأنصاري مع الموالي الأقدم إسلاماً مع حديث العهد بالإسلام لأن السبق ألي الإسلام والفضل فيه سيجازي به الله يوم القيامة كما قال وبعد أن وزع ما في بيت المال غسل المخزن وصلى فيه ركعتين ليعلم الجميع أنه لا يوجد في بيت المال مال مخزون يمكن أن يرجوه أحد لتكون مواقف المسلمين متحررة من الطمع في العطاء وأيضاً متحررة من الخوف من قوة السلطة لأن السلطة لا تملك من المال ما يمكنها من تحويله ألي قوة تستخدم لفرض إرادتها لأنها تريد أن يكون الناس فيما يتخذونه من مواقف أحرار يريدون باختياراتهم الله سبحانه وتعإلى أو الدنيا ولذلك روي بالتواتر أن الإمام علي كان يحرض أتباعه أو بمعنى أدق المؤتمين به على أن يراجعوا مواقفهم بالبصيرة أي أن يفكروا هل هم على حق هل هم مع الحق لأنهم قد يقتلون وسيلقون الله ويسأل كل واحد منهم:_ لماذا كان في هذا الموقع وليس في الموقع آلاخر؟؟
ولا يكفي أن يجيبوا أنهم كانوا مع علي وعلي مع الحق لأن الحق لا يعرف بالرجال وإنما يُعرف الرجال بالحق ولطالما ردد الإمام ((اعرف الحق تعرف أهله))
وهذه هي الإمامة الدينية التي تريد أن تقود من معها إلي الجنة
ولكي تفعل ذلك لابد أن تحررهم. من أي عامل ضغط وإكراه خارجي (والسلطة أي سلطة لابد أن تمارس ضغطاً وقهراً )
حتى لو قلنا أن الناس اختاروا ذلك وتعاقدوا عليه ألا أن فعل السلطة لا أجر عليه أو فيه
ونجد الإمام علي(ع) يميز بوضوح بين الدولة التي تملك سلطة رمزها أمير لابد من وجوده براً كان أو فاجراً للحد من الخصومات ومنع التعديات.....وبين الدين الذي لا يكون ألا مع إخلاص العبادة لله النابع من الإنسان الحر
الدولة لا دين لها كالقبيلة والعصابة والحزب والنقابة والمنظمة ولكن يمكن أن نحاكم ما يصدر عنها ومنها بمعايير الدين الإسلامي وبمقدار ما تبتعد عن كونها سلطة ملزمة من الخارج على الفرد أو الأفراد الذين ينضوون تحت مسماها تكون قريبة من الإسلام والعكس.أي بقدر ما تضمن من حرية وتحقق من عدل وتزيل من ظلم وتحفظ من كرامة كل إنسان وماله وحريته تكون قريبة من الإسلام والعكس صحيح
الدولة أي دولة لابد من امتلاكها سلطة قهر على الإنسان من خارجه،
والمسلم لكي يكون فعله خالصاً لوجه الله يجب أن يكون فعله نابعاً من ذاته الحرة غير الخاضعة لا ي إكراه أو قهر من الخارج...
يمكن أن نقول أن الإسلام تعامل مع ظاهرة الدولة كأي ظاهرة اجتماعية أخرى كالرق مثلاً أو القبيلة سلم بوجودها ولكنه لم يمنحها القداسة التي يريد البعض أن يمنحها فيسئ بذلك ألي الإسلام
الإسلام لم ينشئ العبودية ونظام الرق ولم يوجب وجوده وكذلك لم يأمر بوجود القبيلة بل تعامل معها كأمر واقع بهدف الحد من الضرر الناتج عن وجودهما وشرع من الأحكام ما يؤدي ألي القضاء على وجود الرق وإلغاء العبودية لغير الله والقضاء على كل مظاهر الانحراف في الممارسات القبلية الجاهلية أي حولها من عصبية جاهلية بغيضة ألي ولاء ومسئولية تحد من الممارسات السالبة
لقد أراد الإسلام أن يوجد مجتمعاً يمثل في علاقاته (أمة) كل فرد فيه (أمة )
((إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فعبدون))
((ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر))

