الأربعاء، 13 يناير 2010

استباحة القتل الحرام في فتاوى الغلاة

بسم الله الرحمن الرحيم

استباحة القتل الحرام.. في فتاوى الغلاة.

حسن محمد زيد

صحيفة الأمة العدد (330) الخميس الموافق 14/4/2005م

بما ان الأصل كما هو معلوم من الدين بالضرورة حرمة الدماء فمن البديهي القول ان دماء المواطنين محرمة لان مسئولية أفراد المجتمع والدولة العمل على ما من شأنه حفظ حياة كل فرد من أفراد المجتمع بل والإنسانية جمعاء ، وبناءاً عليه يمكن القول : ان من يبرر قتل مواطن أو جندي لا يقل ضلالاً عن القتلة والسفاحين.

وجرم من يبرر للقاتل فعله لا يقل عن جرم القاتل نفسه ولا يوجد فرق بين المباشر والآمر والمبرر والراضي لان (الذي باشر قتل ناقة صالح على سبيل المثال قد يكون مجرد فرد أو أفراد من قوم صالح إلاً ان رضاء الآخرين عن فعل المباشرين جعلهم جميعاً شركاء في المسئولية والعقوبة وكذلك فان من نص القران على (قتلهم الأنبياء بغير حق) من الأمم السابقة لم يشاركوا جميعاً في مباشرة قتل الأنبياء إلاً إن تحريض البعض وتبرير البعض ورضاء آخرين جعلهم في مستوى واحد من المسئولية عن الفعل الإجرامي عند الله ، وتبرير قتل مظلوم (وكل من لا يستحق القتل بحكم شرعي بات ونهائي أو نص شرعي قطعي الدلالة والسند هو مظلوم ) يجسد الإصرار على إشاعة شرعية القتل ويعبر عن ثقافة استحلالية لا ترى للنفس الإنسانية حرمة وتفتح الباب واسعاً أمام عمليات القتل والاغتيالات ، وعندما يكون التبرير يوم الناس هذا والعالم يتجه إلى إلغاء عقوبة الإعدام وتنامي جماعات السلام وثقافة التسامح فان الغرابة تتضاعف لان القتل قبيح بحكم الشرع والعقل ، وقتل المواطنين لبعضهم ( بصرف النظر عن طبيعة عملهم مواطنين عاديين أو جنود) أوضح في القبح من أي جريمة أخرى فالجندي معصوم الدم ووظيفته حماية المواطن ولا يجوز مقاومته عند أدائه لوظيفته إلاً إذا صدر منه عدوان يستحيل توقيه إلاً بقتله على ان يكون العدوان الصادر منه يتجاوز في قبحه فعل القتل المتوقع صدوره منه وإذا أمكن تجنب القتال بالهرب وعدم المواجهة فالواجب الهرب إلاً إذا كان في ذلك مضاعفة للخطر الصادر عن الصائل ، أو إغراء له بتكرار فعله المحرم .

كما انه لا يجوز للجندي ان يقدم على أي فعل يتعارض مع طبيعة عمله الأصلية (حفظ الأمن والدفاع عن حياة وحرية أبناء الوطن والوطن ذاته ويجب عليه في أدائه لواجبه إن يتقيد بالضوابط الشرعية التي تحكم سلوك المواطن العادي بل ان مسئوليته اكبر واخطر لأنه يأخذ الأجر في مقابل حماية حياة المواطنين وحريتهم وكرامتهم وأعراضهم وأمنهم ، وعندما يصدر منه أي فعل يتناقض مع هذه الوظيفة فان الجرم اكبر لان في فعله خيانة للأمانة الموكولة إليه وفي مقابل أدائها يحصل على الأجر ، ولا ينجيه من المسئولية أمام الله وأمام المجتمع وضميره التعلل بأنه مأمور لأنه لا طاعة في معصية والقتل غير المبرر شرعاً لا يجوز الإقدام عليه حتى في حالة وجود نص للقانون يعطي بعضهم حق الآمر بالقتل فلا يجوز للمباشر الطاعة على الأقل عند الله لان ذلك مخالف لروح الإسلام ونصوصه كما ان القتل من قبل ذوي السلطة العامة ألان بات محرماً بإجماع الإنسانية وإجماع العقلاء حجة ولو لم يكن إلاً من باب (أوفوا بالعقود)

وأقبح أنواع القتل هو الغدر والغيلة والقتل (غيلة) بمجرد فتوى (سرية) أو أمر غير مبني على حكم شرعي بات ونهائي حتى ممن له ولاية شرعية معلنة في إصداره جرأة وجهلاً بالفقه وأصوله ومن يأمر بالقتل أو يفتي به جاهل بالشريعة والولاية في إصدار الأمر بالقتال ومن باب أولى القتل ليست إلاً لذي السلطة الممنوحة من قبل الدستور والقانون النافذ ، ومن يأمر بقتل إنسان معصوم الدم – وكل إنسان هو كذلك – أو يصدر فتوى بقتل أي إنسان فقد سلب التوفيق لأنه يبيح معلوم الحرمة من الدين بالضرورة ، لعدم جواز إن يقتل المسلم المسلم إلاً دفاعاً ( لاتبدأوهم بقتال حتى يبدأوكم، ولا تتبعوا مدبراً ولا تجهزوا على جريح) كما جاء في وصايا الإمام علي (عليه السلام) في حربة مع القاسطين والناكثين والمارقين.

والأدلة على عدم جواز قتل المسلم من النصوص كثيرة متواترة منها النص الذي أخرجه البخاري برقم(6484) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لا يحل دم امرئٍ) مسلم يشهد إن لا اله إلاً الله واني رسول الله إلاً بإحدى ثلاث : النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة).

وروي مسلم وغيره إن الرسول خطب في حجة الوداع فقال (أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) وهذا النص يشمل بالتأكيد كل مسلم مزارع شاب أو شيخ أو امرأة أو رجل أو جندي بل كل إنسان بصرف النظر عن جنسه ودينه لان الخطاب للناس

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)(1) ، وفي مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لزوال الدينا أهون على الله من قتل رجل مسلم ) وعن أبي داوود قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً) وقيل (فرضاً ولا نفلاً).

وقال ابن ماجه والاصبهاني (من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة لقي الله مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله) .

وروى البخاري ومسلم إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال (ليس من نفس تقتل ظلماً إلاً كان على ابن آدم كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لو إن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار) رواه الترمذي بسند حسن .

إن قتل الآلة العسكرية الصهيونية للفلسطينيين واللبنانيين بما في ذلك الأطفال (كمحمد الدرة والآف الأطفال العرب والشيوخ كشيخ الشهداء احمد ياسين وإخوانه) اقل قبحاً من قتل المسلمين لبعضهم لان حالة العداء المعلنة بين العرب والصهاينة والتناقض الديني غير موجودة في العلاقة التي تحكم المسلم بالمسلم والعربي بالعربي واليمني باليمني ، ولهذا فان القتل الإسلامي الإسلامي أوضح في القبح من قتل الأعداء لبعضهم

القتل غيلة(من خلال العبوات المتفجرة أو السيارات وغيرها مما نسمع عنه)جريمة بشعة لا يمكن إن يقرها دين أو عقل أو شرع( ومثلها القصف العشوائي الذي يستهدف الأمنيين في البيوت والقرى والأسواق بالصواريخ أو الطائرات بغير طيار) لأنها أكثر تطرفاً وإرهابا من الأفعال المنسوبة إلى الخوارج وكل الغلاة في التاريخ ،

القتل في الإسلام لم يشرع إلاً لدفع قتل اكبر – وليس عقوبة لان العقوبات الإسلامية يوم القيامة – (ولكم في القصاص حياة) ولهذا شرع لذي الولاية إن يسقط عقوبة القصاص إذا كان تنفيذها سيؤدي إلى فتنة بالإضافة إلى إن الأولى والأفضل لأولياء المقتول ظلماً وعدواناً (العفو) أي إن قتل القاتل ليس بواجب بل إن المندوب خلافة .

والمعلوم ضرورة من دين الإسلام انه لا يجوز سفك دم كائن حي (سواءاً كان انساناً أو حيواناً ) إلاً بموجب دليل شرعي (ولا يجوز قتل النفس التي حرم الله إلاً بالحق ) والحق هو حكم الشرع ونعني به نصاً شرعياً أي دليلاً قطعياً من الكتاب الكريم أو السنة المتواترة أو حكم قضائي بات ونهائي .

ومن المقطوع به إن تبييت (أي المباغتة بقصد قتل) أي مسلم ومن معه (ومن التبييت إطلاق القذائف بعيدة المدى على المدن والقرى المسكونة بمن لا يقاتل أو التعرض بقتل من لا يشارك من الجنود في القتال) يتناقض مع أحكام الإسلام مهما كان المبرر لان الإقدام على ما لا يؤمن قبحه قبيح وقتل من لا يجوز قتله أطلق عليه الله عدواناً والله لا يحب المعتدين والتبييت يعرض من لا يقاتل للقتل .

ولما كان من المجمع عليه حرمة الإقدام على قتل الكفار المحاربين إذا تترسوا بأطفالهم أو نسائهم إلاً للضرورة المعلومة(وهي خشية استئصال جماعة المسلمين) فإن حرمة دم أطفال ونساء وشيوخ المسلمين أولى وأعظم (مع انه يستوي عندنا حرمة دم الإنسان المسلم وغير المسلم إلاً للدفع إذ لا فرق بين المسلم وغيره في حرمة الدم) لان تعريض من لا يقاتل لمخاطر القتل أو الجرح (ظلم وبغي) وقد سماه المولى سبحانه وتعالى (عدواناً) وظلماً كما نصت الآية (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ) والعدوان كما فسر هو قتل من لا يقاتل من نساء وأطفال وشيوخ ورهبان وعبيد المحاربين ومن باب أولى قتل غير المحاربين.

وإذا كان هذا هو الحال مع المحاربين من غير المسلمين فكيف الحال بمن يستهدف سيارة لا تخلوا من الأطفال والشيوخ المؤمنين المسالمين الآمنين أو يستهدف بالقصف قرى ومدناً مأهولة بالأطفال والنساء والشيوخ والعجزة أو يستهدف جندياً يتولى الحراسة؟ بدون إن يكون محكوماً بالضرورة وبدون إن يدفع عن نفسه أو عن عقيدته الخطر بل يفعل ذلك ودافعه الوحيد هو الرغبة في إلحاق الأذى بأخيه المسلم (المواطن أو الجندي) وإشاعة الرعب في النفوس ، مخالفاً بفعله قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم محذراً لامته (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) وقوله صلى الله عليه واله أيضا ( إذا تقابل المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) وعندما سئل صلى الله عليه وآله ما بال المقتول؟ أجاب (لأنه أراد قتل صاحبه) فمجرد الرغبة في القتل تتساوى مع القتل فكيف بالتخطيط للقتل ومباشرته ثم تبريره؟؟!!!!

الكثير من الأحاديث تنص بوضوح تام على إن اكبر الكبائر بعد الشرك بالله أو مع الشرك بالله أو المعبرة كما يستفاد من نص الآية (ما كان لمؤمن إن يقتل مؤمناً إلاً خطئاً) على إن قاتل النفس المعصومة لا يمكن إن يكون مؤمناً (ومن قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ) ومن يخطط لقتل إخوانه في الدين والوطن ويعرض من معهم من الأبرياء لمخاطر حرمانهم من الحياة أو يعرضهم للإعاقة جرمه عند الله أعظم ودعوى إن القاتل لا يستهدف من يقتل من الأبرياء لا يمكن إن يكون مبرراً لوضوح الحرمة ووضح بشاعة الفعل

مجرد ترويع مسلم أعظم في القبح عند الله من خراب الكعبة حجراً حجراً كما جاء في الخبر المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .

فالذي يأمر بالقتل أو الذي يكمن في الطريق ليطلق رصاصاته على سيارة وهو يجهل من فيها أو يضع عبوة ناسفة لتنفجر في الشارع أو المسجد أو المؤسسة الحكومية أو المدرسة إنما أراد إن يقتل من فيها من المسالمين الآمنين المؤمنين لأنه يعلم أنهم سيقتلون بفعله أو نتيجة لفعله ، وحكم الآمر حكم القاتل وحكم المبرر أقبح من حكم القاتل والآمر لان الإطراف المتقاتلة حال القتال قد لا تعلم من سيقتل وقد تكون الظروف المحيطة بهم سلبتهم القدرة على التفكير السوي فيقدموا على ما يقدمون عليه متأثرين بظروفهم بينما المبرر للفعل بعد وقوعه وهو ليس طرفاً فيه ولا يعيش تحت الضغط الذي يعيش المتقاتلون تحت وطأته ومع هذا يبرر بدم بارد مقتل الأطفال والنساء والشيوخ ويتبنى الفعل وهو يعيش حراً من الضغوطات التي يعيشها المتقاتلون.

** الهوامش:

1. رواه البخاري وقال ابن عمر (من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله) .

2. جواهر البخاري مصطفى عماره .

3. كتاب الثمرات للفقيه يوسف .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق