الأربعاء، 22 أبريل 2009

بحث مصري يكشف خطأ ألف عام عن عمر عائشة (جمال البناء)


الزواج المبكر لم يبدأ بعائشة 18/09/2008
بقلم جمال البنا* بحث مصري يكشف خطأ ألف عام عن عمر عائشة
أريد من نشر هذا المقال تقديم مثال لما يمكن أن يصل إليه صحفي شاب لم يدخل الأزهر، أو يضع علي رأسه عمامة أو يدعي أنه من أهل الذكر.. إلخ، إنه صحفي كبقية الصحفيين، ولكن هذا لم يمنعه من أن يعني بقضية حاكت في نفسه ، كما حاكت في نفوس آخرين فقبلوها صاغرين، ولكنه وطن نفسه علي أن يدرسها ولم يثنه أنها مثبتة في البخاري وأن أعلام الأمة تقبلوها لأكثر من ألف عام، تلك هي قضية أن الرسول تزوج عائشة في سن السادسة وبني بها (أي دخل بها) في سن التاسعة بناءً علي ما جاء في البخاري (باب تزويج النبي عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها 3894 حدثني فروة بن أبي المغراء حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «تزوجني النبي صلي الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة.. فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين». وجد الباحث في نفسه حمية للدفاع عن رسول الله (ص) لعلها لم توجد في غيره. أعد نفسه لمقارعة تلك القضية، ولم يقنع بأن يفندها بمنطق الأرقام ومراجعة التواريخ، ولكنه أيضًا نقد سند الروايات التي روي بها أشهر الأحاديث الذي جاء في البخاري ومسلم، وأثبت في الحالتين ذكاءً، وأصاب نجاحًا. من ناحية التواريخ، عاد الصحفي الشاب إلي كتب السيرة (الكامل ــ تاريخ دمشق ــ سير أعلام النبلاء ــ تاريخ الطبري ــ تاريخ بغداد ــ وفيات الأعيات)، فوجد أن البعثة النبوية استمرت 13عامًا في مكة و10 أعوام بالمدينة، وكانت بدء البعثة بالتاريخ الميلادي 610عام، وكانت الهجرة للمدينة عام623م مأي بعد13 عامًا في مكة، وكانت وفاة النبي عام633 م والمفروض بهذا الخط المتفق عليه أن الرسول (ص) تزوج (عائشة) قبل الهجرة للمدينة بثلاثة أعوام، أي في عام620 م، وهو ما يوافق العام العاشر من بدء الوحي، وكانت تبلغ من العمر6 سنوات، ودخل بها في نهاية العام الأول للهجرة أي في نهاية عام623 م، وكانت تبلغ 9 سنوات، وذلك ما يعني حسب التقويم الميلادي، أنها ولدت عام614 م، أي في السنة الرابعة من بدء الوحي حسب رواية البخاري، وهذا وهم كبير. ونقد الرواية تاريخيا بحساب عمر السيدة (عائشة) بالنسبة لعمر أختها (أسماء بنت أبي بكر ــ ذات النطاقين): تقول كل المصادر التاريخية السابق ذكرها إن (أسماء) كانت تكبر (عائشة) بـ10 سنوات، كما تروي ذات المصادر بلا اختلاف واحد بينها أن (أسماء) ولدت قبل الهجرة للمدينة بـ 27عامًا ما يعني أن عمرها مع بدء البعثة النبوية عام 610م كان 14 سنة وذلك بإنقاص من عمرها قبل الهجرة 13 سنة وهي سنوات الدعوة النبوية في مكة، لأن (27-13)=14 سنة )، وكما ذكرت جميع المصادر بلا اختلاف أنها أكبر من (عائشة) بـ10 سنوات، إذن يتأكد بذلك أن سن (عائشة) كان4 سنوات مع بدء البعثة النبوية في مكة، أي أنها ولدت قبل بدء الوحي بـ4 سنوات كاملات، وذلك عام606 م. ومؤدي ذلك بحسبة بسيطة أن الرسول عندما نكحها في مكة في العام العاشر من بدء البعثة النبوية كان عمرها 14سنة، لأن (4+10)=14 سنة لأو بمعني آخر أن (عائشة) ولدت عام606 م وتزوجت النبي سنة620 م وهي في عمر 14سنة، وأنه كما ذكر بني بها ـ دخل بها ـ بعد3 سنوات وبضعة أشهر، أي في نهاية السنة الأولي من الهجرة وبداية الثانية عام624 م) فيصبح عمرها آنذاك(14+3+1=18 سنة كاملة) وهي السن الحقيقية التي تزوج فيها النبي الكريم (عائشة. حساب عمر (عائشة) بالنسبة لوفاة أختها (أسماء ـ ذات النطاقين): تؤكد المصادر التاريخية السابقة بلا خلاف بينها أن (أسماء) توفيت بعد حادثة شهيرة مؤرخة ومثبتة، وهي مقتل ابنها (عبدالله بن الزبير) علي يد (الحجاج) الطاغية الشهير، وذلك عام73هـ، وكانت تبلغ من العمر 100سنة كاملة فلو قمنا بعملية طرح لعمر (أسماء من عام وفاتها73 هـ) وهي تبلغ 100 سنة كاملة فيكون (100-73=27 سنة) وهو عمرها وقت الهجرة النبوية، وذلك ما يتطابق كليا مع عمرها المذكور في المصادر التاريخية فإذا طرحنا من عمرها 10 سنوات،وهي السنوات التي تكبر فيها أختها (عائشة) يصبح عمر عائشة (27-10=17سنة)وهو عمر (عائشة) حين الهجرة ولو بني بها ـ دخل بها ـ النبي في العام الأول يكون عمرها آنذاك 17+1=18 سنة وهو ما يؤكد الحساب الصحيح لعمر السيدة (عائشة) عند الزواج من النبي. وما يعضد ذلك أيضًا أن (الطبري) يجزم بيقين في كتابه (تاريخ الأمم) أن كل أولاد (أبي بكر) قد ولدوا في الجاهلية، وذلك ما يتفق مع الخط الزمني الصحيح ويكشف ضعف رواية البخاري، لأن (عائشة) بالفعل قد ولدت في العام الرابع قبل بدء البعثة النبوية. حساب عمرعائشة مقارنة (بفاطمة الزهراء) بنت النبي: يذكر (ابن حجر) في (الإصابة) أن فاطمة ولدت عام بناء الكعبة والنبي ابن 35 سنة، وأنها أسن ــ أكبر ــ من عائشة بـ 5سنوات، وعلي هذه الرواية التي أوردها (ابن حجر) مع أنها رواية ليست قوية، ولكن علي فرض قوتها نجد أن (ابن حجر) وهو شارح البخاري يكذب رواية (البخاري) ضمنيا، لأنه إن كانت (فاطمة) ولدت والنبي في عمر 35 سنة فهذا يعني أن (عائشة) ولدت والنبي يبلغ 40 سنة وهو بدء نزول الوحي عليه، ما يعني أن عمر (عائشة) عند الهجرة كان يساوي عدد سنوات الدعوة الإسلامية في مكة وهي 13 سنة وليس 9 سنوات وقد أوردت هذه الرواية فقط لبيان الاضطراب الشديد في رواية البخاري . نقد الرواية من كتب الحديث والسيرة: ذكر (ابن كثير) في (البداية والنهاية عن الذين سبقوا بإسلامهم «ومن النساء.. أسماء بنت أبي بكر وعائشة وهي صغيرة فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين ورسول الله صلي الله عليه وسلم يدعو في خفية، ثم أمر الله عز وجل رسوله بإظهار الدعوة»، وبالطبع هذه الرواية تدل علي أن (عائشة) قد أسلمت قبل أن يعلن الرسول الدعوة في عام4 من بدء البعثة النبوية بما يوازي عام 614 م، ومعني ذلك أنها آمنت علي الأقل في عام 3للبعثة أي عام613 م فلو أن (عائشة) علي حسب رواية (البخاري) ولدت في 4 عام من بدء الوحي معني ذلك أنها لم تكن علي ظهر الأرض عند جهر النبي بالدعوة في 4عام من بدء الدعوة أو أنها كانت رضيعة، وهذا ما يناقض كل الأدلة الواردة، ولكن الحساب السليم لعمرها يؤكد أنها ولدت في عام 4 قبل بدء الوحي أي عام 606 م ما يستتبع أن عمرها عند الجهر بالدعوة عام 614 م يساوي 8سنوات، وهو ما يتفق مع الخط الزمني الصحيح للأحداث وينقض رواية البخاري. أخرج البخاري نفسه (باب ـ جوار أبي بكر في عهد النبي) أن عائشة قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبوبكر مهاجرًا قبل الحبشة، ولا أدري كيف أخرج البخاري هذا فـ (عائشة) تقول إنها لم تعقل أبويها إلا وهما يدينان الدين وذلك قبل هجرة الحبشة كما ذكرت، وتقول إن النبي كان يأتي بيتهم كل يوم وهو ما يبين أنها كانت عاقلة لهذه الزيارات، والمؤكد أن هجرة الحبشة إجماعًا بين كتب التاريخ كانت في عام 5 من بدء البعثة النبوية ما يوازي عام 615 م، فلو صدقنا رواية البخاري أن عائشة ولدت عام 4 من بدء الدعوة عام614 م فهذا يعني أنها كانت رضيعة عند هجرة الحبشة، فكيف يتفق ذلك مع جملة (لم أعقل أبوي) وكلمة أعقل لا تحتاج توضيحًا، ولكن بالحساب الزمني الصحيح تكون (عائشة) في هذا الوقت تبلغ 4 قبل بدء الدعوة +5 قبل هجرة الحبشة=9 سنوات) هو العمر الحقيقي لها آنذاك. ولم يقنع المؤلف بهذه الحساب المقارن، بل إنه أجري أيضًا حساب عمر (عائشة) مقارنة بفاطمة الزهراء، مما لا يتسع له مجال المقال، ثم ختم الباحث بحثه بنقد السند فلاحظ أن الحديث الذي ذكر فيه سن (عائشة) جاء من خمسة طرق كلها تعود إلي هشام بن عروة، وأن هشام قال فيه ابن حجر في (هدي الساري) و(التهذيب): «قال عبدالرحمن بن يوسف بن خراش وكان مالك لا يرضاه، بلغني أن مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق، قدم ـ جاء ـ الكوفة ثلاث مرات ـ مرة ـ كان يقول: حدثني أبي، قال سمعت عائشة وقدم ـ جاء ـ الثانية فكان يقول: أخبرني أبي عن عائشة، وقدم الثالثة فكان يقول: أبي عن عائشة». والمعني ببساطة أن (هشام بن عروة) كان صدوقاً في المدينة المنورة، ثم لما ذهب للعراق بدأ حفظه للحديث يسوء وبدأ (يدلس) أي ينسب الحديث لغير راويه، ثم بدأ يقول (عن) أبي، بدلاً من (سمعت أو حدثني)، وفي علم الحديث كلمة (سمعت) أو (حدثني) أقوي من قول الراوي (عن فلان)، والحديث في البخاري هكذا يقول فيه هشام عن (أبي وليس (سمعت أو حدثني)، وهو ما يؤيد الشك في سند الحديث، ثم النقطة الأهم وهي أن الإمام (مالك) قال: إن حديث (هشام) بالعراق لا يقبل. فإذا طبقنا هذا علي الحديث الذي أخرجه البخاري لوجدنا أنه محقق، فالحديث لم يروه راو واحد من المدينة، بل كلهم عراقيون مما يقطع أن (هشام بن عروة) قد رواه بالعراق بعد أن ساء حفظه، ولا يعقل أن يمكث (هشام) بالمدينة عمرًا طويلاً ولا يذكر حديثاً مثل هذا ولو مرة واحدة، لهذا فإننا لا نجد أي ذكر لعمر السيدة (عائشة) عند زواجها بالنبي في كتاب (الموطأ) للإمام مالك وهو الذي رأي وسمع (هشام بن عروة) مباشرة بالمدينة، فكفي بهاتين العلتين للشك في سند الرواية السابقة انتهي. أختم المقال بما قدمته به، أن هذا مثال لما يمكن أن يصل إليه باحث لم يتخرج في الأزهر ـ ربما بفضل عدم تخرجه في الأزهر ـ من تفنيد لقضية تقبلتها الأمة بالإجماع (كما يقولون)، وفاتت علي الأئمة الأعلام، ولماذا لم يلحظ رئيس قسم الحديث بالأزهر هذا بدلاً من أن يتحفنا بفتوي إرضاع الكبير؟ ------------------------------------------------------- من هذا الباحث الذي قام بهذا التحقيق؟ ـ إنه الأستاذ «إسلام بحيري»، وجاء بحثه في العدد زيرو (أي قبل الأول) ص 21من جريدة «اليوم السابع» الذي صدر في15/7/2008م نقلا عن جريدة المصري اليوم، والعنوان الأصلي للمقال: "صحفي شاب يصحح للأئمة الأعلام خطأ ألف عام_________________هل تعلم أن : ( الزيدية : هي الإمتداد الطبيعي للمنهج الإسلامي القرآني الأصيل وأن بلاد الزيدية : هي البلاد الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها مساجد خاصة بالشيعة وأخرى خاصة بالسنة ....)
الجمعة سبتمبر 19, 2008 1:24 am


._________________

صعدة أوضاع إنسانية صعبة لاتحتمل حرباً جديدة


صعدة أوضاع إنسانية صعبة لاتحتمل حرباً جديدة
الأربعاء , 22 أبريل 2009 م

رأي /متابعات
وبين التأكيد من جانب الحوثيين بأن الحرب السادسة يجري الإعداد لها حكومياً، نفى فارس مناع الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام عن توتر الأوضاع في صعدة، وأنها تنذربنشوب حرب بين لحظة وأخرى, وقال: هناك أخبار غير صادقة يقوم بنقلها المستفيدون من الحرب.. الأوضاع هادئة وآمنة رغم وجود عدة تشويهات من بعض العناصر التي تريد تأجيج الصراع».
ودعا مناع، الحوثي والسلطات الرسمية إلى عدم السماع لمن أسماهم بـ»المؤججين والمستفيدين من الحروب»، وإتاحة الفرصة للجنة لإحلال الأمن والسلام، نافياً في الوقت ذاته دون أن يشير إليه شخصياً ما دعاه صالح هبرة المتحدث من جانب الحوثيين من أن الحكومة تكمل استعداداتها لشن حرب جديدة على الحوثيين مضيفاً:إن لجنة إحلال السلام التي يرأسها تمكنت من دخول مديرية غمر السبت الماضي, وهي المديرية التي شهدت التوتر خلال الأيام الماضية بين الجانبين.
وبين الأجواء الملبدة بغيوم المواجهات المتقطعة بين الطرفين التي أدت لسقوط بعض القتلى خرقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر جدار النسيان لتعيد التذكير بمأساوية الوضع الإنساني القائم في صعدة ، في بيان أصدرته الثلاثاء.
إن تجدد القتال في محافظة صعدة أدى إلى تفاقم ظروف معيشة السكان، سيما ورئيس بعثة اللجنة في اليمن، ماركوس دولدر، قال إن آلاف المدنيين في صعدة يهربون من ديارهم بسبب المواجهات التي تدور حالياً هناك، وأعربت عن قلقها «إزاء الوضع الأمني السائد وظروف معيشة المدنيين المتأثرين بالقتال الدائر» في صعدة، وفيما ناشدت «أطراف النـزاع احترام القانون الدولي الإنساني»، حثتهم «على التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والأشخاص الذين يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية، ومعاملة جميع المصابين معاملة إنسانية».
وقال ماركوس في البيان: «لم تستعد بعد المنطقة عافيتها من جراء 4 سنوات من النـزاع، وحتى قبل اندلاع المعارك الأخيرة، كان أكثر من 100 ألف شخص قد تضرروا بصورة مباشرة من النـزاع، وهم بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، وقد تأثر أيضا هؤلاء الأشخاص بشدة من الارتفاع الهائل الذي شهدته أسعار المواد الغذائية على مدى الأشهر الأخيرة».
والتمست اللجنة الدولية من الجهات المانحة دعمها بـ8.5 ملايين فرنك سويسري إضافية لميزانيتها المخصصة لليمن من أجل تلبية الاحتياجات المتزايدة الناجمة عن القتال الدائر هناك، وهو الأمر الذي سيرفع الميزانية التي خصصتها اللجنة لصعدة لعام 2008 إلى 14 مليون فرنك سويسري.
وأوضحت اللجنة في بيانها، أنها «تعتزم استخدام الأموال الإضافية لزيادة توفير المواد الغذائية والمياه والمأوى والمستلزمات المنزلية الأساسية والدعم الطبي في جميع مناطق محافظة صعدة»، وقالت: إنها «مستعدة أيضاً لتقديم العلاج الجراحي المنقذ للأرواح إلى الجرحى عند الاقتضاء».
وطبقاً للبيان فقد «عمل موظفو اللجنة الدولية خلال الـ14 شهرا الماضية مع الفرع المحلي لجمعية الهلال الأحمر اليمني من أجل توزيع مساعدات الطوارئ على قرابة 120 ألف شخص، وسهلوا حصول آلاف الأشخاص الآخرين على المياه النظيفة الصالحة للشرب».
وكانت منظمة هيومان رايتس قد أشارت في تقرير لها نشر في نوفمبر من العام الماضي إلى أن هناك عشرات الآلاف من الأشخاص في المناطق الشمالية ممن يعانون من هذا النزاع، وهم في حاجة ماسة إلى المساعدة نتيجة النزاع المسلح في صعدة ، ومن دون أن تحدد كم هو العدد بالضبط ، مرجعة ذلك إلى أن المنظمات الحقوقية- مثل منظمة هيومن رايتس ووتش - لم تتمكن من الوصول إلى صعدة، وكذلك المنظمات الإنسانية و الصحفيون، وأنه حتى عندما تحدثوا إلى عدد من المسؤولين الحكوميين وجدوا أنهم بأنفسهم لا يعرفون بالضبط كم هو عدد الأشخاص المتضررين.
التقرير الذي حمل عنوان»المدنيين غير المرئيين» تناول تداعيات عدم السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى صعدة .. أنه «خلال فترة التهدئة الطويلة، وجدت منظمات الإغاثة المحلية والدولية أنه من المستحيل الوصول إلى بعض مناطق صعدة، وفي بداية عام 2008م لم تسمح الحكومة للمنظمات بإجراء تقييم في المناطق التي يعتقد أنها تضم أعداداً كبيرة من المدنيين المحتاجين للمساعدة».
كما سلط الضوء على المسؤولية القانونية الدولية المنصوص عليها في المعاهدات الدولية التي تقع على كاهل الحكومة اليمنية، والتي تنص على أنه في أوقات النزاعات المسلحة على كل أطراف النزاع أن يتيحوا المجال أمام المنظمات الإنسانية للدخول لتوفير المساعدات الإنسانية، وبحسب المعاهدات الدولية يحق للجيش والقوات الحكومية أن تفرض قيوداً محددة، ولكن هذه القيود يُفترض ألا تكون عامة وأن تكون محدودة سواء في النطاق الجغرافي أو الزمني .
مكتب المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية أشار إلى أن هناك حوالي 12000 نازح يعيشون داخل مدينة صعدة في ست مخيمات متفرقة، بالإضافة إلى 30000 نازح يعيشون مع أسر مضيفة، و15000 نازح يعيشون خارج صعدة, وأقر في منتصف العام الماضي تقديم مبلغ مليون يورو (حوالي 1.57 مليون دولار) لتوفير المساعدات الإنسانية الطارئة للمتضررين من النزاع الدائر في محافظة صعدة، وسيتم تخصيص هذا المبلغ لمساعدة الأسر النازحة والجرحى، وستشمل المساعدات الإغاثية المواد الغذائية وغيرالغذائية، والمأوى والصرف الصحي والخدمات الصحية.
وفي سياق متصل أفاد صندوق إعادة إعمار صعدة أن لجان تحديد الأضرار قد حصرت 7284 منزلاً و1421 مزرعة و94 مدرسة وعشرات المرافق العمومية التي تضررت خلال النزاع.
وفي يناير الماضي انطلقت المرحلة الأولى من إعادة البناء والإعمار بالبدء في ترميم 1340 منزلاً و114 مزرعة خاصة تحتاج إلى إعادة البناء والترميم، وستقوم الحكومة بتمويل هذه الجهود في حدود 6 ملايين دولار.
وقد وضع الصندوق خطة تمتد لأربع سنوات لتنمية صعدة، مع التركيز على التعليم والصحة والمياه والطرقات، ولكن ذلك يحتاج للمزيد من التمويل، حسب ثابت.
ويخشى المراقبون أن تكون الحرب السادسة فيما لو اشتعلت أشد ضراوة من سابقاتها وأشد قساوة على الوضع الإنساني المتردي الذي يعيشه المواطنون هناك.
وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن قد سلطت الضوء على حجم المعاناة الإنسانية التي تعيشها صعدة، وذلك في ورقة عمل تقدم بها الناطق الرسمي للجنة رفيع الله قرشي عقب الإعلان عن توقف الحرب الخامسة، ذكر فيها أن تأجج النزاع في أوائل شهر ما يو2008م أثار موجة جديدة من النازحين إلى مدينة صعدة، وقد عملت اللجنة الدولية بالتعاون الوثيق مع جمعية الهلال الأحمر اليمني على إقامة ثلاثة مخيمات إضافية لإيواء هؤلاء الأشخاص ليصل إجمالي عدد مخيمات النازحين في صعدة إلى ستة مخيمات، ووزعت اللجنة الدولية أيضاً، في الفترة من مايو إلى يونيو2008م، مواداً غذائية شملت الدقيق، والأرز، والزيت النباتي، والفول، والسكر، والملح، على السكان الذين نزحوا فراراً من الصراع الدائر في حيدان ورازح وسحار والطلح، وعلى النازحين الموجودين في المخيمات داخل مدينة صعدة، كما وزعت مجموعات من المستلزمات الأساسية مثل الخيم، وصفائح الماء، ومجموعات من لوازم الطهي ومستلزمات النظافة على 8 آلاف أسرة أي 60ألف شخص.
وأضاف أن أكثر من 15500 نازح عاشوا في ظروف عصيبة داخل مخيمات قريبة من مدينة صعدة فضلاً عن المخيمات الأخرى المنتشرة حول المحافظات ــ وهذا العدد يضاف إلى أكثر من 23400 نازح حتى أبريل2007م بحسب إحصائيات الصليب الأحمر وجمعية الهلال الأحمر اليمني ــ ويزيد من قسوة الأوضاع على النازحين والمرضى والجرحى والجماعات المحلية المعزولة غياب الماء النقي والرعاية الطبية بشكل خاص، كما شكل الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية عبئاً إضافياً على السكان.
وأشار قرشي في ورقة عمل قدمها في ورشة إعداد خطط حول التعامل مع الأطفال في أوقات الطوارئ التي نظمتها وزارة الشئون الاجتماعية والعمل إلى أن الوضع الأمني أعاق في الكثير من الأحيان عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر لسد الاحتياجات الإنسانية الأشد إلحاحاً في الوقت المناسب وبالطريقة الملائمة، وباستثناء مدينة صعدة والمناطق المتاخمة لها مباشرة لا يزال من الصعب على اللجنة الدولية بل من المستحيل عليها العمل في مناطق النزاع، وتمكنت حتى الآن بالتعاون الوثيق مع جمعية الهلال الأحمر اليمني، من توفير المساعدات الطارئة الأساسية فقط التي وزعت بشكل رئيسي على السكان النازحين في المخيمات القريبة من المدينة.
فيما اعتبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي أن الحرب التي دارت رحاها آنذاك في محافظة صعدة ضاعفت بشكل كبير من حجم المعاناة الإنسانية مما حمل أعداداً متزايدة من السكان إلى الهروب من المنطقة وساهم في زيادة أعداد النازحين واكتظاظ مخيمات الإيواء.

الزيدية بين الانتماء المذهبي والولاء الوطني (عبدالملك العجري

أظهرت الحربُ في شمال اليمن وفي محافظة صعدة على وجه الخصوص أن هنالك محاولات جدية لاحداث حالة من الاحتقانَ الطائفي والعمل على ان يبلغ مديات جَدَّ خطيرة على السلم الاجتماعي والتعايش السلمي بين اليمنيين ومذاهبهم المختلفة. واذا ما اضيف الوضع في الجنوب والذي يعيش حالة من حالات الثورة السلمية تتصاعد يوما بعد يوم ، وكلاهما تعبير عن الفشلُ الذي مني به اليمنيون في تطوير نظام سياسي يقوم على العدالة والحرية والمساواة، ويستوعب التعدد، ويراعي كـُـلّ الخصوصيات والتنوعات داخل المجتمع، ويتيح أكبر قدر من المشاركة السياسية بالشكل الذي يساعد على تعزيز وتوحيد الولاء السياسي للوطن بعيدا عن منطق الغلبة وفرض إرادة المنتصر.

الثورة والوحدة منجزات وطنية لا غبار عليها لكن كما استطاع نظام 94م أن يسرقَ فرحة أبناء الجنوب بالوحدة فإن التحالف أو قُل تقاسم النفوذ الذي تم بعد الثورة (سبتمبر) بين العسكر والقوى القبلية المتحالفة مع السلفية السياسية (الإخوان المسلمين في البداية) انحرف بالثورة عن أهدافها الحقيقية بالشكل الذي أثار التخوفات الزيدية باعتبارها المستهدف من هذا التقاسم أو التحالف رغم أن الثورة قامت على أيدي أبناء الزيدية. وغيرهم من ابناء اليمن

هذه السياسةُ أدت إلى إضعاف مشاعر الهوية الوطنية وإلى تكريس الانتماءات الفرعية المذهبية والمناطقية والقبَـلية وتحويلها إلى ولاءات سياسية تنافس إن لم تتغلب على الولاء الوطني الواحد نفسه .

ومع أن ضعف مشاعر الهوية الوطنية أو فتور الإحساس بالولاء الوطني من الظواهر التي برزت بقوة على الساحة العربية في السنوات الأخيرة إلا أنها في المجتمعات التي تتميز بنيتها الديمغرافية بالتنوع المذهبي والتعدد الطائفي والقبلي أكثر وضوحا وأكثر حساسية.

باحثون سياسيون وإجتماعيون يرَون أن هذه الظاهرة إفرازٌ طبيعي للأنظمة المستبدة والتسلطية التي تجعلُ من نفسها وأيديولوجيتها الخاصة بها بديلاً للوطن والمواطنة أو لسيطرة جماعة أو طائفة على مقاليد صنع القرار، والافتقاد إلى مشروعات وطنية تحترم حرية الإنسان وكرامته وحرية وكرامة المجموعات الحضارية والتكوينات الفكرية والمذهبية في المجتمع وحقها في المشاركة السياسية والاجتماعية والثقافية وتعمل على تنظيم العلاقة بين الانتماءات الخاصة والولاء الوطني بشكل يمنع أي تعارض بينهما ويساعد على إرساء قواعد الاستقرار السياسي.

يؤكد بعضُ الباحثين على ضرورة التفريق بين مفهومَي الانتماء والولاء، فالانتماء طائفياً كان أو مذهبياً أو قبَلياً يُعَدُّ معطى موروثا ًلا كسب للإنسان فيه، بينما الولاء خيار يتخذه الإنسانُ وعلى أساسه يرتب بعضُ تصرفاته وسلوكياته فلا تناقض بين واحديه الولاء وتعددية الانتماءات وبحسب هؤلاء فان الوطن ما هو إلا إرادة جميع الخصوصيات في العيش المشترك.

ويؤكد د/عصام عَبْدالله أن الوطنيةَ هي التحديد الأخير لمواطني دولة ما وهو تحديد لا ينفي أو لا يلغي عن المواطن انتماءَه الاثني أو الديني أو المذهبي.

والنظم السياسية الأحادية التي لا تؤمنُ بقيم الشراكة الوطنية والعيش المشترك وتصادر حق الآخرين الفكري والسياسي لا تؤدي إلا إلى تعميق الفرز الطائفي وإلا إلى تقوية حالة الانتماء الطائفي أو المذهبي والقبلي لدى الجماعات المهمشة، فالظلمُ والاضطهاد والمصادرة والتهميش والتسلط تنعكس سلباً على مشاعر المواطنة.

بناءً على ذلك اليمن دولةٌ تتميزُ بالتنوع الثقافي والتعدد المذهبي فضلا عن الكيانات الاجتماعية المختلفة والهويات المحلية في الجنوب والشمال وحضرموت وتهامة وغيرها ، وهذا التنوع والتعدد لا يشكل أيَّ خطر على الوحدة الوطنية، بل أنه يشكل عاملاً ايجابياً في تعزيزها وإثرائها إذا ما تم توظيفه بالطريقة الصحيحة، لكن المفارقة أن أياً من الأنظمة السياسية المتعاقبة بعد الثورة وبعد الوحدة لم تعكس هذا التنوع والتعدد في تركيبتها السياسية، ولا تريد أن تعترفَ به، بل تذهبُ في أحيان كثيرة إلى حد تجريم وتخوين كلِّ من ينادي بضرورة التمثيل العادل لكل مكونات المجتمع اليمني لتحقيق الاستقرار والحفاظ على الوحدة الوطنية.

والنتيجةُ الطبيعيةُ لهذا الاستئثار والتهميش هي لجوء التكوينات المهشمة في المجتمع اليمني إلى التحصن وراء أسوار كينونتها الخاصة للحصول على حقوقها المشروعة.
الزيدية في شمال الشمال
ففي الشمال تشكو بكيل من استئثار حاشد بالجمهورية والثورة، وتتعرَّضُ الشخصيةُ الحضارية والثقافية للزيدية للسحق المتواصل في ظل سيطرة الإيديولوجية الدينية للسلفية السياسية (الوهابيون -الإخوان)على مصادر الثقافة والتربية والتعليم والمنابر الإعلامية والدينية، وفي الجنوب أخذت تتكونُ على مدى أكثر من عقد من الزمان قوى الرفض لما يسمى بالاستئثار الشمالي بالسلطة إلى حد الحديث عن حق تقرير المصير.

إن الإسفافَ في التنكر للمطالب العادلة والإمعان في تجاهل حقيقة الأزمة لا يغير من حقيقة الوضع شيئاً، وإنما يؤدي تفاقمها وتراكمها إلى أن تحين ساعة الصفر.

بالنسبة للزيدية من الضروري وقف كـُـلّ أشكال الممارسات التي تستهدف طمس الهوية التأريخية للزيدية والاعتراف بحقيقة الوجود الزيدي الضارب في عمق التأريخ السياسي والثقافي والاجتماعي اليمني الذي لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه فماضي الشعوب -كما يقول الدكتور عبد العزيزالمقالح- ليس بيتاً من قصيدة يمكن حذفه أو الاستغناء عنه وتبديله ولا هو صفحة قديمة من كتاب أصفر يمكن تمزيقها أو تمزيق الكتاب الذي يضمها.

ما عانته الزيدية من حملة إعلامية ظالمة وتهميش وإقصاء وتغييب منذ انحراف ثورة سبتمبر1962م ليس بالقليل مع أنها تمثل حضوراً واسعاً في المجتمع اليمني، تشيرُ بعضُ الأرقام غيرُ الرسمية إلى أنهم يمثلون 30٪ من إجمالي سكان اليمن.

كما قلت سابقاً لا تمثل الثورة جوهر المشكلة بالنسبة للزبدية بقدر ما تتمثل في أن الأنظمة المتعاقبة والتي وبدلا من أن تعمل على بناء دولة المؤسسات وترسيخ مفهوم للمواطنة يقوم على أساس المساواة ويحقق الاندماج الوطني بين جميع فئات الشعب اليمني ومكوناته الاجتماعية والمذهبية، دخلت التيارات الفكرية في الصف الجمهوري في صراعات بينية على الحكم ودخلت من أجل ذلك في تحالفات كرست علاقات للمواطنة تقوم على أسس قبلية ومذهبية وعرقية.

تغييب الزيدية حقيقة لبيانها من الضروري الإشارة إلى دور الإخوان المسلمين وإسهامهم الأساسي في فكر الثورة في الشمال وفي تحديد هويتها الثقافية والدينية والى التحالف الذي تم فيما بينهم وبين القوى القبلية.

فعندما قدم عَبْدُالناصر إلى اليمن كان الإخوان المسلمون قد سبقوه إليها، إذ توجهت إليه أنظارهم في مرحلة مبكرة، فاليمن في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي كان لا يزال خارجَ الفضاء العربي المشغول بالعروبة السياسية في هذه الفترة بعيداً عن الهيمنة الثقافية والحضارية للغرب، فرأى الإخوان المسلمون أن اليمن يشكل أرضاً خصبة لمشروعهم السياسي ويبعث البناء إلى اليمن الفضيل الورتلاني الذي -يُعَدُّ بحق مهندس ثورة 48م وصاحب فكرة الميثاق الوطني المقدس وصاحب التأثير القوي على المعارضة الوطنية في الداخل والخارج- وقد تعمقت صلة الإخوان بالمعارضة بعد فشل ثورة 48م من خلال الزبيري والمخلافي والزنداني وغيرهم في مصر.

وبقيام الثورة أصبح للقوى الإسلامية حضورٌ فاعلٌ، ولم يكن للقوميين العرب أو حملة الفكر اليساري -كما يقول الشيخ عَبْدالله الأحمر في مذكراته- وزنٌ ثقيلٌ ضمن تشكيلة الثورة، وقد زاد من قوة الأولى تحالفها مع القوى القبلية التي التقت مع الاسلامين في الموقف من القوميين وإن اختلفت دوافع كلٍّ منهما، حيث الخوف على العقيدة وقيمها من الفكر اليساري هو دافع الإسلاميين والخوف على القبيلة وقيمها هو الدافع الأساس للقوى القبلية، وبهذا تمكن الإخـْوَان المسلمين من الإسهام بشكل بارز في صياغة وتشكيل الثقافة الدينية والوطنية وفي صياغة وتشكيل المناهج الدراسية

أما بالنسبة للزيدية فكانت محل استهداف لأكثر من جهة في الأنظمة التي قامت في الشمال و في فكرها وتراثها وأعلامها ومناهجها ، بعد أن تم الربط بينها وبين الملكية وآل حميد الدين، فمع احتدام الصراع بين الجمهوريين والملكيين وبإيحاء من الثقافة الثأرية -كما يسميها د/الظاهري- السمة التي تكاد تكون غالبة على الأنظمة السياسية في اليمن والتي لا تقف عند حدود تصفية الخصم بل تمتد إلى كـُـلّ ما يظن أن له به أدنى صلة، رُميت الزيدية بكل حجر ومدر، وتعرضت لحملة إعلامية مسعورة استهدفت علماءَها وتراثـَها وتأريخَ إئمتها على مدى عشرة قرون والنظر إليهم بعين واحدة مع المملكة المتوكلية كنقطة سوداء في تأريخ اليمن يجب محوها أو الخلاص منها وظهرت كتابات مشحونة بالطائفية والعنصرية والتحريض وصار الحديث عن الزيدية بمثابة الدعوة للإمامة. الامر الذي ادى الى انكفاء الزيدية على نفسها مقابل طمر تراثها والازراء به بعد أن تم تجريمُه وتسلم لهذا الواقع الذي بدا وكأنه قدرها وأصبحت أقصى ما تطمح إليه هو الاعترافُ بحق أتباعها في الحياة.

قد يقفزُ إلى الذهن تساؤلٌ أظنه مشروعاً وهو: لماذا التركيز على دور الإخوان المسلمين دون سواهم من التيارات الفكرية التي استغلت الثورة على كثرتها؟.

ذلك لسبب بسيط وهو أن الفكر الإخواني ذا الخلفية السلفية هو الفكر الديني الذي يقابل الفكر الديني الزيدي أولا، وثانياً لأنه -أي الفكر الإخـْوَاني- نجح في أن يسيطر سيطرة شبه كاملة على الثقافة الدينية للدولة اليمنية وعلى التعليم الديني في المدارس والمعاهد والجامعات وعلى الخطاب الديني للإعلام الرسمي.

حق الإخوان المسلمين في المشاركة والإسهام في الحياة السياسية والفكرية والدينية لا ينكره أحد، لكن في مجتمع متعدد مذهبياً فإن مسألة الثقافة الدينية والتعليم الديني فيه تكون ذات حساسية بالغة لا سيما في ظل نظام يتمسك بالهوية الدينية للدولة كاليمن؛ لأنه في الأنظمة ذات التوجه العلماني يعطى لكل طائفة الحق في تنظيم شؤونها الروحية واختيار المادة التعليمية مع نوع من الإشراف للدولة

إن فرض رؤية ما أو ثقافة معينة تمثل طرفاً واحداً هو الطرف المنتصر على بقية الأطراف الأخرى يولد لديها الميلَ إلى المقاومة بإشكالها المختلقة لمنع الاستبداد الوقع عليها، ويخلق حالةً من التوتر بين الانتماءات المذهبية والسياسية والوطنية.

في اليمن وعلى مدى أكثر من أربعة عقود -هي عمر الثورة- والزيدية فكرياً وسياسياً هي الحاضر الغائب والمتهم أيضاً، وفي المقابل كانت مكانة الإخوان المسلمين والتيار السلفي تتعززُ يوماً بعد يوم لتصل عصرَها الذهبي في عهد الرئيس/ علي عَبْدالله صالح، وتخرج فكرة المعاهد العلمية إلى حيز الوجود التي منذ إنشائها كانت تستهدف أطرافاً ثلاثة (الزيدية، الصوفية، اليساريين) أو كما يسميها الشيخ عَبْدالله الأحمر في مذكراته (التطرف الشيعي، التطرف الصوفي، التطرف اليساري).

وتبقى الزيديةُ تصارعُ من أجل البقاء رغم كـُـلّ محاولات الإقصاء والإلغاء. ورغم كـُـلّ الخسائر التي لحقتها ظلت تقاومُ كـُـلّ أسباب الفناء التي بدت الزيدية أمامَها حقيقة مستعصية ارتبطت بالإنسان اليمني وارتبط بها وعاشها فكراً وسلوكاً، تأثر بها وتأثرت به وانعكست عليها ملامح الشخصية اليمنية التي لا تستسلم بسهولة لمبدأ الأمر الواقع، المشبعة بروح التمرد أمام كـُـلّ ما يُلغي شخصيتها.

ما إن قامت الوحدة واعتمد نظامها الديمقراطية والتعددية حتى نشطت ذاكرةُ الزيدية السياسية محاولة الانبعاث من جديد، والتخلص من حالة الركود والسلبية التي طالت وما كان لها أن تطول. وفي محاولة جادة منها لاستيعاب المتغيرات والمستجدات التي طرأت على الحياة يصدر مجموعة من علماء الزيدية بياناً أكدوا فيه التزامَهم بالجمهورية وتمسكهم بكل الثوابت الوطنية، مؤكدين على أن زمن الإمامة قد انتهى بانتهاء مبرراته الاجتماعية.

لقد ساورت الزيدية السياسية الظنون أن مرحلةً جديدةً قد بدأت وأن مرحلة التقاسم وقيَم الغلبة والانتماءات التحتية التي على أساسها تم التقاسم قد ولت وحل بدلاً عنها قيَمُ العيش المشترك والمشاركة والمواطنة المتساوية فلا غالب له كـُـلّ الحقوق ولا مغلوب ليس له أي حق وأن النظام أصبح أكثر استعداداً من أي وقت مضى للمشاركة وأن تقسيم اليمنيين إلى وطنيين شرفاء وإماميين رجعيين أصبح في خبر كان.

ويعيشُ الجميعُ هذه الحلم الجميل الذي ما لبث أن تحول إلى كابوس مزعج قاموا على إثره مفجوعين مفزوعين، فالنظامُ بتركيبته العسقبلية السلفية ما زال هو هو، يرفضُ كـُـلَّ قيم الشراكة والمشاركة ويحول كـُـلَّ معاني الديمقراطية والتعددية سواداً على بياض.

فهو وإن وجد نفسَه في لحظة تأريخية معينة مضطراً للقبول بالمشاركة إلا انه نجَحَ في تجاوزها، وفجأة يجد شريكاً بحجم الاشتراكي نفسه لا خارج السلطة فحسب بل خارج الوطن بكله.

ويأبى هؤلاء إلا أن تكون الجمهوريةُ جمهوريتـَهم والوحدة وحدتهم والوطنُ ميراثاً لهم ولأبنائهم ومن يحب العيش على فتات موائدهم وما جادت به نفوسُهم فبها ونعمت ومن أبى فهو إنفصالي عميل أوْ إمامي رجعي بائد.

وتتعرض الزيدية السياسية لصفعة تلو صفعة، وتوصد الأبواب بوجه كـُـلِّ محاولات إثبات حسن النوايا إزاء النظام الجمهوري، وترفع بوجهها التهمة الأثيرة تهمة الإمامة التي ترددت على مسامعنا إلى حد الغثيان..

دعك من حكاية عقارب الساعة التي يسهرون على حراستها من أي تسلل زيدي لتأخير عقاربها وبعد كـُـلِّ هذه المدة المديدة يفاجأ الزيديةُ بأنهم لا يزالون مجرد مخلفات للعصر البائد..

الخلاصةُ أن الأنظمةَ والحكومات المتعاقبة منذ ما بعد قيام الثورة في الشمال ظلت تفتشُ عن إمام في صعدة وفي الأوساط الزبدية فلما لم تجده صنعت من الحوثي إماماً وحاربته.
------