الدولة

الدولة:- كالقبيلة كالأُسرة نظام اجتماعي وكذلك العشيرة واتحاد العشائر والنقابة والحزب والتنظيم والمؤسسة والشركة وتكتل الشركات والاتحادات والتعاونيات والعصابات والأجهزة .....الخ الأشكال ا لمنظمة للعلاقات الإنسانية، التي عرفتها البشرية وستعرفها لتنظيم علاقاتها بالصورة التي تعتقد أنها عملية لتحقيق مصالحها ولحل مشكلاتها،
والإسلام بأي معنى نظرنا إليه يمكن أن يتجسد في واقع وحياة فرد في مجتمع (مكة) قبل البعثة النبوية أو في واقع وحياة جماعة قبلية في أي مرحلة في المستقبل سابقة، فيكون المستسلم لله مسلماً وتكون الجماعة المستسلمة لله مسلمة بصرف النظر عن المرحلة التاريخية التي يعيش فيها((كأنبياء الله بدءً من أدم وختاماً بالرسول الأعظم صلوات الله عليهم أجمعين)) أو التكوين الاجتماعي الذي ينتمي إليه
والاستسلام لله بناءً على ما أسلفنا:- هو-الخضوع باختيار حر وإرادة لا اكره عليها، لأوامره واجتناب نواهيه وهذه الحالة يمكن أن نصف بها أي فرد أو جماعة أو مجتمع،ً أو أمة ،مادامت محكومة بالعدل في علاقاتها، وتسود بين أفرادها المساواة ,والأُخوة ويتمتع أفرادها بالحرية
فالعلاقات هذه تكون علاقات إسلامية سواءً كانت هذه الجماعة أو الأُسرة تعيش في غابات( أفريقيا) أو (الإسكيمو) أوفي دولة (اسكندينافية) تعيش اليوم أو في القرن الأول الهجري أو بعد ألف عام
كان الحاكم مسلماً أو ملحداً، ً المهم أن لا تكون الحكومة والحاكم ظالماً لأنه لو كان كذلك حتى لو كان ممن ينتمي إلى الجماعة المسماة بالإسلامية فإنه (أي النظام سيكون نقيضاً للبيئة التي يمكن أن تسمح بوجود مسلمين يجسدون الإسلام في علاقاتهم )
بمعنى أوضح تكون الدولة مسلمة مادام أفرادها يتمتعون بالحرية في أن يكونوا ما يريدون لأنفسهم والعكس حتى لو كان الحاكم ملحداً.
وقد شاع في أدبيات الثقافة الإسلامية أن (الدولة) من حيث النشأة واجب ديني لإجماع الصحابة رضوان الله عليهم على نصب خليفة بمجرد علمهم بوفاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم و لأن بعض الأحكام الشرعية متوقف تطبيقها على وجود الدولة الإسلامية {إمام أو خليفة أو أمير أو سلطان...الخ من هذه الأحكام إقامة الحدود والجهاد.....وحفظ الأمن ورد المظالم } بل أن بعضهم اشترط لصلاة الجمعة وهي واجبة وجود إمام عادل ومالا يتم الواجب إلا به فيجب كوجوبه.بالإضافة ألي وجود الكثير من النصوص الدالة على وجوب طاعة أولي الأمر كقوله تعإلى ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمرِ منكم...... )) النساء59 وقد جاء في الآية التي قبلها((......وإذا حكمتم بين الناس أَن تحكموا بالعدل.....))

ووجوب الوحدة بالاعتصام بحبل الله...الخ
والشائع في الثقافة الإسلامية أن الإسلام دين ودولة ولا يمكن الفصل بينهما.
وللإمام عز الدين بن الحسن رسالة حول الموضوع يمكن القول أنها تتضمن رؤية يفهم منها موقفاً مختلفاً عما هو شائع بل أنها تبرير صريح للقائلين بعدم وجوب الإمامة مع أن الإمام عز الدين كان وقتها إماماً،
تبدأ الرسالة وهي موجهة إلى علماء الأمة في زمنه والمقصود بهم العلماء في اليمن بالسؤال آلا ول:_-

((هل الإمامة من المسائل القطعية أم الاجتهادية؟

والأدلة القاطعة الشرعية التي ليست:- إلا الكتاب الصريح، والسنة المتواترة، والإجماع والقياس القطعيين ولم يصح لي ثبوت شيء من هذه الأدلة القاطعة لا في هذه المسائل ولا في شيء منها !!))
ويناقش أدلة القائلين بوجوب نصب إمام وعلق عليها قائلاً بأن أشفها:_
{1} إجماع الصحابة:-وبعد إيراده للدليل يعلق بالقول (وهذا الدليل عن القطع بمراحل !وكيف وهو لو صح إجماع فعلي فقط ؟!وعدم حصول التواتر بالنقل عن كل واحد من الصحابة معلوم ،وأي مسألة يكون دليلها الإجماع فالأقرب عدم تأتي القطع فيها وهي بأن تكون ظنية أولى وهيهات أن تجتمع شرائط الإجماع القطعي في حق أئمة النقل والتنقير، فكيف بأهل الإهمال والغفول الكبير.ولو قدرنا حصول شرائط الإجماع وتواتره عن كل واحد من الأمة، فقد ورد على ما يجعله دليلاً{أي على كون الإجماع دليلاً}وهو الآية الكريمة: [[وَيَتَبِعْ غَيْرَ سَبِيلٍ المؤمِنِينَ نُوَلهِ مَا تَََوَلًى]] النساء 115/)ما ورد وحكم عليها الفحول بأنها من الظواهر وليست من الصرايح في الدلالة.
{2}أن الله تعإلى فرض الحدود:- وأمر بإقامتها، ثم وقع الإجماع على أنه لا يقوم بها إلا الإمام، فيجب فعل مالا يقوم الواجب إلا به.
وهذا يترتب على ثبوت هذا الإجماع المدعى، ونقله تواتراً، وفي ذلك من البعد مالا يخفى، بل هو في حكم المتعذر المستحيل......وأورد اعتراضاً أخر، وهو أنه لو كان نصب الإمام واجباً على الأمة، لما أجمعوا على ترك هذا الواجب، ولا كلام في خلو بعض الأزمنة عن الإمام )
ويختم كلامه حول هذا السؤال بقوله (فانظر إلى هذه الأدلة التي وُسمت بكونها يقينية.
الثاني:_ما يترتب على القول بقطعية الإمامة إذا صح أن الإمامة قطعية لا يجوز الأخذ فيها إلا بالدليل القاطع، وأن الحق فيها مع واحد، لزم على هذه القاعدة كل واحد من المكلفين مع وجدان من يدعي الإمامة، أن ينظر في المسألة:0أصولها وفروعها، ولا يجوز له الإقدام والإحجام ولا الإثبات ولا النفي ألا بعد أن يطلع على أدلتها...حتى ينتهي إلى العلم بوجوب متابعة هذا الداعي وصحة دعواه أو خلاف ذلك وألا كان مخطئاً أثما ًسواء وافق الحق في نفس الأمر أم لا، لأنه لا فرق بين الإقدام على الخطأ، وبين الإقدام على ما لا يؤمن كونه خطأ في القبح.......ومن توابع القول بكونها قطعية أنه يلزم الأئمة وغيرهم الإنكار على من اعتقد صحة إمامتهم من غير فهم القواعد، والوصول في ذلك إلى العلم اليقين لأن من كانت هذه صفته مُقدم على قبيح ومرتكب له والإنكار على مرتكب القبيح واجب (فهذا ما يقتضيه القول بأنها قطعية)
الثالث:-حكم النافي لإمامة الإمام والمتوقف فيها:-
والعجب مما ظهر في زماننا من تجاسر غير العارفين – من المثبتين للإمامة-على تفسيق النافي لها أو المتوقف، ولعنه واعتزال الصلاة خلفه مع أن التفسيق لا يصح الأخذ فيه والإثبات له إلا بالبرهان القاطع، والذي لا مانع له ولا مدافع، من كتاب صريح أو خبر متواتر صحيح أو إجماع قطعي واستبعدوا أن يكون القياس من طرقه لتعسر القطع بعلة الحكم وانحصارها وعدم تعددها، والمعلوم أنك لو سألت كل واحد من هؤلاء المذكورين عن معنى الفسق وأسبابه وطرقه وأحكامه، لما درى كيف يجيبك دع عنك كون الإمامة والتوقف فيها يقتضيه.
وفي الحقيقة أن التعجب من علماء زماننا الراسخين في العلم -..كيف سكتوا عمن هذا صفته؟مع وجوب التنبيه والتعريف بما يتحتم في الدين الحنيف ،فإنه إن سلم ثبوت الفسق في هذه المسألة ،لم يحسن تقرير أرباب التفسيق من غير استدلال وتحقيق بل يجب الإنكار عليهم الأعذار في ذلك إليهم، فما ظنك بمن يلقن الجهلة ذلك ويفتيهم ويأمرهم باعتقاده ؟؟!
ثم أنا نقول:- أي الأدلة المعتبرة دل على فسق من ينفي إمامة إمام أو يتوقف فيها ؟وأي طرق العقل أو الشرع اقتضى ذلك ؟!أما العقل فلا مجال له هنا

فما حجة القائلين بذلك والذاهبين إليه من أدلة الشرع ؟

أما أكثر أئمتنا وعلمائنا فالظاهر عنهم القول بعدم التفسيق ولهذا نُقل عنهم حُسن الثناء على المشايخ المتقدمين على أمير المؤمنين علي عليه السلام والترضية عنهم والتعظيم العظيم لهم، مع أن أولئك المشايخ المذكورين نفوا إمامة علي عليه السلام، وزادوا على النفي بما ظاهره البغي فإنهم تصدروا وأهلوا نفوسهم للإمامة، ورأوا أنهم أولى بها منه هذا وإمامته عليه السلام أظهر من إمامة غيره، لقيام النصوص عليه ووضوح الدلالة على عصمته وكثرة فضائله وعلو مكانته وارتفاع مكانه.
ونقول سلمنا أن الإمامة قطعية فليس من لازم كل مسألة قطعية أن المخطئ فيها فاسق إذ ليس كل خطأ كبيرة فإنه لا يثبت كون المسألة كبيرة إلا بدليل..من ثبوت الحد عليها أو التصريح بعظمها أو فحشها أو كبرها أو نحو..أو الوعيد عليها بعينها، على خلاف في ذلك، ولا أعلم حصول شيء من هذه الطرق في مسألتنا، ولا قضت بذلك معاملة السلف وأحوالهم بل قضت خلاف ذلك....
ثم يستشهد بتعارض أئمة الزيدية فيما بينهم مع عدم تفسيق أي منهم للأخر بل كانوا بحسب تعبيره أهل تواد وإنصاف حتى أن من كتب منهما إلي صاحبه كان من ألفاظ كتابه جعلني الله فداك
ويختم الرسالة بالكلام عن حكم شهادة من نفى إمامة الإمام بالتأكيد على قبول شهادته ووجوب الصلاة خلفه مستشهدا على صحة ما ذهب إليه ً بنصوص للإمام المؤيد بالله يحي بن حمزة)) [1]
وتكمن أهمية القول( بظنية وجوب الإمامة ) والقول بأن النافي لها أو, المتوقف فيها معذور لا يجوز حتى اعتقاد عدم عدالته إذا أسقط على واقعنا المعاصر واستخدمنا لغة العصر أن الذي لا يعتقد يا لتلازم بين الدين والدولة من المسلمين لا تجرح عدالته في نظر من يعتقد بالوجوب لأنه لا يقول بأن دليل الوجوب قطعي الدلالة.
وأن الإمامة ((رئاسة عامة))وجدت لا داء وظائف لكن الاعتقاد بوجوبها شرعاً لا يكون إلا على من يعتقد ذلك
وبهذا يمكن أن تنشأ جماعات إسلامية تنطلق من فكرة وجوب قيام دولة إسلامية وتسعى في سبيل إقناع الناس باختيار هذه الجماعة لتجسيد برنامجها وفي نفس الوقت تؤمن بواجب احترام وحماية حق من لا يعتقد ذلك بالعمل على إقناع الناس ببرنامجه الذي لا يدعي أنه الشريعة الإسلامية وهم في هذه الحالة في نظر من يدعون أنهم إسلاميون (مسلمون مؤمنون)عدول ثقا ت تصح الصلاة خلفهم
وما دامت القضية ظنية فإن التعددية الحزبية في المجتمع الإسلامي ظاهرة ليست مشروعة فحسب بل واجبة لعدم جواز التقليد على القادر على الاجتهاد والتعدد الحزبي لن يقتصر على تعدد الأحزاب الإسلامية بل وغيرها لأن كل المشاركين في العمل السياسي عدول ثقاة يؤدون الواجب الذي يعتقدون تعينه عليهم
وبناءً على القاعدة الأصولية فإن على كل طرف اعتقاد صحة فعل المخالف لأن الكل مصيب ومأجور وعلى حق مادام يهدف ألي المصلحة العامة.

الديموقراطية

الديمقراطية:- حكم الشعب نفسه بنفسه كما تعرف قاموسياً ويعرفها المرحوم مالك بن نبي سلطة الشعب أو سلطة الإنسان وهي بهذا المعنى من وجهة نظره مفهوم عملي في مقابل (الإسلام ) كمفهوم ميتا فيزيقي يفيد في مجمله ((خضوع الإنسان لسلطة الله في أي نظام ))وبناءً على ذلك يرى عدم وجود وجه مقارنة بين مفهوم سياسي في نظام اجتماعي معين ((الديمقراطية))ومفهوم ميتا فيزيقي مجرد
ومقابلها في التعريف القاموسي الحكم الديكتاتوري الأرستقراطي, الأليجاركي و الثيوقراطي،
مصدر السلطة في النظام الديمقراطي الشعب وتمارس من قبل أفراد الشعب مباشرة وبالوساطة،وتتجسد في مؤسسات (تشريعية و قضائية وتنفيذية)
أي أن الشعب يختار التشريعات التي يحكم بها عن طريق الاستفتاء المباشر على النصوص سواءً كانت دستورية أو قانونية أو قرارات وإعلانات أو اتفاقات ومعاهدات وعن طريق اختيار نواب عنه يملكون حق إصدار القوانين وتعديلها وإقرار الاتفاقيات أو رفضها.....الخ
ويمارس السلطة التنفيذية مباشرة عبر الإدارة المحلية أو من خلال انتخاب أعضاء السلطة التنفيذية مباشرة :كانتخاب رئيس السلطة التنفيذية بالتصويت عليه مباشرة أو عن طريق انتخاب مندوبين أو نواب يقومون بذلك((بحسب طبيعة النظام الديمقراطي أو بحسب شكله ،ديمقراطي برلماني أو رئاسي أو مختلط ،مركزي أو لا مركزي...الخ

وتتمتع السلطة القضائية بالاستقلال .

وتسود في المجتمع الديمقراطي مبادئ كالمساواة بين المواطنين أمام القانون وفي الحقوق الأساسية (إن جميع الناس يولدون متساوين)كما جاء في إعلان الاستقلال (الأمريكي).

الإسلام والسلطة

ما هو مصدر السلطة في المجتمع الإسلامي؟؟

هل يجوز القول أن مصدرها الشعب ونظل مسلمين مؤمنين ؟أم أن هذا القول يتصادم مع حكم قطعي من الأحكام التي يعتبر مخالفها مخالف لمعلوم من الدين ضرورة؟؟
بمعنى أخر هل مقتضى الإيمان بالله يحرم علينا الاعتقاد بأن مصدر السلطة في أي مجتمع أو في مجتمع ما الشعب؟؟

هل يتعارض هذا مع مبدأ التوحيد ؟؟

هل يناقض مبدأ الإيمان بالله أو بالملائكة أو بالكتب السماوية واليوم الآخر والبعث والحساب والعقاب والجبة والنار؟؟

هل في أركان الإيمان أو الإسلام ما يلزم منه كفر القول و الاعتقاد بأن السلطة للشعب وهو مصدرها؟؟

إجابتي ببساطة شديدة هي النفي إن السلطة التي نتحدث عنها هنا التي تمارسها أي حكومة سواءً كانت في المجتمع الإسلامي أو في أي مجتمع آخر تستمد من الواقع الذي تتجسد فيه وهو واقع إنساني ولا علاقة للدين أي دين بها إلا بمقدار تأثيره على وعي القوى المؤثرة في المجتمع وانعكس في سلوكها السياسي فالناس مصدر السلطة في أي مجتمع ،
ولا يوجد نص في القرآن الكريم أوفي السنة النبوية المطهرة يتعلق بالنص صراحة على إجابة محددة على هذا السؤال تتعارض مع الواقع الاجتماعي الذي يؤكد على أن مصدر السلطة هو الشعب أو بعض القوى المسيطرة فيه حتى في المجتمعات التي حكمة بدعوى الحق المقدس .
ولكي يتمكن المسلمون في أن يحكموا بما لا يتعارض مع ما يؤمنوا به يجب أن يناضلوا لتكريس هذه الحقيقة التي بتجاهلها وبالالتفاف عليها يجردوا من حريتهم و بالتالي يجردوا من إمكانية أن يكونوا مؤمنين مسلمين لأن الإيمان شرط الحرية كما أنها شرط صحته ولا يمكن أن يوجد مجتمع مسلم لا يكون المجتمع مصدر السلطة فيه ويحكم بالإسلام .
فالتسليم بأن الشعب مصدر السلطة ومالكها في المجتمع المسلم هو الضمان لأن يُحكم المسلمون بالإسلام عن قناعة على العكس من ذلك عندما يجرد الشعب من السلطة ويحكم من قبل من يدعي أنه يستمد سلطته من الله أو من يدعي أنه يحكم باسم الله لا يمكن في مثل هذه الحالة أن يحكم المسلمون بالإسلام بل سيحكمون بالأهواء والرغبات الفردية التي وإن ادعت الحرص على الدين فلن تجسده ولو أرادت ،لان السلطة مفسدة وهي أكثر إفساداً إذا مُنحت القداسة .
قال تعإلى ((المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأمرهم شورى بينهم00000 ))
ومصداق ولاية المؤمنين على بعضهم هو أن تكون السلطة فيهم وتكون مستمدة منهم أي أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم.
وهذا الرأي نجد له تأصيلاً فقهياً لدى الإمام المؤيد بالله يحي بن حمزة((توفي عام 749على الهجرة)) في قوله كما نص عليها في مقدمة موسوعته الفقهية الانتصار
((واعلم أن هذه المقدمة لابد للفقيه الخالي من علم الأصول من إحرازها والإحاطة بها لأوجه ثلاثة:
أما أولاً:-فلأن يُعلم فضل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على غيره من الأنبياء بما خصه الله تعإلى بما لم يخص به غيره من الرسل وفضل هذه الشريعة على غيرها من سائر الشرائع المتقدمة باتساع طرقها وامتداد أطرافها وفضل هذه الأمة على غيرها من الأمم السابقة بأن جعلهم حاكمين في كل حادثة بأنظارهم الثاقبة ،وفاصلين في كل قضية بمواد فكرهم الصائبة.
وأما ثانياً:- فلئلا يستوحش الناظر لما يرى من كثرة الخلاف في كل مسألة من المسائل الاجتهادية ،فإذا عرف أنها كلها صائبة هان عليه الأمر ولم يعظم عليه الخطب فيبقى في حيرة من أمره ،فإذا عرف أنها كلها على الحق زال عنه الخوف وزاح عنه الطيش والفشل.
وأما ثالثاً:- فلئلا يستعجل إلى تخطئة من يخالفه في المسلك ،فيحكم له بخطأ أو بهلاك من غير بصيرة ،ومع إدراك هذه الخصلة أعني معرفة التصويب لا يستعجل بهلاك من يخالفه،وكيف يقع الهلاك والآراء كلها صائبة وكلها حق وصواب ،وهذا من فضل الله ورحمته وعظيم منته على الخلق وجزيل نعمته .
فإذا تمهدت هذه القاعدة فاعلم أن كل مسألة ليس فيها دلالة قاطعة فللأُمة فيها فريقان :-
الفريق الأول :- قائلون بأن الواقعة ليس فيها حق معين ،وأن الآراء كلها حق وصواب ،فهؤلاء هم المصوبة ،أئمة الزيدية والجماهير من المعتزلة والمحققون من
الأشعرية ،وعليه جمهور الفقهاء أبو حنيفة والشافعي ومالك وأتباعهم ...........
والذي نرتضيه هو ما قاله أصحابنا والمعتزلة وذهب إليه محققوا الأشعرية والفقهاء وهو أن الواقعة ليس فيها لله حكم معين ،وإنما يكون على نظر المجتهد ورأيه ........فإنه متى أدى نظره إلى حكم من الأحكام من تحليل أو تحريم أو غيرهما من سائر الأحكام الشرعية العملية، فإن ما هذا حاله يكون حقاً وصواباً عند الله تعإلى . ))(2)
والشعب في مجموعه أقدر على معرفة المقصد الشرعي الذي هو المصلحة من إي تشريع .
وأهمية كلام الإمام يحي بن حمزة في هذا السياق يتمثل من وجهة نظرنا في تصريحه بان الله جعل الحكم ويعني به هنا التشريع ألي الأمة الإسلامية((حاكمين في كل حادثة بأنظارهم )) وهو يعني بالتأكيد مما لم يرد فيه نص صريح قطعي الدلالة والسند وهذا القيد لا يعني أن الحدود المتاحة للأمة في إقرار ما تراه ضرورياً لتحقيق مصالحها لأن تنظيم المباح بالمنع منه أو إيجابه أحياناً من صميم عمل المجتهد أو ولي الأمر أو المؤسسة المناط بها أمر التشريع ،والأحكام القطعية محدودة ولا يمكن أن يتناولها المجتمع المسلم بالتعديل لأنها قضايا واضحة بذاتها اعني واضح القبح في المحرم منها وواضح الضرورة ألي الحسن فيها وقضايا العبادات لا يجوز لأي كان أن يبتدع فيها وأي محاولة من ذلك هي منازعة لله في سلطانه ولا يمكن قبولها.
ولكي يتحقق هذا لا بد من تنظيم الواقع السياسي في المجتمع المسلم (ديمقراطياً) لأنه النظام الذي ثبت بالتجربة أنه من خلال آلياته [الانتخابات والفصل بين السلطات والتجديد الدائم والقبول بالتعددية الحزبية بل وفلسفتها المؤكدة لحرية الأفراد ,وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات ] نجاحه في حل مشكلة الصراع على السلطة الذي كان لا يحسم إلا بالدم وقد أدى الفصل بين السلطات ألي التوازن وبالتالي توفرت ضمانات اكبر مما كانت عليه في ظل تمركز السلطة وعدم الفصل بين السلطات ولا وجه للمقارنة بينه وبين النظام الديكتاتوري وأسوأ أنواع النظم الديكتاتورية التي تزعم لنفسها القداسة باسم الدين .
والتعددية السياسية كالمذهبية كالقبلية كالعرقية ...الخ واقع لا يمكن إلا تنظيمه !!وتجاهله أو محاولة القضاء عليه لن يكون إلا على حساب السلام والوحدة التي لا تكون إلا بإقرار حق الجميع في المشاركة .والقبول بالتعددية شرط للوحدة إن عدم القبول بها يؤدي ألي الصراع والتطرف في التمسك بما يميز ويحول الهوية الخاصة ألي مقدس وغاية ولو على حساب المصلحة الخاصة والعامة.
ومن المسلم به من وجهة نظرنا أن من يعتقد أن الإيمان بحرية الناس يتناقض مع الإسلام هو أبعد عن الإسلام ممن لا يعرف عنه شيئاً لأن جوهر التكليف بالإسلام متوقف على كون المكلف حراً وما لم يكن كذلك فإن تكليفه عبث .
الديمقراطية :-كنظام سياسي، كنظام المرور الذي ينظم السير أو نظام الصرف الصحي والري وسيلة فعاله للحد من الاقتتال والفوضى التي تعوق الحركة بل وتمنعها عن اغلب أفراد المجتمع وتحد من التعفن ونمو الجراثيم وتقلل من الهدر وتتيح الفرصة لمشاركة اكبر عدد ممكن من أفرد المجتمع .
وكما أن من المستغرب أن يجادل من يزعم وجود مانع شرعي يمنع استخدام الإشارات الضوئية لتنظيم حركة السير أو شرطة المرور أو نظام الضبط والربط العسكري في تطوير المؤسسة العسكرية والنظام التربوي والمالي ،فمن المستغرب أكثر أن يجادل في ((أفضلية النظام الديمقراطي )) وضرورته لتجنب سفك الدماء وضمان حق المشاركة لجميع الراغبون في ذلك وللحد من مظاهر الاستبداد السياسي الذي لم يسلم منه حتى من يمارسه على الآخرين .

الديموقراطية في واقع إسلامي

الإسلام والديموقراطية في التجربة الإسلامية في إيران:-

تقوم الديموقراطية في الأساس على فكرة العقد الاجتماعي المفترض لكنها تجسدت كما أعتقد في التجربة الإسلامية في إيران فالسلطة لم تنشأ بالاعتماد على الشرعية الثورية مع أنها أكبر ثورة شعبية عرفتها التجربة الإنسانية من حيث حجم التفاف الجماهير حولها
ومع هذا فإن أهم ملمح للتجربة الإسلامية في إيران أنها نشأت فيها السلطة بموجب استفتاء على الدستور في مرحلة مبكرة من مراحل الثورة وكأن قائد الثورة وهو الفقيه الذي تعود على موقعه المرجعي ببصيرة ثاقبة أراد أن يؤسس لنظام يقوم فعلاً على عقد اجتماعي لا يمكن أن يتطرق الشك ألي سلامته من أي تزوير للإرادة إن السلطة التي يمكن أن تتهم بالمصلحة والقدرة على التزوير لم توجد بعد
فنشأت السلطة من الشعب بناْء على إجراء دستوري سليم .

وتلك أول لبنة من لبنات المجتمع الديمقراطي

(1) ص/40-60من كتاب الحوار في الإمامة بين
الإمام عز الدين بن الحسن{ت سنة 900}
وآخرين تحقيق الأستاذ محمد يحي سالم عزان وهو قيد الطبع

(2) ص/162-165كتاب الانتصار على علماء الأمصار/ج/الأول تحقيق
الأستاذ عبد الوهاب المؤيد والأستاذ علي احمد مفضل
الناشر مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية

شرعية السلطة

بين الإسلام والديمقراطية
من أين تستمد السلطة مشروعية إلزام المواطنين بما تتخذه من قوانين وقرارات وإجراءات تمس بالحد من حرياتهم وتنتقص من حقوقهم ؟؟
وما الفرق بين ممارسات السلطة المشروعة وغير المشروعة ؟ بين قرار تتخذه السلطة السياسية لإعلان الحرب والتجنيد الإجباري وبين استخدام اللصوص وزعماء العصابات وقادة الجماعات الإرهابية للقوة في فرض ما يريدون على الآخرين ؟؟؟
وهل يوجد فرق بين مصدر السلطة في النظام الإسلامي عن مصدرها في النظام الديمقراطي !!
من الواضح أن هنالك فرقاً كبيراً بين القتل تنفيذاً لحكم قضائي أو دفعاً عن النفس أو العرض أو الأرض ،وبين القتل تنفيذاً لقرار أُتخذ من قبل زعيم عصابة أو زعيم جماعة سياسية ،ويتمثل الفرق هنا في أن القتل تنفيذاً لحكم قضائي ......والآخر هو أن لحكم القضاء شرعية معترف بها من قبل أفراد الجماعة الإنسانية وعدم وجودها للآخر
كما أنه يوجد فرق بين الشرعية القانونية عن الشرعية الاجتماعية غير المقرة قانونياً
كما يوجد فرق في المصدر بين شرعية مستمدة من شريعة سماوية أو قائمة على عقيدة سماوية والمستمدة من القانون الوضعي مع اتفاقهما في النص والموضوع بل والصيغة .
ومع وجود الفرق في مصدر الشرعية ألا أن مصدر السلطة فيهما واحد وهو الأُمة أ, الشعب أ, المجتمع .
النظام الإسلامي :-
المشرع فيه هو الله سبحانه وتعالى لكن السلطة ملك الأمة وهي مصدرها لأن ((الإمام /الخليفة /الأمير /الرئيس/القائد ))يصير كذلك أو يكتسب ذلك من اختيار أفراد الشعب له أو اختيار القوى المؤثرة من أفراد الشعب له ليكون (أهل الحل والعقد)، وليس مصادفة أن يُطلق على المسئول الأول في المجتمع الإسلامي {أمير المؤمنين }ابتداءً من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضوان الله عليه ويطلق الشيعة على الإمام علي عليه السلام الإمام أمير المؤمنين لأنهم يعتقدون أنه في ذاته إماماً وأضيفت إليه كلمة أمير لتعبر عن سلطة قانونية قهرية ملزمة بينما سلطته كإمام مصدر الإلزام فيها ينبع من داخل الفرد المقتنع بأن الإمام قدوته .
والتشريع في الثقافة الإسلامية حق لله سبحانه وتعالى لأنه وحده(الحق) إلا أن مصدر الحقيقة الشرعية ليس النقل وحده بل أن العقل مصدر كامل [على الأقل من وجهة نظر القائلين بالحسن والقبح الذاتيين في الأشياء لقدرة العقل على إدراك الحسن والقبح، والشرع كاشف للحسن والقبح وليس منشأ لهما] وعلى هذا فإن الأُمة كمجموع أو جمهور العلماء مصدراً للتشريع والسلطة معاً من وجهة النظر هذه لأن العقل لا يتناقض مع الوحي
ولا خلاف بين المسلمين على ذلك باستثناء جمهور الفقهاء من الشيعة الأمامية كما يروى عنهم والحنابلة الذين استبعدوا وقوعه،
عد الإجماع مصدراً من مصادر التشريع لأنه كاشف عن معنى الحكم الشرعي وإن خالف ظاهر اللفظ الشرعي خصوصاً فيما يتعلق بالنصوص المجملة كالإجماع على أن ((الصلاة المقصود بها العبادة المخصوصة من ركوع وسجود وذكر ووضؤ ...الخ ))وليس مجرد المعنى اللغوي للفظ وما أجمعت الأُمة عليه حتى ولو لم يعززه نص شرعي أُعتبر حجة بل أن بعض الفقهاء كالإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (سلام الله عليهم ) المعروف بالرسي ومن وافقه يرى بأن الإجماع الناشئ عن اليقين العقلي مقدم على ظاهر النص ولذلك يجب أن يئول النص المخالف للمقطوع به عقلاً أو يوقف العمل به ويعمل بما يقضي به العقل لأن مصادر التشريع رُتِبَتْ من حيث الأولوية :
أولاً:-مصادر العقل اليقينية ثم الإجماع الثابت المعلوم ثانياً والمقصود به إجماع العُقلاء وليس المسلمين فحسب ثم نصوص الكتاب الكريم......!!!!لأن حجج الله على العباد ثلاث أولها العقل أولاًً ثم الكتاب والرسول والعقل أصل الحجتين لأنهما عرفا به ولم يعرف فبحجة العقل عُرِفَ المعبود
بمعنى أن ما ثبت ضرره فهو محرم أو مكروه وما ثبت َضرُورَتُه فهو واجب أو مندوب وما ثبت نفعه فهو بين الواجب والمندوب والمباح ولا يمكن أن يكون النص بخلاف ذلك إلا في الظاهر ولذلك يُئول ظاهر النص إ
ن عارض ما يقضي به العقل القطعي ((قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ..والإثم والبغي وأن تُشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)) (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) .
ويمكن أن يُقسم رأي الإسلاميين فيما يتعلق بالسلطة في اتجاهات رئيسة :-
1- وجود خليفة أو أمير أو سلطان أو رئيس واجب عقلاً وشرعاً أو عقلاً أو شرعاً
فريق ذهب إلي الوجوب العقلي والشرعي معاً،وفريق قال بأن ا لوجوب مصدره العقل أو يقضي به العقل فقط ولا توجد نصوص صريحة في الدلالة على الوجوب وفريق ذهب إلى القول بأن النصوص الشرعية هي التي قضت بالوجوب ((منها الإجماع لأنه كاشف عن النص الذي فرض على الصحابة رضوان الله عليهم المسارعة ألي مبايعة الخليفة قبل أن يوُارى جثمان الرسول صلى الله عليه وعلى اله وسلم الثرى
2-اختلفوا في قطعية وظنية الدليل فبعض ذهب ألي أنه ظني الدلالة والآخرين قالوا بأنه قطعي الدلالة
3:-وقلة ذهبوا الي أنها ليست واجبة لا عقلاً ولا شرعاً ولو تناصف الناس لما احتاجوا إليها بمعنى أنها مسألة وضعية بحتة لا علاقة للشرع بها والأولى عدمها ومصدرها هنا اتفاق الناس .
ورغم الخلاف إلا أنهم اتفقوا على وظائفها :-وأهمها
1:-حفظ بيضة الإسلام {أي الدفاع عن حرية أفراد الأُمة وسلامة أراضيها
2:-إقامة العدل بين الناس وتنفيذ الحدود الشرعية وإعادة توزيع الثروة وضمان الأمن ......الخ
ولضمان قيام الدولة بهذه المهمة وجب على مجموع الأمة الطاعة في غير معصية ومنحت السلطة صلاحيات وفي نفس الوقت وضعت ضوابط وشروط لضمان عدم تجاوز السلطة لحدودها