السبت، 14 مارس 2009

من أوراق ندوة التعايش بين المذاهب مدخل للوجدة(الإختلاف الفقهي وتعدد المذاهب



الإختلاف الفقهي وتعدد المذاهب
بقلم: عبدالله حمود العزي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، ورضي الله عن صحابته المنتجبين الراشدين، من يومنا هذا إلى يوم الدين.. وبعــد:
فإن الاختلاف في وجهات النظر الاجتهادية يدل على الحيوية الفكرية المتجددة التي يتمتع بها فقهنا الإسلامي، ولذا لا ينبغي لاختلاف كهذا أن يفسد للود قضية فيما بين المسلمين، ولا أن يقف عائقاً أمام وحدتهم الإسلامية؛ لأن جميع المذاهب الفقهية قد جمعتهم وحدة تشريعية واحدة، لا يمكن تجاوزها أو تخطيها، وإنما تتفاوت الأنظار في طريقة فهم النص التشريعي المحتمل لأكثر من معنى في لفظه أو اشتماله، أو في كيفية قبول خبر الواحد وطرق استنباط الحكم منه، وقد بدأت تتفاوت الأنظار في فهم ذلك منذ بداية القرن الأول.
عصر الصحابة:
فالنبي ÷ أقر الصحابة على فهمهم عندما قال في غزوة الخندق: ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة))( )، فالتزم بعض الصحابة بما تضمنه قوله هذا ÷ وهو (الاستعجال) ـ حسب فهمهم ـ فصلوا الصلاة لوقتها، والتزم البعض الآخر بظاهر قوله ÷ فلم يصلوا العصر إلا في بني قريظة بعد خروج الوقت.
ولما أرسل الرسول الأعظم ÷ معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ إلى اليمن قال له: ((كيف تقضي إذا عرض لك قضاء))؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال ((فإن لم تجد في كتاب الله))؟ قال: فبسنة رسول الله قال: ((فإن لم تجد في سنة رسول الله)) قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله ÷ صدره، وقال: ((الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله))( ).
وبعد وفاة النبي ÷ بدأ الإجتهاد يتنامى في أوساط الصحابة شيئاً فشيئاً بفعل ظهور مشكلات ونوازل جديدة، خاصة بعد انتشار الإسلام في بلاد مختلفة الثقافات والعادات.
عصر التابعين:
وأما في عصر التابعين فقد اتسع اتساعاً كثيراً نظراً للاحتكاك الحضاري بين المجتمعات والبلدان التي دخلت الإسلام، وتفرق الصحابة بها، وشيوع رواية الحديث على اتساع دائرة البحث الفقهي.
غير أن الملاحظ في عصرهم بروز عامل جديد أثر في طبيعة الإنتاج الفقهي والحرية الاجتهادية تمثل في تحويل حكام بني أمية نظام الحكم في العالم الإسلامي من الخلافة إلى الملك، وتحويل أغلب السنن إلى بدع، والبدع إلى سنن، والتفريق بين المسلمين، وإغلاق باب الاجتهاد أمام المجتهدين، وفرض آراء السلطة وتوجهاتها، الأمر الذي أدى إلى التضييق على العلماء وعزلهم عن الدور المباشر المناط بهم.
ولهذا قام الإمام زيد بن علي رضي الله تعالى عنه بأعباء إصلاح هذا الخلل الخطير والشر المستطير، مذكراً العلماء بدورهم الحقيقي في عملية الإصلاح والتغيير( )، وحماية الدين، من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، قال ـ رضي الله عنه ـ : ((إني أدعو إلى كتاب الله، وسنة نبيه، وإحياء السنن، وإماتة البدع، فإن تسمعوا يكن خيراً لكم، وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل))( ).
ولولاه ـ رضي الله عنه ـ ومعه ثلة من أئمة الفقه المخلصين بعد الله سبحانه وتعالى لاستطاعت السلطة الأموية فرض لون واحد من الفقه المشوب بالبدع، وإظهاره كسنة يجب إتباعها والتقيد بها.
ولا نريد أن ندخل في تفاصيل هذه القضية فهي واسعة ومتشعبة وليس هذا مجالها، ولكن ما يهمنا هنا هو أن تلك المرحلة التي قام فيها سليل البتول وعترة الرسول ÷ قد أعادت للاجتهاد دوره، وللفقه اعتباره وحيويته.

نشأة المذاهب الإسلامية
وهكذا استمر عطاء الفقهاء من أهل البيت والتابعين وتابعيهم، وبدأ ظهور المذاهب الإسلامية في أواخر النصف الأول من القرن الثاني الهجري.
وقد ظهرت تلك المذاهب، وتكونت على إثرها ثروة فقهية ضخمة، وطرق استنباطية منظمة، أسسها أئمة عظماء، وتعلق بهم فقهاء مخلصون خدموا تراثهم تدويناً وتعليماً وتأصيلاً وتخريجاً، وترسخت آرائهم، وتكاملت مناهجهم، وظهرت تدريجياً مذاهبهم الفقهية بالتدريج، وهي (الزيدي، والجعفري، والحنفي، والمالكي، والشافعي، والإباضي، والحنبلي) وهي أشهر المذاهب في عصرنا الحاضر.
وإنني أحسب أن من الأشياء المهمة التي تجعل التقارب أمراً واقعياً هو معرفة هذه المذاهب والإطلاع على ما لديها من خلال كتبها المعتمدة ومراجعها الثابتة، لا من خلال ما ينقله عنها خصومها، وهذا هو معيارنا الذي سنعتمده في الكلام عن المذاهب الفقهية مذهباً مذهباً.
المذهب الزيدي:
نسبة إلى الإمام الأعظم زيد بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام، ولد سنة (75هـ) واستشهد سنة (122هـ).
والحقيقة في مذهب الزيدية أنهم أتباع أهل البيت عليهم السلام عموماً، وإنما أضافوا مذهبهم على وجه الخصوص إلى الإمام زيد بن علي × باعتباره العلم المميز لها، قال الإمام عبد الله بن الحسن المتوفى سنة (145هـ): ((العلم بيننا وبين الناس علي بن أبي طالب، والعلم بيننا وبين الشيعة زيد بن علي))( )
والمقصود بهذا أن الإمام زيد بن علي × هو الذي ميز خط أهل البيت الذي يشتمل على قواعد فكرية عقائدية تتركز على نفي التجسيم والتشبيه عن الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ وتنزيهه عن الفساد، وعن أفعال العباد، واعتبار أهل البيت عليهم السلام سبيل النجاة، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصرة المظلوم، وعدم محاباة الظالم.
وليست النسبة إليه × نسبة فقهية بحتة على النحو المعروف والمتبع في المذاهب الأخرى؛ لأن المذهب الزيدي يحرم التقليد على كل مجتهد قادر على الوقوف على الأدلة واستنباط الأحكام من الكتاب والسنة، ولذلك تميز بمدارسه الفقهية المتعددة، واجتهاداته المتجددة، وسنشير إلى رجال المذهب وكتبه وموسوعاته الفقهية لاحقاً، عند كلامنا عن الفقه الزيدي، كون هذا الكتاب أحد موسوعاته المهمة.
المذهب الجعفري:
نسبة إلى الإمام جعفر الصادق، بن الإمام محمد بالباقر، بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين، بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام، ولد × سنة (80هـ) وتوفي سنة (148هـ).
ومن أبرز رجال المذهب لديهم في القرن الثاني: أبان بن تغلب المتوفى سنة (141هـ) وهشام بن الحكم، ويونس بن عبد الرحمن، وهشام بن سالم، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن أبي نصر البزنطي، وزرارة بن أعين، وعبد الله بن بكير، ومحمد بن مسلم الثقفي، ووأبي بصير الأسدي.
ومن المعروف عند الإمامية الجعفرية أنهم كانوا يستخدمون لفظة (التفقه) بدلاً عن لفظة (الاجتهاد) لأن لفظة الاجتهاد كانت مرادفة للقياس لديهم، وقد أشار إلى هذا الشيخ الطوسي المعروف بشيخ الطائفة الإمامية المتوفى سنة (460هـ) في كتابه (عدة الأصول)( ) ويبدوا أن الشيخ الحلي، المتوفى سنة (676هـ) هو أول من أطلق لفظة (الاجتهاد) على الاستنباط عند الإمامية في كتابه (معارج الوصول في علم الوصول)( ) ومذهبهم حالياً يقوم على الاجتهاد والمرجعية.
ومن أبرز كتبهم الفقهية (وسائل الشيعة في أحكام الشريعة) للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى سنة (1104هـ) و (الوافي) للشيخ الكاشاني المتوفى سنة (1091هـ) و (بحار الأنوار) للمجلسي، المتوفى سنة (1111) هـ، وغيرها كثير.
المذهب الحنفي:
نسبة إلى الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي، ولد سنة (80هـ) وتوفي سنة (150هـ). أخذ عن الإمام محمد الباقر، وعن الإمام زيد بن علي ×، والإمام جعفر الصادق ×، والإمام عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والإمام حماد بن أبي سليمان، وسمع من عطاء بن أبي رباح، ونافع ـ مولى ابن عمر .
أما تلاميذه الذين انتسبوا إليه انتساب المتعلم للمعلم وليس انتساب الـمُقلِّد للمُقَلَّد فأشهرهم أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري المتوفى سنة (182هـ) وهو أول من دون من تلاميذ أبي حنيفة، وأغلب كتبه مفقودة، ولم يصل إلينا منها إلا رسالته في (الخراج) وهو يقارن فيها بين آراء أبي حنيفة، وابن أبي ليلى، ثم يرجح الرأي الذي يراه، ومحمد بن الحسن بن فرقد الشيباني المتوفى سنة (189هـ) ومن مؤلفاته (الجامع الكبير) و (الجامع الصغير) و (المبسوط) وزفر بن الهذيل الكوفي المتوفى سنة (158هـ) وعلى هؤلاء الثلاثة مدار مذهب أبي حنيفة.
ومن الكتب المعتمدة في المذهب الحنفي إضافة إلى الكتب السابقة كتب العلامة أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، ومنها: (اختلاف الفقهاء) و (شرح مشكل الأحاديث) وكتاب (معاني الآثار) وغيرها من الكتب لكثير من علماء الحنفية.
المذهب المالكي:
نسبة إلى الإمام مالك بن أنس بن أبي عامر، ولد سنة (93هـ) وتوفي سنة (179هـ) وقد أخذ عنه كمحدث بعض من شيوخه، أمثال: يحيى بن سعيد، وموسى بن عقبة، وربيعة بن عبد الرحمن، وغيرهم من أقرانه كسفيان الثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، وسفيان بن عيينة، وأبو يوسف ـ صاحب أبي حنيفة ـ وروى عنه بعض تلاميذه، مثل: محمد بن إدريس الشافعي، وعبدالله بن المبارك، ومحمد بن الحسن الشيباني.
وقد رحل للأخذ عنه جماعة من مصر والمغرب والأندلس، وكانوا عماد مذهبه، فمن مصر: أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم العتقي المتوفى سنة (191هـ) وأبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، المتوفى سنة (197هـ) وأشهب بن عبد العزيز القيسي العامري المتوفى سنة (204هـ) وأبو محمد عبد الله بن عبد الحكيم بن أعين المتوفى سنة (224هـ.
ومن المغرب والأندلس: أبو عبد الله بن عبد الرحمن القرطبي المتوفى سنة (193هـ) وعيسى بن دينار الأندلس المتوفى سنة (212هـ) ويحيى بن كثير المتوفى سنة (234هـ) وعبد الملك بن حبيب بن سليمان السلمي المتوفى سنة (238هـ) وأبو الحسن علي بن زياد التونسي المتوفى سنة (183هـ).
ومن الكتب المعتمدة في المذهب المالكي: (الموطأ) للإمام مالك وكتاب (المبسوط) لإسماعيل بن إسحاق، وكتاب (ابن الحواز في الففه) لمحمد بن إبراهيم الاسكندري، وكتاب (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) لابن رشد المشهور بـ(الحفيد) وكتاب (الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة) لأبي محمد عبد الله السعدي، وغيرها كثير.
المذهب الشافعي:
نسبة إلى الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، من بني عبد المطلب بن عبد مناف، ولد سنة (150هـ) وتوفي سنة (204هـ).
وله أصحاب بالعراق ومصر، فأما أصحابه بالعراق فمنهم: أبو ثور إبراهيم بن خالد بن اليمان، ويقال أن له مذهب خاص، وأنه لا يقبل عن الشافعي توفي سنة (246هـ)، وأحمد بن حنبل المتوفى سنة (241هـ) والحسن بن محمد بن الصباح المتوفى سنة (260هـ) وأبو علي الحسين بن علي الكرابيسي.
وأما أصحابه بمصر فمنهم: يوسف بن يحيى البويطي المتوفى سنة (231هـ) وأبو إبراهيم بن المزني المتوفى سنة (264هـ) والربيع بن سليمان المرادي المتوفى سنة (270هـ) وحرملة بن يحيى التجبي المتوفى سنة (243هـ) ويونس بن عبد الأعلى الصوفي المتوفى سنة (264هـ).
ومن الكتب المعتمدة في المذهب الشافعي مؤلفات الإمام الشافعي، ومنها: (أدلة الأحكام) و (الأم) و (اختلاف الحديث) وكتاب (شرح مختصر المزني) لأبي إسحاق المروزي، و (المنهاج) لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، وغيرها كثير.
المذهب الحنبلي:
نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل الذهلي الشيباني المرزوي، ولد سنة (164هـ) وتوفي سنة (241هـ) وأشهر من روى عنه مذهبه: أبو بكر أحمد بن محمد بن هادي، المعروف بالأثرم، وأحمد بن محمد بن الحجاج المروزي، وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه.
ومن أشهر الكتب الفقهية الحنبلية (المغني) لابن قدامة و (الشرح الكبير) له أيضاً، و (الفروع) لابن مفلح.. وغيرها كثير.
المذهب الإباضي:
نسبة إلى عبد الله بن إباض المري التميمي ولد سنة (22هـ) على أرجح الأقوال وتوفي سنة (95هـ) تقريباً.
ويرى الإباضيون أن التأسيس الحقيقي لمذهبهم يعود إلى الإمام جابر بن زيد الأزدي العماني أبو الشعثاء المتوفى سنة (93هـ). أخذ عن ابن عباس المتوفى سنة (68هـ) كثيراً من العلوم والمعارف، ولازمه ملازمة التلميذ لشيخه، وقال ابن عباس عنه: ((لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علماً بما في كتاب الله))( ).
ومن أبرز تلاميذ جابر بن زيد: أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة المتوفى سنة (150هـ) وضمام بن السائب، وأبي نوح صالح الدهان، ومن أبرز تلاميذهم: الربيع بن حبيب بن عمرو الأزدي المتوفى ما بين (175-180هـ) وهو صاحب (الجامع الصحيح) المشهور عند الإباضية، والذي قام بشرحه الشيخ نور الدين عبد الله بن حميد السالمي العماني المتوفى سنة (1332هـ).
ومن أهم كتب الإباضية الفقهية: (المدونة) لأبي غانم الخراساني، و (الجامع) لابن بكرة البهلوي، و (المصنف) لأحمد بن عبد الله الكندي، و (بيان الشرع) لمحمد الكندي، و (شرح النيل) للقطب أطفيش الجزائري، و (الضياء) للعوتبي، وغيرها كثير.

أسباب الاختلاف الفقهي
وهنا قد يبرز سؤال عن أسباب الاختلاف بين هذه المذاهب وتعدد الإجتهادات داخلها؟
والجواب: أنه من الممكن أن نحصر أسباب الاختلاف الفقهي بين هذه المذاهب، أو بين أعيان المذهب نفسه في ثلاثة أسباب رئيسية، وهي:
السبب الأول: الاختلاف في طبيعة فهم النص:
إما لاحتماله أكثر من معنى، مثل: اختلافهم في مدلول لفظ (قرء) في قوله تعالى: &وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ^ [البقرة: 228]. فإن لفظ (قرء) يطلق على: الطهر بين الحيضتين، وعلى الحيضة نفسها، فذهب: عليٌ، وعبد الله بن مسعود، وعمر، إلى أن المراد: الحيضة، وذهب: زيد بن ثابت، وابن عمر، وعائشة، أن المراد: الطهر بين الحيضتين.
أو لتعارض ظواهر النصوص، كما في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، فقد ورد في ذلك نصان:
أحدهما: قول الله تعالى: &وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ^ [الطلاق: 4] وثانيهما قوله تعالى: &وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا^ [البقرة: 234] فالذي يستفاد من عموم الآية الأولى: أنها تشمل الحامل المتوفى عنها زوجها والمطلقة، وإلى هذا ذهب ابن مسعود، وأما الإمام علي × وابن عباس، فأعملا النصين، قالا: تعمل بأبعد الأجلين.
أو لدلالة النص، هل هي للوجوب أو للندب، كالأمر في قوله تعالى: &فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ^ [الطلاق: 2] فالأمر بالإشهاد عند الطلاق للوجوب عند البعض، وعند البعض الآخر للإستحباب.
السبب الثاني: الاختلاف في رواية الحديث، وإلى هذا ترجع معظم الاختلافات الفقهية، ومن خلال تصنيف أمير المؤمنين علي × رواة الأحاديث ندرك جيداً أنه قد شخّص ـ ومنذ وقت مبكر ـ مجمل الأسباب والعلل التي وقفت وتقف وراء الاختلاف حول التمييز بين صحيح السنة من سقيمها، ومعرفة خاصها وعامها، ومجملها ومبينها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، والذي يترتب عليه الاستنباطات الفقهية، قال رضي الله عنه :
((إنَّ في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً ولقد كذب على رسول الله ÷ على عهده حتى قام خطيباً فقال : ((من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))( ) وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس :
رجل منافق مظهر للإيمان،متصنع بالإسلام، لا يتأثم( ) ولا يتحرج، يكذب على رسول الله ÷ متعمداً، فلوعلم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه، ولم يصدّقوا قوله، ولكنهم قالوا : صاحب رسول الله ÷ رآه وسمع منه ولقف عنه، فيأخذوا بقوله، وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به لك . ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال، وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس فأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك إلا من عصم الله فهذا أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله ÷ شيئاً لم يحفظه على وجهه، فَوَهِم فيه، ولم يتعمد كذباً، فهو في يديه، ويرويه ويعمل به، ويقول: أنا سمعته من رسول الله ÷ فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه منه، ولو علم هو أنه كذلك لرفضه .
ورجل ثالث سمع من رسول الله ÷ شيئاً يأمر به ثم إنه نهى عنه وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم إنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه إنه منسوخ لرفضوه.
وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله، مبغض للكذب خوفاً من الله، وتعظيماً لرسول الله ÷، ولم يَهِم( )، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به على ما سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه فهو حفظ الناسخ فعمل به وحفظ المنسوخ فجنَّب عنه، وعرف الخاص والعام والمحكم والمتشابه فوضع كل شئ موضعه.
وقد كان يكون من رسول الله ÷ الكلام له وجهان: فكلام خاص، وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله سبحانه به، ولا ما عنى رسول الله ÷، فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه وما قصد به وما خرج من أجله، وليس كل أصحاب رسول الله ÷ من كان يسأله ويستفهمه حتى إن كانوا ليحبون أن يجئ الأعرابي والطارئ فيسأله × حتى يسمعوا، وكان لا يمر بي من ذلك شئ إلا سألته عنه وحفظته فهذه وجوه ما عليه الناس في إختلافهم وعللهم في رواياتهم))( ).
إن هذا المنهج العلوي هو أقدم وثيقة علمية في الفكر الحديثي وفيه دلالات وإشارات هامة تستدعي التأمل والتدقيق، ولعلنا ندرك بعضها من خلال هذه الأمور التي لخصها بعض العلماء في جملة من الأسباب( ):
1- ربما لا يبلغ الحديث الفقيه المجتهد؛ لأن الإحاطة بجميع الأحاديث شبه متعذرة أو قد تكون متعذرة، وقد كان أبو بكر لا يعلم السنة في ميراث الجدة، حتى أخبره من يرويها( )، وكان عمر لا يعلم سنة الاستئذان حتى اطلع عليها من أبي موسى الأشعري وغيره( )، وكان لا يدري حكم المجوس في الجزية حتى ذكر له عبد الرحمن بن عوف حديث: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب))( ).
2- قد يبلغ الحديث الفقيه ولكنه يرفض سنده لعلل قادحة فيه من وجهة نظره، وربما بلغ غيره بسند أجود فيأخذ به، والخلاف بين العلماء في تقويم الرجال قائم، ومثال ذلك: ما رواه سفيان بن عيينة قال: اجتمع أبو حنيفة والأوزاعي في دار الحناطين بمكة، فقال الأوزاعي لأبي حنيفة ما بالكم لا ترفعون أيديكم عند الركوع وعند الرفع منه، فقال أبو حنيفة: لأجل أنه لم يصح عن رسول الله ÷ فيه شيء، قال: كيف وقد حدثني الزهري عن سالم، عن أبيه، عن رسول الله ÷ أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وعند الركوع، وعند الرفع، فقال أبو حنيفة: حدثنا حماد، عن ابراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود: أن رسول الله ÷ كان لا يرفع يديه إلا عند افتتاح الصلاة، ولا يعود إلى شيء من ذلك، فقال الأوزاعي: أحدثك عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وتقول: حدثني حماد عن ابراهيم، فقال له أبو حنيفة: كان حماد أفقه من الزهري، وكان إبراهيم أفقه من سالم، وعلقمة ليس بدون ابن عمر، وإن كان لابن عمر صحبة أو له فضل صحبة فالأسود له فضل كثير، وعبد الله هو عبد الله، فسكت الأوزاعي.
3- اعتقاد ضعف الحديث لفكرة خاصة، فإن كثيراً من الحجازيين مثلاً يرون أن لا يحتجوا بحديث رواته عراقيون أو شاميون إن لم يكن لهذا الحديث أصل بالحجاز( ).
4- أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده ولكنه نسيه، وذلك كنسيان عمر لحديث التيمم من الجنابة حتى ذكرّه به عمار بن ياسر( )، وكأن عمر لم يفهم من القرآن إلا أن التيمم يرفع الحدث الأصغر وحده.
5- عدم العلم بدلالة الحديث، مثل: ((لا طلاق في إغلاق))( ) هل الإغلاق هو الإكراه أم هو استغلاق الذهن وانسداد أبواب الفهم بسبب طارئ كالغضب الشديد أو سبب مستمر كالجنون، وقد اختلفت الفتاوى باختلاف الأفهام في الكلمة.
6- اعتقاد الفقيه أن لا دلالة في الحديث على ما يراد، والفرق بين هذا وما قبله أن الأول لم يعرف جهة الدلالة، وأما هنا فقد عرف الجهة وردها لسبب قائم لديه.
7- الاختلاف في تساوي الدلالات المختلفة في إفادة المعنى وصعوبة الترجيح، مثل معارضة العام بخاص، أو المطلق بمقيد، أو الأمر المطلق بما ينفي الوجوب، أو الحقيقة بما يدل على المجاز.
8- قد يكون الفقيه مع جودة حفظه واستنتاجه قد أخطأ في تقرير المقدمات التي انتهت بالنتيجة التي رآها، وذلك مثل من يقول: ((لا أعلم أحداً أجاز شهادة العبد)) مع أن قبول شهادته محفوظة عن الإمام علي وأنس وشريح وغيرهم.
9- من الفقهاء من يرد الحديث الصحيح إذا خالف القياس الجلي، ومنهم من يرده إذا كان عمل أهل المدينة المنورة على خلافه.
10- قد يحفظ البعض المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، كما في الخبر المروي عن علي ×، قال: لما كان في ولاية عمر جاء سعد بن أبي وقاص، فقال: يا أمير المؤمنين ما لقيت من عمار؟ قال: وما ذاك؟ قال: حيث خرجت وأنا أريدك ومعي الناس فأمرت منادياً فنادى بالصلاة، ثم دعوت بطهور ومسحت على خفي وتقدمت أصلي، فاعتزلني عمار، فلا هو اقتدى بي ولا تركني، وجعل ينادي من خلفي يا سعد أصلاة بغير وضوء؟
فقال عمر: يا عمار اخرج مما جئت به، فقال: نعم المسح قبل المائدة، فقال عمر: يا أبا الحسن ما تقول؟ قلت: أقول إن المسح كان من رسول الله ÷ في بيت عائشة والمائدة نزلت في بيتها، فأرسل عمر إلى عائشة، فقالت عائشة: كان المسح قبل المائدة( ).
السبب الثالث: التباين في القواعد الأصولية والفقهية وضوابط الاستنباط، فهنالك من يعتبر فتوى الصحابي حجة، وبعضهم لا يرى ذلك، بل يعتمد فقط على ما يرويه الصحابي عن النبي الأعظم ÷، وهنالك الاختلافات الناجمة عن حجية مفهوم المخالفة لدى الشافعية والمالكية من جهة، والحنفية من جهة أخرى، والاختلاف في فهم مقاصد الشريعة وعللها، والاختلاف في عملية بناء الحكم، وهل يبنى على قاعدة درء المفاسد وجلب المصالح أم لا، أو على قاعدة المصالح المرسلة( ).
ضرورة التقريب
ويتعين علينا إذا ما أردنا التقريب الحقيقي بين المذاهب الإسلامية فهم هذه الأسباب المذكورة ومعرفة الثوابت التي لا مسرح للإجتهاد فيها أصلاً كالأمور الاعتقادية المبنية على تنزيه الله سبحانه وتعالى عن المشابهة والمماثلة والتجسيم ومتعلقاتها، وتنزيهه عن الفساد، والرضا بمعاصي العباد، وكالأمور العبادية التوقيفية بطبيعتها وأدائها، وأصول المعاملات في النكاح والطلاق والبيوع ونحوها، والتفريق بينها وبين المتغيرات أو الفرعيات ذات الطابع الظني هذا من جانب.
ومن جانب آخر الابتعاد عن الخصومات الناتجة عن التعصب الطائفي الذي لا يتماشى مع أهداف وحدتنا التشريعية، ومقاصدها النبيلة، ولا بد أن نفرق بين الخصومة المتولدة عن الطائفية والعصبية والاجتهاد المتولد عن تعدد الآراء، فالخصومة تؤدي إلى الافتراق، وتنوع الاجتهاد يؤدي إلى الوفاق، وسعة الأفق الفقهي.
ولنعلم أن الخصومة المذهبية هي إحدى أهم الأسلحة للخطة الصهيو أمريكية فيما تسميه بـ(الشرق الأوسط الجديد!) فهي تريد إذكاء الخلافات، وتغذية الصراعات بين المذاهب، وجعلها طوائف متصارعة، وجماعات متنازعة، وإذا كانت قد نجحت مخططات سلفهم في تمزيق الجسد الإسلامي وجعله أقاليم متنازعة ودويلات مختلفة.
فإن الواجب علينا أن نفشل مخططات خلفهم الجديدة في الشرق الأوسط الجديد كما يزعمون، والتي تهدف إلى تغذية الخلافات بين المسلمين ـ خصوصاً المذهبية ـ وبث الفرقة بين العلماء المخلصين، والوحشة بين المؤمنين الصالحين، ودعم الاقتتال، واستباحة الدم الإسلامي ـ الإسلامي، والانشغال بكل ذلك عن قضايا المسلمين الرئيسية، وتبديد قوتهم التي تكمن في وحدتهم واستعادة ما احتله اليهود المغتصبون من أراضيهم.
إن التقارب المذهبي بين المسلمين هو وحده الكفيل بإفشال هذا المخطط المشئوم، والهدف (الصهيو أمريكي) المسموم، وهذا التقارب لا يعني بحال من الأحوال أن تندمج المذاهب، فذلك أمر بعيد المنال، بل قد يعتبر عند البعض من المحال، وإن كنت لا أعتبره كذلك إذا وجدت النية الصادقة والعزيمة السامية، فوحدة الأمة فضلاً عن التقريب بين مذاهبها هدف محوري لأهل البيت عليهم السلام، وعلى رأسهم الإمام زيد بن علي ×، قال يوماً لأحد أصحابه: ((أما ترى هذه الثريا، أترى أحداً ينالها؟ قال صاحبه: لا، قال: والله لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع إلى الأرض أو حيث أقع، فأتقطع قطعة قطعة، وأن الله يجمع بين أمة محمد ÷))( ).
فهل نجد عبارة أبلغ وأمثل من هذه العبارة؟! أو نجد مثالاً حياً في تطبيقها غير تضحيته وتقديم روحه رخيصة في سبيل الله من أجل هذا الهدف العظيم، الذي كان يحرص من خلاله على الدعوة إلى الكتاب والسنة، واستبدال البدع بالسنن!
ولا غرابة أن يحث الحافظ الشهير منصور بن المعتمر السلمي العلماء والمحدثين بالقيام بواجبهم تجاه هذه الدعوة، ويقول: ((أجيبوا ابن رسول الله))( ).
ويقول أبو حنيفة: ((لقد ضاهى خروجه على هشام خروج رسول الله ÷ يوم بدر))( ) وأرسل إليه بثلاثين ألف درهم يستعين بها على جهاده ضد من فرق الأمة، واستأثروا بخيراتها، وداسوا كرامتها، وغيروا سنة نبيها.
ويقول تلميذ أبي حنيفة الإمام محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة (189هـ): ((إذا أمنت من أعداء زيد بن علي على نفسي فأنا على مذهبه! وإلا فأنا على مذهب أبي حنيفة))( ).
ونظراً لهذه العلاقة بين الزيدية والحنفية زعم البعض أن الزيدية استقوا فقههم من الحنفية والواقع خلاف ذلك، فالحنفية هم من تأثروا بالزيدية فقهاً وأصولاً، وقد أشرنا إلى تتلمذ الإمام أبي حنيفة على يد الإمام زيد بن علي ×، بالإضافة إلى أخذه عن الإمام عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، هذا ليس إلا من باب تصحيح الحقائق، وإلا فجميع المذاهب الفقهية محل احترامي وتقديري.


الفقه الزيدي عبر القرون
قال الشيخ أبو زهرة: ((وقد أثر عن زيد فقه عظيم تلقاه الزيدية في كل الأقاليم الإسلامية، وفرعوا عليه وخرَّجوا، واختاروا من غير ما تلقوا، واجتهدوا ومزجوا ذلك كله بالمأثور عن فقه الإمام زيد بن علي ـ رضي الله عنه ـ وتكونت بذلك مجموعة فقهية لا نظير لها، إلا في المذاهب التي دونت وفتحت فيها باب التخريج، وباب الاجتهاد على أصول المذهب، ولعله كان أوسع من سائر مذاهب الأمصار، لأن المذاهب الأربعة لا يخرج المخرجون فيها عن مذهبهم إلى مرتبة الاختيار من غيره .. نعم أنهم يقارنون بين المذاهب أحياناً، كما نرى في (المغني) الحنبلي، وفي (المبسوط) الحنفي، وفي (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) الذي ألفه ابن رشد من المالكية، و(المهذب) للشيرازي من الشافعية، ولكن هذه المقارنات إما أن ينتهي المؤلف إلى نصر المذهب الذي ينتمي إليه والدفاع عنه، كما نرى في (مبسوط السرخسي)، و (المغني).
وإما أن يعرض الأدلة وأوجه النظر المختلفة من غير ترجيح، ويندر أن يكون اختيار إلا في القليل، كما نرى في اختيارات ابن تيمية، إذ قد خرج من هذا النطاق، وقد اختار من مذهب آل البيت مسائله في الطلاق الثلاث، والطلاق المعلق، وكما نرى في اختيارات قليلة لكمال الدين بن الهمام من المذهب الحنفي، كاختيار رأي مالك في ملكية العين الموقوفة.
أما المذهب الزيدي فإن الاختيار فيه كان كثيراً، وكان واسع الرحاب، وقد كثر الاختيار حتى في القرون الأخيرة، وكان لذلك فضل في نمائه وتلاقيه مع فقه الأئمة الآخرين))( )
ولعل الفرصة هنا مواتية لعرض بعض ملامح الفقه الزيدي عبر القرون، وذكر المؤلفات الفقهية المتنوعة:
القرن الثاني الهجري: (الحفاظ على التوجه العام لأهل البيت):
ففي أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني الهجري اشتهر من أئمة الزيدية: الإمام محمد بن علي الباقر المتوفى سنة (114هـ)، وأخوه الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين بن علي الشهيد سنة (122هـ)، وهو الذي أضيف المذهب إليه، باعتباره المحيي للجهاد والفاتح لباب الاجتهاد، وكذلك ولده الشهيد الإمام يحيى بن زيد بن علي بن الحسين الشهيد سنة (126هـ).
وتبعه الإمام إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الشهيد سنة (145هـ) والإمام عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بكامل أهل البيت ـ عليهم السلام ـ الشهيد سنة (145هـ) وأولاده الأئمة الأعلام، وهم: الإمام المهدي محمد بن عبدالله الشهيد سنة (145هـ) وأخوه الإمام إبراهيم بن عبدالله الشهيد سنة (145هـ) وأخوه الإمام يحيى بن عبدالله الشهيد سنة (175هـ) وأخوه الإمام إدريس بن عبدالله الشهيد مسموماً سنة (177هـ) وعمهم الإمام الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (145هـ) والإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (148هـ) والإمام الحسين بن زيد بن علي المتوفى سنة (190هـ) والإمام الحسين بن علي الفخي المتوفى سنة (149هـ) والإمام إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (190هـ) وولده الإمام محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (199هـ) والإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (183هـ) وأخوه الإمام محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة (200هـ).
هؤلاء هم أشهر أئمة وفقهاء أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في القرن الثاني الهجري، وبالرغم من الملاحقة المستمرة، والمطاردة الدائمة لهم من قبل الدولة الأموية، ومن بعدها العباسية، وما فرضته الدولتان من الحظر الشامل، فإن الأئمة المذكورين قد استطاعوا أن يحافظوا على التوجه العام لخط أهل البيت ـ عليهم السلام ـ والنقل إلى خلفهم بما رووه عن سلفهم من تراث جدهم النبي ـ ÷ ـ وقد قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل ربهم، وإيصال تعاليم نبيهم صحيحة سليمة.
وفي هذا القرن استطاع الإمام زيد بن علي × أن يدون أول مجموع حديثي فقهي، بالرغم من ملاحقته من قبل الأمويين، وإعداده للثورة عليهم، وأخذ عنه مجموعة كبيرة من أصحابه وشيعته، ونقلوا عنه عدداً لا بأس به من الروايات، دونها الأئمة من بعده كالإمام أبي عبدالله العلوي في كتاب (الجامع الكافي) والمحدث محمد بن منصور المرادي في نحو ثلاثين مصنفاً من مصنفاته، وصنف الإمام محمد بن عبدالله ـ النفس الزكية ـ كتابه (السير) الذي ناقش موضوع الولاية والزعامة وما يتعلق بهما.
القرن الثالث: (الجمع والتأصيل):
وأما القرن الثالث فقد اشتهر من أئمة الزيدية الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل المتوفى سنة (246هـ) والإمام أحمد بن عيسى بن زيد المتوفى سنة (247هـ) والإمام عبدالله بن موسى بن عبدالله المتوفى سنة (247هـ) والإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد المتوفى سنة (260هـ) ، والإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل المتوفى سنة (280هـ) والمحدث الكبير محمد بن منصور المرادي، المتوفى سنة (290هـ) أو بعدها.
والإمام الحسن بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي المتوفى سنة (262هـ) والإمام الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل المتوفى سنة (270هـ) وأخوه الإمام محمد بن زيد بن محمد بن إسماعيل المتوفى سنة (276هـ).
والإمام محمد بن القاسم بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين المتوفى سنة (299هـ) والإمام إدريس بن إدريس بن عبدالله المتوفى سنة (213هـ) والإمام الحسين بن القاسم بن إبراهيم المتوفى سنة (295هـ) وقد تمكن أئمة الزيدية في ذلك القرن من الجمع والتأليف لكثير من الروايات والمسائل الفقهية، حيث قام الإمام القاسم بتأليف كتاب (الطهارة والصلاة)، وكتاب (مسائل النيروسي)، وكتاب (مسائل جهشيار) وكتاب (مسائل الكلاري) وقد نقل أغلبها الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين المتوفى سنة (410 هـ) في (شرح التجريد)، وقام المحدث الكبير محمد بن منصور المرادي ـ رحمه الله ـ بجمع فتاوى ومسائل عديدة للإمام القاسم بن إبراهيم، والإمام الحسن بن يحيى بن الحسين للإمام موسى بن عبدالله، وللإمام أحمد بن عيسى، أودعها في نحو ثلاثين كتاباً، ثم جاء أبو عبدالله العلوي المتوفى سنة (445هـ) واختصرها في كتاب (الجامع الكافي).
كما أفرد المحدث محمد بن منصور المرادي ـ رحمه الله تعالى ـ روايات ومسائل الإمام أحمد بن عيسى في كتاب (الأمالي) المعروف بـ (أمالي الإمام أحمد بن عيسى) أو كتاب (العلوم).
القرن الرابع: (الإستقرار النسبي وبناء الدولة):
وفي أواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع دخل الفقه الزيدي مرحلة جديدة، كانت أكثر استقراراً، حيث استطاع الإمام الهادي × المتوفى سنة (298هـ) بناء دولة ذات طابع زيدي في اليمن، والإمام الناصر الأطروش المتوفى سنة (304هـ ) بناء دولة أخرى بالجيل والديلم، وقد نال هذان الإمامان شهرة واسعة، وخصوصاً الإمام الهادي ـ × ـ وممن ظهر في هذا القرن من الأئمة والفقهاء من أهل البيت ـ عليهم السلام ـ وشيعتهم الكرام ـ رضي الله عنهم ـ عبدالله بن الحسين بن القاسم المتوفى سنة (340هـ) والإمام المرتضى محمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم المتوفى سنة (310هـ) وابنه الهادي بن المرتضى المتوفى منتصف القرن الرابع الهجري، والإمام عيسى بن محمد بن أحمد بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن زيد المتوفى سنة (326هـ) والإمام الناصر أحمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم المتوفى سنة (325هـ) والإمام أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، المتوفى سنة (353هـ) والإمام محمد بن علي بن الحسن، المعروف بأبي عبدالله العلوي المتوفى سنة (367هـ) والإمام المنصور بالله القاسم بن علي بن عبدالله العياني المتوفى سنة(393هـ) وأبيه الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني المتوفى سنة (404هـ) والإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني المتوفى سنة (410هـ) وأخوه الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني المتوفى سنة (424هـ) والإمام مانكديم (وجه القمر) أحمد بن الحسين بن محمد المتوفى سنة (420هـ) والمحدث علي بن بلال الآملي المتوفى في القرن الخامس الهجري.
وقد استطاع الأئمة الكرام في ذلك القرن من تأليف عدد من المجاميع الفقهية والروائية، حيث قام الإمام الهادي × بتأليف كتاب (الأحكام في الحلال والحرام) وكتاب (المنتخب والفنون) وغيرهما من الكتب الأصولية، بالرغم من تعدد أعماله وتراكم أشغاله، وقام الإمام الناصر الأطروش × بتأليف كتاب (الإحتساب) وكتاب (جوامع النصوص) وقام العلامة الكبير عبدالله بن الحسين رحمه الله بتأليف كتاب (الناسخ والمنسوخ) وقام الإمام المرتضى محمد بن الإمام الهادي ـ عليهما السلام ـ بتأليف كتاب (الشرح والبيان) وكتاب (الإيضاح) وكتاب (مسائل القدمين) وكتاب (مسائل الحائرين) وكتاب (مسائل مهدي).
وقام الإمام الناصر بن الإمام الهادي ـ عليهما السلام ـ بتأليف كتاب (الفقه) وكتاب (مسائل المعقلي) وقام الإمام أبي العباس الحسني × بتأليف كتاب (النصوص) وكتاب (شرح الأحكام) وكتاب (شرح المنتخب)، وقام الإمام أبي عبدالله العلوي المتوفى سنة (445هـ) بتأليف كتاب (الجامع الكافي) وكتاب (الأذان بحي على خير العمل) وقام الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني × بتأليف كتاب (التجريد) وكتاب (شرح التجريد)، وقام أخوه الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين × بتأليف كتاب (التحرير) وكتاب (شرح التحرير).
وقام المحدث علي بن بلال الآملي بتأليف كتاب (شرح الأحكام) وكتاب (الوافي على مذهب الهادي) وكتاب (الوافر في مذهب الناصر) وهنالك غيرها من المؤلفات المتعددة، والمجاميع المتنوعة، والفتاوى المتفرقة لهم ولغيرهم من بقية علماء الزيدية في ذلك القرن.




طبقات الفقه الزيدي
وهكذا استمر العطاء الفقهي عبر القرون المختلفة، وقد كان لكل حقبة زمنية أئمة وفقهاء من آل البيت عليهم السلام وشيعتهم، تجلت إبداعاتهم الفقهية فيها بوضوح، وجاء عطاؤهم الفقهي غزيراً مستوعباً ظروف المرحلة التي عاشوها، الأمر الذي أدى إلى تسمية كل مرحلة أو طبقة بما يتناسب مع عطائها.
ومن أهم هذه الطبقات التي شيدت بنيانه، وثبتت أركانه:
الطبقة الأولى: طبقة المؤسسين:
وتساوي هذه الطبقة إمام المذهب في نظر المذاهب الأخرى، ومن هذه الطبقة:
1- الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ مات شهيداً سنة (122هـ).
2- الإمام القاسم بن إبراهيم المتوفى سنة (242هـ).
3- حفيده الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، وهو المؤسس للمذهب في اليمن، المتوفى سنة (298هـ).
4- الإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهم ـ وهو المؤسس للمذهب الزيدي في خراسان، المتوفى سنة (304هـ).
الطبقة الثانية: طبقة المخرجين للمذهب:
وهم الذين استخرجوا من كلام الأئمة أو احتجاجاتهم بواسطة القياس أو المفهوم أحكاماً لا تتعارض مع الكتاب والسنة لا جملة ولا تفصيلاً، ومن رجال هذه الطبقة:
1- العلامة المحدث محمد بن منصور المرادي، المتوفى سنة (190هـ).
2- العلامة الحافظ أبو العباس أحمد بن إبراهيم، المتوفى سنة (353هـ).
3- الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون الحسني، المتوفى سنة (416هـ).
4- الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون الحسني، المتوفى سنة (424هـ).
5- العلامة علي بن بلال الآملي مولى الإمامين المؤيد بالله وأبي طالب المتوفى في القرن الخامس الهجري.
6- العلامة المحدث أحمد بن محمد الأزرقي الهدوي.
والطبقة الثالثة: طبقة المحصلين:
وهم الذين اهتموا بتحصيل أقوال الأئمة، وما استخرج منها، ونقلوها إلى تلامذتهم بطريق الرواية أو المناولة لمؤلفاتهم، ومن رجال هذه الطبقة:
1- العلامة القاضي زيد بن محمد الكلاري الجيلي، الملقب بـ(حافظ أقوال العترة) وهو من أتباع الإمام المؤيد بالله.
2- العلامة السيد علي بن العباس بن إبراهيم رواي إجماعات أهل البيت، توفي سنة (340هـ) تقريباً.
3- العلامة القاضي الحسن بن محمد بن أبي طاهر الرصاص المتوفى سنة (584هـ).
4- الإمام الحسين بن بدر الدين، الذي توفي سنة (662هـ).
5- العلامة زيد بن علي بن الحسن بن علي البيهقي، مات في تهامة في عهد الإمام أحمد بن سليمان، وهو في طريقه إلى مكة المكرمة.
6- العلامة القاضي جعفر بن أحمــد بن عبد السلام البهلولي، توفي سنــة (573هـ).
7- الإمام عبد الله بن حمزة، المتوفى سنة (614هـ).
والطبقة الرابعة: طبقة المذاكرين:
وهم الذين راجعوا أقوال من تقدمهم، وبلغتهم بالرواية، وفحصوها سنداً ومتناً، وعرضوها على أصول المذهب وقواعده المستمدة من صرائح الكتاب والسنة، ثم أقروا ما توافق معها واعتبروه هو المذهب، وما لم يوافقها لم يعتبروه مذهباً للفرقة الزيدية، وكان في نظرهم رأياً خاصاً بصاحبه غير معاب عليه، لاعتبار أن كل مجتهد في الفروع مصيب، ومن رجال هذه الطبقة:
1- العلامة القاضي محمد بن سليمان بن أبي الرجال الصعدي، المتوفى سنة (730هـ).
2- الإمام يحيى بن حمزة، المتوفى سنة (749هـ).
3- الإمام عز الدين بن الحسن المؤيدي، المتوفى سنة (900هـ).
4- العلامة القاضي محمد بن يحيى حنش، المتوفى سنة (717هـ).
5- العلامة القاضي يوسف بن أحمد بن عثمان الثلائي، المتوفى سنة (832هـ).
6- الإمام أحمد بن يحيى بن المرتضى، مات شهيداً بالطاعون سنة (840هـ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق