السبت، 14 مارس 2009

الزيدية والأخبار

موقف الزبدية من السنة
يؤكد الإمام الهادي على أن الرسول مجرد مبلغ عن ربه وينتقد بشدة أي تصور لجعل السنة من الرسول نفسه غير موحي بها من الله،فكل الأحكام من الله سبحانه وتعالى ويوضح بقوله:(أن الله سبحانه أصل كل ما أفترضه في الكتاب المبين ونزله على خاتم النبيين،فجعل في كتابه أصل كل ما أفترضه من الدين،وبينه لجميع العالمين فكانت أصول الدين في الكتاب كلها،وجاءت الفصول مفصولة،والفروع المفرعة،إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الله ذي الجلال والإكرام،على لسان الملك الكريم، جبريل الروح الأمين،فنزل شرائع الدين،وتفريع أصول القرآن المبين،على محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما نزل عليه السلام بالأصول إليه،وكان نزوله بالفروع مفرعةً،كنزوله بالأصول المجملة المجتمعة،وأدى جبريل الروح الأمين،إلى محمد خاتم النبيين،فروع شرائع الدين،عن رب العالمين،كما أدى مجملات أصول القرآن المبين،والسبب في تفريق ذلك من الله،فنظر الله من لبريته،وعائدة على خلقه،ولطف في فعله وصنعه،وتقوية لمن أراد حفظ كتابه،وجعل ما نزل وحيه وبيانه،فخفف عنهم في الكتاب،وأعانهم بذلك في كل الأسباب،ففرق بين الأصول الموصلة،والفروع المفرعة،فجعل الأصول في الكتاب مجملة جاء بها جبريل،وجعل الفروع في غير الكتاب جاء بها أيضاً جبريل،وكل من الله مبين وتفصيل،وفرضاً منه سبحانه وتنزيل،بعث يهما كليهما رسولاً واحداً،ملكاً عند الله مقرباً،أميناً مؤتمناً،فأدى إلى الرسول ما به أرسل،وتلا عليه من ذلك ما أمر بتلاوته عليه،فكان ذلك من الله فرضاً مميزاً،وديناً من الله مفترضاً،لم يكن من رسوله فيه اختيار،ولم يشرع لأمته من دين الله إلا ما شرع الله،ولم يأمرها إلا بما أمرها الله،ولم ينهها إلا عما نهاها الله.
من ذلك قول الله:" أقيموا الصلاةَ وآتُوا الزكاةَ" البقرة:43)[44] ولما كان (للسنة أهمية بالغة في الفقه لأن الأحكام التي جاءت بها أربعة أنواع:
الأول:- موافقة لإحكام القرآن ومؤكدة لها.
والثاني:-مبينة لمعاني القرآن ومفصلة لمجمله،مثل كيفية الصلاة ومناسك الحج ونصاب الزكاة ومقدارها
الثالث:-مقيدة لمطلق القرآن أو مخصصة لعمومه
الرابع :-سكت عنه القرآن وجاءت به السنة لأن السنة مستقلة بتشريع الأحكام كالقرآن،من ذلك تحريم الحمر الأهلية وأكل كل ذي ناب من السباع ومخلب الطير وكالحكم بشاهد ويمين وجواز الرهن ووجوب الدية على العاقلة وميراث الجدة)[45]
وأغلب ما روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم انفرد بروايته شخص واحد عن شخص أو أكثر من واحد،لذلك اختلفت المذاهب في الشروط الواجب توفرها في الخبر الأحادي المروي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم،فإن الزبدية يشترطون في رواة أخبار الآحاد:(أن يكون الراوي عدلاً ثقة،ولا يشترط أن يكون الرواة زيديين،ولا من آل البيت،بل الشرط هو العدالة المجردة،وذلك لأصل المذهب الزيدي،وهو تعديل جماهير المسلمين إلا من يثبت فسقه،وهم بهذا يخالفون الإمامية في تقديمهم رواية ألإمامي ولو كان غير عدل على رواية غير ألإمامي،ولو كان عدلاً،وأن لا يكون موضوعه مما يعم به البلوى علماً وعملاً أو علماً، فهذا النوع يجب أن ينقل متواتراً،ونقله عن طريق واحد أو أكثر مما هو دون حد التواتر يجعل الخبر موضع شك ونظر،)[46](بل يجب أن يرد،وذلك لكذب ناقله،وذلك كخبر الإمامية الذي رووه في النص على إثني عشر إماماً معينين بأسمائهم،وكخبر البكرية في النص على إمامة أبي بكر،ومعنى عموم البلوى في الحكم شمول التكليف لجميع المكلفين لو ثبت)[47].
والزيدية إذاً (يقدمون رواية آل البيت إذا تعارضت مع رواية غيرهم،فرواية علي مقدمه على رواية غيره من الصحابة،ورواية أي صحابي من آل علي أولى من رواية غيره،ورواية الحسين مقدمة عن رواية ابن عباس وكذلك رواية الحسن،وكذلك التابعي من آل البيت تقدم روايته على رواية غيره)ف(الرواية أعلى مراتبها القرابة،ثم الصحابة،ثم مفسرو التابعين،ثم الثقات،)[48](ويستفاد من هذا النص أمور أربعة:
أولها-أن القرابة ليست شرطاً في صحة الرواية، فالراوي من غير القرابة روايته مقبولة.
وثانيها-أن رواية القرابة مقدمة، وخصوصاً إذا انتهت إلى علي
وثالثها-أن اتصال السند إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليس بشرط،فقد جعلوا رواية التابعي المجتهد تلي رواية الصحابي،أي أن مرسل الحديث مقبول عند الزيدية مادام التابعي ثقة مجتهداً أو غير مجتهد،وإن كان المجتهد يقدم على غير المجتهد.
وهذا هو رأي أبي حنيفة ورأي مالك(رضي الله عنهما) في المرسل،ورأي أحمد رضي الله عنه أنه حديث ضعيف ورأي الشافعي أنه يقبله بشرطين:أن يكون التابعي الذي انتهى عنده سند الحديث ممن اشتهر بكثرة من لقي من الصحابة،وأن يكون له شاهد يزكيه،بأن يكون هناك مسند متصل في معناه،أو أن يكون هناك مرسل آخر في معناه،أو قول صحابي أو عمل صحابي،أو يتلقاه العلماء بالقبول.
الأمر الرابع- من ذلك نجد أن الأحناف يشترطون للعمل بالخبر المروي شروطاً منها:
(1-أن لا تكون متعلقة بما يعم به البلوى، {لأن ما يكون كذلك لابد أن ينقل عن طرق التواتر}
2-أن لا يخالف القياس الصحيح والأصول والقواعد الثابتة في الشريعة إذا كان الراوي غير فقيه ولذلك لم يأخذ بحديث المصرات لأن راويه أبو هريرة-لأنه غير فقيه
3-أن لا يعمل الراوي بخلاف الحديث الذي رواه لأن عمله يدل على نسخه، أو تركه لدليل آخر،أو أن معناه غير مراد على الوجه الذي روي فيه...وقد مثل الأحناف لذلك بعدم عمل راوي حديث الغسل سبعاً لولوغ الكلب

ويشترط المالكية:
1:عدم مخالفة عمل أهل المدينة،{لأن عمل أهل المدينة في عصر مالك تجسيد للسنة المتواترة،ولذلك لم يعمل المالكية بأحاديث ضم اليدين في الصلاة لأن أهل المدينة في عهد الإمام مالك كانوا يرسلون في الصلاة وهم بالآلف مما يستحيل القول معه أنهم أجمعوا على مخالفة فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهم قريبو العهد به}
2-أن لا يخالف خبر الآحاد الأصول الثابتة والقواعد المرعية)[49]بينما لا يشترط أحمد موافقة الخبر لأي قاعدة(فالأثر مقدم حتى لو كان ضعيفاً على الرأي ويقدم على القياس)[50] والشافعية والظاهرية والجعفرية،يشترطون عدالة الرواة،واتصال السند إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،والمرسل عند الظاهرية غير حجة،وعند الشافعي الأخذ به بشروط منها:أن يكون من مراسيل كبار التابعين مثل سعيد بن المسيب ويسند من جهة أخرى,أو يوافق قول صحابي،أو يفتتي بمقتضاه أكثر العلماء)[51]
ومن أبرز ما تتميز به الزيدية،هو التأكيد على أهمية عرض الحديث على القرآن،أي أن لا يقتصر النقد على السند بل لابد من نقد المتن،فالحديث الذي يتعارض مع القرآن أو لا يوجد في القرآن له أصل بحسب تعبير الإمام القاسم(والسنة ما كان لها ذكر في القرآن ومعنى) لا يعمل به،وكذلك إن تناقض مع حكم العقل،أو حقيقة علمية ثابتة.

د\ياسين سعيد نعمان في منتدى الأيام


عقد منتدى «الأيام» بعدن عصر أمس ندوة عن المشهد السياسي اليمني ومستجداته استضافت فيها الدكتور ياسين سعيد نعمان، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، بحضور الأستاذين الناشرين هشام وتمام باشراحيل، وشخصيات سياسية وأكاديمية ورواد المنتدى.

ومهد للندوة الزميل نجيب يابلي بنبذة تعريفية عن الدكتور ياسين سعيد نعمان، قال فيها: «ضيفنا بهذه الندوة من مواليد منطقة شعب عام 1947م وتلقى مراحل تعليمه العام والثانوي في عدن ثم التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وهي كلية النابغين في جامعة القاهرة وحصل على الدكتوراه من المجر عام 1981م، شغل عدة مناصب منها نائب وزير التخطيط عام 1981م ووزير الثروة السمكية عام 1983 ثم رئيسا للوزراء عام 1986م وعندما كان وزيرا للثروة السمكية كان أيضا نائبا لرئيس الوزراء، كما كان آخر رئيس وزراء لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل الوحدة.

وضيفنا كان عضوا للجنة المركزية في المؤتمر العام الثاني والمؤتمر العام الثالث وبعد 1986م عضوا للمكتب السياسي ثم أمينا عاما للحزب الاشتراكي اليمني في العام 2005م، وهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء وابنتان، ونترك الكلمة الآن لضيف الندوة».

د. ياسين سعيد نعمان أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني:

«أولا أنا سعيد جدا أن أكون هنا في منتدى «الأيام» وأعبر عن تضامننا مع «الأيام» صحيفة وموقفا إزاء كل ما تتعرض له من مضايقات وأذى وهو جزء من الأذى العام الذي يلاحق صاحب كل موقف وكل رأي.

وفي هذا اللقاء حقيقة الذي أرجو أن يكون مفتوحا بمعنى أن نتحدث من القلب إلى القلب وبشكل مباشر دون أن أشخص الموقف من الزاوية التي يمكن أن تصلح فيما بعد محورا للحديث ولكن لا شك في أذهاننا جميعا أسئلة كبيرة بعضها لها صلة بالماضي وبعضها لها صلة بالحاضر ولكن في جميع الأحوال يجب أن تتجه بنا إلى المستقبل، كل سؤال حول الماضي وكل قراءة للماضي إذا لم تتجه نحو المستقبل يصبح ليس له معنى ويصبح البحث مجرد مبحث ترفي كما يبحث الناس في مجاهل التاريخ.

ولكن اليوم عندما نبحث في الماضي سواء أكان البعيد منه أو القريب أو نبحث في الحاضر أيضا لابد أن يكون حوارا هو التوجه نحو المستقبل، وسأحاول بقدر الإمكان حتى يصبح حديثنا أو يسهل الحديث فيما بيننا والأسئلة عن ما خفي من الأمور إذا بدت هناك أشياء خفية سنحاول أن نعيد الذاكرة إلى المشهد السياسي الذي عشناه خلال الفترة الماضية وإلى أين كان يتجه بنا هذا المشهد ومن هي قواه الرئيسية التي ظلت تشكل عناصره ووفقا لأي رؤى.

في المشهد السياسي الذي بدا حقيقة معقدا إلى درجة كبيرة لا نستطيع أن نقول كما هو الحال فيما يخص البلدان المستقرة بأن هناك سلطة وهناك معارضة ولكن أن نقول إن هناك أكثر من لاعب في الحياة السياسية نشأ بسبب جملة من العوامل الداخلية التي جعلت الحياة السياسية مفتوحة على كل الاحتمالات.

في الجانب الأول نحن إزاء وضع تغيب فيه الدولة، بمعنى أن لدينا سلطة هذه السلطة تدير الأمور على نحو تسلطي ولكن بدون دولة مؤسسية، عندما يكون الوضع محكوما بهذا النمط من الخيارات السياسية تصبح كل مكونات هذه الدولة بالمفهوم الوطني العام في حالة من الضياع لأن كل مؤسسات الدولة تتحول إلى مؤسسات شكلية تقوم على قاعدة ما يمكن أن نطلق عليه الولاءات وليس الشراكة، وفي ظل غياب هذه الشراكة الوطنية نشأ فراغ حقيقي وليس مجرد نزوع نحو البحث عن إنتاج مشكلات هنا أو هناك ولكن نشأت فجوة حقيقية بين المجتمع وبين هذه السلطة أرادت هذه السلطة أن تعوض هذا الفراغ من خلال ما أسمته المشاركة ولكن بنظام الولاءات وهو نفس النظام الذي كان يتبع في الجمهورية العربية اليمنية ما قبل الوحدة، بمعنى أن كل منطقة يتم اختيار مجموعة تمثلها في إطار هذه السلطة وهذا التمثيل يتم اختياره بعناية لكي يصبح جزءا من هذه السلطة ولكن بطريق التعاقد فأصبح فلان يمثل هذه المنطقة الفلانية وهؤلاء الأشخاص يمثلون تلك المنطقة ومجموعة من هنالك، ناهيك عن التركيب الاجتماعي الذي يشكل حاجزا لهذه السلطة، وبالتالي بعد أن قامت الوحدة في 22 مايو كانت أول قضية طرحت هي إما أن يكون هناك تمثيل في السلطة أو تمثيل في الدولة وكانت تلك نقطة الخلاف في المرحلة الأولى ويومها كان أمام الحزب الاشتراكي خياران، وهو الذي اعتبر ممثلا لدولة الجنوب في الوحدة، الخيار الأول أن يقبل أن يتحول إلى ممثل في السلطة وليس ممثلا في الدولة بمعنى أن يتخلى عن تمثيل الجنوب وبمعنى آخر أن يقايض تمثيله في السلطة بتمثيل الجنوب في هذه الدولة الوليدة، وهنا بدأت عملية الصراع الحقيقي ونقطة الخلاف الحقيقية عندما بدأ طرح موضوع دمج المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني في حزب واحد، هذه كانت نقطة من النقاط الحاسمة في معرفة وإدراك كيف كان ينظر يومها الحزب الاشتراكي لقضية أن يصبح الجنوب طرفا في المعادلة الوطنية الجديدة في دولة الشراكة الوطنية، وعندما رفض هذا المشروع مشروع الدمج أي رفض مشروع شراكة السلطة جاء البديل الحرب وما أسفرت عنه، والحرب أعادت إنتاج المشكلة ولم تحل المشكلة بل ظلت المشكلة قائمة، حاولت السلطة بعد الحرب أن تستعيد التمثيل بنفس النمط القديم للجمهورية العربية اليمنية بأن هناك من الجنوب يأتون إلى السلطة وبالتالي كأن هذه هي الشراكة الوطنية المطلوبة وكان الاعتقاد بأن هذه المشكلة انتهت هنا وبالتالي فإن قضية الشراكة حسمت بنفس الأسلوب القديم الذي كانت دائما ما تحسم به في ظل نظام الجمهورية العربية اليمنية.

في ظل هذا الوضع القائم نفهم أن بروز واحدة من قضايا غياب الشراكة الوطنية - أزمة النظام باعتباره جذر المشكلة -ظهور القضية الجنوبية، على الصعيد الآخر في ظل هذا الوضع أيضا برزت قضايا من ضمنها وعلى نفس النمط قضية صعدة وهي توظيف الأدوات ولكن بشكل مختلف وهنا الأداة دينية باعتبارها أيضا واحدة من الأدوات التي جرى توظيفها كبديل للدولة المدنية للدولة الوطنية وباعتبارها أيضا أداة من أدوات إدارة السلطة نشأت قضية صعدة كواحدة أيضا من القضايا المتعلقة بغياب الشراكة، وتحركت في إطار هذا الوضع جملة من التعقيدات الداخلية منها أولا فشل مشروع التنمية واتساع رقعة الفقر، وثانيا تراجع المشروع الديمقراطي لدرجة أن الهدف الأساسي من الانتخابات أصبح هو إعادة إنتاج هذه السلطة بطريقة موسعة، ثالثا ضعف التحالفات الاجتماعية بسبب خلق رقعة واسعة من الفقر مع استقطاب الثروة في يد القلة وحتى التحالفات السياسية التي نشأت في ظل هذا الوضع السياسي واتساع رقعة الفقر تكاد تكون إلى حد كبير تحالفات هامشية لأن أي تحالف مالم يقم على قاعدة تستهدف بدرجة رئيسية حل المشكلات الاجتماعية يبقى وكأنك تتحرك خارج حاجة المجتمع بما في ذلك جزء من التحالف السياسي الذي قاده المشترك ولازال حتى اللحظة، وأخيرا اتساع رقعة التطرف والإرهاب كنتاج لهذا الوضع.

هذا المشهد السياسي يطرح أمامنا لوحة كئيبة فيما يخص المستقبل، والسؤال في ظل هذه الأوضاع: إلى أين يتحرك هذا البلد؟

نحن حقيقة في اللقاء المشترك بعد انتخابات 2006م بدأنا نطرح سؤال هل المشكلة تتعلق بالحديث عن الخيار السياسي المحكوم بانتخابات في ظل غياب منظومة متكاملة للحريات والديمقراطية والشراكة الوطنية وأيضا ما اعتبرناه جذر المشكلة فيما يخص الظروف التي أنتجتها حرب 94م ليس الظروف فقط السياسية بالمفهوم الذي يمكن أن يتم التعبير عنه بإصلاحات جزئية هنا وهناك، ولكن هناك مشكلة وطنية عميقة أنتجتها هذه الحرب حيث جرى استبدال الوحدة السلمية بوحدة القوة وجرى فيها إعادة صياغة كل مكونات الحياة السياسية بمنهج مختلف عن التوافق الوطني وبالتالي هنالك خلل بنيوي وليس مجرد خلل سياسي يمكن إصلاحه بهذا القدر أو ذاك ولكن خلل بنيوي كان لابد من أخذه بعين الاعتبار ونحن نتحدث عن إعادة إصلاح الوضع بشكل عام.

نحن حقيقة داخل المشترك كان لنا حوارات واسعة لا أستطيع القول أننا كنا متفقين منذ اليوم الأول لتشخيص الوضع ولكن كانت لدينا رؤى في المرحلة الأولى متباينة ثم بدأنا نقترب من بعضنا البعض في فهم طبيعة المشكلة، وخارج المشترك كانت أيضا تتحرك قوى سياسية البعض منها مجتهدة والبعض الآخر تحاول أن تفهم المشكلة بشكل أو آخر وحاولنا في المشترك وعلى وجه الخصوص الحزب الاشتراكي أن نمد جسورا للتفاهم مع هذه القوى لإدراك حقيقة المشكلة وللوصول إلى رؤية مشتركة لتشخيص واقع المشكلة، طبعا ربما نجحنا في مكان وأخفقنا في مكان آخر وظلت الحياة كل يوم تنتج موقفا جديدا ورؤية جديدة، ونستطيع أن نقول إن غياب الحوار الهادئ والموضوعي بين كل القوى لتشخيص هذه المشكلة خلق كثيرا من الفجوات وبدلا من أن تجسر هذه الفجوات بتفاهمات لمعرفة حقيقة ما يدور وما تنتجه الحياة من قضايا ومن أوضاع كانت متسارعة ومتلاحقة ومعقدة ولا أحد يستطيع أن يدعي أنه أكثر قدرة على تشخيص الوضع بمفرده عن الآخرين ولا أحد يستطيع أن يمتلك الحق بأنه الرائد في هذه القضية أو تلك بقدر ما أنتجت الحياة السياسية جملة هذه التعقيدات وكنا نرى أنه من الضروري أن يبدأ الناس بحوار مفتوح، هذا الحوار المفتوح غير محكوم بأي سقف ولا بأي مفاهيم محددة إنما ينطلق من قضية واحدة وهي أن هذا البلد بلد الجميع وأن الجميع معنيون بمعالجة مشاكله وأوضاعه والوقوف أمام التحديات التي تواجهه.

حقيقة الأمور في جزء منها سارت بأشكال مختلفة أولا في صعدة الأمور أخذت منحى الحرب ورأينا كيف أخذت الحرب مجراها لنحو خمس سنوات وخمس حروب وفي الجنوب أخذت منحى آخر جاء الحراك السياسي وأنتج قواه وفعالياته المختلفة وكان المطلوب من هذه الفعاليات أن تنفتح بأفق أوسع على الجميع، وقلنا لا أحد وصي على هذا الحراك ولا أحد وصي على القوى السياسية الحياة ستجدد إنتاج المشاكل والمشاهد في صور مختلفة وبالتالي لا بد أن لا نتوقف عند مشهد واحد أو رؤية واحدة ولكن لابد من أن يدرك الجميع أن الجميع معنيون بقراءة المشهد والتفاعل معه وليس بالضرورة أن يصل الناس جميعا إلى تطابق في الفهم ولكن قيمة مثل هذا التفاهم أو الحوار تأتي من إدراك الجميع بأنهم مسؤولون قبل أن يتصدر هذا الطرف أو ذاك ليقول فلان معني وفلان غير معني.

نحن حقيقة في هذه الأجواء ومنذ نهاية 2007م وقد بدأت عجلة الحياة السياسية تتحرك باتجاهات مختلفة طرحنا على أنفسنا سؤالا في اللقاء المشترك وعبر حوار طويل وهو: هل يمكن أن تكون الديمقراطية وبمفهومها السياسي مجرد انتخابات في ظل هذا المشهد الذي يحمل أكثر من دلالة على أن هناك حاجة إلى معالجة لمشاكل بنيوية حقيقية؟ وهذا السؤال حدى بنا إلى أن نتحدث عن المسار السياسي في الفترة اللاحقة بما فيها الانتخابات والديمقراطية إلى آخره، وبدأنا نجتهد في قراءة المشهد السياسي بشكل عام.

الحراك في الجنوب في هذه الفترة قد بدأ يتشكل ويتحمل مسؤولية في حمل قضية الجنوب ونحن نعرف أن في الحراك السياسي قوى سياسية واسعة بمعنى تقريبا كل القوى السياسية منخرطة في الحراك السياسي، وكنا نتمنى أيضا أن لا تتسابق هذه القوى السياسية في إطار الحراك في طرح الأهداف وفقا للمشاريع السياسية لكل حزب أو لكل طرف سياسي فيه فالقضية أكبر وهي قضية الجميع، ونحن في اللقاء المشترك أيضا موجودون في هذا الحراك السياسي بأحزابنا ولكن حرصنا بقدر الإمكان ان لا يوجد المركز بهيمنته وقلنا نحن في الحزب الاشتراكي بدرجة رئيسية أن يترك لهذا الحراك فرصة أن ينتج نفسه بالصورة التي تعبر عن حاجة الناس وينتج أيضا قياداته حتى تتمكن من الوقوف على قدميها وأن تشكل طرفا في معادلة التفاهم والحوار السياسي، هذه كانت رؤيتنا وأول بيان أصدره اللقاء المشترك في بداية عام 2008م هو الاعتراف بالفعاليات السياسية التي أنتجها الحراك السياسي وقلنا عندما طلب منا أن نتناقش حول قضايا الجنوب قلنا أولا نحن في أحزاب اللقاء المشترك طرف كأحزاب موجودين في الجنوب نحن طرف ولكن لسنا كل الأطراف هناك قوى وفعاليات أنتجها الحراك السياسي والجميع معنيون بمناقشة قضية الجنوب وعلى السلطة أن تعترف بهذه الفعاليات وأن تتعامل معها، وكان هدفنا من هذا أن هذه الفعاليات توحد نفسها وتوجد وتنتقل من الحراك إلى الموقف السياسي لأن أي عمل نضالي لابد أن ينتهي في الأخير بحوار سياسي، هذا الموقف الذي اتخذه المشترك كان باعتقادي محطة تاريخية مهمة جدا حيث انتقل بالموقف من إطار الوصاية التي رفضناها منذ البداية إلى إطار آخر وهو أن توجد هذه الفعاليات بكل مكوناتها وبكل مشاريعها وتصبح جزءا من العملية السياسية ومضينا على هذا الأساس وفي أول رسالة وجهناها لرئيس الجمهورية في يونيو 2006م كانت أول قضية طرحناها في هذه الرسالة القضية الجنوبية وأشرنا إلى الفعاليات السياسية ولم نقل إن المشترك هو المعني بمناقشة قضايا الجنوب حتى لا يختلط الأمر على بعض الأخوة الذين ربما لم يقرأوا موقف المشترك بصورة صحيحة.

هذا كان حقيقة قراءتنا بأن الوضع في الجنوب وفي اليمن بشكل عام لم يعد قابلا للقسمة على اثنين السلطة وأحزاب اللقاء المشترك نحن رفضناه من البداية والآن المشكلة توسعت وأوضاع البلد تعقدت ولم يعد الموضوع يمكن فهمه في إطار سياسي منسجم لبلد بدون مشاكل فبالتالي نتحدث عن سلطة ومعارضة بالشكل التقليدي، وهذا نحن جميعنا ندركه وفي كل البيانات التي صدرت من اللقاء المشترك بما فيها الرسالة التي وجهناها لرئيس الجمهورية قلنا فيها إن السير نحو الانتخابات في ظل هذه الأوضاع التي تعيشها البلد بما فيها الأوضاع في الجنوب بما فيها الأوضاع في صعدة بما فيها كل هذه المشكلات المعقدة واتساع رقعة الفقر وفشل التنمية يتطلب منا أن نعيد دراسة الأولويات لكي ننطلق بعد ذلك نحو الانتخابات أو سمها بما شئت برؤية إنقاذية للبلاد أما أن نترك العامل الأساسي في هذه العملية كلها يعيش هذه الحالة من التفكك البنيوي ونتخيل هكذا بأنه لاتوجد لدينا مشكلة نحن في أحزاب اللقاء المشترك على الأقل لانستطيع أن نرى الوضع بالشكل الذي تراه السلطة وإذا السلطة ترى بأنه ليس لديها مشكلة فلتمضِ بالانتخابات على بركة الله، ولكن نحن منذ البداية رأينا أن السير نحو الانتخابات والحديث عن الديمقراطية في إطار كل هذه المتغيرات المحيطة بالوضع مسألة محكومة بوهم أو أنها مغالطة نغالط أنفسنا ونغالط الناس، ومن هنا بدأ يتشكل موقف اللقاء المشترك فيما يتعلق بالانتخابات وبعد ذلك سارت الأمور بالشكل الذي سارت عليه، كان يبدو أن الأوضاع تتأزم ولم تستطع القوى السياسية بشكل عام أن تنفتح على بعضها البعض وهنا السؤال لماذا؟ البعض يتعامل مع الوضع مع منظور أن المشترك والسلطة وجهان لعملة واحدة في جانب تاريخي للمسألة ربما يكون محكوما لا أقول بمبررات تاريخية ولكن أقول بعض التعليل الذهني للموقف الذي لا يستطيع فيه الإنسان أن يراجع نفسه ولكن عليه فيما بعد أن يفتش في التاريخ عن مبررات لهذا الموقف، وطبعا على الأقل هناك توافق فيما يخص الموقف من الانتخابات فيما بين فعاليات الحراك السياسي واللقاء المشترك فيما يخص المستقبل، ويبدو بدأت الأمور على صعيد اليمن بشكل عام تتحرك في إطار منظومة سياسية متعثرة، في هذه الفترة اعترف اللقاء المشترك بأنه يجب أن لا يدعي أنه الطرف الوحيد في معادلة الحياة السياسية مع السلطة وأن هناك قوى سياسية بمختلف ألوانها وأطيافها عليها أن تتوجه نحو الحوار والتفاهم بدون اشتراط أية شروط مسبقة لمثل هذا الحوار ولكن إدراكا أن أمامنا مشكلة هذا البلد يعيش مشكلة معقدة يعيش أوضاعا وظروفا صعبة وكيف سيتجه إلى المستقبل كيف يخطو مع الناس نحو المستقبل، ودعا إلى حوار ولقاء وطني وكانت ردود الأفعال متباينة إزاء الحوار الوطني البعض رأى أن هذا الحوار لا يعنيه والبعض رأى أن هذا الحوار يخدم السلطة بهذا القدر أو ذاك والبعض رأى أنه محاولة لاحتواء القضية الجنوبية والبعض رأى أنه محاولة لاحتواء قضية صعدة بمعنى أن كل واحد قيم هذا الموضوع من زاوية في الوقت الذي لم نستطع أن نقدم البديل لهذا الحوار، هل يحتاج الناس إلى حوار وتفاهم لإدراك خطورة الوضع، ثم أن حوار الناس لا يستوجب أن أحدا سيلزم أحدا بالموقف الذي يجب أن يأخذه، إنما نحن أمام وضع صعب ومعقد وعلى الناس أن يتشاوروا بشأنه.

موضوع الحوار والتشاور الوطني لايزال قائما ومن وجهة نظرنا كأحزاب اللقاء المشترك بأنه حصان الرهان للمرحلة القادمة فيما يخص تفاهمات القوى السياسية لمعرفة وإدراك إلى أين ينبغي أن يتجه هذا البلد خلال المرحلة القادمة والمستقبل وهو ليس مؤطرا بأي رؤية أو أي موقف وحرصنا كأحزاب على أن لا نطرح رؤية محددة كأساس للنقاش بحيث لايكون الحوار على قاعدة رؤية مسبقة وإنما كل طرف من أطراف الحوار سيأتي للمشاركة في الحوار لديه الرؤية الخاصة به وبقناعاته وسيشكل هذا قاعدة وأساسا للتشاور والتفاهم بين الناس، وهذا الموضوع لازال مطروحا.

الآن ما الذي حدث فيما يخص الانتخابات في المشهد السياسي العام بدأت الأمور تتأزم كان المؤتمر الشعبي العام مصرا على المضي صوب الانتخابات بمفرده وشكل لجنة الانتخابات بمفرده ولجنة الانتخابات التي شكلها من المؤتمر الشعبي العام أعدت السجل الانتخابي لوحدها وقامت بكل ما يخص الانتخابات حتى جاء الوقت الذي كان يجب أن يتقرر فيه الموقف الحاسم من هذه القضية ونحن لم نشارك لا في السجل ولا التسجيل وطرحنا رأينا فيما يخص هذا الموضوع وطالبنا بإصلاحات سياسية وفقا لرسالتنا لفخامة الرئيس طالبنا بموضوع القائمة النسبية باعتبارها من وجهة نظرها أساس إعادة التشكيل للبنية السياسية بشكل عام واتجهنا بعملنا طبعا في إطار مختلف حتى جاء الوقت الذي كان يفترض فيه أن يتحدد موقف نهائي إلى اليوم الذي كان يفترض فيه أن يعلن المؤتمر الشعبي العام أو السلطة دعوة الناخبين نحن في أحزاب اللقاء المشترك كان موقفنا واضحا أن هذه الانتخابات إذا ماجرت على القاعدة التي أقرها المؤتمر الشعبي العام بمفرده نعتبره اغتصابا لحق الناس في انتخابات حرة ونزيهة باختصار.

طرح الموضوع فيما بعد اتخذ المؤتمر الشعبي العام قرارا في لجنته العامة بأنه سيخوض الانتخابات بمفرده بتاريخ 27 أبريل القادم وكان هذا آخر شيء اتخذه المؤتمر الشعبي العام.

وكان طبعا الأوربيون والآخرون المهتمون بالشأن اليمني حاولوا التوصيل إلى اتفاق، وقلنا نحن أمام معادلة مهمة جدا فيما يخص موضوع الانتخابات لدينا توصيات الاتحاد الأوروبي إذا الطرف الآخر مستعد وكان جادا في تنفيذ هذه التوصيات نبدأ بإعادة صياغة هذه المسألة على قاعدة الشراكة الوطنية، ولكن يبدو بدأت المواقف تتباعد وبدأ الأوربيون بدرجة رئيسية يعبرون عن قلق خاصة وأن الأمور بدأت تتصاعد باتجاه الحديث عن مشاكل هنا وهناك تصادمات قد تنشأ هنا وهناك، وبدأ التلويح بقضية الإرهاب فجأة أثناء هذا الحديث وأثناء هذه الاتصالات والتشاورات إذا بموضوع الإرهاب يبرز فجأة لا أدري كيف وكأن عدم إجراء الانتخابات سيتمخض عن مزيد من الوضع الإرهابي في المنطقة وفي البلد وإلى آخره، على العموم بعد وساطات عديدة من الشركاء الدوليين ومشاورات كان أمامنا خياران لا غير إما أن يمضي المؤتمر الشعبي العام لوحده نحو الانتخابات وبالتالي يضع البلد في مجهول، الأطراف السياسية المعنية لم تتشاور فيما بينها لتحليل واقع المشكلة وطبيعتها، نحن لا نخفي عليكم حاولنا حقيقة مع بعض الإخوة في الحراك نفهم ونتشاور بهذا القدر أو ذاك ولكن بالأمانة لم يكن هناك التواصل الكافي بمعنى حاولنا نحن عبر منظمات المشترك ومباشرة من قبلنا ونفس الشيء فيما يخص قوى أخرى مثلا بدأنا بحوارات مع الإخوة في الرابطة وكنا مع الإخوة في الرابطة نقطة الاتفاق هي قضية القائمة النسبية قلنا على الأقل نتفق على القائمة النسبية ممكن تكون نقطة اتفاق، القوى السياسية للأسف في ظل هذا الجو المرتبك بما فيها فعاليات الحراك السياسي في الجنوب بما فيها القوى السياسية الأخرى بما فيها منظمات المجتمع المدني ظلت في حالة ارتباك وبالتالي نحن على الأقل كأحزاب اللقاء المشترك حسمنا أمرنا باتجاه أنه إما المقاطعة ونتحمل ما سينشأ عنه ولكن لم نطرح المقاطعة لسبب واحد أن المقاطعة بمفهومها السياسي تعني فيما تعنيه الاعتراف بالعملية الديمقراطية لكنا لم نقل مقاطعة وقلنا إصرار السلطة والمؤتمر الشعبي العام على السير في الانتخابات بهذا المنهج هو اغتصاب والاغتصاب يعني اغتصاب حق الناس في الدفاع عن حقهم باختصار، وهذا وضع معادلة مختلفة معادلة أخرى في فهم المشكلة وفي الأخير بعد حوارات تم التوصل إلى الاتفاق التالي الذي يقول تأجيل الانتخابات ولكن لماذا تأجيل الانتخابات؟ هل تأجيل الانتخابات من أجل إصلاح النظام الانتخابي وتشكيل لجنة الانتخابات؟ أم من أجل المشكلة التي كان يطرحها اللقاء المشترك وهي قضية الوضع السياسي والنظام السياسي بشكل عام هي جوهر المشكلة؟ لو أن هذا الموضوع لم يطرح في اتفاق التفاهم حول تأجيل الانتخابات لم يكن سيعني اللقاء المشترك بشيء ولكن طالما طرحت قضية النظام السياسي باعتبارها قضية الجميع وهي الأساس يبقى في هذه الحالة أن الناس توصلوا أن هناك خللا ما في الوضع بشكل عام لابد أن يشترك الجميع في معالجته، لم يقل الاتفاق أن هذا سيتم الحوار حوله بين أحزاب اللقاء المشترك والسلطة أو المؤتمر الشعبي العام بل قال إن الحوار حول هذا الموضوع النقطة الأولى التي هي تطوير النظام السياسي سيتم الحوار بشأنها بين كل أطراف الحياة السياسية بما فيها منظمات المجتمع المدني وهذا لأول مرة يطرح الحوار على هذه القاعدة على قاعدة أن يتسع الحوار ليشمل كافة القوى السياسية غير محدد بطرفين وهذا مكسب للحياة السياسية مكسب حقيقي لأنه عندما يبدأ الحوار حول هذا الموضوع لن يكون الحوار بين أحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام والسلطة وحتى لا يقال هناك صفقة أو كما قيل ولكنه مفتوح على كل القوى السياسية ببرامجها المختلفة، قال البعض إن هذا الاتفاق كان يجتهد وللأسف معلومات خاطئة أن الاتفاق يعني فيه حديث عن موضوعات متعلقة بالرئاسة والقائمة النسبية مقابل الرئاسة كله كلام اجتهاد ليس له أي معنى فالاتفاق لم يقل سوى إطار واحد وهو حوار كافة القوى السياسية حول تطوير النظام السياسي ومن ثم مع بقية البنود الخاصة التي تختص بلجنة الانتخابات والقضايا الخاصة بالانتخابات غير المتفق حولها، البعض اجتهد والبعض انطلق من منطلق أن المؤتمر كان قد اتخذ قرارا بالسير لوحده في الانتخابات وفي آخر لحظة يتراجع إذن هناك صفقة وبعض الإخوة في قيادة الحراك تسرعوا بإعلان مواقف بأن هذا الاتفاق يعني التفافا على القضية الجنوبية ولا نعلم من أي زاوية وحقيقة نحن الآن لم نستطع أن نفهم من أي زاوية هذا الاتفاق فيه التفاف على القضية الجنوبية، إنما بالعكس هذا الاتفاق إذا نظرنا إليه من الزاوية التي تتيح فرصة لمزيد من تعبئة الحياة السياسية وتفاهمات الناس هو بالعكس لصالح الحياة السياسية بشكل عام، ولكن ربما البعض فهم الموضوع أو هكذا قد يكون عنده قناعة أو عنده تقدير للمسألة بأن الانتخابات كانت ستفشل في الجنوب بنسبة عالية وبالتالي جاء هذا الاتفاق ليفوت هذه الفرصة وحقيقة لا يستطيع أن يقول هذا أو ذاك لأن كل القوى السياسية نفسها جميعها سواء كأحزاب أو فعاليات لم تتدارس حقيقة هذا الوضع حتى تصل إلى هذا الاستنتاج، طبعا أكثر الناس الذين رفضوا الاتفاق بالذات من بعض القوى الناس الذين كانوا موعودين بالمشاركة في الانتخابات على حساب أحزاب اللقاء المشترك هؤلاء معروفون وكانوا قد هيأوا أنفسهم سواء كأفراد أو منظمات أو مجموعات وجرت حقيقة كثير من الفعاليات وجرت كثير من السيناريوهات التي قادها البعض والبعض رفع شعار التعددية الاجتماعية نيابة عن التعددية السياسية هؤلاء لم يسألوا أنفسهم تحت أي يافطة يشاركون أو لأي انتخابات ينتصرون وكان واضحا أن هذه من الترتيبات التي أعدتها بعض القوى في السلطة من أجل تنويع الانتخابات من اعتقاد بأن هذا بديل للتعددية السياسية هؤلاء هم من أقاموا الآن الدنيا ولم يقعدوها في أكثر من مكان، ولكن بالنسبة للحراك في الجنوب حقيقة لم أجد من يقول لي إلى اليوم لماذا هذا التأجيل يضر بالحراك في الجنوب إلا إذا كان هناك بعض القيادات بعض الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الحراك في الجنوب ولازالوا ينصبون أنفسهم أوصياء على هذا الحراك أوعز لهم بأنه بعد الانتخابات سنتحاور معكم حول القضية الجنوبية هذه واحدة من البدائل التي لعبتها السلطة، هؤلاء نقول لهم كان غيركم أشطر لم يتحاوروا مع دولة عملت معهم وحدة فهل سيتحاورون مع أفراد؟

في أكثر من لعبة جرت هنا وهناك ولكن علينا أن نفهم أن العمل السياسي يجب أن لايكون مغلقا، ونحن حرصنا في أحزاب اللقاء المشترك والحزب الاشتراكي أن ننفتح على كل القوى لكي نبحث ما الذي يمكن اتخاذه من خطوات وما الممكن التنسيق له والبلد بلد الجميع ولا أحد يمكن أن يدعي بأنه بديل للآخر لا من السابقين ولا من اللاحقين، لابد أن يكون هناك فهم بأن قضايا البلد تتعقد وهي قضايا ليست بالبساطة التي نعتقدها، وعلينا أن نعي تماما أن قضيتنا ليست محلية قضية اليمن والوضع بشكل عام ليس محليا وإن كان اللاعب الدولي إلى اليوم لم يبرز بشكل فاقع لكن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن هذه المنطقة لن يترك تقرير مصيرها بهذا القدر أو ذاك حتى لأبنائها في هذا الموقع من العالم نحن شركاء وشركاؤنا قد يكونون أقوى قد يكونون عادلين وقد يكونون غير عادلين وقد تكون مصالحهم أقوى وطبعا القرصنة في خليج عدن والبحر الأحمر علينا أن نقرأ دلالات ما يدور حولنا وهذه القرصنة تعني فيما تعنيه أن اليمن تحت المجهر وبالتالي أي تصرف وأي سلوك للقوى السياسية بشكل عام يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن تقرير مصير هذا البلد لن يكون بمعزل عن حسابات إقليمية ودولية وعالمية.

وعلينا ان ننضج الفكرة فنحن نتحرك حقيقة حتى الان بشكل عام خارج النضج العام بعواطف لكن عمر العواطف ماحكمت ولا تستطيع ان تحكم خط السير نحو الاتجاه الصحيح".

يتبع
نقلا عن الايام
فسكت الأوزاعي.
3- اعتقاد ضعف الحديث لفكرة خاصة، فإن كثيراً من الحجازيين مثلاً يرون أن لا يحتجوا بحديث رواته عراقيون أو شاميون إن لم يكن لهذا الحديث أصل بالحجاز( ).
4- أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده ولكنه نسيه، وذلك كنسيان عمر لحديث التيمم من الجنابة حتى ذكرّه به عمار بن ياسر( )، وكأن عمر لم يفهم من القرآن إلا أن التيمم يرفع الحدث الأصغر وحده.
5- عدم العلم بدلالة الحديث، مثل: ((لا طلاق في إغلاق))( ) هل الإغلاق هو الإكراه أم هو استغلاق الذهن وانسداد أبواب الفهم بسبب طارئ كالغضب الشديد أو سبب مستمر كالجنون، وقد اختلفت الفتاوى باختلاف الأفهام في الكلمة.
6- اعتقاد الفقيه أن لا دلالة في الحديث على ما يراد، والفرق بين هذا وما قبله أن الأول لم يعرف جهة الدلالة، وأما هنا فقد عرف الجهة وردها لسبب قائم لديه.
7- الاختلاف في تساوي الدلالات المختلفة في إفادة المعنى وصعوبة الترجيح، مثل معارضة العام بخاص، أو المطلق بمقيد، أو الأمر المطلق بما ينفي الوجوب، أو الحقيقة بما يدل على المجاز.
8- قد يكون الفقيه مع جودة حفظه واستنتاجه قد أخطأ في تقرير المقدمات التي انتهت بالنتيجة التي رآها، وذلك مثل من يقول: ((لا أعلم أحداً أجاز شهادة العبد)) مع أن قبول شهادته محفوظة عن الإمام علي وأنس وشريح وغيرهم.
9- من الفقهاء من يرد الحديث الصحيح إذا خالف القياس الجلي، ومنهم من يرده إذا كان عمل أهل المدينة المنورة على خلافه.
10- قد يحفظ البعض المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، كما في الخبر المروي عن علي ×، قال: لما كان في ولاية عمر جاء سعد بن أبي وقاص، فقال: يا أمير المؤمنين ما لقيت من عمار؟ قال: وما ذاك؟ قال: حيث خرجت وأنا أريدك ومعي الناس فأمرت منادياً فنادى بالصلاة، ثم دعوت بطهور ومسحت على خفي وتقدمت أصلي، فاعتزلني عمار، فلا هو اقتدى بي ولا تركني، وجعل ينادي من خلفي يا سعد أصلاة بغير وضوء؟
فقال عمر: يا عمار اخرج مما جئت به، فقال: نعم المسح قبل المائدة، فقال عمر: يا أبا الحسن ما تقول؟ قلت: أقول إن المسح كان من رسول الله ÷ في بيت عائشة والمائدة نزلت في بيتها، فأرسل عمر إلى عائشة، فقالت عائشة: كان المسح قبل المائدة( ).
السبب الثالث: التباين في القواعد الأصولية والفقهية وضوابط الاستنباط، فهنالك من يعتبر فتوى الصحابي حجة، وبعضهم لا يرى ذلك، بل يعتمد فقط على ما يرويه الصحابي عن النبي الأعظم ÷، وهنالك الاختلافات الناجمة عن حجية مفهوم المخالفة لدى الشافعية والمالكية من جهة، والحنفية من جهة أخرى، والاختلاف في فهم مقاصد الشريعة وعللها، والاختلاف في عملية بناء الحكم، وهل يبنى على قاعدة درء المفاسد وجلب المصالح أم لا، أو على قاعدة المصالح المرسلة( ).
ضرورة التقريب
ويتعين علينا إذا ما أردنا التقريب الحقيقي بين المذاهب الإسلامية فهم هذه الأسباب المذكورة ومعرفة الثوابت التي لا مسرح للإجتهاد فيها أصلاً كالأمور الاعتقادية المبنية على تنزيه الله سبحانه وتعالى عن المشابهة والمماثلة والتجسيم ومتعلقاتها، وتنزيهه عن الفساد، والرضا بمعاصي العباد، وكالأمور العبادية التوقيفية بطبيعتها وأدائها، وأصول المعاملات في النكاح والطلاق والبيوع ونحوها، والتفريق بينها وبين المتغيرات أو الفرعيات ذات الطابع الظني هذا من جانب.
ومن جانب آخر الابتعاد عن الخصومات الناتجة عن التعصب الطائفي الذي لا يتماشى مع أهداف وحدتنا التشريعية، ومقاصدها النبيلة، ولا بد أن نفرق بين الخصومة المتولدة عن الطائفية والعصبية والاجتهاد المتولد عن تعدد الآراء، فالخصومة تؤدي إلى الافتراق، وتنوع الاجتهاد يؤدي إلى الوفاق، وسعة الأفق الفقهي.
ولنعلم أن الخصومة المذهبية هي إحدى أهم الأسلحة للخطة الصهيو أمريكية فيما تسميه بـ(الشرق الأوسط الجديد!) فهي تريد إذكاء الخلافات، وتغذية الصراعات بين المذاهب، وجعلها طوائف متصارعة، وجماعات متنازعة، وإذا كانت قد نجحت مخططات سلفهم في تمزيق الجسد الإسلامي وجعله أقاليم متنازعة ودويلات مختلفة.
فإن الواجب علينا أن نفشل مخططات خلفهم الجديدة في الشرق الأوسط الجديد كما يزعمون، والتي تهدف إلى تغذية الخلافات بين المسلمين ـ خصوصاً المذهبية ـ وبث الفرقة بين العلماء المخلصين، والوحشة بين المؤمنين الصالحين، ودعم الاقتتال، واستباحة الدم الإسلامي ـ الإسلامي، والانشغال بكل ذلك عن قضايا المسلمين الرئيسية، وتبديد قوتهم التي تكمن في وحدتهم واستعادة ما احتله اليهود المغتصبون من أراضيهم.
إن التقارب المذهبي بين المسلمين هو وحده الكفيل بإفشال هذا المخطط المشئوم، والهدف (الصهيو أمريكي) المسموم، وهذا التقارب لا يعني بحال من الأحوال أن تندمج المذاهب، فذلك أمر بعيد المنال، بل قد يعتبر عند البعض من المحال، وإن كنت لا أعتبره كذلك إذا وجدت النية الصادقة والعزيمة السامية، فوحدة الأمة فضلاً عن التقريب بين مذاهبها هدف محوري لأهل البيت عليهم السلام، وعلى رأسهم الإمام زيد بن علي ×، قال يوماً لأحد أصحابه: ((أما ترى هذه الثريا، أترى أحداً ينالها؟ قال صاحبه: لا، قال: والله لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع إلى الأرض أو حيث أقع، فأتقطع قطعة قطعة، وأن الله يجمع بين أمة محمد ÷))( ).
فهل نجد عبارة أبلغ وأمثل من هذه العبارة؟! أو نجد مثالاً حياً في تطبيقها غير تضحيته وتقديم روحه رخيصة في سبيل الله من أجل هذا الهدف العظيم، الذي كان يحرص من خلاله على الدعوة إلى الكتاب والسنة، واستبدال البدع بالسنن!
ولا غرابة أن يحث الحافظ الشهير منصور بن المعتمر السلمي العلماء والمحدثين بالقيام بواجبهم تجاه هذه الدعوة، ويقول: ((أجيبوا ابن رسول الله))( ).
ويقول أبو حنيفة: ((لقد ضاهى خروجه على هشام خروج رسول الله ÷ يوم بدر))( ) وأرسل إليه بثلاثين ألف درهم يستعين بها على جهاده ضد من فرق الأمة، واستأثروا بخيراتها، وداسوا كرامتها، وغيروا سنة نبيها.
ويقول تلميذ أبي حنيفة الإمام محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة (189هـ): ((إذا أمنت من أعداء زيد بن علي على نفسي فأنا على مذهبه! وإلا فأنا على مذهب أبي حنيفة))( ).
ونظراً لهذه العلاقة بين الزيدية والحنفية زعم البعض أن الزيدية استقوا فقههم من الحنفية والواقع خلاف ذلك، فالحنفية هم من تأثروا بالزيدية فقهاً وأصولاً، وقد أشرنا إلى تتلمذ الإمام أبي حنيفة على يد الإمام زيد بن علي ×، بالإضافة إلى أخذه عن الإمام عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، هذا ليس إلا من باب تصحيح الحقائق، وإلا فجميع المذاهب الفقهية محل احترامي وتقديري.


الفقه الزيدي عبر القرون
قال الشيخ أبو زهرة: ((وقد أثر عن زيد فقه عظيم تلقاه الزيدية في كل الأقاليم الإسلامية، وفرعوا عليه وخرَّجوا، واختاروا من غير ما تلقوا، واجتهدوا ومزجوا ذلك كله بالمأثور عن فقه الإمام زيد بن علي ـ رضي الله عنه ـ وتكونت بذلك مجموعة فقهية لا نظير لها، إلا في المذاهب التي دونت وفتحت فيها باب التخريج، وباب الاجتهاد على أصول المذهب، ولعله كان أوسع من سائر مذاهب الأمصار، لأن المذاهب الأربعة لا يخرج المخرجون فيها عن مذهبهم إلى مرتبة الاختيار من غيره .. نعم أنهم يقارنون بين المذاهب أحياناً، كما نرى في (المغني) الحنبلي، وفي (المبسوط) الحنفي، وفي (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) الذي ألفه ابن رشد من المالكية، و(المهذب) للشيرازي من الشافعية، ولكن هذه المقارنات إما أن ينتهي المؤلف إلى نصر المذهب الذي ينتمي إليه والدفاع عنه، كما نرى في (مبسوط السرخسي)، و (المغني).
وإما أن يعرض الأدلة وأوجه النظر المختلفة من غير ترجيح، ويندر أن يكون اختيار إلا في القليل، كما نرى في اختيارات ابن تيمية، إذ قد خرج من هذا النطاق، وقد اختار من مذهب آل البيت مسائله في الطلاق الثلاث، والطلاق المعلق، وكما نرى في اختيارات قليلة لكمال الدين بن الهمام من المذهب الحنفي، كاختيار رأي مالك في ملكية العين الموقوفة.
أما المذهب الزيدي فإن الاختيار فيه كان كثيراً، وكان واسع الرحاب، وقد كثر الاختيار حتى في القرون الأخيرة، وكان لذلك فضل في نمائه وتلاقيه مع فقه الأئمة الآخرين))( )
ولعل الفرصة هنا مواتية لعرض بعض ملامح الفقه الزيدي عبر القرون، وذكر المؤلفات الفقهية المتنوعة:
القرن الثاني الهجري: (الحفاظ على التوجه العام لأهل البيت):
ففي أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني الهجري اشتهر من أئمة الزيدية: الإمام محمد بن علي الباقر المتوفى سنة (114هـ)، وأخوه الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين بن علي الشهيد سنة (122هـ)، وهو الذي أضيف المذهب إليه، باعتباره المحيي للجهاد والفاتح لباب الاجتهاد، وكذلك ولده الشهيد الإمام يحيى بن زيد بن علي بن الحسين الشهيد سنة (126هـ).
وتبعه الإمام إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الشهيد سنة (145هـ) والإمام عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بكامل أهل البيت ـ عليهم السلام ـ الشهيد سنة (145هـ) وأولاده الأئمة الأعلام، وهم: الإمام المهدي محمد بن عبدالله الشهيد سنة (145هـ) وأخوه الإمام إبراهيم بن عبدالله الشهيد سنة (145هـ) وأخوه الإمام يحيى بن عبدالله الشهيد سنة (175هـ) وأخوه الإمام إدريس بن عبدالله الشهيد مسموماً سنة (177هـ) وعمهم الإمام الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (145هـ) والإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (148هـ) والإمام الحسين بن زيد بن علي المتوفى سنة (190هـ) والإمام الحسين بن علي الفخي المتوفى سنة (149هـ) والإمام إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (190هـ) وولده الإمام محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (199هـ) والإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (183هـ) وأخوه الإمام محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (200هـ).
هؤلاء هم أشهر أئمة وفقهاء أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في القرن الثاني الهجري، وبالرغم من الملاحقة المستمرة، والمطاردة الدائمة لهم من قبل الدولة الأموية، ومن بعدها العباسية، وما فرضته الدولتان من الحظر الشامل، فإن الأئمة المذكورين قد استطاعوا أن يحافظوا على التوجه العام لخط أهل البيت ـ عليهم السلام ـ والنقل إلى خلفهم بما رووه عن سلفهم من تراث جدهم النبي ـ ÷ ـ وقد قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل ربهم، وإيصال تعاليم نبيهم صحيحة سليمة.
وفي هذا القرن استطاع الإمام زيد بن علي × أن يدون أول مجموع حديثي فقهي، بالرغم من ملاحقته من قبل الأمويين، وإعداده للثورة عليهم، وأخذ عنه مجموعة كبيرة من أصحابه وشيعته، ونقلوا عنه عدداً لا بأس به من الروايات، دونها الأئمة من بعده كالإمام أبي عبدالله العلوي في كتاب (الجامع الكافي) والمحدث محمد بن منصور المرادي في نحو ثلاثين مصنفاً من مصنفاته، وصنف الإمام محمد بن عبدالله ـ النفس الزكية ـ كتابه (السير) الذي ناقش موضوع الولاية والزعامة وما يتعلق بهما.
القرن الثالث: (الجمع والتأصيل):
وأما القرن الثالث فقد اشتهر من أئمة الزيدية الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل المتوفى سنة (246هـ) والإمام أحمد بن عيسى بن زيد المتوفى سنة (247هـ) والإمام عبدالله بن موسى بن عبدالله المتوفى سنة (247هـ) والإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد المتوفى سنة (260هـ) ، والإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل المتوفى سنة (280هـ) والمحدث الكبير محمد بن منصور المرادي، المتوفى سنة (290هـ) أو بعدها.
والإمام الحسن بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي المتوفى سنة (262هـ) والإمام الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل المتوفى سنة (270هـ) وأخوه الإمام محمد بن زيد بن محمد بن إسماعيل المتوفى سنة (276هـ).
والإمام محمد بن القاسم بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين المتوفى سنة (299هـ) والإمام إدريس بن إدريس بن عبدالله المتوفى سنة (213هـ) والإمام الحسين بن القاسم بن إبراهيم المتوفى سنة (295هـ) وقد تمكن أئمة الزيدية في ذلك القرن من الجمع والتأليف لكثير من الروايات والمسائل الفقهية، حيث قام الإمام القاسم بتأليف كتاب (الطهارة والصلاة)، وكتاب (مسائل النيروسي)، وكتاب (مسائل جهشيار) وكتاب (مسائل الكلاري) وقد نقل أغلبها الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين المتوفى سنة (410 هـ) في (شرح التجريد)، وقام المحدث الكبير محمد بن منصور المرادي ـ رحمه الله ـ بجمع فتاوى ومسائل عديدة للإمام القاسم بن إبراهيم، والإمام الحسن بن يحيى بن الحسين للإمام موسى بن عبدالله، وللإمام أحمد بن عيسى، أودعها في نحو ثلاثين كتاباً، ثم جاء أبو عبدالله العلوي المتوفى سنة (445هـ) واختصرها في كتاب (الجامع الكافي).
كما أفرد المحدث محمد بن منصور المرادي ـ رحمه الله تعالى ـ روايات ومسائل الإمام أحمد بن عيسى في كتاب (الأمالي) المعروف بـ (أمالي الإمام أحمد بن عيسى) أو كتاب (العلوم).
القرن الرابع: (الإستقرار النسبي وبناء الدولة):
وفي أواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع دخل الفقه الزيدي مرحلة جديدة، كانت أكثر استقراراً، حيث استطاع الإمام الهادي × المتوفى سنة (298هـ) بناء دولة ذات طابع زيدي في اليمن، والإمام الناصر الأطروش المتوفى سنة (304هـ ) بناء دولة أخرى بالجيل والديلم، وقد نال هذان الإمامان شهرة واسعة، وخصوصاً الإمام الهادي ـ × ـ وممن ظهر في هذا القرن من الأئمة والفقهاء من أهل البيت ـ عليهم السلام ـ وشيعتهم الكرام ـ رضي الله عنهم ـ عبدالله بن الحسين بن القاسم المتوفى سنة (340هـ) والإمام المرتضى محمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم المتوفى سنة (310هـ) وابنه الهادي بن المرتضى المتوفى منتصف القرن الرابع الهجري، والإمام عيسى بن محمد بن أحمد بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن زيد المتوفى سنة (326هـ) والإمام الناصر أحمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم المتوفى سنة (325هـ) والإمام أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، المتوفى سنة (353هـ) والإمام محمد بن علي بن الحسن، المعروف بأبي عبدالله العلوي المتوفى سنة (367هـ) والإمام المنصور بالله القاسم بن علي بن عبدالله العياني المتوفى سنة(393هـ) وأبيه الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني المتوفى سنة (404هـ) والإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني المتوفى سنة (410هـ) وأخوه الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني المتوفى سنة (424هـ) والإمام مانكديم (وجه القمر) أحمد بن الحسين بن محمد المتوفى سنة (420هـ) والمحدث علي بن بلال الآملي المتوفى في القرن الخامس الهجري.
وقد استطاع الأئمة الكرام في ذلك القرن من تأليف عدد من المجاميع الفقهية والروائية، حيث قام الإمام الهادي × بتأليف كتاب (الأحكام في الحلال والحرام) وكتاب (المنتخب والفنون) وغيرهما من الكتب الأصولية، بالرغم من تعدد أعماله وتراكم أشغاله، وقام الإمام الناصر الأطروش × بتأليف كتاب (الإحتساب) وكتاب (جوامع النصوص) وقام العلامة الكبير عبدالله بن الحسين

1من5 )الإختلاف الفقهي وتعدد المذاهب( لعبدالله العزي) قدم في ندوة التعايش

الإختلاف الفقهي وتعدد المذاهب
بقلم: عبدالله حمود العزي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، ورضي الله عن صحابته المنتجبين الراشدين، من يومنا هذا إلى يوم الدين.. وبعــد:
فإن الاختلاف في وجهات النظر الاجتهادية يدل على الحيوية الفكرية المتجددة التي يتمتع بها فقهنا الإسلامي، ولذا لا ينبغي لاختلاف كهذا أن يفسد للود قضية فيما بين المسلمين، ولا أن يقف عائقاً أمام وحدتهم الإسلامية؛ لأن جميع المذاهب الفقهية قد جمعتهم وحدة تشريعية واحدة، لا يمكن تجاوزها أو تخطيها، وإنما تتفاوت الأنظار في طريقة فهم النص التشريعي المحتمل لأكثر من معنى في لفظه أو اشتماله، أو في كيفية قبول خبر الواحد وطرق استنباط الحكم منه، وقد بدأت تتفاوت الأنظار في فهم ذلك منذ بداية القرن الأول.
عصر الصحابة:
فالنبي ÷ أقر الصحابة على فهمهم عندما قال في غزوة الخندق: ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة))( )، فالتزم بعض الصحابة بما تضمنه قوله هذا ÷ وهو (الاستعجال) ـ حسب فهمهم ـ فصلوا الصلاة لوقتها، والتزم البعض الآخر بظاهر قوله ÷ فلم يصلوا العصر إلا في بني قريظة بعد خروج الوقت.
ولما أرسل الرسول الأعظم ÷ معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ إلى اليمن قال له: ((كيف تقضي إذا عرض لك قضاء))؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال ((فإن لم تجد في كتاب الله))؟ قال: فبسنة رسول الله قال: ((فإن لم تجد في سنة رسول الله)) قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله ÷ صدره، وقال: ((الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله))( ).
وبعد وفاة النبي ÷ بدأ الإجتهاد يتنامى في أوساط الصحابة شيئاً فشيئاً بفعل ظهور مشكلات ونوازل جديدة، خاصة بعد انتشار الإسلام في بلاد مختلفة الثقافات والعادات.
عصر التابعين:
وأما في عصر التابعين فقد اتسع اتساعاً كثيراً نظراً للاحتكاك الحضاري بين المجتمعات والبلدان التي دخلت الإسلام، وتفرق الصحابة بها، وشيوع رواية الحديث على اتساع دائرة البحث الفقهي.
غير أن الملاحظ في عصرهم بروز عامل جديد أثر في طبيعة الإنتاج الفقهي والحرية الاجتهادية تمثل في تحويل حكام بني أمية نظام الحكم في العالم الإسلامي من الخلافة إلى الملك، وتحويل أغلب السنن إلى بدع، والبدع إلى سنن، والتفريق بين المسلمين، وإغلاق باب الاجتهاد أمام المجتهدين، وفرض آراء السلطة وتوجهاتها، الأمر الذي أدى إلى التضييق على العلماء وعزلهم عن الدور المباشر المناط بهم.
ولهذا قام الإمام زيد بن علي رضي الله تعالى عنه بأعباء إصلاح هذا الخلل الخطير والشر المستطير، مذكراً العلماء بدورهم الحقيقي في عملية الإصلاح والتغيير( )، وحماية الدين، من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، قال ـ رضي الله عنه ـ : ((إني أدعو إلى كتاب الله، وسنة نبيه، وإحياء السنن، وإماتة البدع، فإن تسمعوا يكن خيراً لكم، وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل))( ).
ولولاه ـ رضي الله عنه ـ ومعه ثلة من أئمة الفقه المخلصين بعد الله سبحانه وتعالى لاستطاعت السلطة الأموية فرض لون واحد من الفقه المشوب بالبدع، وإظهاره كسنة يجب إتباعها والتقيد بها.
ولا نريد أن ندخل في تفاصيل هذه القضية فهي واسعة ومتشعبة وليس هذا مجالها، ولكن ما يهمنا هنا هو أن تلك المرحلة التي قام فيها سليل البتول وعترة الرسول ÷ قد أعادت للاجتهاد دوره، وللفقه اعتباره وحيويته.

نشأة المذاهب الإسلامية
وهكذا استمر عطاء الفقهاء من أهل البيت والتابعين وتابعيهم، وبدأ ظهور المذاهب الإسلامية في أواخر النصف الأول من القرن الثاني الهجري.
وقد ظهرت تلك المذاهب، وتكونت على إثرها ثروة فقهية ضخمة، وطرق استنباطية منظمة، أسسها أئمة عظماء، وتعلق بهم فقهاء مخلصون خدموا تراثهم تدويناً وتعليماً وتأصيلاً وتخريجاً، وترسخت آرائهم، وتكاملت مناهجهم، وظهرت تدريجياً مذاهبهم الفقهية بالتدريج، وهي (الزيدي، والجعفري، والحنفي، والمالكي، والشافعي، والإباضي، والحنبلي) وهي أشهر المذاهب في عصرنا الحاضر.
وإنني أحسب أن من الأشياء المهمة التي تجعل التقارب أمراً واقعياً هو معرفة هذه المذاهب والإطلاع على ما لديها من خلال كتبها المعتمدة ومراجعها الثابتة، لا من خلال ما ينقله عنها خصومها، وهذا هو معيارنا الذي سنعتمده في الكلام عن المذاهب الفقهية مذهباً مذهباً.
المذهب الزيدي:
نسبة إلى الإمام الأعظم زيد بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام، ولد سنة (75هـ) واستشهد سنة (122هـ).
والحقيقة في مذهب الزيدية أنهم أتباع أهل البيت عليهم السلام عموماً، وإنما أضافوا مذهبهم على وجه الخصوص إلى الإمام زيد بن علي × باعتباره العلم المميز لها، قال الإمام عبد الله بن الحسن المتوفى سنة (145هـ): ((العلم بيننا وبين الناس علي بن أبي طالب، والعلم بيننا وبين الشيعة زيد بن علي))( )
والمقصود بهذا أن الإمام زيد بن علي × هو الذي ميز خط أهل البيت الذي يشتمل على قواعد فكرية عقائدية تتركز على نفي التجسيم والتشبيه عن الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ وتنزيهه عن الفساد، وعن أفعال العباد، واعتبار أهل البيت عليهم السلام سبيل النجاة، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصرة المظلوم، وعدم محاباة الظالم.
وليست النسبة إليه × نسبة فقهية بحتة على النحو المعروف والمتبع في المذاهب الأخرى؛ لأن المذهب الزيدي يحرم التقليد على كل مجتهد قادر على الوقوف على الأدلة واستنباط الأحكام من الكتاب والسنة، ولذلك تميز بمدارسه الفقهية المتعددة، واجتهاداته المتجددة، وسنشير إلى رجال المذهب وكتبه وموسوعاته الفقهية لاحقاً، عند كلامنا عن الفقه الزيدي، كون هذا الكتاب أحد موسوعاته المهمة.
المذهب الجعفري:
نسبة إلى الإمام جعفر الصادق، بن الإمام محمد بالباقر، بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين، بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام، ولد × سنة (80هـ) وتوفي سنة (148هـ).
ومن أبرز رجال المذهب لديهم في القرن الثاني: أبان بن تغلب المتوفى سنة (141هـ) وهشام بن الحكم، ويونس بن عبد الرحمن، وهشام بن سالم، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن أبي نصر البزنطي، وزرارة بن أعين، وعبد الله بن بكير، ومحمد بن مسلم الثقفي، ووأبي بصير الأسدي.
ومن المعروف عند الإمامية الجعفرية أنهم كانوا يستخدمون لفظة (التفقه) بدلاً عن لفظة (الاجتهاد) لأن لفظة الاجتهاد كانت مرادفة للقياس لديهم، وقد أشار إلى هذا الشيخ الطوسي المعروف بشيخ الطائفة الإمامية المتوفى سنة (460هـ) في كتابه (عدة الأصول)( ) ويبدوا أن الشيخ الحلي، المتوفى سنة (676هـ) هو أول من أطلق لفظة (الاجتهاد) على الاستنباط عند الإمامية في كتابه (معارج الوصول في علم الوصول)( ) ومذهبهم حالياً يقوم على الاجتهاد والمرجعية.
ومن أبرز كتبهم الفقهية (وسائل الشيعة في أحكام الشريعة) للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى سنة (1104هـ) و (الوافي) للشيخ الكاشاني المتوفى سنة (1091هـ) و (بحار الأنوار) للمجلسي، المتوفى سنة (1111) هـ، وغيرها كثير.
المذهب الحنفي:
نسبة إلى الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي، ولد سنة (80هـ) وتوفي سنة (150هـ). أخذ عن الإمام محمد الباقر، وعن الإمام زيد بن علي ×، والإمام جعفر الصادق ×، والإمام عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والإمام حماد بن أبي سليمان، وسمع من عطاء بن أبي رباح، ونافع ـ مولى ابن عمر .
أما تلاميذه الذين انتسبوا إليه انتساب المتعلم للمعلم وليس انتساب الـمُقلِّد للمُقَلَّد فأشهرهم أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري المتوفى سنة (182هـ) وهو أول من دون من تلاميذ أبي حنيفة، وأغلب كتبه مفقودة، ولم يصل إلينا منها إلا رسالته في (الخراج) وهو يقارن فيها بين آراء أبي حنيفة، وابن أبي ليلى، ثم يرجح الرأي الذي يراه، ومحمد بن الحسن بن فرقد الشيباني المتوفى سنة (189هـ) ومن مؤلفاته (الجامع الكبير) و (الجامع الصغير) و (المبسوط) وزفر بن الهذيل الكوفي المتوفى سنة (158هـ) وعلى هؤلاء الثلاثة مدار مذهب أبي حنيفة.
ومن الكتب المعتمدة في المذهب الحنفي إضافة إلى الكتب السابقة كتب العلامة أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، ومنها: (اختلاف الفقهاء) و (شرح مشكل الأحاديث) وكتاب (معاني الآثار) وغيرها من الكتب لكثير من علماء الحنفية.
المذهب المالكي:
نسبة إلى الإمام مالك بن أنس بن أبي عامر، ولد سنة (93هـ) وتوفي سنة (179هـ) وقد أخذ عنه كمحدث بعض من شيوخه، أمثال: يحيى بن سعيد، وموسى بن عقبة، وربيعة بن عبد الرحمن، وغيرهم من أقرانه كسفيان الثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، وسفيان بن عيينة، وأبو يوسف ـ صاحب أبي حنيفة ـ وروى عنه بعض تلاميذه، مثل: محمد بن إدريس الشافعي، وعبدالله بن المبارك، ومحمد بن الحسن الشيباني.
وقد رحل للأخذ عنه جماعة من مصر والمغرب والأندلس، وكانوا عماد مذهبه، فمن مصر: أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم العتقي المتوفى سنة (191هـ) وأبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، المتوفى سنة (197هـ) وأشهب بن عبد العزيز القيسي العامري المتوفى سنة (204هـ) وأبو محمد عبد الله بن عبد الحكيم بن أعين المتوفى سنة (224هـ.
ومن المغرب والأندلس: أبو عبد الله بن عبد الرحمن القرطبي المتوفى سنة (193هـ) وعيسى بن دينار الأندلس المتوفى سنة (212هـ) ويحيى بن كثير المتوفى سنة (234هـ) وعبد الملك بن حبيب بن سليمان السلمي المتوفى سنة (238هـ) وأبو الحسن علي بن زياد التونسي المتوفى سنة (183هـ).
ومن الكتب المعتمدة في المذهب المالكي: (الموطأ) للإمام مالك وكتاب (المبسوط) لإسماعيل بن إسحاق، وكتاب (ابن الحواز في الففه) لمحمد بن إبراهيم الاسكندري، وكتاب (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) لابن رشد المشهور بـ(الحفيد) وكتاب (الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة) لأبي محمد عبد الله السعدي، وغيرها كثير.
المذهب الشافعي:
نسبة إلى الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، من بني عبد المطلب بن عبد مناف، ولد سنة (150هـ) وتوفي سنة (204هـ).
وله أصحاب بالعراق ومصر، فأما أصحابه بالعراق فمنهم: أبو ثور إبراهيم بن خالد بن اليمان، ويقال أن له مذهب خاص، وأنه لا يقبل عن الشافعي توفي سنة (246هـ)، وأحمد بن حنبل المتوفى سنة (241هـ) والحسن بن محمد بن الصباح المتوفى سنة (260هـ) وأبو علي الحسين بن علي الكرابيسي.
وأما أصحابه بمصر فمنهم: يوسف بن يحيى البويطي المتوفى سنة (231هـ) وأبو إبراهيم بن المزني المتوفى سنة (264هـ) والربيع بن سليمان المرادي المتوفى سنة (270هـ) وحرملة بن يحيى التجبي المتوفى سنة (243هـ) ويونس بن عبد الأعلى الصوفي المتوفى سنة (264هـ).
ومن الكتب المعتمدة في المذهب الشافعي مؤلفات الإمام الشافعي، ومنها: (أدلة الأحكام) و (الأم) و (اختلاف الحديث) وكتاب (شرح مختصر المزني) لأبي إسحاق المروزي، و (المنهاج) لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، وغيرها كثير.
المذهب الحنبلي:
نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل الذهلي الشيباني المرزوي، ولد سنة (164هـ) وتوفي سنة (241هـ) وأشهر من روى عنه مذهبه: أبو بكر أحمد بن محمد بن هادي، المعروف بالأثرم، وأحمد بن محمد بن الحجاج المروزي، وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه.
ومن أشهر الكتب الفقهية الحنبلية (المغني) لابن قدامة و (الشرح الكبير) له أيضاً، و (الفروع) لابن مفلح.. وغيرها كثير.
المذهب الإباضي:
نسبة إلى عبد الله بن إباض المري التميمي ولد سنة (22هـ) على أرجح الأقوال وتوفي سنة (95هـ) تقريباً.
ويرى الإباضيون أن التأسيس الحقيقي لمذهبهم يعود إلى الإمام جابر بن زيد الأزدي العماني أبو الشعثاء المتوفى سنة (93هـ). أخذ عن ابن عباس المتوفى سنة (68هـ) كثيراً من العلوم والمعارف، ولازمه ملازمة التلميذ لشيخه، وقال ابن عباس عنه: ((لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علماً بما في كتاب الله))( ).
ومن أبرز تلاميذ جابر بن زيد: أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة المتوفى سنة (150هـ) وضمام بن السائب، وأبي نوح صالح الدهان، ومن أبرز تلاميذهم: الربيع بن حبيب بن عمرو الأزدي المتوفى ما بين (175-180هـ) وهو صاحب (الجامع الصحيح) المشهور عند الإباضية، والذي قام بشرحه الشيخ نور الدين عبد الله بن حميد السالمي العماني المتوفى سنة (1332هـ).
ومن أهم كتب الإباضية الفقهية: (المدونة) لأبي غانم الخراساني، و (الجامع) لابن بكرة البهلوي، و (المصنف) لأحمد بن عبد الله الكندي، و (بيان الشرع) لمحمد الكندي، و (شرح النيل) للقطب أطفيش الجزائري، و (الضياء) للعوتبي، وغيرها كثير.

أسباب الاختلاف الفقهي
وهنا قد يبرز سؤال عن أسباب الاختلاف بين هذه المذاهب وتعدد الإجتهادات داخلها؟
والجواب: أنه من الممكن أن نحصر أسباب الاختلاف الفقهي بين هذه المذاهب، أو بين أعيان المذهب نفسه في ثلاثة أسباب رئيسية، وهي:
السبب الأول: الاختلاف في طبيعة فهم النص:
إما لاحتماله أكثر من معنى، مثل: اختلافهم في مدلول لفظ (قرء) في قوله تعالى: &وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ^ [البقرة: 228]. فإن لفظ (قرء) يطلق على: الطهر بين الحيضتين، وعلى الحيضة نفسها، فذهب: عليٌ، وعبد الله بن مسعود، وعمر، إلى أن المراد: الحيضة، وذهب: زيد بن ثابت، وابن عمر، وعائشة، أن المراد: الطهر بين الحيضتين.
أو لتعارض ظواهر النصوص، كما في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، فقد ورد في ذلك نصان:
أحدهما: قول الله تعالى: &وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ^ [الطلاق: 4] وثانيهما قوله تعالى: &وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا^ [البقرة: 234] فالذي يستفاد من عموم الآية الأولى: أنها تشمل الحامل المتوفى عنها زوجها والمطلقة، وإلى هذا ذهب ابن مسعود، وأما الإمام علي × وابن عباس، فأعملا النصين، قالا: تعمل بأبعد الأجلين.
أو لدلالة النص، هل هي للوجوب أو للندب، كالأمر في قوله تعالى: &فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ^ [الطلاق: 2] فالأمر بالإشهاد عند الطلاق للوجوب عند البعض، وعند البعض الآخر للإستحباب.
السبب الثاني: الاختلاف في رواية الحديث، وإلى هذا ترجع معظم الاختلافات الفقهية، ومن خلال تصنيف أمير المؤمنين علي × رواة الأحاديث ندرك جيداً أنه قد شخّص ـ ومنذ وقت مبكر ـ مجمل الأسباب والعلل التي وقفت وتقف وراء الاختلاف حول التمييز بين صحيح السنة من سقيمها، ومعرفة خاصها وعامها، ومجملها ومبينها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، والذي يترتب عليه الاستنباطات الفقهية، قال رضي الله عنه :
((إنَّ في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً ولقد كذب على رسول الله ÷ على عهده حتى قام خطيباً فقال : ((من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))( ) وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس :
رجل منافق مظهر للإيمان،متصنع بالإسلام، لا يتأثم( ) ولا يتحرج، يكذب على رسول الله ÷ متعمداً، فلوعلم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه، ولم يصدّقوا قوله، ولكنهم قالوا : صاحب رسول الله ÷ رآه وسمع منه ولقف عنه، فيأخذوا بقوله، وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به لك . ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال، وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس فأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك إلا من عصم الله فهذا أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله ÷ شيئاً لم يحفظه على وجهه، فَوَهِم فيه، ولم يتعمد كذباً، فهو في يديه، ويرويه ويعمل به، ويقول: أنا سمعته من رسول الله ÷ فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه منه، ولو علم هو أنه كذلك لرفضه .
ورجل ثالث سمع من رسول الله ÷ شيئاً يأمر به ثم إنه نهى عنه وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم إنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه إنه منسوخ لرفضوه.
وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله، مبغض للكذب خوفاً من الله، وتعظيماً لرسول الله ÷، ولم يَهِم( )، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به على ما سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه فهو حفظ الناسخ فعمل به وحفظ المنسوخ فجنَّب عنه، وعرف الخاص والعام والمحكم والمتشابه فوضع كل شئ موضعه.
وقد كان يكون من رسول الله ÷ الكلام له وجهان: فكلام خاص، وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله سبحانه به، ولا ما عنى رسول الله ÷، فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه وما قصد به وما خرج من أجله، وليس كل أصحاب رسول الله ÷ من كان يسأله ويستفهمه حتى إن كانوا ليحبون أن يجئ الأعرابي والطارئ فيسأله × حتى يسمعوا، وكان لا يمر بي من ذلك شئ إلا سألته عنه وحفظته فهذه وجوه ما عليه الناس في إختلافهم وعللهم في رواياتهم))( ).
إن هذا المنهج العلوي هو أقدم وثيقة علمية في الفكر الحديثي وفيه دلالات وإشارات هامة تستدعي التأمل والتدقيق، ولعلنا ندرك بعضها من خلال هذه الأمور التي لخصها بعض العلماء في جملة من الأسباب( ):
1- ربما لا يبلغ الحديث الفقيه المجتهد؛ لأن الإحاطة بجميع الأحاديث شبه متعذرة أو قد تكون متعذرة، وقد كان أبو بكر لا يعلم السنة في ميراث الجدة، حتى أخبره من يرويها( )، وكان عمر لا يعلم سنة الاستئذان حتى اطلع عليها من أبي موسى الأشعري وغيره( )، وكان لا يدري حكم المجوس في الجزية حتى ذكر له عبد الرحمن بن عوف حديث: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب))( ).
2- قد يبلغ الحديث الفقيه ولكنه يرفض سنده لعلل قادحة فيه من وجهة نظره، وربما بلغ غيره بسند أجود فيأخذ به، والخلاف بين العلماء في تقويم الرجال قائم، ومثال ذلك: ما رواه سفيان بن عيينة قال: اجتمع أبو حنيفة والأوزاعي في دار الحناطين بمكة، فقال الأوزاعي لأبي حنيفة ما بالكم لا ترفعون أيديكم عند الركوع وعند الرفع منه، فقال أبو حنيفة: لأجل أنه لم يصح عن رسول الله ÷ فيه شيء، قال: كيف وقد حدثني الزهري عن سالم، عن أبيه، عن رسول الله ÷ أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وعند الركوع، وعند الرفع، فقال أبو حنيفة: حدثنا حماد، عن ابراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود: أن رسول الله ÷ كان لا يرفع يديه إلا عند افتتاح الصلاة، ولا يعود إلى شيء من ذلك، فقال الأوزاعي: أحدثك عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وتقول: حدثني حماد عن ابراهيم، فقال له أبو حنيفة: كان حماد أفقه من الزهري، وكان إبراهيم أفقه من سالم، وعلقمة ليس بدون ابن عمر، وإن كان لابن عمر صحبة أو له فضل صحبة فالأسود له فضل كثير، وعبد الله هو عبد الله،

ندوة التعايش، الأخيرة من ورقة عبدالله العزي

فإن الواجب علينا أن نفشل مخططات خلفهم الجديدة في الشرق الأوسط الجديد كما يزعمون، والتي تهدف إلى تغذية الخلافات بين المسلمين ـ خصوصاً المذهبية ـ وبث الفرقة بين العلماء المخلصين، والوحشة بين المؤمنين الصالحين، ودعم الاقتتال، واستباحة الدم الإسلامي ـ الإسلامي، والانشغال بكل ذلك عن قضايا المسلمين الرئيسية، وتبديد قوتهم التي تكمن في وحدتهم واستعادة ما احتله اليهود المغتصبون من أراضيهم.
إن التقارب المذهبي بين المسلمين هو وحده الكفيل بإفشال هذا المخطط المشئوم، والهدف (الصهيو أمريكي) المسموم، وهذا التقارب لا يعني بحال من الأحوال أن تندمج المذاهب، فذلك أمر بعيد المنال، بل قد يعتبر عند البعض من المحال، وإن كنت لا أعتبره كذلك إذا وجدت النية الصادقة والعزيمة السامية، فوحدة الأمة فضلاً عن التقريب بين مذاهبها هدف محوري لأهل البيت عليهم السلام، وعلى رأسهم الإمام زيد بن علي ×، قال يوماً لأحد أصحابه: ((أما ترى هذه الثريا، أترى أحداً ينالها؟ قال صاحبه: لا، قال: والله لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع إلى الأرض أو حيث أقع، فأتقطع قطعة قطعة، وأن الله يجمع بين أمة محمد ÷))( ).
فهل نجد عبارة أبلغ وأمثل من هذه العبارة؟! أو نجد مثالاً حياً في تطبيقها غير تضحيته وتقديم روحه رخيصة في سبيل الله من أجل هذا الهدف العظيم، الذي كان يحرص من خلاله على الدعوة إلى الكتاب والسنة، واستبدال البدع بالسنن!
ولا غرابة أن يحث الحافظ الشهير منصور بن المعتمر السلمي العلماء والمحدثين بالقيام بواجبهم تجاه هذه الدعوة، ويقول: ((أجيبوا ابن رسول الله))( ).
ويقول أبو حنيفة: ((لقد ضاهى خروجه على هشام خروج رسول الله ÷ يوم بدر))( ) وأرسل إليه بثلاثين ألف درهم يستعين بها على جهاده ضد من فرق الأمة، واستأثروا بخيراتها، وداسوا كرامتها، وغيروا سنة نبيها.
ويقول تلميذ أبي حنيفة الإمام محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة (189هـ): ((إذا أمنت من أعداء زيد بن علي على نفسي فأنا على مذهبه! وإلا فأنا على مذهب أبي حنيفة))( ).
ونظراً لهذه العلاقة بين الزيدية والحنفية زعم البعض أن الزيدية استقوا فقههم من الحنفية والواقع خلاف ذلك، فالحنفية هم من تأثروا بالزيدية فقهاً وأصولاً، وقد أشرنا إلى تتلمذ الإمام أبي حنيفة على يد الإمام زيد بن علي ×، بالإضافة إلى أخذه عن الإمام عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، هذا ليس إلا من باب تصحيح الحقائق، وإلا فجميع المذاهب الفقهية محل احترامي وتقديري.


الفقه الزيدي عبر القرون
قال الشيخ أبو زهرة: ((وقد أثر عن زيد فقه عظيم تلقاه الزيدية في كل الأقاليم الإسلامية، وفرعوا عليه وخرَّجوا، واختاروا من غير ما تلقوا، واجتهدوا ومزجوا ذلك كله بالمأثور عن فقه الإمام زيد بن علي ـ رضي الله عنه ـ وتكونت بذلك مجموعة فقهية لا نظير لها، إلا في المذاهب التي دونت وفتحت فيها باب التخريج، وباب الاجتهاد على أصول المذهب، ولعله كان أوسع من سائر مذاهب الأمصار، لأن المذاهب الأربعة لا يخرج المخرجون فيها عن مذهبهم إلى مرتبة الاختيار من غيره .. نعم أنهم يقارنون بين المذاهب أحياناً، كما نرى في (المغني) الحنبلي، وفي (المبسوط) الحنفي، وفي (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) الذي ألفه ابن رشد من المالكية، و(المهذب) للشيرازي من الشافعية، ولكن هذه المقارنات إما أن ينتهي المؤلف إلى نصر المذهب الذي ينتمي إليه والدفاع عنه، كما نرى في (مبسوط السرخسي)، و (المغني).
وإما أن يعرض الأدلة وأوجه النظر المختلفة من غير ترجيح، ويندر أن يكون اختيار إلا في القليل، كما نرى في اختيارات ابن تيمية، إذ قد خرج من هذا النطاق، وقد اختار من مذهب آل البيت مسائله في الطلاق الثلاث، والطلاق المعلق، وكما نرى في اختيارات قليلة لكمال الدين بن الهمام من المذهب الحنفي، كاختيار رأي مالك في ملكية العين الموقوفة.
أما المذهب الزيدي فإن الاختيار فيه كان كثيراً، وكان واسع الرحاب، وقد كثر الاختيار حتى في القرون الأخيرة، وكان لذلك فضل في نمائه وتلاقيه مع فقه الأئمة الآخرين))( )
ولعل الفرصة هنا مواتية لعرض بعض ملامح الفقه الزيدي عبر القرون، وذكر المؤلفات الفقهية المتنوعة:
القرن الثاني الهجري: (الحفاظ على التوجه العام لأهل البيت):
ففي أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني الهجري اشتهر من أئمة الزيدية: الإمام محمد بن علي الباقر المتوفى سنة (114هـ)، وأخوه الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين بن علي الشهيد سنة (122هـ)، وهو الذي أضيف المذهب إليه، باعتباره المحيي للجهاد والفاتح لباب الاجتهاد، وكذلك ولده الشهيد الإمام يحيى بن زيد بن علي بن الحسين الشهيد سنة (126هـ).
وتبعه الإمام إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الشهيد سنة (145هـ) والإمام عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بكامل أهل البيت ـ عليهم السلام ـ الشهيد سنة (145هـ) وأولاده الأئمة الأعلام، وهم: الإمام المهدي محمد بن عبدالله الشهيد سنة (145هـ) وأخوه الإمام إبراهيم بن عبدالله الشهيد سنة (145هـ) وأخوه الإمام يحيى بن عبدالله الشهيد سنة (175هـ) وأخوه الإمام إدريس بن عبدالله الشهيد مسموماً سنة (177هـ) وعمهم الإمام الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (145هـ) والإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (148هـ) والإمام الحسين بن زيد بن علي المتوفى سنة (190هـ) والإمام الحسين بن علي الفخي المتوفى سنة (149هـ) والإمام إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (190هـ) وولده الإمام محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (199هـ) والإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (183هـ) وأخوه الإمام محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (200هـ).
هؤلاء هم أشهر أئمة وفقهاء أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في القرن الثاني الهجري، وبالرغم من الملاحقة المستمرة، والمطاردة الدائمة لهم من قبل الدولة الأموية، ومن بعدها العباسية، وما فرضته الدولتان من الحظر الشامل، فإن الأئمة المذكورين قد استطاعوا أن يحافظوا على التوجه العام لخط أهل البيت ـ عليهم السلام ـ والنقل إلى خلفهم بما رووه عن سلفهم من تراث جدهم النبي ـ ÷ ـ وقد قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل ربهم، وإيصال تعاليم نبيهم صحيحة سليمة.
وفي هذا القرن استطاع الإمام زيد بن علي × أن يدون أول مجموع حديثي فقهي، بالرغم من ملاحقته من قبل الأمويين، وإعداده للثورة عليهم، وأخذ عنه مجموعة كبيرة من أصحابه وشيعته، ونقلوا عنه عدداً لا بأس به من الروايات، دونها الأئمة من بعده كالإمام أبي عبدالله العلوي في كتاب (الجامع الكافي) والمحدث محمد بن منصور المرادي في نحو ثلاثين مصنفاً من مصنفاته، وصنف الإمام محمد بن عبدالله ـ النفس الزكية ـ كتابه (السير) الذي ناقش موضوع الولاية والزعامة وما يتعلق بهما.
القرن الثالث: (الجمع والتأصيل):
وأما القرن الثالث فقد اشتهر من أئمة الزيدية الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل المتوفى سنة (246هـ) والإمام أحمد بن عيسى بن زيد المتوفى سنة (247هـ) والإمام عبدالله بن موسى بن عبدالله المتوفى سنة (247هـ) والإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد المتوفى سنة (260هـ) ، والإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل المتوفى سنة (280هـ) والمحدث الكبير محمد بن منصور المرادي، المتوفى سنة (290هـ) أو بعدها.
والإمام الحسن بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي المتوفى سنة (262هـ) والإمام الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل المتوفى سنة (270هـ) وأخوه الإمام محمد بن زيد بن محمد بن إسماعيل المتوفى سنة (276هـ).
والإمام محمد بن القاسم بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين المتوفى سنة (299هـ) والإمام إدريس بن إدريس بن عبدالله المتوفى سنة (213هـ) والإمام الحسين بن القاسم بن إبراهيم المتوفى سنة (295هـ) وقد تمكن أئمة الزيدية في ذلك القرن من الجمع والتأليف لكثير من الروايات والمسائل الفقهية، حيث قام الإمام القاسم بتأليف كتاب (الطهارة والصلاة)، وكتاب (مسائل النيروسي)، وكتاب (مسائل جهشيار) وكتاب (مسائل الكلاري) وقد نقل أغلبها الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين المتوفى سنة (410 هـ) في (شرح التجريد)، وقام المحدث الكبير محمد بن منصور المرادي ـ رحمه الله ـ بجمع فتاوى ومسائل عديدة للإمام القاسم بن إبراهيم، والإمام الحسن بن يحيى بن الحسين للإمام موسى بن عبدالله، وللإمام أحمد بن عيسى، أودعها في نحو ثلاثين كتاباً، ثم جاء أبو عبدالله العلوي المتوفى سنة (445هـ) واختصرها في كتاب (الجامع الكافي).
كما أفرد المحدث محمد بن منصور المرادي ـ رحمه الله تعالى ـ روايات ومسائل الإمام أحمد بن عيسى في كتاب (الأمالي) المعروف بـ (أمالي الإمام أحمد بن عيسى) أو كتاب (العلوم).
القرن الرابع: (الإستقرار النسبي وبناء الدولة):
وفي أواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع دخل الفقه الزيدي مرحلة جديدة، كانت أكثر استقراراً، حيث استطاع الإمام الهادي × المتوفى سنة (298هـ) بناء دولة ذات طابع زيدي في اليمن، والإمام الناصر الأطروش المتوفى سنة (304هـ ) بناء دولة أخرى بالجيل والديلم، وقد نال هذان الإمامان شهرة واسعة، وخصوصاً الإمام الهادي ـ × ـ وممن ظهر في هذا القرن من الأئمة والفقهاء من أهل البيت ـ عليهم السلام ـ وشيعتهم الكرام ـ رضي الله عنهم ـ عبدالله بن الحسين بن القاسم المتوفى سنة (340هـ) والإمام المرتضى محمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم المتوفى سنة (310هـ) وابنه الهادي بن المرتضى المتوفى منتصف القرن الرابع الهجري، والإمام عيسى بن محمد بن أحمد بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن زيد المتوفى سنة (326هـ) والإمام الناصر أحمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم المتوفى سنة (325هـ) والإمام أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، المتوفى سنة (353هـ) والإمام محمد بن علي بن الحسن، المعروف بأبي عبدالله العلوي المتوفى سنة (367هـ) والإمام المنصور بالله القاسم بن علي بن عبدالله العياني المتوفى سنة(393هـ) وأبيه الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني المتوفى سنة (404هـ) والإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني المتوفى سنة (410هـ) وأخوه الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني المتوفى سنة (424هـ) والإمام مانكديم (وجه القمر) أحمد بن الحسين بن محمد المتوفى سنة (420هـ) والمحدث علي بن بلال الآملي المتوفى في القرن الخامس الهجري.
وقد استطاع الأئمة الكرام في ذلك القرن من تأليف عدد من المجاميع الفقهية والروائية، حيث قام الإمام الهادي × بتأليف كتاب (الأحكام في الحلال والحرام) وكتاب (المنتخب والفنون) وغيرهما من الكتب الأصولية، بالرغم من تعدد أعماله وتراكم أشغاله، وقام الإمام الناصر الأطروش × بتأليف كتاب (الإحتساب) وكتاب (جوامع النصوص) وقام العلامة الكبير عبدالله بن الحسين رحمه الله بتأليف كتاب (الناسخ والمنسوخ) وقام الإمام المرتضى محمد بن الإمام الهادي ـ عليهما السلام ـ بتأليف كتاب (الشرح والبيان) وكتاب (الإيضاح) وكتاب (مسائل القدمين) وكتاب (مسائل الحائرين) وكتاب (مسائل مهدي).
وقام الإمام الناصر بن الإمام الهادي ـ عليهما السلام ـ بتأليف كتاب (الفقه) وكتاب (مسائل المعقلي) وقام الإمام أبي العباس الحسني × بتأليف كتاب (النصوص) وكتاب (شرح الأحكام) وكتاب (شرح المنتخب)، وقام الإمام أبي عبدالله العلوي المتوفى سنة (445هـ) بتأليف كتاب (الجامع الكافي) وكتاب (الأذان بحي على خير العمل) وقام الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني × بتأليف كتاب (التجريد) وكتاب (شرح التجريد)، وقام أخوه الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين × بتأليف كتاب (التحرير) وكتاب (شرح التحرير).
وقام المحدث علي بن بلال الآملي بتأليف كتاب (شرح الأحكام) وكتاب (الوافي على مذهب الهادي) وكتاب (الوافر في مذهب الناصر) وهنالك غيرها من المؤلفات المتعددة، والمجاميع المتنوعة، والفتاوى المتفرقة لهم ولغيرهم من بقية علماء الزيدية في ذلك القرن.




طبقات الفقه الزيدي
وهكذا استمر العطاء الفقهي عبر القرون المختلفة، وقد كان لكل حقبة زمنية أئمة وفقهاء من آل البيت عليهم السلام وشيعتهم، تجلت إبداعاتهم الفقهية فيها بوضوح، وجاء عطاؤهم الفقهي غزيراً مستوعباً ظروف المرحلة التي عاشوها، الأمر الذي أدى إلى تسمية كل مرحلة أو طبقة بما يتناسب مع عطائها.
ومن أهم هذه الطبقات التي شيدت بنيانه، وثبتت أركانه:
الطبقة الأولى: طبقة المؤسسين:
وتساوي هذه الطبقة إمام المذهب في نظر المذاهب الأخرى، ومن هذه الطبقة:
1- الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ مات شهيداً سنة (122هـ).
2- الإمام القاسم بن إبراهيم المتوفى سنة (242هـ).
3- حفيده الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، وهو المؤسس للمذهب في اليمن، المتوفى سنة (298هـ).
4- الإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهم ـ وهو المؤسس للمذهب الزيدي في خراسان، المتوفى سنة (304هـ).
الطبقة الثانية: طبقة المخرجين للمذهب:
وهم الذين استخرجوا من كلام الأئمة أو احتجاجاتهم بواسطة القياس أو المفهوم أحكاماً لا تتعارض مع الكتاب والسنة لا جملة ولا تفصيلاً، ومن رجال هذه الطبقة:
1- العلامة المحدث محمد بن منصور المرادي، المتوفى سنة (190هـ).
2- العلامة الحافظ أبو العباس أحمد بن إبراهيم، المتوفى سنة (353هـ).
3- الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون الحسني، المتوفى سنة (416هـ).
4- الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون الحسني، المتوفى سنة (424هـ).
5- العلامة علي بن بلال الآملي مولى الإمامين المؤيد بالله وأبي طالب المتوفى في القرن الخامس الهجري.
6- العلامة المحدث أحمد بن محمد الأزرقي الهدوي.
والطبقة الثالثة: طبقة المحصلين:
وهم الذين اهتموا بتحصيل أقوال الأئمة، وما استخرج منها، ونقلوها إلى تلامذتهم بطريق الرواية أو المناولة لمؤلفاتهم، ومن رجال هذه الطبقة:
1- العلامة القاضي زيد بن محمد الكلاري الجيلي، الملقب بـ(حافظ أقوال العترة) وهو من أتباع الإمام المؤيد بالله.
2- العلامة السيد علي بن العباس بن إبراهيم رواي إجماعات أهل البيت، توفي سنة (340هـ) تقريباً.
3- العلامة القاضي الحسن بن محمد بن أبي طاهر الرصاص المتوفى سنة (584هـ).
4- الإمام الحسين بن بدر الدين، الذي توفي سنة (662هـ).
5- العلامة زيد بن علي بن الحسن بن علي البيهقي، مات في تهامة في عهد الإمام أحمد بن سليمان، وهو في طريقه إلى مكة المكرمة.
6- العلامة القاضي جعفر بن أحمــد بن عبد السلام البهلولي، توفي سنــة (573هـ).
7- الإمام عبد الله بن حمزة، المتوفى سنة (614هـ).
والطبقة الرابعة: طبقة المذاكرين:
وهم الذين راجعوا أقوال من تقدمهم، وبلغتهم بالرواية، وفحصوها سنداً ومتناً، وعرضوها على أصول المذهب وقواعده المستمدة من صرائح الكتاب والسنة، ثم أقروا ما توافق معها واعتبروه هو المذهب، وما لم يوافقها لم يعتبروه مذهباً للفرقة الزيدية، وكان في نظرهم رأياً خاصاً بصاحبه غير معاب عليه، لاعتبار أن كل مجتهد في الفروع مصيب، ومن رجال هذه الطبقة:
1- العلامة القاضي محمد بن سليمان بن أبي الرجال الصعدي، المتوفى سنة (730هـ).
2- الإمام يحيى بن حمزة، المتوفى سنة (749هـ).
3- الإمام عز الدين بن الحسن المؤيدي، المتوفى سنة (900هـ).
4- العلامة القاضي محمد بن يحيى حنش، المتوفى سنة (717هـ).
5- العلامة القاضي يوسف بن أحمد بن عثمان الثلائي، المتوفى سنة (832هـ).
6- الإمام أحمد بن يحيى بن المرتضى، مات شهيداً بالطاعون سنة (840هـ).

ندوة التعايش(3من4)

يتحرج، يكذب على رسول الله ÷ متعمداً، فلوعلم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه، ولم يصدّقوا قوله، ولكنهم قالوا : صاحب رسول الله ÷ رآه وسمع منه ولقف عنه، فيأخذوا بقوله، وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به لك . ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال، وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس فأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك إلا من عصم الله فهذا أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله ÷ شيئاً لم يحفظه على وجهه، فَوَهِم فيه، ولم يتعمد كذباً، فهو في يديه، ويرويه ويعمل به، ويقول: أنا سمعته من رسول الله ÷ فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه منه، ولو علم هو أنه كذلك لرفضه .
ورجل ثالث سمع من رسول الله ÷ شيئاً يأمر به ثم إنه نهى عنه وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم إنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه إنه منسوخ لرفضوه.
وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله، مبغض للكذب خوفاً من الله، وتعظيماً لرسول الله ÷، ولم يَهِم( )، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به على ما سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه فهو حفظ الناسخ فعمل به وحفظ المنسوخ فجنَّب عنه، وعرف الخاص والعام والمحكم والمتشابه فوضع كل شئ موضعه.
وقد كان يكون من رسول الله ÷ الكلام له وجهان: فكلام خاص، وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله سبحانه به، ولا ما عنى رسول الله ÷، فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه وما قصد به وما خرج من أجله، وليس كل أصحاب رسول الله ÷ من كان يسأله ويستفهمه حتى إن كانوا ليحبون أن يجئ الأعرابي والطارئ فيسأله × حتى يسمعوا، وكان لا يمر بي من ذلك شئ إلا سألته عنه وحفظته فهذه وجوه ما عليه الناس في إختلافهم وعللهم في رواياتهم))( ).
إن هذا المنهج العلوي هو أقدم وثيقة علمية في الفكر الحديثي وفيه دلالات وإشارات هامة تستدعي التأمل والتدقيق، ولعلنا ندرك بعضها من خلال هذه الأمور التي لخصها بعض العلماء في جملة من الأسباب( ):
1- ربما لا يبلغ الحديث الفقيه المجتهد؛ لأن الإحاطة بجميع الأحاديث شبه متعذرة أو قد تكون متعذرة، وقد كان أبو بكر لا يعلم السنة في ميراث الجدة، حتى أخبره من يرويها( )، وكان عمر لا يعلم سنة الاستئذان حتى اطلع عليها من أبي موسى الأشعري وغيره( )، وكان لا يدري حكم المجوس في الجزية حتى ذكر له عبد الرحمن بن عوف حديث: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب))( ).
2- قد يبلغ الحديث الفقيه ولكنه يرفض سنده لعلل قادحة فيه من وجهة نظره، وربما بلغ غيره بسند أجود فيأخذ به، والخلاف بين العلماء في تقويم الرجال قائم، ومثال ذلك: ما رواه سفيان بن عيينة قال: اجتمع أبو حنيفة والأوزاعي في دار الحناطين بمكة، فقال الأوزاعي لأبي حنيفة ما بالكم لا ترفعون أيديكم عند الركوع وعند الرفع منه، فقال أبو حنيفة: لأجل أنه لم يصح عن رسول الله ÷ فيه شيء، قال: كيف وقد حدثني الزهري عن سالم، عن أبيه، عن رسول الله ÷ أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وعند الركوع، وعند الرفع، فقال أبو حنيفة: حدثنا حماد، عن ابراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود: أن رسول الله ÷ كان لا يرفع يديه إلا عند افتتاح الصلاة، ولا يعود إلى شيء من ذلك، فقال الأوزاعي: أحدثك عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وتقول: حدثني حماد عن ابراهيم، فقال له أبو حنيفة: كان حماد أفقه من الزهري، وكان إبراهيم أفقه من سالم، وعلقمة ليس بدون ابن عمر، وإن كان لابن عمر صحبة أو له فضل صحبة فالأسود له فضل كثير، وعبد الله هو عبد الله، فسكت الأوزاعي.
3- اعتقاد ضعف الحديث لفكرة خاصة، فإن كثيراً من الحجازيين مثلاً يرون أن لا يحتجوا بحديث رواته عراقيون أو شاميون إن لم يكن لهذا الحديث أصل بالحجاز( ).
4- أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده ولكنه نسيه، وذلك كنسيان عمر لحديث التيمم من الجنابة حتى ذكرّه به عمار بن ياسر( )، وكأن عمر لم يفهم من القرآن إلا أن التيمم يرفع الحدث الأصغر وحده.
5- عدم العلم بدلالة الحديث، مثل: ((لا طلاق في إغلاق))( ) هل الإغلاق هو الإكراه أم هو استغلاق الذهن وانسداد أبواب الفهم بسبب طارئ كالغضب الشديد أو سبب مستمر كالجنون، وقد اختلفت الفتاوى باختلاف الأفهام في الكلمة.
6- اعتقاد الفقيه أن لا دلالة في الحديث على ما يراد، والفرق بين هذا وما قبله أن الأول لم يعرف جهة الدلالة، وأما هنا فقد عرف الجهة وردها لسبب قائم لديه.
7- الاختلاف في تساوي الدلالات المختلفة في إفادة المعنى وصعوبة الترجيح، مثل معارضة العام بخاص، أو المطلق بمقيد، أو الأمر المطلق بما ينفي الوجوب، أو الحقيقة بما يدل على المجاز.
8- قد يكون الفقيه مع جودة حفظه واستنتاجه قد أخطأ في تقرير المقدمات التي انتهت بالنتيجة التي رآها، وذلك مثل من يقول: ((لا أعلم أحداً أجاز شهادة العبد)) مع أن قبول شهادته محفوظة عن الإمام علي وأنس وشريح وغيرهم.
9- من الفقهاء من يرد الحديث الصحيح إذا خالف القياس الجلي، ومنهم من يرده إذا كان عمل أهل المدينة المنورة على خلافه.
10- قد يحفظ البعض المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، كما في الخبر المروي عن علي ×، قال: لما كان في ولاية عمر جاء سعد بن أبي وقاص، فقال: يا أمير المؤمنين ما لقيت من عمار؟ قال: وما ذاك؟ قال: حيث خرجت وأنا أريدك ومعي الناس فأمرت منادياً فنادى بالصلاة، ثم دعوت بطهور ومسحت على خفي وتقدمت أصلي، فاعتزلني عمار، فلا هو اقتدى بي ولا تركني، وجعل ينادي من خلفي يا سعد أصلاة بغير وضوء؟
فقال عمر: يا عمار اخرج مما جئت به، فقال: نعم المسح قبل المائدة، فقال عمر: يا أبا الحسن ما تقول؟ قلت: أقول إن المسح كان من رسول الله ÷ في بيت عائشة والمائدة نزلت في بيتها، فأرسل عمر إلى عائشة، فقالت عائشة: كان المسح قبل المائدة( ).
السبب الثالث: التباين في القواعد الأصولية والفقهية وضوابط الاستنباط، فهنالك من يعتبر فتوى الصحابي حجة، وبعضهم لا يرى ذلك، بل يعتمد فقط على ما يرويه الصحابي عن النبي الأعظم ÷، وهنالك الاختلافات الناجمة عن حجية مفهوم المخالفة لدى الشافعية والمالكية من جهة، والحنفية من جهة أخرى، والاختلاف في فهم مقاصد الشريعة وعللها، والاختلاف في عملية بناء الحكم، وهل يبنى على قاعدة درء المفاسد وجلب المصالح أم لا، أو على قاعدة المصالح المرسلة( ).
ضرورة التقريب
ويتعين علينا إذا ما أردنا التقريب الحقيقي بين المذاهب الإسلامية فهم هذه الأسباب المذكورة ومعرفة الثوابت التي لا مسرح للإجتهاد فيها أصلاً كالأمور الاعتقادية المبنية على تنزيه الله سبحانه وتعالى عن المشابهة والمماثلة والتجسيم ومتعلقاتها، وتنزيهه عن الفساد، والرضا بمعاصي العباد، وكالأمور العبادية التوقيفية بطبيعتها وأدائها، وأصول المعاملات في النكاح والطلاق والبيوع ونحوها، والتفريق بينها وبين المتغيرات أو الفرعيات ذات الطابع الظني هذا من جانب.
ومن جانب آخر الابتعاد عن الخصومات الناتجة عن التعصب الطائفي الذي لا يتماشى مع أهداف وحدتنا التشريعية، ومقاصدها النبيلة، ولا بد أن نفرق بين الخصومة المتولدة عن الطائفية والعصبية والاجتهاد المتولد عن تعدد الآراء، فالخصومة تؤدي إلى الافتراق، وتنوع الاجتهاد يؤدي إلى الوفاق، وسعة الأفق الفقهي.
ولنعلم أن الخصومة المذهبية هي إحدى أهم الأسلحة للخطة الصهيو أمريكية فيما تسميه بـ(الشرق الأوسط الجديد!) فهي تريد إذكاء الخلافات، وتغذية الصراعات بين المذاهب، وجعلها طوائف متصارعة، وجماعات متنازعة، وإذا كانت قد نجحت مخططات سلفهم في تمزيق الجسد الإسلامي وجعله أقاليم متنازعة ودويلات مختلفة.

من اوراق مدوة التعايش بين المذاهب(2من 3)

والحقيقة في مذهب الزيدية أنهم أتباع أهل البيت عليهم السلام عموماً، وإنما أضافوا مذهبهم على وجه الخصوص إلى الإمام زيد بن علي × باعتباره العلم المميز لها، قال الإمام عبد الله بن الحسن المتوفى سنة (145هـ): ((العلم بيننا وبين الناس علي بن أبي طالب، والعلم بيننا وبين الشيعة زيد بن علي))( )
والمقصود بهذا أن الإمام زيد بن علي × هو الذي ميز خط أهل البيت الذي يشتمل على قواعد فكرية عقائدية تتركز على نفي التجسيم والتشبيه عن الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ وتنزيهه عن الفساد، وعن أفعال العباد، واعتبار أهل البيت عليهم السلام سبيل النجاة، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصرة المظلوم، وعدم محاباة الظالم.
وليست النسبة إليه × نسبة فقهية بحتة على النحو المعروف والمتبع في المذاهب الأخرى؛ لأن المذهب الزيدي يحرم التقليد على كل مجتهد قادر على الوقوف على الأدلة واستنباط الأحكام من الكتاب والسنة، ولذلك تميز بمدارسه الفقهية المتعددة، واجتهاداته المتجددة، وسنشير إلى رجال المذهب وكتبه وموسوعاته الفقهية لاحقاً، عند كلامنا عن الفقه الزيدي، كون هذا الكتاب أحد موسوعاته المهمة.
المذهب الجعفري:
نسبة إلى الإمام جعفر الصادق، بن الإمام محمد بالباقر، بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين، بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام، ولد × سنة (80هـ) وتوفي سنة (148هـ).
ومن أبرز رجال المذهب لديهم في القرن الثاني: أبان بن تغلب المتوفى سنة (141هـ) وهشام بن الحكم، ويونس بن عبد الرحمن، وهشام بن سالم، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن أبي نصر البزنطي، وزرارة بن أعين، وعبد الله بن بكير، ومحمد بن مسلم الثقفي، ووأبي بصير الأسدي.
ومن المعروف عند الإمامية الجعفرية أنهم كانوا يستخدمون لفظة (التفقه) بدلاً عن لفظة (الاجتهاد) لأن لفظة الاجتهاد كانت مرادفة للقياس لديهم، وقد أشار إلى هذا الشيخ الطوسي المعروف بشيخ الطائفة الإمامية المتوفى سنة (460هـ) في كتابه (عدة الأصول)( ) ويبدوا أن الشيخ الحلي، المتوفى سنة (676هـ) هو أول من أطلق لفظة (الاجتهاد) على الاستنباط عند الإمامية في كتابه (معارج الوصول في علم الوصول)( ) ومذهبهم حالياً يقوم على الاجتهاد والمرجعية.
ومن أبرز كتبهم الفقهية (وسائل الشيعة في أحكام الشريعة) للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى سنة (1104هـ) و (الوافي) للشيخ الكاشاني المتوفى سنة (1091هـ) و (بحار الأنوار) للمجلسي، المتوفى سنة (1111) هـ، وغيرها كثير.
المذهب الحنفي:
نسبة إلى الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي، ولد سنة (80هـ) وتوفي سنة (150هـ). أخذ عن الإمام محمد الباقر، وعن الإمام زيد بن علي ×، والإمام جعفر الصادق ×، والإمام عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والإمام حماد بن أبي سليمان، وسمع من عطاء بن أبي رباح، ونافع ـ مولى ابن عمر .
أما تلاميذه الذين انتسبوا إليه انتساب المتعلم للمعلم وليس انتساب الـمُقلِّد للمُقَلَّد فأشهرهم أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري المتوفى سنة (182هـ) وهو أول من دون من تلاميذ أبي حنيفة، وأغلب كتبه مفقودة، ولم يصل إلينا منها إلا رسالته في (الخراج) وهو يقارن فيها بين آراء أبي حنيفة، وابن أبي ليلى، ثم يرجح الرأي الذي يراه، ومحمد بن الحسن بن فرقد الشيباني المتوفى سنة (189هـ) ومن مؤلفاته (الجامع الكبير) و (الجامع الصغير) و (المبسوط) وزفر بن الهذيل الكوفي المتوفى سنة (158هـ) وعلى هؤلاء الثلاثة مدار مذهب أبي حنيفة.
ومن الكتب المعتمدة في المذهب الحنفي إضافة إلى الكتب السابقة كتب العلامة أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، ومنها: (اختلاف الفقهاء) و (شرح مشكل الأحاديث) وكتاب (معاني الآثار) وغيرها من الكتب لكثير من علماء الحنفية.
المذهب المالكي:
نسبة إلى الإمام مالك بن أنس بن أبي عامر، ولد سنة (93هـ) وتوفي سنة (179هـ) وقد أخذ عنه كمحدث بعض من شيوخه، أمثال: يحيى بن سعيد، وموسى بن عقبة، وربيعة بن عبد الرحمن، وغيرهم من أقرانه كسفيان الثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، وسفيان بن عيينة، وأبو يوسف ـ صاحب أبي حنيفة ـ وروى عنه بعض تلاميذه، مثل: محمد بن إدريس الشافعي، وعبدالله بن المبارك، ومحمد بن الحسن الشيباني.
وقد رحل للأخذ عنه جماعة من مصر والمغرب والأندلس، وكانوا عماد مذهبه، فمن مصر: أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم العتقي المتوفى سنة (191هـ) وأبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، المتوفى سنة (197هـ) وأشهب بن عبد العزيز القيسي العامري المتوفى سنة (204هـ) وأبو محمد عبد الله بن عبد الحكيم بن أعين المتوفى سنة (224هـ.
ومن المغرب والأندلس: أبو عبد الله بن عبد الرحمن القرطبي المتوفى سنة (193هـ) وعيسى بن دينار الأندلس المتوفى سنة (212هـ) ويحيى بن كثير المتوفى سنة (234هـ) وعبد الملك بن حبيب بن سليمان السلمي المتوفى سنة (238هـ) وأبو الحسن علي بن زياد التونسي المتوفى سنة (183هـ).
ومن الكتب المعتمدة في المذهب المالكي: (الموطأ) للإمام مالك وكتاب (المبسوط) لإسماعيل بن إسحاق، وكتاب (ابن الحواز في الففه) لمحمد بن إبراهيم الاسكندري، وكتاب (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) لابن رشد المشهور بـ(الحفيد) وكتاب (الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة) لأبي محمد عبد الله السعدي، وغيرها كثير.
المذهب الشافعي:
نسبة إلى الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، من بني عبد المطلب بن عبد مناف، ولد سنة (150هـ) وتوفي سنة (204هـ).
وله أصحاب بالعراق ومصر، فأما أصحابه بالعراق فمنهم: أبو ثور إبراهيم بن خالد بن اليمان، ويقال أن له مذهب خاص، وأنه لا يقبل عن الشافعي توفي سنة (246هـ)، وأحمد بن حنبل المتوفى سنة (241هـ) والحسن بن محمد بن الصباح المتوفى سنة (260هـ) وأبو علي الحسين بن علي الكرابيسي.
وأما أصحابه بمصر فمنهم: يوسف بن يحيى البويطي المتوفى سنة (231هـ) وأبو إبراهيم بن المزني المتوفى سنة (264هـ) والربيع بن سليمان المرادي المتوفى سنة (270هـ) وحرملة بن يحيى التجبي المتوفى سنة (243هـ) ويونس بن عبد الأعلى الصوفي المتوفى سنة (264هـ).
ومن الكتب المعتمدة في المذهب الشافعي مؤلفات الإمام الشافعي، ومنها: (أدلة الأحكام) و (الأم) و (اختلاف الحديث) وكتاب (شرح مختصر المزني) لأبي إسحاق المروزي، و (المنهاج) لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، وغيرها كثير.
المذهب الحنبلي:
نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل الذهلي الشيباني المرزوي، ولد سنة (164هـ) وتوفي سنة (241هـ) وأشهر من روى عنه مذهبه: أبو بكر أحمد بن محمد بن هادي، المعروف بالأثرم، وأحمد بن محمد بن الحجاج المروزي، وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه.
ومن أشهر الكتب الفقهية الحنبلية (المغني) لابن قدامة و (الشرح الكبير) له أيضاً، و (الفروع) لابن مفلح.. وغيرها كثير.
المذهب الإباضي:
نسبة إلى عبد الله بن إباض المري التميمي ولد سنة (22هـ) على أرجح الأقوال وتوفي سنة (95هـ) تقريباً.
ويرى الإباضيون أن التأسيس الحقيقي لمذهبهم يعود إلى الإمام جابر بن زيد الأزدي العماني أبو الشعثاء المتوفى سنة (93هـ). أخذ عن ابن عباس المتوفى سنة (68هـ) كثيراً من العلوم والمعارف، ولازمه ملازمة التلميذ لشيخه، وقال ابن عباس عنه: ((لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علماً بما في كتاب الله))( ).
ومن أبرز تلاميذ جابر بن زيد: أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة المتوفى سنة (150هـ) وضمام بن السائب، وأبي نوح صالح الدهان، ومن أبرز تلاميذهم: الربيع بن حبيب بن عمرو الأزدي المتوفى ما بين (175-180هـ) وهو صاحب (الجامع الصحيح) المشهور عند الإباضية، والذي قام بشرحه الشيخ نور الدين عبد الله بن حميد السالمي العماني المتوفى سنة (1332هـ).
ومن أهم كتب الإباضية الفقهية: (المدونة) لأبي غانم الخراساني، و (الجامع) لابن بكرة البهلوي، و (المصنف) لأحمد بن عبد الله الكندي، و (بيان الشرع) لمحمد الكندي، و (شرح النيل) للقطب أطفيش الجزائري، و (الضياء) للعوتبي، وغيرها كثير.

أسباب الاختلاف الفقهي
وهنا قد يبرز سؤال عن أسباب الاختلاف بين هذه المذاهب وتعدد الإجتهادات داخلها؟
والجواب: أنه من الممكن أن نحصر أسباب الاختلاف الفقهي بين هذه المذاهب، أو بين أعيان المذهب نفسه في ثلاثة أسباب رئيسية، وهي:
السبب الأول: الاختلاف في طبيعة فهم النص:
إما لاحتماله أكثر من معنى، مثل: اختلافهم في مدلول لفظ (قرء) في قوله تعالى: &وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ^ [البقرة: 228]. فإن لفظ (قرء) يطلق على: الطهر بين الحيضتين، وعلى الحيضة نفسها، فذهب: عليٌ، وعبد الله بن مسعود، وعمر، إلى أن المراد: الحيضة، وذهب: زيد بن ثابت، وابن عمر، وعائشة، أن المراد: الطهر بين الحيضتين.
أو لتعارض ظواهر النصوص، كما في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، فقد ورد في ذلك نصان:
أحدهما: قول الله تعالى: &وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ^ [الطلاق: 4] وثانيهما قوله تعالى: &وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا^ [البقرة: 234] فالذي يستفاد من عموم الآية الأولى: أنها تشمل الحامل المتوفى عنها زوجها والمطلقة، وإلى هذا ذهب ابن مسعود، وأما الإمام علي × وابن عباس، فأعملا النصين، قالا: تعمل بأبعد الأجلين.
أو لدلالة النص، هل هي للوجوب أو للندب، كالأمر في قوله تعالى: &فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ^ [الطلاق: 2] فالأمر بالإشهاد عند الطلاق للوجوب عند البعض، وعند البعض الآخر للإستحباب.
السبب الثاني: الاختلاف في رواية الحديث، وإلى هذا ترجع معظم الاختلافات الفقهية، ومن خلال تصنيف أمير المؤمنين علي × رواة الأحاديث ندرك جيداً أنه قد شخّص ـ ومنذ وقت مبكر ـ مجمل الأسباب والعلل التي وقفت وتقف وراء الاختلاف حول التمييز بين صحيح السنة من سقيمها، ومعرفة خاصها وعامها، ومجملها ومبينها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، والذي يترتب عليه الاستنباطات الفقهية، قال رضي الله عنه :
((إنَّ في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً ولقد كذب على رسول الله ÷ على عهده حتى قام خطيباً فقال : ((من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))( ) وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس :
رجل منافق مظهر للإيمان،متصنع بالإسلام، لا يتأثم( ) ولا

من اوراق مدوة التعايش بين المذاهب(2من 3)

والحقيقة في مذهب الزيدية أنهم أتباع أهل البيت عليهم السلام عموماً، وإنما أضافوا مذهبهم على وجه الخصوص إلى الإمام زيد بن علي × باعتباره العلم المميز لها، قال الإمام عبد الله بن الحسن المتوفى سنة (145هـ): ((العلم بيننا وبين الناس علي بن أبي طالب، والعلم بيننا وبين الشيعة زيد بن علي))( )
والمقصود بهذا أن الإمام زيد بن علي × هو الذي ميز خط أهل البيت الذي يشتمل على قواعد فكرية عقائدية تتركز على نفي التجسيم والتشبيه عن الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ وتنزيهه عن الفساد، وعن أفعال العباد، واعتبار أهل البيت عليهم السلام سبيل النجاة، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصرة المظلوم، وعدم محاباة الظالم.
وليست النسبة إليه × نسبة فقهية بحتة على النحو المعروف والمتبع في المذاهب الأخرى؛ لأن المذهب الزيدي يحرم التقليد على كل مجتهد قادر على الوقوف على الأدلة واستنباط الأحكام من الكتاب والسنة، ولذلك تميز بمدارسه الفقهية المتعددة، واجتهاداته المتجددة، وسنشير إلى رجال المذهب وكتبه وموسوعاته الفقهية لاحقاً، عند كلامنا عن الفقه الزيدي، كون هذا الكتاب أحد موسوعاته المهمة.
المذهب الجعفري:
نسبة إلى الإمام جعفر الصادق، بن الإمام محمد بالباقر، بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين، بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام، ولد × سنة (80هـ) وتوفي سنة (148هـ).
ومن أبرز رجال المذهب لديهم في القرن الثاني: أبان بن تغلب المتوفى سنة (141هـ) وهشام بن الحكم، ويونس بن عبد الرحمن، وهشام بن سالم، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن أبي نصر البزنطي، وزرارة بن أعين، وعبد الله بن بكير، ومحمد بن مسلم الثقفي، ووأبي بصير الأسدي.
ومن المعروف عند الإمامية الجعفرية أنهم كانوا يستخدمون لفظة (التفقه) بدلاً عن لفظة (الاجتهاد) لأن لفظة الاجتهاد كانت مرادفة للقياس لديهم، وقد أشار إلى هذا الشيخ الطوسي المعروف بشيخ الطائفة الإمامية المتوفى سنة (460هـ) في كتابه (عدة الأصول)( ) ويبدوا أن الشيخ الحلي، المتوفى سنة (676هـ) هو أول من أطلق لفظة (الاجتهاد) على الاستنباط عند الإمامية في كتابه (معارج الوصول في علم الوصول)( ) ومذهبهم حالياً يقوم على الاجتهاد والمرجعية.
ومن أبرز كتبهم الفقهية (وسائل الشيعة في أحكام الشريعة) للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى سنة (1104هـ) و (الوافي) للشيخ الكاشاني المتوفى سنة (1091هـ) و (بحار الأنوار) للمجلسي، المتوفى سنة (1111) هـ، وغيرها كثير.
المذهب الحنفي:
نسبة إلى الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي، ولد سنة (80هـ) وتوفي سنة (150هـ). أخذ عن الإمام محمد الباقر، وعن الإمام زيد بن علي ×، والإمام جعفر الصادق ×، والإمام عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والإمام حماد بن أبي سليمان، وسمع من عطاء بن أبي رباح، ونافع ـ مولى ابن عمر .
أما تلاميذه الذين انتسبوا إليه انتساب المتعلم للمعلم وليس انتساب الـمُقلِّد للمُقَلَّد فأشهرهم أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري المتوفى سنة (182هـ) وهو أول من دون من تلاميذ أبي حنيفة، وأغلب كتبه مفقودة، ولم يصل إلينا منها إلا رسالته في (الخراج) وهو يقارن فيها بين آراء أبي حنيفة، وابن أبي ليلى، ثم يرجح الرأي الذي يراه، ومحمد بن الحسن بن فرقد الشيباني المتوفى سنة (189هـ) ومن مؤلفاته (الجامع الكبير) و (الجامع الصغير) و (المبسوط) وزفر بن الهذيل الكوفي المتوفى سنة (158هـ) وعلى هؤلاء الثلاثة مدار مذهب أبي حنيفة.
ومن الكتب المعتمدة في المذهب الحنفي إضافة إلى الكتب السابقة كتب العلامة أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، ومنها: (اختلاف الفقهاء) و (شرح مشكل الأحاديث) وكتاب (معاني الآثار) وغيرها من الكتب لكثير من علماء الحنفية.
المذهب المالكي:
نسبة إلى الإمام مالك بن أنس بن أبي عامر، ولد سنة (93هـ) وتوفي سنة (179هـ) وقد أخذ عنه كمحدث بعض من شيوخه، أمثال: يحيى بن سعيد، وموسى بن عقبة، وربيعة بن عبد الرحمن، وغيرهم من أقرانه كسفيان الثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، وسفيان بن عيينة، وأبو يوسف ـ صاحب أبي حنيفة ـ وروى عنه بعض تلاميذه، مثل: محمد بن إدريس الشافعي، وعبدالله بن المبارك، ومحمد بن الحسن الشيباني.
وقد رحل للأخذ عنه جماعة من مصر والمغرب والأندلس، وكانوا عماد مذهبه، فمن مصر: أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم العتقي المتوفى سنة (191هـ) وأبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، المتوفى سنة (197هـ) وأشهب بن عبد العزيز القيسي العامري المتوفى سنة (204هـ) وأبو محمد عبد الله بن عبد الحكيم بن أعين المتوفى سنة (224هـ.
ومن المغرب والأندلس: أبو عبد الله بن عبد الرحمن القرطبي المتوفى سنة (193هـ) وعيسى بن دينار الأندلس المتوفى سنة (212هـ) ويحيى بن كثير المتوفى سنة (234هـ) وعبد الملك بن حبيب بن سليمان السلمي المتوفى سنة (238هـ) وأبو الحسن علي بن زياد التونسي المتوفى سنة (183هـ).
ومن الكتب المعتمدة في المذهب المالكي: (الموطأ) للإمام مالك وكتاب (المبسوط) لإسماعيل بن إسحاق، وكتاب (ابن الحواز في الففه) لمحمد بن إبراهيم الاسكندري، وكتاب (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) لابن رشد المشهور بـ(الحفيد) وكتاب (الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة) لأبي محمد عبد الله السعدي، وغيرها كثير.
المذهب الشافعي:
نسبة إلى الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، من بني عبد المطلب بن عبد مناف، ولد سنة (150هـ) وتوفي سنة (204هـ).
وله أصحاب بالعراق ومصر، فأما أصحابه بالعراق فمنهم: أبو ثور إبراهيم بن خالد بن اليمان، ويقال أن له مذهب خاص، وأنه لا يقبل عن الشافعي توفي سنة (246هـ)، وأحمد بن حنبل المتوفى سنة (241هـ) والحسن بن محمد بن الصباح المتوفى سنة (260هـ) وأبو علي الحسين بن علي الكرابيسي.
وأما أصحابه بمصر فمنهم: يوسف بن يحيى البويطي المتوفى سنة (231هـ) وأبو إبراهيم بن المزني المتوفى سنة (264هـ) والربيع بن سليمان المرادي المتوفى سنة (270هـ) وحرملة بن يحيى التجبي المتوفى سنة (243هـ) ويونس بن عبد الأعلى الصوفي المتوفى سنة (264هـ).
ومن الكتب المعتمدة في المذهب الشافعي مؤلفات الإمام الشافعي، ومنها: (أدلة الأحكام) و (الأم) و (اختلاف الحديث) وكتاب (شرح مختصر المزني) لأبي إسحاق المروزي، و (المنهاج) لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، وغيرها كثير.
المذهب الحنبلي:
نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل الذهلي الشيباني المرزوي، ولد سنة (164هـ) وتوفي سنة (241هـ) وأشهر من روى عنه مذهبه: أبو بكر أحمد بن محمد بن هادي، المعروف بالأثرم، وأحمد بن محمد بن الحجاج المروزي، وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه.
ومن أشهر الكتب الفقهية الحنبلية (المغني) لابن قدامة و (الشرح الكبير) له أيضاً، و (الفروع) لابن مفلح.. وغيرها كثير.
المذهب الإباضي:
نسبة إلى عبد الله بن إباض المري التميمي ولد سنة (22هـ) على أرجح الأقوال وتوفي سنة (95هـ) تقريباً.
ويرى الإباضيون أن التأسيس الحقيقي لمذهبهم يعود إلى الإمام جابر بن زيد الأزدي العماني أبو الشعثاء المتوفى سنة (93هـ). أخذ عن ابن عباس المتوفى سنة (68هـ) كثيراً من العلوم والمعارف، ولازمه ملازمة التلميذ لشيخه، وقال ابن عباس عنه: ((لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علماً بما في كتاب الله))( ).
ومن أبرز تلاميذ جابر بن زيد: أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة المتوفى سنة (150هـ) وضمام بن السائب، وأبي نوح صالح الدهان، ومن أبرز تلاميذهم: الربيع بن حبيب بن عمرو الأزدي المتوفى ما بين (175-180هـ) وهو صاحب (الجامع الصحيح) المشهور عند الإباضية، والذي قام بشرحه الشيخ نور الدين عبد الله بن حميد السالمي العماني المتوفى سنة (1332هـ).
ومن أهم كتب الإباضية الفقهية: (المدونة) لأبي غانم الخراساني، و (الجامع) لابن بكرة البهلوي، و (المصنف) لأحمد بن عبد الله الكندي، و (بيان الشرع) لمحمد الكندي، و (شرح النيل) للقطب أطفيش الجزائري، و (الضياء) للعوتبي، وغيرها كثير.

أسباب الاختلاف الفقهي
وهنا قد يبرز سؤال عن أسباب الاختلاف بين هذه المذاهب وتعدد الإجتهادات داخلها؟
والجواب: أنه من الممكن أن نحصر أسباب الاختلاف الفقهي بين هذه المذاهب، أو بين أعيان المذهب نفسه في ثلاثة أسباب رئيسية، وهي:
السبب الأول: الاختلاف في طبيعة فهم النص:
إما لاحتماله أكثر من معنى، مثل: اختلافهم في مدلول لفظ (قرء) في قوله تعالى: &وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ^ [البقرة: 228]. فإن لفظ (قرء) يطلق على: الطهر بين الحيضتين، وعلى الحيضة نفسها، فذهب: عليٌ، وعبد الله بن مسعود، وعمر، إلى أن المراد: الحيضة، وذهب: زيد بن ثابت، وابن عمر، وعائشة، أن المراد: الطهر بين الحيضتين.
أو لتعارض ظواهر النصوص، كما في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، فقد ورد في ذلك نصان:
أحدهما: قول الله تعالى: &وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ^ [الطلاق: 4] وثانيهما قوله تعالى: &وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا^ [البقرة: 234] فالذي يستفاد من عموم الآية الأولى: أنها تشمل الحامل المتوفى عنها زوجها والمطلقة، وإلى هذا ذهب ابن مسعود، وأما الإمام علي × وابن عباس، فأعملا النصين، قالا: تعمل بأبعد الأجلين.
أو لدلالة النص، هل هي للوجوب أو للندب، كالأمر في قوله تعالى: &فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ^ [الطلاق: 2] فالأمر بالإشهاد عند الطلاق للوجوب عند البعض، وعند البعض الآخر للإستحباب.
السبب الثاني: الاختلاف في رواية الحديث، وإلى هذا ترجع معظم الاختلافات الفقهية، ومن خلال تصنيف أمير المؤمنين علي × رواة الأحاديث ندرك جيداً أنه قد شخّص ـ ومنذ وقت مبكر ـ مجمل الأسباب والعلل التي وقفت وتقف وراء الاختلاف حول التمييز بين صحيح السنة من سقيمها، ومعرفة خاصها وعامها، ومجملها ومبينها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، والذي يترتب عليه الاستنباطات الفقهية، قال رضي الله عنه :
((إنَّ في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً ولقد كذب على رسول الله ÷ على عهده حتى قام خطيباً فقال : ((من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))( ) وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس :
رجل منافق مظهر للإيمان،متصنع بالإسلام، لا يتأثم( ) ولا

الأخوة في الدين( قدمت في ندوة التعايش بين المذاهب مدخل للوجدة الاسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة في الدين
بقلم/ أ. محمد محمد الباشق
الحمد لله ولي كل نعمة، له الحمد كله، وإليه يرجع الأمر كله.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وصحابته المنتجبين الأخيار
الإخوة الكرام..... الحاضرون جميعاً
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موضوعنا... إليكم... الحديث عنه ليس من نافلة القول، والاهتمام به ليس من نوافل الأعمال.
حديثنا إليكم حول أصل من أصول الشريعة، وسياج قوة الأمة... وعلامة على عافيتها من الأسقام، وبقاء ريحها وحياتها بين الأمم... إنه موضوع الأخوة.
لقد نص الحق في كتابه المسطور المعجزة الخالدة على هذا بقوله... نصاً صريحاً لا يحتاج إلى تأويل: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } صدر لفظ الإخاء بـ(إنما) المعروفة لدى أهل العربية في حصر وقصر ما بعدها.. وهذا هو الإيمان المقبول عند الله الذي يريده من عباده... إيمان إعمار... إيمان يجمع المشاعر... قبل إقامة الشعائر... فلا محيص لمن أسلموا لله. وانقادوا لأمره عن هذه الأخوة التي لا انفصام عنها في كل مجالات الحياة.
والحديث عن الإخاء يطول، ولأن هناك مواضيع ومتحدثون لكل منهم مجال هام، والكل يضرب بسهم ومشاركة مع اعتراف بأن بضاعتي مزجاة، تأتي مع رجاء الحمل على السلامة.
وما يتم هنا هو خطوة واجبة نحو تعميق وبيان هذه الفريضة الشرعية.....
فأقسم هذه الوريقات إلى الآتي:
1- الأدلة على عمق الإخاء وسعة مجاله.
2- شُبهاتٌ وردود.
3- وسائل عملية لحماية الإخاء.
الأدلة:
الكتاب المنظور (الكون) بما أوجد الله فيه من مخلوقات متجانسة: { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } هذا التجانس في الكون أعمق منه بين البشر، وبشر أصلنا من نفس واحدة.
فالكل يعود للأب الأول آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام وآل كل منهم.
وهذه الأبوة وما أودعه الله من اتحاد بشري في وظائف الجسم واتحاد في الغرائز، والكل قد شرف بعقل هو مناط التكليف، أليس في كل هذا ما يؤكد أن الإخاء موجه لكل بني آدم.
وجاء النداء الجليل في القرآن الكريم في إيضاح العلاقة بين الأنبياء وأقوامهم { وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ }والوصف الكريم لمرابطة بين النبي هود عليه وعلى نبينا أفضل والصلاة والسلام وعلى آل كل منهم هو لفظ الإخاء.
ولن تنسى أمتنا أن منها القائل: (الإنسان أخ للأخ في الدين، إذ نظر للأخ الخلق) ذلك هو باب مدينة العلم عليه السلام وكرم الله وجهه الشريف في الجنة سيدنا علي بن أبي طالب.
وقبل قول باب المدينة فإن مدينة العلم، رحمة الله للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد طبق هذا الإخاء، ولا نغفل عن وثيقة المدينة المنورة.
والإخاء الذي كان من أولويات عمله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الهجرة الشريفة.
أيضاً اهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم بحقوق أهل الذمة، وتوعد لمن أخفر ذمة مُعاهد بعقوبات عاجلة أو آجلة.
ومن ذهب يستقصي الأدلة العقلية والنقلية يطول به المقام والإشارات السابقة فيها الكفاية بعون الله.
والآن ننتقل بكم إلى الفقرة الثانية
شبهات وردود:
شبهة أن الإخوة الإنسانية تتعارض مع مبدأ الولاء والبراء!!!!
وهي شبهة طالما رددها الكثير منهم من انطلت عليهم الشبهة، ومنهم لعدم اطلاعه وإدراكه لحقائق الشريعة، والبعض يعزز هذه الشبهة بتقسيم الأرض إلى دار إسلام ودار حرب.
وأرد على هذه الشبهة:
بأن مفهوم البراء والذمة هو مؤخر في النطق مُقدم في التطبيق لا يتعارض البتة مع مكارم الأخلاق وصلة الأرحام والعمل على إعمار الأرض وإنصاف المظلوم، والقبول بالآخر، والآية واضحة { لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ...}وحق الحقُّ جل شأنه العلاقة مع هذا الأخ في الإنسانية المخالف في الملة، إذ تكون العلاقة به بر وقسط، وتعرفون جميعاً أن البر صفة العلاقة بالوالدين ، والقسط هو العدل صفة بقاء شموخ الأمة، وواجب على كل أفرادها في شتى التعاملات.
وقضية دار الإسلام ودار الحرب كانت لظرف زمني ما يبرره لا لمستند شرعي، فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده العاقبة للمتقين شبهة الاختلافات ووجود الفرق الضالة التي تحمل أفكاراً هدامة يوجب ذلك مقاطعتها وإعلان البراءة منها، وأن صاحب الفكر المنحرف أخطر من اليهود والنصارى.... ... تلك الشنشنة وآخر ذلك الكلام الذي قد امتد على مدى فترة زمنية طويلة.... وإلى الله المشتكى والرد على هذه الشبهة.
إن الحق جل شأنه لما أمر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالحوار مع الكافرين وقال: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} تأملوا في هذا التوجيه والإرشاد الكريم.
2- الحوار أيضاً مع المخالفين تحكمه قاعدة {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
أليس أصحاب القبلة هم أولى بهذه الحسنى مواعظ، والأحسن حال الجدل؟.
أليس الخلاف بين أهل القبلة يوجب على العقلاء والعلماء الربانيين العمل على فهم هذه السنة الإلهية في اختلاف العقول والمفاهيم، وأن السيف يجب أن لا يدخل بين المتحاورين، فلغة الحوار تبقى راقية إن صفت النفوس، وصدقت النيات، وكان الهدف رضا الله جل شأنه.
وسائل تعميق الإخاء:
1- إقامة مثل هذه الندوات واللقاءات بين أصحاب المشارب المختلفة، فهي مهما تنوعت تعود إلى ينبوع الشريعة الذي لا يتكدر على كثرة الدلاء.
2- إحياء روح الإخاء وتعميق مفهوم {أكرمكم عند الله أتقاكم} والقاعدة الربانية { فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى }والآراء النبوية حول فضيلة نفع الناس وخدمتهم وتقديم الخير لهم.
3- يجب على الخطباء وأئمة المساجد وكافة علماء الأمة والدعاة أن تكون لهم لقاءات وندوات وأعمال مشتركة، والحرص على عدم إثارة الخلافيات.
4- يجب على القائمين على أجهزة الإعلام فهم الرسالة الإسلامية، وأن تكون كل البرامج تجمع لا تفرق، وتبني ولا تهدم.
5- الدول الإسلامية المسئولين في كل دولة يقع عليهم واجب شرعي عظيم.
نورد هذا من باب إبراء الذمة وإلا فإننا نضرع إلى الله أن يصرف عن الأمة كل ما يشق عليها.
والحمدلله أولاً وأخيراً
أخوكم/ الراجي عفو ربه
محمد محمد الباشق

من أوراق ندوة التعايش بين المذاهب مدخل للوجدة(الإختلاف الفقهي وتعدد المذاهب



الإختلاف الفقهي وتعدد المذاهب
بقلم: عبدالله حمود العزي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، ورضي الله عن صحابته المنتجبين الراشدين، من يومنا هذا إلى يوم الدين.. وبعــد:
فإن الاختلاف في وجهات النظر الاجتهادية يدل على الحيوية الفكرية المتجددة التي يتمتع بها فقهنا الإسلامي، ولذا لا ينبغي لاختلاف كهذا أن يفسد للود قضية فيما بين المسلمين، ولا أن يقف عائقاً أمام وحدتهم الإسلامية؛ لأن جميع المذاهب الفقهية قد جمعتهم وحدة تشريعية واحدة، لا يمكن تجاوزها أو تخطيها، وإنما تتفاوت الأنظار في طريقة فهم النص التشريعي المحتمل لأكثر من معنى في لفظه أو اشتماله، أو في كيفية قبول خبر الواحد وطرق استنباط الحكم منه، وقد بدأت تتفاوت الأنظار في فهم ذلك منذ بداية القرن الأول.
عصر الصحابة:
فالنبي ÷ أقر الصحابة على فهمهم عندما قال في غزوة الخندق: ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة))( )، فالتزم بعض الصحابة بما تضمنه قوله هذا ÷ وهو (الاستعجال) ـ حسب فهمهم ـ فصلوا الصلاة لوقتها، والتزم البعض الآخر بظاهر قوله ÷ فلم يصلوا العصر إلا في بني قريظة بعد خروج الوقت.
ولما أرسل الرسول الأعظم ÷ معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ إلى اليمن قال له: ((كيف تقضي إذا عرض لك قضاء))؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال ((فإن لم تجد في كتاب الله))؟ قال: فبسنة رسول الله قال: ((فإن لم تجد في سنة رسول الله)) قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله ÷ صدره، وقال: ((الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله))( ).
وبعد وفاة النبي ÷ بدأ الإجتهاد يتنامى في أوساط الصحابة شيئاً فشيئاً بفعل ظهور مشكلات ونوازل جديدة، خاصة بعد انتشار الإسلام في بلاد مختلفة الثقافات والعادات.
عصر التابعين:
وأما في عصر التابعين فقد اتسع اتساعاً كثيراً نظراً للاحتكاك الحضاري بين المجتمعات والبلدان التي دخلت الإسلام، وتفرق الصحابة بها، وشيوع رواية الحديث على اتساع دائرة البحث الفقهي.
غير أن الملاحظ في عصرهم بروز عامل جديد أثر في طبيعة الإنتاج الفقهي والحرية الاجتهادية تمثل في تحويل حكام بني أمية نظام الحكم في العالم الإسلامي من الخلافة إلى الملك، وتحويل أغلب السنن إلى بدع، والبدع إلى سنن، والتفريق بين المسلمين، وإغلاق باب الاجتهاد أمام المجتهدين، وفرض آراء السلطة وتوجهاتها، الأمر الذي أدى إلى التضييق على العلماء وعزلهم عن الدور المباشر المناط بهم.
ولهذا قام الإمام زيد بن علي رضي الله تعالى عنه بأعباء إصلاح هذا الخلل الخطير والشر المستطير، مذكراً العلماء بدورهم الحقيقي في عملية الإصلاح والتغيير( )، وحماية الدين، من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، قال ـ رضي الله عنه ـ : ((إني أدعو إلى كتاب الله، وسنة نبيه، وإحياء السنن، وإماتة البدع، فإن تسمعوا يكن خيراً لكم، وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل))( ).
ولولاه ـ رضي الله عنه ـ ومعه ثلة من أئمة الفقه المخلصين بعد الله سبحانه وتعالى لاستطاعت السلطة الأموية فرض لون واحد من الفقه المشوب بالبدع، وإظهاره كسنة يجب إتباعها والتقيد بها.
ولا نريد أن ندخل في تفاصيل هذه القضية فهي واسعة ومتشعبة وليس هذا مجالها، ولكن ما يهمنا هنا هو أن تلك المرحلة التي قام فيها سليل البتول وعترة الرسول ÷ قد أعادت للاجتهاد دوره، وللفقه اعتباره وحيويته.

نشأة المذاهب الإسلامية
وهكذا استمر عطاء الفقهاء من أهل البيت والتابعين وتابعيهم، وبدأ ظهور المذاهب الإسلامية في أواخر النصف الأول من القرن الثاني الهجري.
وقد ظهرت تلك المذاهب، وتكونت على إثرها ثروة فقهية ضخمة، وطرق استنباطية منظمة، أسسها أئمة عظماء، وتعلق بهم فقهاء مخلصون خدموا تراثهم تدويناً وتعليماً وتأصيلاً وتخريجاً، وترسخت آرائهم، وتكاملت مناهجهم، وظهرت تدريجياً مذاهبهم الفقهية بالتدريج، وهي (الزيدي، والجعفري، والحنفي، والمالكي، والشافعي، والإباضي، والحنبلي) وهي أشهر المذاهب في عصرنا الحاضر.
وإنني أحسب أن من الأشياء المهمة التي تجعل التقارب أمراً واقعياً هو معرفة هذه المذاهب والإطلاع على ما لديها من خلال كتبها المعتمدة ومراجعها الثابتة، لا من خلال ما ينقله عنها خصومها، وهذا هو معيارنا الذي سنعتمده في الكلام عن المذاهب الفقهية مذهباً مذهباً.
المذهب الزيدي:
نسبة إلى الإمام الأعظم زيد بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام، ولد سنة (75هـ) واستشهد سنة (122هـ).
والحقيقة في مذهب الزيدية أنهم أتباع أهل البيت عليهم السلام عموماً، وإنما أضافوا مذهبهم على وجه الخصوص إلى الإمام زيد بن علي × باعتباره العلم المميز لها، قال الإمام عبد الله بن الحسن المتوفى سنة (145هـ): ((العلم بيننا وبين الناس علي بن أبي طالب، والعلم بيننا وبين الشيعة زيد بن علي))( )
والمقصود بهذا أن الإمام زيد بن علي × هو الذي ميز خط أهل البيت الذي يشتمل على قواعد فكرية عقائدية تتركز على نفي التجسيم والتشبيه عن الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ وتنزيهه عن الفساد، وعن أفعال العباد، واعتبار أهل البيت عليهم السلام سبيل النجاة، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصرة المظلوم، وعدم محاباة الظالم.
وليست النسبة إليه × نسبة فقهية بحتة على النحو المعروف والمتبع في المذاهب الأخرى؛ لأن المذهب الزيدي يحرم التقليد على كل مجتهد قادر على الوقوف على الأدلة واستنباط الأحكام من الكتاب والسنة، ولذلك تميز بمدارسه الفقهية المتعددة، واجتهاداته المتجددة، وسنشير إلى رجال المذهب وكتبه وموسوعاته الفقهية لاحقاً، عند كلامنا عن الفقه الزيدي، كون هذا الكتاب أحد موسوعاته المهمة.
المذهب الجعفري:
نسبة إلى الإمام جعفر الصادق، بن الإمام محمد بالباقر، بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين، بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام، ولد × سنة (80هـ) وتوفي سنة (148هـ).
ومن أبرز رجال المذهب لديهم في القرن الثاني: أبان بن تغلب المتوفى سنة (141هـ) وهشام بن الحكم، ويونس بن عبد الرحمن، وهشام بن سالم، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن أبي نصر البزنطي، وزرارة بن أعين، وعبد الله بن بكير، ومحمد بن مسلم الثقفي، ووأبي بصير الأسدي.
ومن المعروف عند الإمامية الجعفرية أنهم كانوا يستخدمون لفظة (التفقه) بدلاً عن لفظة (الاجتهاد) لأن لفظة الاجتهاد كانت مرادفة للقياس لديهم، وقد أشار إلى هذا الشيخ الطوسي المعروف بشيخ الطائفة الإمامية المتوفى سنة (460هـ) في كتابه (عدة الأصول)( ) ويبدوا أن الشيخ الحلي، المتوفى سنة (676هـ) هو أول من أطلق لفظة (الاجتهاد) على الاستنباط عند الإمامية في كتابه (معارج الوصول في علم الوصول)( ) ومذهبهم حالياً يقوم على الاجتهاد والمرجعية.
ومن أبرز كتبهم الفقهية (وسائل الشيعة في أحكام الشريعة) للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى سنة (1104هـ) و (الوافي) للشيخ الكاشاني المتوفى سنة (1091هـ) و (بحار الأنوار) للمجلسي، المتوفى سنة (1111) هـ، وغيرها كثير.
المذهب الحنفي:
نسبة إلى الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي، ولد سنة (80هـ) وتوفي سنة (150هـ). أخذ عن الإمام محمد الباقر، وعن الإمام زيد بن علي ×، والإمام جعفر الصادق ×، والإمام عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والإمام حماد بن أبي سليمان، وسمع من عطاء بن أبي رباح، ونافع ـ مولى ابن عمر .
أما تلاميذه الذين انتسبوا إليه انتساب المتعلم للمعلم وليس انتساب الـمُقلِّد للمُقَلَّد فأشهرهم أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري المتوفى سنة (182هـ) وهو أول من دون من تلاميذ أبي حنيفة، وأغلب كتبه مفقودة، ولم يصل إلينا منها إلا رسالته في (الخراج) وهو يقارن فيها بين آراء أبي حنيفة، وابن أبي ليلى، ثم يرجح الرأي الذي يراه، ومحمد بن الحسن بن فرقد الشيباني المتوفى سنة (189هـ) ومن مؤلفاته (الجامع الكبير) و (الجامع الصغير) و (المبسوط) وزفر بن الهذيل الكوفي المتوفى سنة (158هـ) وعلى هؤلاء الثلاثة مدار مذهب أبي حنيفة.
ومن الكتب المعتمدة في المذهب الحنفي إضافة إلى الكتب السابقة كتب العلامة أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، ومنها: (اختلاف الفقهاء) و (شرح مشكل الأحاديث) وكتاب (معاني الآثار) وغيرها من الكتب لكثير من علماء الحنفية.
المذهب المالكي:
نسبة إلى الإمام مالك بن أنس بن أبي عامر، ولد سنة (93هـ) وتوفي سنة (179هـ) وقد أخذ عنه كمحدث بعض من شيوخه، أمثال: يحيى بن سعيد، وموسى بن عقبة، وربيعة بن عبد الرحمن، وغيرهم من أقرانه كسفيان الثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، وسفيان بن عيينة، وأبو يوسف ـ صاحب أبي حنيفة ـ وروى عنه بعض تلاميذه، مثل: محمد بن إدريس الشافعي، وعبدالله بن المبارك، ومحمد بن الحسن الشيباني.
وقد رحل للأخذ عنه جماعة من مصر والمغرب والأندلس، وكانوا عماد مذهبه، فمن مصر: أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم العتقي المتوفى سنة (191هـ) وأبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، المتوفى سنة (197هـ) وأشهب بن عبد العزيز القيسي العامري المتوفى سنة (204هـ) وأبو محمد عبد الله بن عبد الحكيم بن أعين المتوفى سنة (224هـ.
ومن المغرب والأندلس: أبو عبد الله بن عبد الرحمن القرطبي المتوفى سنة (193هـ) وعيسى بن دينار الأندلس المتوفى سنة (212هـ) ويحيى بن كثير المتوفى سنة (234هـ) وعبد الملك بن حبيب بن سليمان السلمي المتوفى سنة (238هـ) وأبو الحسن علي بن زياد التونسي المتوفى سنة (183هـ).
ومن الكتب المعتمدة في المذهب المالكي: (الموطأ) للإمام مالك وكتاب (المبسوط) لإسماعيل بن إسحاق، وكتاب (ابن الحواز في الففه) لمحمد بن إبراهيم الاسكندري، وكتاب (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) لابن رشد المشهور بـ(الحفيد) وكتاب (الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة) لأبي محمد عبد الله السعدي، وغيرها كثير.
المذهب الشافعي:
نسبة إلى الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، من بني عبد المطلب بن عبد مناف، ولد سنة (150هـ) وتوفي سنة (204هـ).
وله أصحاب بالعراق ومصر، فأما أصحابه بالعراق فمنهم: أبو ثور إبراهيم بن خالد بن اليمان، ويقال أن له مذهب خاص، وأنه لا يقبل عن الشافعي توفي سنة (246هـ)، وأحمد بن حنبل المتوفى سنة (241هـ) والحسن بن محمد بن الصباح المتوفى سنة (260هـ) وأبو علي الحسين بن علي الكرابيسي.
وأما أصحابه بمصر فمنهم: يوسف بن يحيى البويطي المتوفى سنة (231هـ) وأبو إبراهيم بن المزني المتوفى سنة (264هـ) والربيع بن سليمان المرادي المتوفى سنة (270هـ) وحرملة بن يحيى التجبي المتوفى سنة (243هـ) ويونس بن عبد الأعلى الصوفي المتوفى سنة (264هـ).
ومن الكتب المعتمدة في المذهب الشافعي مؤلفات الإمام الشافعي، ومنها: (أدلة الأحكام) و (الأم) و (اختلاف الحديث) وكتاب (شرح مختصر المزني) لأبي إسحاق المروزي، و (المنهاج) لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، وغيرها كثير.
المذهب الحنبلي:
نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل الذهلي الشيباني المرزوي، ولد سنة (164هـ) وتوفي سنة (241هـ) وأشهر من روى عنه مذهبه: أبو بكر أحمد بن محمد بن هادي، المعروف بالأثرم، وأحمد بن محمد بن الحجاج المروزي، وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه.
ومن أشهر الكتب الفقهية الحنبلية (المغني) لابن قدامة و (الشرح الكبير) له أيضاً، و (الفروع) لابن مفلح.. وغيرها كثير.
المذهب الإباضي:
نسبة إلى عبد الله بن إباض المري التميمي ولد سنة (22هـ) على أرجح الأقوال وتوفي سنة (95هـ) تقريباً.
ويرى الإباضيون أن التأسيس الحقيقي لمذهبهم يعود إلى الإمام جابر بن زيد الأزدي العماني أبو الشعثاء المتوفى سنة (93هـ). أخذ عن ابن عباس المتوفى سنة (68هـ) كثيراً من العلوم والمعارف، ولازمه ملازمة التلميذ لشيخه، وقال ابن عباس عنه: ((لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علماً بما في كتاب الله))( ).
ومن أبرز تلاميذ جابر بن زيد: أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة المتوفى سنة (150هـ) وضمام بن السائب، وأبي نوح صالح الدهان، ومن أبرز تلاميذهم: الربيع بن حبيب بن عمرو الأزدي المتوفى ما بين (175-180هـ) وهو صاحب (الجامع الصحيح) المشهور عند الإباضية، والذي قام بشرحه الشيخ نور الدين عبد الله بن حميد السالمي العماني المتوفى سنة (1332هـ).
ومن أهم كتب الإباضية الفقهية: (المدونة) لأبي غانم الخراساني، و (الجامع) لابن بكرة البهلوي، و (المصنف) لأحمد بن عبد الله الكندي، و (بيان الشرع) لمحمد الكندي، و (شرح النيل) للقطب أطفيش الجزائري، و (الضياء) للعوتبي، وغيرها كثير.

أسباب الاختلاف الفقهي
وهنا قد يبرز سؤال عن أسباب الاختلاف بين هذه المذاهب وتعدد الإجتهادات داخلها؟
والجواب: أنه من الممكن أن نحصر أسباب الاختلاف الفقهي بين هذه المذاهب، أو بين أعيان المذهب نفسه في ثلاثة أسباب رئيسية، وهي:
السبب الأول: الاختلاف في طبيعة فهم النص:
إما لاحتماله أكثر من معنى، مثل: اختلافهم في مدلول لفظ (قرء) في قوله تعالى: &وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ^ [البقرة: 228]. فإن لفظ (قرء) يطلق على: الطهر بين الحيضتين، وعلى الحيضة نفسها، فذهب: عليٌ، وعبد الله بن مسعود، وعمر، إلى أن المراد: الحيضة، وذهب: زيد بن ثابت، وابن عمر، وعائشة، أن المراد: الطهر بين الحيضتين.
أو لتعارض ظواهر النصوص، كما في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، فقد ورد في ذلك نصان:
أحدهما: قول الله تعالى: &وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ^ [الطلاق: 4] وثانيهما قوله تعالى: &وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا^ [البقرة: 234] فالذي يستفاد من عموم الآية الأولى: أنها تشمل الحامل المتوفى عنها زوجها والمطلقة، وإلى هذا ذهب ابن مسعود، وأما الإمام علي × وابن عباس، فأعملا النصين، قالا: تعمل بأبعد الأجلين.
أو لدلالة النص، هل هي للوجوب أو للندب، كالأمر في قوله تعالى: &فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ^ [الطلاق: 2] فالأمر بالإشهاد عند الطلاق للوجوب عند البعض، وعند البعض الآخر للإستحباب.
السبب الثاني: الاختلاف في رواية الحديث، وإلى هذا ترجع معظم الاختلافات الفقهية، ومن خلال تصنيف أمير المؤمنين علي × رواة الأحاديث ندرك جيداً أنه قد شخّص ـ ومنذ وقت مبكر ـ مجمل الأسباب والعلل التي وقفت وتقف وراء الاختلاف حول التمييز بين صحيح السنة من سقيمها، ومعرفة خاصها وعامها، ومجملها ومبينها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، والذي يترتب عليه الاستنباطات الفقهية، قال رضي الله عنه :
((إنَّ في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً ولقد كذب على رسول الله ÷ على عهده حتى قام خطيباً فقال : ((من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))( ) وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس :
رجل منافق مظهر للإيمان،متصنع بالإسلام، لا يتأثم( ) ولا يتحرج، يكذب على رسول الله ÷ متعمداً، فلوعلم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه، ولم يصدّقوا قوله، ولكنهم قالوا : صاحب رسول الله ÷ رآه وسمع منه ولقف عنه، فيأخذوا بقوله، وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به لك . ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال، وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس فأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك إلا من عصم الله فهذا أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله ÷ شيئاً لم يحفظه على وجهه، فَوَهِم فيه، ولم يتعمد كذباً، فهو في يديه، ويرويه ويعمل به، ويقول: أنا سمعته من رسول الله ÷ فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه منه، ولو علم هو أنه كذلك لرفضه .
ورجل ثالث سمع من رسول الله ÷ شيئاً يأمر به ثم إنه نهى عنه وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم إنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه إنه منسوخ لرفضوه.
وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله، مبغض للكذب خوفاً من الله، وتعظيماً لرسول الله ÷، ولم يَهِم( )، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به على ما سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه فهو حفظ الناسخ فعمل به وحفظ المنسوخ فجنَّب عنه، وعرف الخاص والعام والمحكم والمتشابه فوضع كل شئ موضعه.
وقد كان يكون من رسول الله ÷ الكلام له وجهان: فكلام خاص، وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله سبحانه به، ولا ما عنى رسول الله ÷، فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه وما قصد به وما خرج من أجله، وليس كل أصحاب رسول الله ÷ من كان يسأله ويستفهمه حتى إن كانوا ليحبون أن يجئ الأعرابي والطارئ فيسأله × حتى يسمعوا، وكان لا يمر بي من ذلك شئ إلا سألته عنه وحفظته فهذه وجوه ما عليه الناس في إختلافهم وعللهم في رواياتهم))( ).
إن هذا المنهج العلوي هو أقدم وثيقة علمية في الفكر الحديثي وفيه دلالات وإشارات هامة تستدعي التأمل والتدقيق، ولعلنا ندرك بعضها من خلال هذه الأمور التي لخصها بعض العلماء في جملة من الأسباب( ):
1- ربما لا يبلغ الحديث الفقيه المجتهد؛ لأن الإحاطة بجميع الأحاديث شبه متعذرة أو قد تكون متعذرة، وقد كان أبو بكر لا يعلم السنة في ميراث الجدة، حتى أخبره من يرويها( )، وكان عمر لا يعلم سنة الاستئذان حتى اطلع عليها من أبي موسى الأشعري وغيره( )، وكان لا يدري حكم المجوس في الجزية حتى ذكر له عبد الرحمن بن عوف حديث: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب))( ).
2- قد يبلغ الحديث الفقيه ولكنه يرفض سنده لعلل قادحة فيه من وجهة نظره، وربما بلغ غيره بسند أجود فيأخذ به، والخلاف بين العلماء في تقويم الرجال قائم، ومثال ذلك: ما رواه سفيان بن عيينة قال: اجتمع أبو حنيفة والأوزاعي في دار الحناطين بمكة، فقال الأوزاعي لأبي حنيفة ما بالكم لا ترفعون أيديكم عند الركوع وعند الرفع منه، فقال أبو حنيفة: لأجل أنه لم يصح عن رسول الله ÷ فيه شيء، قال: كيف وقد حدثني الزهري عن سالم، عن أبيه، عن رسول الله ÷ أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وعند الركوع، وعند الرفع، فقال أبو حنيفة: حدثنا حماد، عن ابراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود: أن رسول الله ÷ كان لا يرفع يديه إلا عند افتتاح الصلاة، ولا يعود إلى شيء من ذلك، فقال الأوزاعي: أحدثك عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وتقول: حدثني حماد عن ابراهيم، فقال له أبو حنيفة: كان حماد أفقه من الزهري، وكان إبراهيم أفقه من سالم، وعلقمة ليس بدون ابن عمر، وإن كان لابن عمر صحبة أو له فضل صحبة فالأسود له فضل كثير، وعبد الله هو عبد الله، فسكت الأوزاعي.
3- اعتقاد ضعف الحديث لفكرة خاصة، فإن كثيراً من الحجازيين مثلاً يرون أن لا يحتجوا بحديث رواته عراقيون أو شاميون إن لم يكن لهذا الحديث أصل بالحجاز( ).
4- أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده ولكنه نسيه، وذلك كنسيان عمر لحديث التيمم من الجنابة حتى ذكرّه به عمار بن ياسر( )، وكأن عمر لم يفهم من القرآن إلا أن التيمم يرفع الحدث الأصغر وحده.
5- عدم العلم بدلالة الحديث، مثل: ((لا طلاق في إغلاق))( ) هل الإغلاق هو الإكراه أم هو استغلاق الذهن وانسداد أبواب الفهم بسبب طارئ كالغضب الشديد أو سبب مستمر كالجنون، وقد اختلفت الفتاوى باختلاف الأفهام في الكلمة.
6- اعتقاد الفقيه أن لا دلالة في الحديث على ما يراد، والفرق بين هذا وما قبله أن الأول لم يعرف جهة الدلالة، وأما هنا فقد عرف الجهة وردها لسبب قائم لديه.
7- الاختلاف في تساوي الدلالات المختلفة في إفادة المعنى وصعوبة الترجيح، مثل معارضة العام بخاص، أو المطلق بمقيد، أو الأمر المطلق بما ينفي الوجوب، أو الحقيقة بما يدل على المجاز.
8- قد يكون الفقيه مع جودة حفظه واستنتاجه قد أخطأ في تقرير المقدمات التي انتهت بالنتيجة التي رآها، وذلك مثل من يقول: ((لا أعلم أحداً أجاز شهادة العبد)) مع أن قبول شهادته محفوظة عن الإمام علي وأنس وشريح وغيرهم.
9- من الفقهاء من يرد الحديث الصحيح إذا خالف القياس الجلي، ومنهم من يرده إذا كان عمل أهل المدينة المنورة على خلافه.
10- قد يحفظ البعض المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، كما في الخبر المروي عن علي ×، قال: لما كان في ولاية عمر جاء سعد بن أبي وقاص، فقال: يا أمير المؤمنين ما لقيت من عمار؟ قال: وما ذاك؟ قال: حيث خرجت وأنا أريدك ومعي الناس فأمرت منادياً فنادى بالصلاة، ثم دعوت بطهور ومسحت على خفي وتقدمت أصلي، فاعتزلني عمار، فلا هو اقتدى بي ولا تركني، وجعل ينادي من خلفي يا سعد أصلاة بغير وضوء؟
فقال عمر: يا عمار اخرج مما جئت به، فقال: نعم المسح قبل المائدة، فقال عمر: يا أبا الحسن ما تقول؟ قلت: أقول إن المسح كان من رسول الله ÷ في بيت عائشة والمائدة نزلت في بيتها، فأرسل عمر إلى عائشة، فقالت عائشة: كان المسح قبل المائدة( ).
السبب الثالث: التباين في القواعد الأصولية والفقهية وضوابط الاستنباط، فهنالك من يعتبر فتوى الصحابي حجة، وبعضهم لا يرى ذلك، بل يعتمد فقط على ما يرويه الصحابي عن النبي الأعظم ÷، وهنالك الاختلافات الناجمة عن حجية مفهوم المخالفة لدى الشافعية والمالكية من جهة، والحنفية من جهة أخرى، والاختلاف في فهم مقاصد الشريعة وعللها، والاختلاف في عملية بناء الحكم، وهل يبنى على قاعدة درء المفاسد وجلب المصالح أم لا، أو على قاعدة المصالح المرسلة( ).
ضرورة التقريب
ويتعين علينا إذا ما أردنا التقريب الحقيقي بين المذاهب الإسلامية فهم هذه الأسباب المذكورة ومعرفة الثوابت التي لا مسرح للإجتهاد فيها أصلاً كالأمور الاعتقادية المبنية على تنزيه الله سبحانه وتعالى عن المشابهة والمماثلة والتجسيم ومتعلقاتها، وتنزيهه عن الفساد، والرضا بمعاصي العباد، وكالأمور العبادية التوقيفية بطبيعتها وأدائها، وأصول المعاملات في النكاح والطلاق والبيوع ونحوها، والتفريق بينها وبين المتغيرات أو الفرعيات ذات الطابع الظني هذا من جانب.
ومن جانب آخر الابتعاد عن الخصومات الناتجة عن التعصب الطائفي الذي لا يتماشى مع أهداف وحدتنا التشريعية، ومقاصدها النبيلة، ولا بد أن نفرق بين الخصومة المتولدة عن الطائفية والعصبية والاجتهاد المتولد عن تعدد الآراء، فالخصومة تؤدي إلى الافتراق، وتنوع الاجتهاد يؤدي إلى الوفاق، وسعة الأفق الفقهي.
ولنعلم أن الخصومة المذهبية هي إحدى أهم الأسلحة للخطة الصهيو أمريكية فيما تسميه بـ(الشرق الأوسط الجديد!) فهي تريد إذكاء الخلافات، وتغذية الصراعات بين المذاهب، وجعلها طوائف متصارعة، وجماعات متنازعة، وإذا كانت قد نجحت مخططات سلفهم في تمزيق الجسد الإسلامي وجعله أقاليم متنازعة ودويلات مختلفة.
فإن الواجب علينا أن نفشل مخططات خلفهم الجديدة في الشرق الأوسط الجديد كما يزعمون، والتي تهدف إلى تغذية الخلافات بين المسلمين ـ خصوصاً المذهبية ـ وبث الفرقة بين العلماء المخلصين، والوحشة بين المؤمنين الصالحين، ودعم الاقتتال، واستباحة الدم الإسلامي ـ الإسلامي، والانشغال بكل ذلك عن قضايا المسلمين الرئيسية، وتبديد قوتهم التي تكمن في وحدتهم واستعادة ما احتله اليهود المغتصبون من أراضيهم.
إن التقارب المذهبي بين المسلمين هو وحده الكفيل بإفشال هذا المخطط المشئوم، والهدف (الصهيو أمريكي) المسموم، وهذا التقارب لا يعني بحال من الأحوال أن تندمج المذاهب، فذلك أمر بعيد المنال، بل قد يعتبر عند البعض من المحال، وإن كنت لا أعتبره كذلك إذا وجدت النية الصادقة والعزيمة السامية، فوحدة الأمة فضلاً عن التقريب بين مذاهبها هدف محوري لأهل البيت عليهم السلام، وعلى رأسهم الإمام زيد بن علي ×، قال يوماً لأحد أصحابه: ((أما ترى هذه الثريا، أترى أحداً ينالها؟ قال صاحبه: لا، قال: والله لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع إلى الأرض أو حيث أقع، فأتقطع قطعة قطعة، وأن الله يجمع بين أمة محمد ÷))( ).
فهل نجد عبارة أبلغ وأمثل من هذه العبارة؟! أو نجد مثالاً حياً في تطبيقها غير تضحيته وتقديم روحه رخيصة في سبيل الله من أجل هذا الهدف العظيم، الذي كان يحرص من خلاله على الدعوة إلى الكتاب والسنة، واستبدال البدع بالسنن!
ولا غرابة أن يحث الحافظ الشهير منصور بن المعتمر السلمي العلماء والمحدثين بالقيام بواجبهم تجاه هذه الدعوة، ويقول: ((أجيبوا ابن رسول الله))( ).
ويقول أبو حنيفة: ((لقد ضاهى خروجه على هشام خروج رسول الله ÷ يوم بدر))( ) وأرسل إليه بثلاثين ألف درهم يستعين بها على جهاده ضد من فرق الأمة، واستأثروا بخيراتها، وداسوا كرامتها، وغيروا سنة نبيها.
ويقول تلميذ أبي حنيفة الإمام محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة (189هـ): ((إذا أمنت من أعداء زيد بن علي على نفسي فأنا على مذهبه! وإلا فأنا على مذهب أبي حنيفة))( ).
ونظراً لهذه العلاقة بين الزيدية والحنفية زعم البعض أن الزيدية استقوا فقههم من الحنفية والواقع خلاف ذلك، فالحنفية هم من تأثروا بالزيدية فقهاً وأصولاً، وقد أشرنا إلى تتلمذ الإمام أبي حنيفة على يد الإمام زيد بن علي ×، بالإضافة إلى أخذه عن الإمام عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، هذا ليس إلا من باب تصحيح الحقائق، وإلا فجميع المذاهب الفقهية محل احترامي وتقديري.


الفقه الزيدي عبر القرون
قال الشيخ أبو زهرة: ((وقد أثر عن زيد فقه عظيم تلقاه الزيدية في كل الأقاليم الإسلامية، وفرعوا عليه وخرَّجوا، واختاروا من غير ما تلقوا، واجتهدوا ومزجوا ذلك كله بالمأثور عن فقه الإمام زيد بن علي ـ رضي الله عنه ـ وتكونت بذلك مجموعة فقهية لا نظير لها، إلا في المذاهب التي دونت وفتحت فيها باب التخريج، وباب الاجتهاد على أصول المذهب، ولعله كان أوسع من سائر مذاهب الأمصار، لأن المذاهب الأربعة لا يخرج المخرجون فيها عن مذهبهم إلى مرتبة الاختيار من غيره .. نعم أنهم يقارنون بين المذاهب أحياناً، كما نرى في (المغني) الحنبلي، وفي (المبسوط) الحنفي، وفي (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) الذي ألفه ابن رشد من المالكية، و(المهذب) للشيرازي من الشافعية، ولكن هذه المقارنات إما أن ينتهي المؤلف إلى نصر المذهب الذي ينتمي إليه والدفاع عنه، كما نرى في (مبسوط السرخسي)، و (المغني).
وإما أن يعرض الأدلة وأوجه النظر المختلفة من غير ترجيح، ويندر أن يكون اختيار إلا في القليل، كما نرى في اختيارات ابن تيمية، إذ قد خرج من هذا النطاق، وقد اختار من مذهب آل البيت مسائله في الطلاق الثلاث، والطلاق المعلق، وكما نرى في اختيارات قليلة لكمال الدين بن الهمام من المذهب الحنفي، كاختيار رأي مالك في ملكية العين الموقوفة.
أما المذهب الزيدي فإن الاختيار فيه كان كثيراً، وكان واسع الرحاب، وقد كثر الاختيار حتى في القرون الأخيرة، وكان لذلك فضل في نمائه وتلاقيه مع فقه الأئمة الآخرين))( )
ولعل الفرصة هنا مواتية لعرض بعض ملامح الفقه الزيدي عبر القرون، وذكر المؤلفات الفقهية المتنوعة:
القرن الثاني الهجري: (الحفاظ على التوجه العام لأهل البيت):
ففي أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني الهجري اشتهر من أئمة الزيدية: الإمام محمد بن علي الباقر المتوفى سنة (114هـ)، وأخوه الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين بن علي الشهيد سنة (122هـ)، وهو الذي أضيف المذهب إليه، باعتباره المحيي للجهاد والفاتح لباب الاجتهاد، وكذلك ولده الشهيد الإمام يحيى بن زيد بن علي بن الحسين الشهيد سنة (126هـ).
وتبعه الإمام إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الشهيد سنة (145هـ) والإمام عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بكامل أهل البيت ـ عليهم السلام ـ الشهيد سنة (145هـ) وأولاده الأئمة الأعلام، وهم: الإمام المهدي محمد بن عبدالله الشهيد سنة (145هـ) وأخوه الإمام إبراهيم بن عبدالله الشهيد سنة (145هـ) وأخوه الإمام يحيى بن عبدالله الشهيد سنة (175هـ) وأخوه الإمام إدريس بن عبدالله الشهيد مسموماً سنة (177هـ) وعمهم الإمام الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (145هـ) والإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (148هـ) والإمام الحسين بن زيد بن علي المتوفى سنة (190هـ) والإمام الحسين بن علي الفخي المتوفى سنة (149هـ) والإمام إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (190هـ) وولده الإمام محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (199هـ) والإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (183هـ) وأخوه الإمام محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (200هـ).
هؤلاء هم أشهر أئمة وفقهاء أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في القرن الثاني الهجري، وبالرغم من الملاحقة المستمرة، والمطاردة الدائمة لهم من قبل الدولة الأموية، ومن بعدها العباسية، وما فرضته الدولتان من الحظر الشامل، فإن الأئمة المذكورين قد استطاعوا أن يحافظوا على التوجه العام لخط أهل البيت ـ عليهم السلام ـ والنقل إلى خلفهم بما رووه عن سلفهم من تراث جدهم النبي ـ ÷ ـ وقد قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل ربهم، وإيصال تعاليم نبيهم صحيحة سليمة.
وفي هذا القرن استطاع الإمام زيد بن علي × أن يدون أول مجموع حديثي فقهي، بالرغم من ملاحقته من قبل الأمويين، وإعداده للثورة عليهم، وأخذ عنه مجموعة كبيرة من أصحابه وشيعته، ونقلوا عنه عدداً لا بأس به من الروايات، دونها الأئمة من بعده كالإمام أبي عبدالله العلوي في كتاب (الجامع الكافي) والمحدث محمد بن منصور المرادي في نحو ثلاثين مصنفاً من مصنفاته، وصنف الإمام محمد بن عبدالله ـ النفس الزكية ـ كتابه (السير) الذي ناقش موضوع الولاية والزعامة وما يتعلق بهما.
القرن الثالث: (الجمع والتأصيل):
وأما القرن الثالث فقد اشتهر من أئمة الزيدية الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل المتوفى سنة (246هـ) والإمام أحمد بن عيسى بن زيد المتوفى سنة (247هـ) والإمام عبدالله بن موسى بن عبدالله المتوفى سنة (247هـ) والإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد المتوفى سنة (260هـ) ، والإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل المتوفى سنة (280هـ) والمحدث الكبير محمد بن منصور المرادي، المتوفى سنة (290هـ) أو بعدها.
والإمام الحسن بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي المتوفى سنة (262هـ) والإمام الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل المتوفى سنة (270هـ) وأخوه الإمام محمد بن زيد بن محمد بن إسماعيل المتوفى سنة (276هـ).
والإمام محمد بن القاسم بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين المتوفى سنة (299هـ) والإمام إدريس بن إدريس بن عبدالله المتوفى سنة (213هـ) والإمام الحسين بن القاسم بن إبراهيم المتوفى سنة (295هـ) وقد تمكن أئمة الزيدية في ذلك القرن من الجمع والتأليف لكثير من الروايات والمسائل الفقهية، حيث قام الإمام القاسم بتأليف كتاب (الطهارة والصلاة)، وكتاب (مسائل النيروسي)، وكتاب (مسائل جهشيار) وكتاب (مسائل الكلاري) وقد نقل أغلبها الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين المتوفى سنة (410 هـ) في (شرح التجريد)، وقام المحدث الكبير محمد بن منصور المرادي ـ رحمه الله ـ بجمع فتاوى ومسائل عديدة للإمام القاسم بن إبراهيم، والإمام الحسن بن يحيى بن الحسين للإمام موسى بن عبدالله، وللإمام أحمد بن عيسى، أودعها في نحو ثلاثين كتاباً، ثم جاء أبو عبدالله العلوي المتوفى سنة (445هـ) واختصرها في كتاب (الجامع الكافي).
كما أفرد المحدث محمد بن منصور المرادي ـ رحمه الله تعالى ـ روايات ومسائل الإمام أحمد بن عيسى في كتاب (الأمالي) المعروف بـ (أمالي الإمام أحمد بن عيسى) أو كتاب (العلوم).
القرن الرابع: (الإستقرار النسبي وبناء الدولة):
وفي أواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع دخل الفقه الزيدي مرحلة جديدة، كانت أكثر استقراراً، حيث استطاع الإمام الهادي × المتوفى سنة (298هـ) بناء دولة ذات طابع زيدي في اليمن، والإمام الناصر الأطروش المتوفى سنة (304هـ ) بناء دولة أخرى بالجيل والديلم، وقد نال هذان الإمامان شهرة واسعة، وخصوصاً الإمام الهادي ـ × ـ وممن ظهر في هذا القرن من الأئمة والفقهاء من أهل البيت ـ عليهم السلام ـ وشيعتهم الكرام ـ رضي الله عنهم ـ عبدالله بن الحسين بن القاسم المتوفى سنة (340هـ) والإمام المرتضى محمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم المتوفى سنة (310هـ) وابنه الهادي بن المرتضى المتوفى منتصف القرن الرابع الهجري، والإمام عيسى بن محمد بن أحمد بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن زيد المتوفى سنة (326هـ) والإمام الناصر أحمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم المتوفى سنة (325هـ) والإمام أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، المتوفى سنة (353هـ) والإمام محمد بن علي بن الحسن، المعروف بأبي عبدالله العلوي المتوفى سنة (367هـ) والإمام المنصور بالله القاسم بن علي بن عبدالله العياني المتوفى سنة(393هـ) وأبيه الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني المتوفى سنة (404هـ) والإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني المتوفى سنة (410هـ) وأخوه الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني المتوفى سنة (424هـ) والإمام مانكديم (وجه القمر) أحمد بن الحسين بن محمد المتوفى سنة (420هـ) والمحدث علي بن بلال الآملي المتوفى في القرن الخامس الهجري.
وقد استطاع الأئمة الكرام في ذلك القرن من تأليف عدد من المجاميع الفقهية والروائية، حيث قام الإمام الهادي × بتأليف كتاب (الأحكام في الحلال والحرام) وكتاب (المنتخب والفنون) وغيرهما من الكتب الأصولية، بالرغم من تعدد أعماله وتراكم أشغاله، وقام الإمام الناصر الأطروش × بتأليف كتاب (الإحتساب) وكتاب (جوامع النصوص) وقام العلامة الكبير عبدالله بن الحسين رحمه الله بتأليف كتاب (الناسخ والمنسوخ) وقام الإمام المرتضى محمد بن الإمام الهادي ـ عليهما السلام ـ بتأليف كتاب (الشرح والبيان) وكتاب (الإيضاح) وكتاب (مسائل القدمين) وكتاب (مسائل الحائرين) وكتاب (مسائل مهدي).
وقام الإمام الناصر بن الإمام الهادي ـ عليهما السلام ـ بتأليف كتاب (الفقه) وكتاب (مسائل المعقلي) وقام الإمام أبي العباس الحسني × بتأليف كتاب (النصوص) وكتاب (شرح الأحكام) وكتاب (شرح المنتخب)، وقام الإمام أبي عبدالله العلوي المتوفى سنة (445هـ) بتأليف كتاب (الجامع الكافي) وكتاب (الأذان بحي على خير العمل) وقام الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني × بتأليف كتاب (التجريد) وكتاب (شرح التجريد)، وقام أخوه الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين × بتأليف كتاب (التحرير) وكتاب (شرح التحرير).
وقام المحدث علي بن بلال الآملي بتأليف كتاب (شرح الأحكام) وكتاب (الوافي على مذهب الهادي) وكتاب (الوافر في مذهب الناصر) وهنالك غيرها من المؤلفات المتعددة، والمجاميع المتنوعة، والفتاوى المتفرقة لهم ولغيرهم من بقية علماء الزيدية في ذلك القرن.




طبقات الفقه الزيدي
وهكذا استمر العطاء الفقهي عبر القرون المختلفة، وقد كان لكل حقبة زمنية أئمة وفقهاء من آل البيت عليهم السلام وشيعتهم، تجلت إبداعاتهم الفقهية فيها بوضوح، وجاء عطاؤهم الفقهي غزيراً مستوعباً ظروف المرحلة التي عاشوها، الأمر الذي أدى إلى تسمية كل مرحلة أو طبقة بما يتناسب مع عطائها.
ومن أهم هذه الطبقات التي شيدت بنيانه، وثبتت أركانه:
الطبقة الأولى: طبقة المؤسسين:
وتساوي هذه الطبقة إمام المذهب في نظر المذاهب الأخرى، ومن هذه الطبقة:
1- الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ مات شهيداً سنة (122هـ).
2- الإمام القاسم بن إبراهيم المتوفى سنة (242هـ).
3- حفيده الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، وهو المؤسس للمذهب في اليمن، المتوفى سنة (298هـ).
4- الإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهم ـ وهو المؤسس للمذهب الزيدي في خراسان، المتوفى سنة (304هـ).
الطبقة الثانية: طبقة المخرجين للمذهب:
وهم الذين استخرجوا من كلام الأئمة أو احتجاجاتهم بواسطة القياس أو المفهوم أحكاماً لا تتعارض مع الكتاب والسنة لا جملة ولا تفصيلاً، ومن رجال هذه الطبقة:
1- العلامة المحدث محمد بن منصور المرادي، المتوفى سنة (190هـ).
2- العلامة الحافظ أبو العباس أحمد بن إبراهيم، المتوفى سنة (353هـ).
3- الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون الحسني، المتوفى سنة (416هـ).
4- الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون الحسني، المتوفى سنة (424هـ).
5- العلامة علي بن بلال الآملي مولى الإمامين المؤيد بالله وأبي طالب المتوفى في القرن الخامس الهجري.
6- العلامة المحدث أحمد بن محمد الأزرقي الهدوي.
والطبقة الثالثة: طبقة المحصلين:
وهم الذين اهتموا بتحصيل أقوال الأئمة، وما استخرج منها، ونقلوها إلى تلامذتهم بطريق الرواية أو المناولة لمؤلفاتهم، ومن رجال هذه الطبقة:
1- العلامة القاضي زيد بن محمد الكلاري الجيلي، الملقب بـ(حافظ أقوال العترة) وهو من أتباع الإمام المؤيد بالله.
2- العلامة السيد علي بن العباس بن إبراهيم رواي إجماعات أهل البيت، توفي سنة (340هـ) تقريباً.
3- العلامة القاضي الحسن بن محمد بن أبي طاهر الرصاص المتوفى سنة (584هـ).
4- الإمام الحسين بن بدر الدين، الذي توفي سنة (662هـ).
5- العلامة زيد بن علي بن الحسن بن علي البيهقي، مات في تهامة في عهد الإمام أحمد بن سليمان، وهو في طريقه إلى مكة المكرمة.
6- العلامة القاضي جعفر بن أحمــد بن عبد السلام البهلولي، توفي سنــة (573هـ).
7- الإمام عبد الله بن حمزة، المتوفى سنة (614هـ).
والطبقة الرابعة: طبقة المذاكرين:
وهم الذين راجعوا أقوال من تقدمهم، وبلغتهم بالرواية، وفحصوها سنداً ومتناً، وعرضوها على أصول المذهب وقواعده المستمدة من صرائح الكتاب والسنة، ثم أقروا ما توافق معها واعتبروه هو المذهب، وما لم يوافقها لم يعتبروه مذهباً للفرقة الزيدية، وكان في نظرهم رأياً خاصاً بصاحبه غير معاب عليه، لاعتبار أن كل مجتهد في الفروع مصيب، ومن رجال هذه الطبقة:
1- العلامة القاضي محمد بن سليمان بن أبي الرجال الصعدي، المتوفى سنة (730هـ).
2- الإمام يحيى بن حمزة، المتوفى سنة (749هـ).
3- الإمام عز الدين بن الحسن المؤيدي، المتوفى سنة (900هـ).
4- العلامة القاضي محمد بن يحيى حنش، المتوفى سنة (717هـ).
5- العلامة القاضي يوسف بن أحمد بن عثمان الثلائي، المتوفى سنة (832هـ).
6- الإمام أحمد بن يحيى بن المرتضى، مات شهيداً بالطاعون سنة (840هـ).