السبت، 14 مارس 2009

من اوراق مدوة التعايش بين المذاهب(2من 3)

والحقيقة في مذهب الزيدية أنهم أتباع أهل البيت عليهم السلام عموماً، وإنما أضافوا مذهبهم على وجه الخصوص إلى الإمام زيد بن علي × باعتباره العلم المميز لها، قال الإمام عبد الله بن الحسن المتوفى سنة (145هـ): ((العلم بيننا وبين الناس علي بن أبي طالب، والعلم بيننا وبين الشيعة زيد بن علي))( )
والمقصود بهذا أن الإمام زيد بن علي × هو الذي ميز خط أهل البيت الذي يشتمل على قواعد فكرية عقائدية تتركز على نفي التجسيم والتشبيه عن الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ وتنزيهه عن الفساد، وعن أفعال العباد، واعتبار أهل البيت عليهم السلام سبيل النجاة، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصرة المظلوم، وعدم محاباة الظالم.
وليست النسبة إليه × نسبة فقهية بحتة على النحو المعروف والمتبع في المذاهب الأخرى؛ لأن المذهب الزيدي يحرم التقليد على كل مجتهد قادر على الوقوف على الأدلة واستنباط الأحكام من الكتاب والسنة، ولذلك تميز بمدارسه الفقهية المتعددة، واجتهاداته المتجددة، وسنشير إلى رجال المذهب وكتبه وموسوعاته الفقهية لاحقاً، عند كلامنا عن الفقه الزيدي، كون هذا الكتاب أحد موسوعاته المهمة.
المذهب الجعفري:
نسبة إلى الإمام جعفر الصادق، بن الإمام محمد بالباقر، بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين، بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام، ولد × سنة (80هـ) وتوفي سنة (148هـ).
ومن أبرز رجال المذهب لديهم في القرن الثاني: أبان بن تغلب المتوفى سنة (141هـ) وهشام بن الحكم، ويونس بن عبد الرحمن، وهشام بن سالم، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن أبي نصر البزنطي، وزرارة بن أعين، وعبد الله بن بكير، ومحمد بن مسلم الثقفي، ووأبي بصير الأسدي.
ومن المعروف عند الإمامية الجعفرية أنهم كانوا يستخدمون لفظة (التفقه) بدلاً عن لفظة (الاجتهاد) لأن لفظة الاجتهاد كانت مرادفة للقياس لديهم، وقد أشار إلى هذا الشيخ الطوسي المعروف بشيخ الطائفة الإمامية المتوفى سنة (460هـ) في كتابه (عدة الأصول)( ) ويبدوا أن الشيخ الحلي، المتوفى سنة (676هـ) هو أول من أطلق لفظة (الاجتهاد) على الاستنباط عند الإمامية في كتابه (معارج الوصول في علم الوصول)( ) ومذهبهم حالياً يقوم على الاجتهاد والمرجعية.
ومن أبرز كتبهم الفقهية (وسائل الشيعة في أحكام الشريعة) للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى سنة (1104هـ) و (الوافي) للشيخ الكاشاني المتوفى سنة (1091هـ) و (بحار الأنوار) للمجلسي، المتوفى سنة (1111) هـ، وغيرها كثير.
المذهب الحنفي:
نسبة إلى الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي، ولد سنة (80هـ) وتوفي سنة (150هـ). أخذ عن الإمام محمد الباقر، وعن الإمام زيد بن علي ×، والإمام جعفر الصادق ×، والإمام عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والإمام حماد بن أبي سليمان، وسمع من عطاء بن أبي رباح، ونافع ـ مولى ابن عمر .
أما تلاميذه الذين انتسبوا إليه انتساب المتعلم للمعلم وليس انتساب الـمُقلِّد للمُقَلَّد فأشهرهم أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري المتوفى سنة (182هـ) وهو أول من دون من تلاميذ أبي حنيفة، وأغلب كتبه مفقودة، ولم يصل إلينا منها إلا رسالته في (الخراج) وهو يقارن فيها بين آراء أبي حنيفة، وابن أبي ليلى، ثم يرجح الرأي الذي يراه، ومحمد بن الحسن بن فرقد الشيباني المتوفى سنة (189هـ) ومن مؤلفاته (الجامع الكبير) و (الجامع الصغير) و (المبسوط) وزفر بن الهذيل الكوفي المتوفى سنة (158هـ) وعلى هؤلاء الثلاثة مدار مذهب أبي حنيفة.
ومن الكتب المعتمدة في المذهب الحنفي إضافة إلى الكتب السابقة كتب العلامة أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، ومنها: (اختلاف الفقهاء) و (شرح مشكل الأحاديث) وكتاب (معاني الآثار) وغيرها من الكتب لكثير من علماء الحنفية.
المذهب المالكي:
نسبة إلى الإمام مالك بن أنس بن أبي عامر، ولد سنة (93هـ) وتوفي سنة (179هـ) وقد أخذ عنه كمحدث بعض من شيوخه، أمثال: يحيى بن سعيد، وموسى بن عقبة، وربيعة بن عبد الرحمن، وغيرهم من أقرانه كسفيان الثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، وسفيان بن عيينة، وأبو يوسف ـ صاحب أبي حنيفة ـ وروى عنه بعض تلاميذه، مثل: محمد بن إدريس الشافعي، وعبدالله بن المبارك، ومحمد بن الحسن الشيباني.
وقد رحل للأخذ عنه جماعة من مصر والمغرب والأندلس، وكانوا عماد مذهبه، فمن مصر: أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم العتقي المتوفى سنة (191هـ) وأبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، المتوفى سنة (197هـ) وأشهب بن عبد العزيز القيسي العامري المتوفى سنة (204هـ) وأبو محمد عبد الله بن عبد الحكيم بن أعين المتوفى سنة (224هـ.
ومن المغرب والأندلس: أبو عبد الله بن عبد الرحمن القرطبي المتوفى سنة (193هـ) وعيسى بن دينار الأندلس المتوفى سنة (212هـ) ويحيى بن كثير المتوفى سنة (234هـ) وعبد الملك بن حبيب بن سليمان السلمي المتوفى سنة (238هـ) وأبو الحسن علي بن زياد التونسي المتوفى سنة (183هـ).
ومن الكتب المعتمدة في المذهب المالكي: (الموطأ) للإمام مالك وكتاب (المبسوط) لإسماعيل بن إسحاق، وكتاب (ابن الحواز في الففه) لمحمد بن إبراهيم الاسكندري، وكتاب (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) لابن رشد المشهور بـ(الحفيد) وكتاب (الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة) لأبي محمد عبد الله السعدي، وغيرها كثير.
المذهب الشافعي:
نسبة إلى الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، من بني عبد المطلب بن عبد مناف، ولد سنة (150هـ) وتوفي سنة (204هـ).
وله أصحاب بالعراق ومصر، فأما أصحابه بالعراق فمنهم: أبو ثور إبراهيم بن خالد بن اليمان، ويقال أن له مذهب خاص، وأنه لا يقبل عن الشافعي توفي سنة (246هـ)، وأحمد بن حنبل المتوفى سنة (241هـ) والحسن بن محمد بن الصباح المتوفى سنة (260هـ) وأبو علي الحسين بن علي الكرابيسي.
وأما أصحابه بمصر فمنهم: يوسف بن يحيى البويطي المتوفى سنة (231هـ) وأبو إبراهيم بن المزني المتوفى سنة (264هـ) والربيع بن سليمان المرادي المتوفى سنة (270هـ) وحرملة بن يحيى التجبي المتوفى سنة (243هـ) ويونس بن عبد الأعلى الصوفي المتوفى سنة (264هـ).
ومن الكتب المعتمدة في المذهب الشافعي مؤلفات الإمام الشافعي، ومنها: (أدلة الأحكام) و (الأم) و (اختلاف الحديث) وكتاب (شرح مختصر المزني) لأبي إسحاق المروزي، و (المنهاج) لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، وغيرها كثير.
المذهب الحنبلي:
نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل الذهلي الشيباني المرزوي، ولد سنة (164هـ) وتوفي سنة (241هـ) وأشهر من روى عنه مذهبه: أبو بكر أحمد بن محمد بن هادي، المعروف بالأثرم، وأحمد بن محمد بن الحجاج المروزي، وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه.
ومن أشهر الكتب الفقهية الحنبلية (المغني) لابن قدامة و (الشرح الكبير) له أيضاً، و (الفروع) لابن مفلح.. وغيرها كثير.
المذهب الإباضي:
نسبة إلى عبد الله بن إباض المري التميمي ولد سنة (22هـ) على أرجح الأقوال وتوفي سنة (95هـ) تقريباً.
ويرى الإباضيون أن التأسيس الحقيقي لمذهبهم يعود إلى الإمام جابر بن زيد الأزدي العماني أبو الشعثاء المتوفى سنة (93هـ). أخذ عن ابن عباس المتوفى سنة (68هـ) كثيراً من العلوم والمعارف، ولازمه ملازمة التلميذ لشيخه، وقال ابن عباس عنه: ((لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علماً بما في كتاب الله))( ).
ومن أبرز تلاميذ جابر بن زيد: أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة المتوفى سنة (150هـ) وضمام بن السائب، وأبي نوح صالح الدهان، ومن أبرز تلاميذهم: الربيع بن حبيب بن عمرو الأزدي المتوفى ما بين (175-180هـ) وهو صاحب (الجامع الصحيح) المشهور عند الإباضية، والذي قام بشرحه الشيخ نور الدين عبد الله بن حميد السالمي العماني المتوفى سنة (1332هـ).
ومن أهم كتب الإباضية الفقهية: (المدونة) لأبي غانم الخراساني، و (الجامع) لابن بكرة البهلوي، و (المصنف) لأحمد بن عبد الله الكندي، و (بيان الشرع) لمحمد الكندي، و (شرح النيل) للقطب أطفيش الجزائري، و (الضياء) للعوتبي، وغيرها كثير.

أسباب الاختلاف الفقهي
وهنا قد يبرز سؤال عن أسباب الاختلاف بين هذه المذاهب وتعدد الإجتهادات داخلها؟
والجواب: أنه من الممكن أن نحصر أسباب الاختلاف الفقهي بين هذه المذاهب، أو بين أعيان المذهب نفسه في ثلاثة أسباب رئيسية، وهي:
السبب الأول: الاختلاف في طبيعة فهم النص:
إما لاحتماله أكثر من معنى، مثل: اختلافهم في مدلول لفظ (قرء) في قوله تعالى: &وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ^ [البقرة: 228]. فإن لفظ (قرء) يطلق على: الطهر بين الحيضتين، وعلى الحيضة نفسها، فذهب: عليٌ، وعبد الله بن مسعود، وعمر، إلى أن المراد: الحيضة، وذهب: زيد بن ثابت، وابن عمر، وعائشة، أن المراد: الطهر بين الحيضتين.
أو لتعارض ظواهر النصوص، كما في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، فقد ورد في ذلك نصان:
أحدهما: قول الله تعالى: &وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ^ [الطلاق: 4] وثانيهما قوله تعالى: &وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا^ [البقرة: 234] فالذي يستفاد من عموم الآية الأولى: أنها تشمل الحامل المتوفى عنها زوجها والمطلقة، وإلى هذا ذهب ابن مسعود، وأما الإمام علي × وابن عباس، فأعملا النصين، قالا: تعمل بأبعد الأجلين.
أو لدلالة النص، هل هي للوجوب أو للندب، كالأمر في قوله تعالى: &فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ^ [الطلاق: 2] فالأمر بالإشهاد عند الطلاق للوجوب عند البعض، وعند البعض الآخر للإستحباب.
السبب الثاني: الاختلاف في رواية الحديث، وإلى هذا ترجع معظم الاختلافات الفقهية، ومن خلال تصنيف أمير المؤمنين علي × رواة الأحاديث ندرك جيداً أنه قد شخّص ـ ومنذ وقت مبكر ـ مجمل الأسباب والعلل التي وقفت وتقف وراء الاختلاف حول التمييز بين صحيح السنة من سقيمها، ومعرفة خاصها وعامها، ومجملها ومبينها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، والذي يترتب عليه الاستنباطات الفقهية، قال رضي الله عنه :
((إنَّ في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً ولقد كذب على رسول الله ÷ على عهده حتى قام خطيباً فقال : ((من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))( ) وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس :
رجل منافق مظهر للإيمان،متصنع بالإسلام، لا يتأثم( ) ولا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق