الأربعاء، 25 فبراير 2009

مدخل لمعرفة الزيدية (جمع حسن زيد)

مدخل:_

تتعرض الزيدية في اليمن منذ أربعة عقود وحتى اليوم لهجمة شرسة تهدف إلى القضاء على وجودها،وأخطر أساليب الحرب الموجهة تجاه الزيدية،الفكر والمذهب والإنسان تتمثل في تشويه ملامحها وتقديمها على غير حقيقتها،مع منع الزيدية من التعريف بها أو الدفاع عن أنفسهم وعما يعتقدون،يلتقي في ميدان هذه الحرب المعلنة ضد الزيدية المتعصب مذهبياً الذي تلقى وعيه بدينه في معاهد الدعوة السلفية المتعصبة سواء في اليمن أو خارج اليمن مع السياسي العنصري ضد الهاشميين الذي لا يرى من المذهب الزيدي إلا شرط النسب في الإمام واعتقاد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويجهل ما عدا ذلك،ولقد كان الأمر قبل سنوات مقتصراً على منع الفكر بوضع عراقيل نشره والتعريف به بتعريض من يتصدى للكتابة عنه بإنصاف للمضايقة وإلحاق الأذى به كإلغاء عقد الدكتور أحمد محمود صبحي من التدريس بجامعة صنعاء لأنه كتب عن الزيدية بإنصاف،ولم يقتصر الأمر على إلغاء عقده بل تم منعه من بيع كتابه (المذهب الزيدي) ومصادرة نسخه،والتزمت الأجهزة سياسة صارمة بحرمان أي ناشط زيدي من الوصول إلى مواقع التعليم خصوصاً أقسام اللغة العربية والدراسات الإسلامية وكليات التربية ومعاهدها،إلى منع العلماء من تدريس الفقه في المساجد،وتدمير منازل الطلبة التي كانت منتشرة في معظم مساجد الهجر والمدن اليمنية،والتصرف بأوقاف العلماء والمتعلمين وتبديد العائد منها،وصولاً إلى استباحة دماء الدعاة،
كل ذلك يتم تحت عنوان القضاء على(التشيع ألإمامي)باعتبار وجوده مداً للنفوذ الإيراني،وحماية الصحابة من أن يتعرضوا للسب....إلخ التهم والدعاوى الفارغة،التي تطلقها المنشورات المشبوهة التي توزع في طول اليمن وعرضها تبريراً لإجراءات الإبادة التي تمت،وتمهيداً لما هو أعظم خطراً لأن الحملة المنظمة المدعومة تهدف إلى غسل أدمغة بعض الشباب وبرمجتهم ليكونوا أداة قتل الزيدي لأنه زيدي،وقد بدأت هذه الحملة بكتاب هو عبارة عن منشور كتبه القاضي إسماعيل بن علي الأكوع من منطلق التحامل على الزيدية و الهاشميين منهم بالذات أطلق عليه(الزيدية نشأتها ومعتقداتها) وقد كتبه بهدف التقليل من الأثر الإيجابي الذي أحدثه كتاب الدكتور أحمد محمود صبحي(الزيدية)والمذهب الزيدي،وكتاب الشيخ محمد أبو زهرة(الإمام زيد)وكتيب القاضي العلامة المرحوم حسين بن أحمد السياغي نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى،وكتاب الباحث اليمني الدكتور عبد الفتاح شائف نعمان الذي كتب عن الإمام الهادي فقيهاً ووالياً ومجاهداً[1] ،وغيرها من الكتب التي سمح بنشرها وتداولها عقب الوحدة المباركة،وقد تزامن صدور هذا المنشور مع إشاعات بأن الزيدية في اليمن لم يعودوا زيدية بل تحولوا إلى شيعة إماميه رددها بعض المتعصبين من السياسيين المتأسلمين الذين يرون في وجود المذاهب عائقاً أمام انتشارهم وسيطرتهم الكاملة على اليمن،وتوحيدها بدول الجوار تمهيداً للوحدة الإسلامية التي لا يمكن من وجهة نظرهم أن تتم إلا إذا تم القضاء على التعدد المذهبي وتوحيد الأمة وفق رؤية مذهبية واحدة،وتعاون معهم المرضى بالعنصرية المقيتة الذين خلطوا بين عجزهم وفشلهم عن اكتساب حب الشعب وبين وجود من ينتسبون إلى ما يعرف بأهل البيت،ليستدروا عطف ودعم الدول والمؤسسات الخليجية والدولية التي ترى في انتشار المذهب الجعفري مداً لنفوذ إيران السياسي إلى اليمن.
يتضح صدق تقييمنا لهدف القاضي إسماعيل الأكوع لأي قارئ منصف لمنشور القاضي إسماعيل لأنه أفصح في كتابه عن عدم موضوعية وتحامل على الزيدية بدرجة جعلته يحاول حجب نور الحقيقة الساطع بأكاذيب ويشكك في سعة اطلاع الأستاذ الدكتور أحمد صبحي بقوله(أما زيدية اليمن،فقد كتب عنها الأستاذ الدكتور أحمد محمود صبحي مؤلفاً كبيراً حينما كان أستاذاً في جامعة صنعاء بعنوان الزيدية،ولقي الكتاب رواجاً في أواسط أتباع المذهب الهادوي،وأشاد به من أشاد منهم،مستشهداً ببعض ماورد فيه من ثناء حسن لبعض أفكار الزيدية،وذلك لأن الدكتور صبحي أثنى عليها حينما ذكر محاسنها في بداية ظهورها.وظن أن زيدية اليمن التي ابتدأت من أواخر القرن الثالث للهجرة،واستمرت إلى عصرنا،هي امتداد لزيدية القرن الثاني التي ظهرت في الكوفة في عهد مؤسسها زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم،وليس ذلك بشيء،لأن الصلة بين زيدية اليمن وبين زيدية الكوفة انقطعت من القرن الثالث للهجرة الذي ظهرت فيه المذاهب الشيعية)[2][3] ومخالفة الحقيقة في هذا النص أمر واضح وجلي لأن كتاب الدكتور صبحي تناول الزيدية ابتداءً بالإمام زيد بن علي وحتى محمد بن علي الشوكاني مروراً بزيدية القرن الثالث وهم الإمام الهادي إلى الحق يحيي بن الحسين،وجده الإمام القاسم بن إبراهيم والإمام الناصر الأطروش والصاحب بن عباد والحاكم الجشمي فالإمام المؤيد بالله يحيي بن حمزة والمهدي أحمد بن يحيي المرتضى،والسيد حميدان بن يحيي .....وصولاً إلى العلامة ابن الوزير وابن الأمير فشيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني، وفي كتابه الآخر المذهب الزيدي ضمن متني الأساس للإمام القاسم بن محمد ومصباح العلوم في معرفة الحي القيوم للرصاص(وهما من نتاج زيدية اليمن في القرن الحادي عشر)، فهل ظن أد/صبحي أن زيدية اليمن امتداد لزيدية القرن الثاني أم أنه علم أنها كذلك فعلاً بناءً على معرفة بكتبها؟أم أن القاضي لم يوفق في القول؟لأن عبارته (ظن أن زيدية اليمن امتداد لزيدية القرن الثاني)يُفهم منها أن صبحي اكتفى بقراءة بعض الكتب عن زيدية القرن الثاني وعمم أحكامه على الزيدية في اليمن مع أن العكس هو الصحيح فصبحي قرأ عن زيدية اليمن أضعاف ماسمع به القاضي ا لأكوع ويكفي أن يطلع القارئ على حجم المراجع التي رجع إليها صبحي ليعرف جرأة القاضي على تجاهل الحق وسيستبين خطأ القاضي أكثر عندما نجد أنه أكتفي بالاعتماد بدرجة أساسية في أغلب منقولاته عن الزيدية على كتاب الجوهرة الخالصة للشريف الدامغاني،الذي قد لا يسلم القاضي من تهمة أنه لم يكن أميناً في النقل عنه،لأن من يتهم بأن عادته عدم الدقة في النقل عن الأحياء كحال القاضي الأكوع في كل كتاباته لن يتردد مدفوعاً بموقفه النفسي المتحامل على الهاشميين من تجاوز الحقيقة إلى نقيضها في تضمين نصوص مخطوطة لم تنشر بعد.
لقد كان على القاضي إسماعيل الأكوع أن يناقش ما أورده صبحي من أحكام أشاد بها من أشاد من زيدية اليمن،ليثبت أن ما أورده صبحي من أراء وما توصل إليه من أحكام عن الزيدية غير صحيحة أو بنيت على غير أساس من كتب زيدية اليمن،ولكن تعصبه أعماه عن تلمس طريق الموضوعية،أو التظاهر بها، يتضح هذا التعصب مثلاً في تعليقه على نص نقله عن الشريف الدامغاني الذي يقول فيه عن الزيدية(أتقى الشيعة لولا ما نقم عليهم)فعلق الأكوع عليه بالقول:(هكذا كانت الزيدية في عصر الدامغاني.أما اليوم فإن أكثر العلويين المنتسبين مذهباً إلى زيد بن علي،ونسباً إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه،ومن اعتزي إليهم من أهل اليمن-وما أكثرهم-قد تحول بعد قيام الثورة الإيرانية سنة1979م إلى شيعة اثني عشرية تحت غطاء مذهب الإمام زيد بن علي.ولو كان الأمر يتعلق بهؤلاء شخصياً لهان الخطب،ولكنهم يسعون بنشاط دائم إلى التبشير بهذا المذهب بالدعاية له وتوزيع كتبه مجاناً،غير ما يباع منها في مكتبات خاصة بأثمان زهيدة،وذلك للانتقام من النظام الجمهوري.....إلى أن يقول وكان الأحرى بأتباع مذهب الإمام الهادي-إذا كانوا حريصين على نفي ما رسخ في أذهان أتباع المذاهب الأربعة من أن المذهب الزيدي لا يختلف عن المذهب الجعفري،وأنهما يصدران من مشكاة واحدة-أن يلتزموا بما كان عليه الإمام زيد بن علي رضي الله عنه الذي ينتسبون إلى مذهبه اسماً فيرفضون من رفضهم،ويترضون على من ترضى عنهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ويعملون بما جاء في مجموع زيد بن علي من رفع اليدين وضمهما في الصلاة والتأمين.(ومراده هو خلاصة كلامه،أي أن خلافه مع الزيدية هو فقط في الضم والرفع والتأمين،ولنا أن نتصور مدى ضحالة تفكير القاضي إسماعيل فمجرد تمسك الزيدي بما يعتقده صحيحاً من إرسال يديه في الصلاة وعدم رفعهما حال التكبير وعدم قول آمين عقب الفاتحة تعبير عن الحقد على الجمهورية......الخ كلامه، فهل الجمهورية هي الضم والتأمين في الصلاة؟؟؟؟وما علاقة نوع النظام بكيفية الصلاة؟و الأسخف من كل ذلك تناقضه في زعمه أنه مع حرية الاجتهاد وقبح التقليد،وفي نفس الوقت لا يقبل من الزيدي أن يخالفه في كيفية وضع اليد عند الصلاة والامتناع عن قول آمين!!وكأن القاضي يضع نفسه بإمراضه وعقده في موقع المشرع الذي يحدد للمسلمين نتاج تفكيرهم وكيفية عبادتهم،وكأن العبادة له وليست لله،وهو إذ يطالب الزيدية بالعمل بما زعم أنه في مجموع الإمام زيد بن علي(عليهم السلام)،يتهم الإمام زيد بن علي(وحاشا الإمام زيد)بمخالفة ماكان عليه أبائه)حيث يقول في صفحة 15معرفاً بالزيدية(وهي إحدى فرق الشيعة الثلاث:الزيدية والاثنى عشرية(الجعفرية)والإسماعيلية(زيدية إمامية باطنية)ولكن الزيدية أعدلها وأقربها إلى مذهب أهل السنة والجماعة،إذ كانت في بداية ظهورها وعصر نشأتها على ماكان عليه السلف الصالح من العمل بأحكام كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقط،خلا أنها خالفت أهل السنة في أمرين:
أحدهما:-نزوعها في العقيدة إلى الاعتزال،تبعاً لزيد بن علي الذي قد أخذه عن واصل بن عطاء رأس المعتزلة...من حيث أنه (أي زيد)يتكلم في القدر على غير ما تكلم أسلافه ..[4]}وواضح هنا أنه يتهم الإمام زيد (ع)بالابتداع لأنه بحسب تعبيره تكلم في القدر على غير ما تكلم أسلافه،وهي فرية لأن الإمام زيد(ع) كان حليف القرآن،وتلميذ بيت النبوة،وكلام الإمام زيد في القدر هو كلام أسلافه،كما سيتبين لنا من نص الإمام زيد حول الموضوع،الذي نقلناه عنه صدر البحث.والأكوع ومن تأثر به يرددون مقولة أن الزيدية في اليمن لم يعودوا كذلك بل هادوية وكأن الهادوية غير الزيدية ولبيان وفضح هذه التهمة الغامضة نسأل( هل يوجد أي اختلاف بين مذهب الإمام زيد في الأصول والفروع ومذهب الهادي؟ في الواقع ونفس الأمر-؟ أعتقد أنه لا يوجد أي اختلاف الأصول و نعني بالأصول ما تعرف به عند الزيدية أو غيرهم من أنها التي لا يجوز فيها التقليد والمتابعة لأن الحق فيها واحد غير متعدد كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، أو الإيمان بأن الله واحدٌ فرد صمد لا شريك له ولا شبيه أو ند - لا يفعل القبيح لغناه عنه وأنه أمرنا ونهانا عما نقدر على فعله ونستطيع الامتناع عنه وأنه لا يرضى بالظلم أو يحبه ولم يرده.. بهذا المعنى - لا يوجد أي اختلاف بين الهادي والإمام زيد والإمام علي (ع)، أو الباقر والصادق والقاسم والناصر ومن جاء بعدهم سلام الله عليهم، وإن أختلف التعبير عنها من إمام إلى آخر, بحسب المقام والمتلقي .
و يحيى بن الحسين وصاحب الجامع الكافي(الذي ينقل عنه إسماعيل الأكوع بدون أمانة) لم يقصد أن الإمام زيد والإمام الهادي مختلفان في العدل والتوحيد، أو الإمامة والوعد والوعيد، ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو بحد السيف، فهما عدليان في مقابل الجبرية، وهما غير مشبهين في مواجهة المجسمة والمشبهة وهما وعيديّان في مقابل المرجئة وهما قائلان بوجوب الدعوة والخروج والثورة على الظالم عند توفر الشروط لذلك ويتفقان على إمامة البطنين........إلخ . ووجوب النظر وعدم جواز التقليد للقادر على الاجتهاد ووجوب العرض على القرآن فيما روى عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأختلف فيه، وإن إجماع أهل البيت حجة لأن ما أجمعوا عليه لا يمكن أن يخالفوا الحق فيه، وأن الطريق إلى الإمامة هي الدعوة والخروج للجهاد. والزيدية تعد بين الفرق الكلامية، بالإضافة إلى أنها حركة سياسية ومذهب فقهي.
أحد فرق أهل العدل والتوحيد لها رؤية في مسائل العدل والتوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمنزلة بين المنزلتين والنبوة والإمامة والمعاد - في مقابل المرجئة والمشبهة والمجسمة والجبرية، وحركة سياسية تتفق مع الإسماعيلية و الخوارج في وجوب الخروج وتختلف معهم في التكفير والتفسيق والإمامة، ويختلفون ..عن الحنابلة في القول بعدم جواز الخروج على الحاكم . ومذهب فقهي في مقابل الحنفي والمالكي والحنبلي وإن كان المذهب يتميز عن المذاهب الفقهية الأخرى في أن قواعده، نفي وإقرار للتمذهب، نفي للتمذهب لا يجابها الاجتهاد على كل قادر على الاجتهاد وعدم تجويز الاكتفاء بالظن فيما يمكن العلم به وإيجابها تقديم الإنسان لعلم نفسه على علم غيره - كائناً من كان الآخر - وتقديم ظن الإنسان لنفسه على ظن غيره. وإقرار للتمذهب بتجويزها التقليد لغير القادر على الاجتهاد وتصويب فعل العامي فيما فعله معتقداً لصوابه ما لم يخرق الإجماع والإلزام في المعاملات بمذهب الحاكم حتى لو خالف اجتهاد الفاعل وهو مذهب الإمام زيد والإمام القاسم والناصر والمرتضى بمعنى منهجهم في كيفية الاستنباط حتى لو خالف المذهب النتائج التي توصل إليها أي واحد من أئمة المذهب لأن مذهبه في الاستنباط بمعنى المنهج أو القاعدة التي سار عليها في استنباط الحكم الشرعي هي المذهب وليست النتيجة التي توصل إليها ولهذا خالف المذهب، الإمام زيد أو الإمام الهادي أو الإمام القاسم والناصر - بل وبعض ما روى عن الإمام علي سلام الله عليهم التزاماً بمنهج هؤلاء الأئمة كما فعل الإمام الشافعي في مخالفة نفسه أو بمعنى أدق عندما تغيرت البيئة وتوسعت معرفته بالنصوص وكل مذهب فقهي هو كذلك حتى مذهب أهل الحديث والظاهرية لأنهم يلتزمون القواعد. والقواعد الأصولية - كالهندسة أو الرياضيات - لا يمكن أن يبتدعها كلها شخص واحد - بل يبني المتأخر ويضيف إلى ما ابتكره المتقدم ولكن الريادة للأول وكما توسعت وتشعبت قضايا أصول الدين لدى المتكلمين حتى وصلت إلى فرعيات تطبيقية حول الأفعال المتولدة والطفرة والكمون والجزيء والذرة والجزء الذي لا يتجزأ والإحالة والاستحالة......, حدث بشكل أوضح هذا التطور في الجدل الفقهي المذهبي وكما حدث التمايز والانقسام بين المذاهب حدث التمايز والانقسام داخل كل مذهب)[5].
ومن يوحد بين الزيدية والمعتزلة في الأصول ،لا يخرج قوله عن الأقوال التالية:-
الأول : أنَّ الإمام زيد بن علي زين العابدين (ع) هُوَ أولُ مَن بدَّلَ وتأثّر بالاعتزال وأهله ، وذلك عن طريق تتلمذه على يد واصل بن عطاء ، فبدأت الزيدية مِن هُنا بالانحراف عن مذهب أهل البيت الصحيح إلى مذهب الاعتزال واليونان .وفي هذا الكلام، تشكيكٌ ظاهرٌ في سلامة عقيدة الإمام زيد بن علي (ع) ، وتشكيكٌ في عِلمِه الذي أطبقَ أعلامُ الأمّة من السنة والشيعة على تبحرّه فيه ، وأنّه كانَ أحد أفضل أهل زمانه علماً وعَملاً . وهو مخالف للواقع لأن كل ماعرف عن فكر الإمام زيد بن علي(ع)كان معروفاً عن آبائه وإخوانه من أهل البيت،بل وعامة المسلمين،وبدون تحديد ما لذي تميز به الإمام زيد(ع)وواصل عمن سبقهم أو عاصرهم من العلماء فإن القول بالتتلمذ والتأثير والتأثر لغو وكلام لا معنى له،
وإنْ كانَ التاريخُ قد أثبتَ علاقةً جمَعَت بين زيد بن علي (ع) وبين واصل بن عطاء ، فإنّه ليسَ من الضروري أن تكون هذه العلاقة علاقة تتلمذ -لأنّهما قد اجتمعا على فكرٍ مُتقاربٍ ، فكرُ أهل العدل والتوحيد فكر أهل البيت (ع) ، فزيدٌ عن أهلِ بيته أخذَ عِلمَهُ وفِكْرَه ، وواصلٌ عن أبي هاشم عبدالله بن محمد ( ابن الحنفية ) بن علي بن أبي طالب أخَذَ عِلمَهُ وفِكرَه ، فاجتمعَ هذان العَلَمان من هذا المُنطلق - مُنطلق تقارب الأفكار في الدين - ، وكذلكَ جمَعهم عاملٌ مُهمٌ وهُو حُب الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تغاضى عنه كثيرٌ من المسلمين في زمنهم فانتشر الفساد والظُلم والجور ، إذ كانَ واصلُ بن عطاء أحدَ أعوان الإمام ومُناصريه،يدل على هذا التقاء الخوارج مع المعتزلة والزيدية و الإمامية في الأصول،
ومن السخف العلمي افتراض أن يكون أثر لقاء الإمام زيد بن علي (ع)بواصل ابن عطاء والإمام في الأربعين أكثر تأثيراً عليه من علاقته بوالده زين العابدين ومن بعد ذلك أخيه محمد الباقر وهما من هما علماً وتأثيراً؟
ثم أن من يرمي الإمام زيد بن علي عليه السلام بتهمة متابعة واصل بن عطاء في الأصول لايبين فيم تأثر به،فالخروج الذي هو نتيجة أو تعبير عن اعتقاد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مذهب ومنهج الإمام الحسين بن علي عليهما،جد زيد(ع) الذي أحياء بخروجه سنة جده،الحسين الذي استقاه من جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم،والقول بالعدل،أو بالقدر كما يقول إسماعيل الأكوع،هو عقيدة السلف الصالح،وهو لب وجوهر العقيدة الإسلامية لأن عدم الإيمان به أو عدم اعتقاده،يتناقض مع الحكمة من إرسال الله للرسل،ويتناقض مع العقل الذي يقضي بداهة أننا المسؤلون عن أفعالنا،ويتناقض مع الحكمة من التكليف والثواب والعقاب.
إن من يزعم أن لواصل تأثيراً على الإمام زيد،يعبر عن جهل جعله خاضعاً للدعاية المضللة التي رددتها السلطة الأموية ثم العباسية لتحد من نمو واستمرار الثورات التي قادها أئمة الزيدية عبر التاريخ الإسلامي،
والثابت أنَّ الإمام زيد بن علي (ع) أُثِرَ عنْهُ تقديم وتفضيل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على مَنْ تقدَّمَه من الثلاثة - أبو بكر وعمر وعثمان غفر الله لهم - مِن غير سبٍ ولا براءة صدرَت منه عليه السلام منهم ، وهذا القول هُو قولُ الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي (ع) ، وقولُ الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) ، وقولُ الإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش (ع) ، وهُوَ أيضاً قولُ ساداتِ أهل البيت الزيدية عليهم السلام إلى اليوم،فما الذي قاله الإمام زيد مخالفاً لأئمة آل البيت؟ هل في العدل أم التوحيد أم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم الإمامة؟ وما الذي أخذه عن واصل أو نقله إلى واصل مما لم يقله المعاصرون له من أهل البيت؟
لم يقدم إسماعيل الأكوع ومن سبقه بياناً عن ما الذي اتفق فيه الإمام زيد مع واصل واختلف فيه مع علماء أهل البيت.
هل هو القول المنسوب لواصل - بأن الإمام علياً (ع) لم يكن على يقين من الصواب في حروبه مع معاوية, وأن أحدهما فاسق لا بعينه أم في القول بالمنزلة بين المنزلتين؟ أم وجوب الخروج والثورة؟
من المؤكد أن عقيدة الإمام زيد (ع) عن حروب الإمام علي (ع) لا تختلف عن عقيدة آبائه وإخوانه وأغلب الأمة في أن الحق مع الإمام علي (ع) وأن معاوية هو الباغي لأن إمامة الإمام علي (ع) شرعية والخارج عليه باغ وأن الإمام علياً (ع) كان يعتقد أنه على صواب في حروبه ولم يخالجه شك في وجوب ذلك عليه. لأن الإمام زيداً يرى القتل على الشك كالقتل ظلماًً و كل من روى مواقف الإمام زيد وقرأ ما نسب إليه, يعلم بوضوح أن موقف الأمام زيد من خلاف الإمام علي (ع) والخارجين عليه لا يختلف عن موقف الشيعة وأغلب أهل السنة وهو تخطئة الخارجين على الإمام والجزم بأن الحق كل الحق مع الإمام
وبالنسبة للقول بالمنزلة بين المنزلتين فلم يثبت استخدام الإمام زيد بن علي (ع) لهذا المصطلح إلا أن عدم استخدامه لا يعني إطلاقاً عدم اتفاقه مع واصل بن عطاء أو عدم اتفاق واصل معه ومع السائد آنذاك بين علماء الأمة بمن في ذلك الحسن البصري وأغلب المرجئة لأن الخلاف لفظي. والمنزلة بين المنزلتين ترجمة أو توضيح لمعنى فاسق الذي هو في منزلة بين الكفر والإيمان - أو العاصي.
ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو بحد السيف ليس اجتهاداً خاصاً بواصل أو بالإمام زيد بن علي (ع) فخروج الحسين بن علي (ع) وثورته أوضح تعبير عن كونها مبدءاً أصيلاً في الفكر و دور الإمام زيد بن علي عليه السلام إحياء له - مشاركاً في ذلك من قبل الخوارج الذين - وإن اختلفوا مع الزيدية والمعتزلة في عدم القول بتوسط الفسق والعصيان بين منزلة الإيمان والكفر – إلا أنهم من القائلين بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخارجون على عثمان رضي الله عنه كانوا من القائلين - بالخروج والثورة - وهم زمنياً أسبق في الوجود من واصل والإمام زيد (ع)" والإعرابي الذي أجاب أبا بكر رضي الله عنه(لقومناك بسيوفنا) كان يعبر عن شيوع ورسوخ هذا المبدأ في الذهنية الفطرية.

العدلية والقاسم المشترك:

إن الريادة التي تحسب لواصل وعمرو بن عبيد ليست نظرية - كما قد تبدو للمتعجل في التصنيف - ولكنها في الأساس عملية تتمثل في إعداد تنظيم سياسي يقوم على إرسال الدعاة للثورة والتحريض عليها بأسلوب منظم شارك في وصول الناقص من الأموية إلى السلطة, والتف حول عمر بن عبد العزيز ثم تبنى البحث عمن يقود الثورة ضد السلطة الأموية التي فقدت مبررات وجودها وكان من الطبيعي أن يتجه إلى الإمام زيد بن علي (ع)
وريادة الإمام زيد نظرية وعملية، نظرية في تأصيله لثورة الإمام الحسين عليه السلام وتجسيد النظرية في موقفه العملي بالدعوة والخروج السياسي والفكري والاجتماعي.
أما الفكر كفكر العدل والتوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو القاسم المشترك بين جميع من عرفوا بالعدلية فيما بعد من شيعة ومعتزلة وخوارج وجمهور أهل السنة الذين شاركوا في كل الثورات ضد السلطة أو عمالها كالحجاج وأبن زياد وغيرهما)[6]
الخلاصة أنه لا يوجد مايميز الإمام زيد عمن سبقه أو عاصره من أئمة آل البيت أو غيرهم،إلا أنه خرج ثائراً على الظلم ليحيي سنة من سنن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي كادت أن تغيب عن ذهن الأمة ووجدانها نتيجة للقمع الذي مارسته الدولة الأموية في ألطف باستحلالها دم الحسين وآل بيت النبوة وانتهاكها لحرمة المدينة المنورة وقتلها بقايا الصحابة وأبنائهم من المهاجرين والأنصار يوم الحرة،وأعظم من ذلك استباحة أعراض المسلمات حتى روي ما لايصدق، وانتهاك حرمة مكة ورميها بالمنجنيق والتمثيل بجثة ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزبير بن العوام رضي الله عنه وابن ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها
وإحياء الإمام زيد لواجب الخروج على الظلم،لا يجعله مبتدعاً بل هو المتبع ومن خالفه وأشاع النهي عن واجب دفع المنكر،ومن زعم أنه خلاف الإجماع فهو المبتدع.(وعدم خروج غير الإمام زيد من الأئمة آنذاك أو قبله لا يعني عدم إيمانهم بالخروج كواجب بقدرما يعني اعتقادهم عدم تعينه عليهم لسبب لا علاقة لهم به،كعدم وجود الناصر،أو أن الظروف غير مهيأة للخروج)
بل (أن مبدأ وجوب دفع المنكر) هو مبدأ الأنبياء والمرسلين المبلغين عن رب العالمين، فالنبوات إنما كانت ثورات على المتعالين الظالمين، وقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد الثائرين انتصاراً للإنسانية من ظالميها وأشد الثائرين على الطغيان والفسوق والعصيان، وهو رسول الألفة والمحبة والمساواة {وأمرت لأعدل بينكم}،وأهل ملته ودينه هم المتآلفون المتحابون المتعاونون على الخير والبر والتقوى فمن لم يكن في هذه العروة الوثقى فهو خارج عنهم وليس منهم ولا فيهم، وقد كان الإمام زيد بن علي رضوان الله عليه يأخذ على مبايعيه في صيغة بيعته، الدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين، تطبيقاً لمقاصد الإسلام الواردة بأسلوب الحث والاستنكار الذي هو أقوى من أسلوب الأمر في قوله تعالى: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها).
فالزيدية أخذت بمبدأ الخروج على الظالمين لأنه أهم الأوليات التي بعثت الرسل من أجلها حتى لا يكون ظلم ولا ظالمون في خلافة أرض الله وفي عباد الله، ويكون الدين كله لله، والناس سواسية وكلهم عيال الله، وهو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي سيحيي الأمة إحياء حقيقياً، ويضمن استجابة الدعاء كما في الحديث، ويحث الإسلام على إقامته، ويعتبره من أساسياته.)[7]
إلا أن الخروج لايعني الحرب الدائمة،بل تقدم مصلحة الأمة في السلم مادامت المصلحة العامة متحققه (وبهذا المفهوم فهمه الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وتعلمه تطبيقاً لمدرسة رسول الله، وقاتل من أجله، لا من أجل نفسه، حيث قال محذراً ومنذراً: (والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين)، فسلم حين سلمت أمور المسلمين، وثار مغضباً حين مس الظلم أمور المسلمين وانتهكت حقوق المسلمين، فحياته كانت للإسلام والمسلمين، وجهاده للإسلام والمسلمين، واستشهاده من أجل الإسلام وحقوق المسلمين،
ولما كان الجهاد في سبيل الله والمستضعفين هو مبدأ الإمام علي بن أبي طالب فإليه تنتمي الزيدية)[8]

*****
ونتيجة للحملة الظالمة على فكر أهل البيت من الزيدية مع منع الزيدية عن التعريف بمذهبهم ساد الجهل بالزيدية فسهل على خصومها إلصاق التهم بها تارة بنسبتها إلى المعتزلة،وتارة أخرى بنسبة أتباعها إلى الإمامية الجعفرية وتحميل الزيدية ماينسب افتراءً إلى المعتزلة والشيعة الإمامية من أقوال ومعتقدات تستفز أهل السنة لما تحمله ذاكرة أهل السنة من فهم مغلوط للفكر المعتزلي،ولما يقال عن موقف الإخوة الإمامية من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما،ولاشك أن الزيدية تلتقي مع المعتزلة في الكثير،كما تلتقي مع الشيعة الإمامية أيضاً في الأكثر بل أنه لايضير الزيدية أن تلتقي مع الإمامية الجعفرية،لأنها تلتقي معها في المصدر وأيضاً تلتقي مع مذاهب السنة(وبالذات الأحناف في المنهج حتى شاع أن الزيدية في الأصول معتزلة وفي الفروع حنفية)وتلتقي إلى درجة التطابق مع أصول الإباضية من الخوارج باستثناء الإمامة و الميل إلى عدم تكفير من ثبت إسلامه،كما تختلف عن المعتزلة بقدر التقائها مع أهل السنة والإباضية،
والمهم هو موقف الزيدية من الآخرين؟هل تقبل التعايش معهم وتعترف بحقهم في الاختلاف معها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق