الاثنين، 2 مارس 2009

من أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

إعداد الأستاذ/حسن محمد زيد الأمين العام لحزب الحق

(قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: يكون في آخر الزمان قومٌ نبغ فيهم قومٌ مراءون فيتقرأون ويتنسكون لا يوجبون أمراً بالمعروف، ولا نهياً عن المنكر إلا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير، يتبعون زلات العلماء وما لا يضرهم في نفسٍ ولا مالٍ، فلو أضرت الصلاة والصوم وسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها، وقد رفضوا أسنم الفرائض وأشرفها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فريضةً عظيمةً بها تقام الفرائض، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين، فريضةً بها تقام الفرائض وتحل المكاسب وترد المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، فأنكروا المنكر بألسنتكم وصكوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائمٍ.
قال: وأوحى الله عز وجل إلى نبي [هو يوشع بن نونٍ عليه السلام] من أنبيائه (عليهم السلام) أني معذبٌ من قومك مائة ألفٍ، أربعين ألفاً من شرارهم وستين ألفاً من خيارهم،فقال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار ؟ قال: داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي.)[[1]]
( أما بعد فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الاعظم في الدين وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين ولو طوى بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفترة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة واستشرى الفساد واتسع الخرق وخربت البلاد وهلك العباد ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد وقد كان الذي خفنا أن يكون فإنا لله وإنا إليه راجعون إذ قد اندرس من هذا القطب عمله وعلمه وانمحق بالكلية حقيقته ورسمه فاستولت على القلوب مداهنة الخلق وانمحت عنها مراقبة الخالق واسترسل الناس في اتباع الهوى والشهوات استرسال البهائم وعز على بساط الأرض مؤمن صادق لا تأخذه في الله لومة لائم فمن سعى في تلافي هذه الفترة وسد هذه الثلمة إما متكفلا بعملها أو متقلدا لتنفيذها مجددا لهذه السنة الداثرة ناهضا بأعبائها ومتشمرا في إحيائها كان مستأثرا من بين الخلق بإحياء سنة أفضى الزمان إلى إماتتها ومستبدا بقربة تتضاءل درجات القرب دون ذروتها)[2]
ويوضح الشيخ صالح المقبلي أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متسائلاً:(سؤآل: كلف الله عباده بالأوامر والنواهي فلم يمتثل كل منهم ما طلب منه، فأردف الله سبحانه ذلك التكليف المعين على كل فرد بتكليف آخر مطلوب من المجموع، من امتثله منهم سلم ومن أخل به أثم، وهو الأمر من بعضهم لبعض بالمعروف والنهي عن المنكر، فوقع الإخلال منهم بأن لم يحصل المقصود كله، فأردف الله ذلك التكليف بتكليف آخر مطلوب من المجموع أيضاً ليكون حصول التكليف الذي قبله أقرب، وهو إقامة رئيس يحمل على تحصيل تلك التكاليف، ويكون رأساً في ذلك وهم عون له ، فوقع الإخلال من المجموع بتحصيل الرئيس المطلوب، لايقال: يلزم على مافرض من الإخلالات بهذه التكاليف احتمال الأمة على الضلالة:لأنا نقول:لا يلزم ذلك لأن أفراداً منهم قد خرج من عهدة التكليف بأن أتمر وأنتهى في الأول وأمر ونهى في الثاني ونظر في الثالث هل من مساعد، وأنكر الإخلال من المكلفين بهذه التكاليف ولو بقلبه فخرج عن العهدة وإن لم يحصل المقصود، ونظيره أن ينهزم الجيش المحرم عليهم الإنهزام ويثبت واحد، فإنه يسلم الأثم وحده وإن أثموا، لكن يصدق عليهم أنهم لم يجتمعوا على الضلالة، فلما أخل الناس بهذا التكليف-توثب على مقامهم أقوام لأغراض دنيوية من الرياسة ونيل الشهوات، ومنهم من يصرح بأنه ملك أي:ليس بخليفة نبوة، كما فرق بينهما الحديث النبوي:{ خلافة النبوة ثلاثون ثم يؤتي الله الملك من يشاء}وفي رواية: ثم ملك عضوض، فاختص غير المحق بالملك والأحق بالإمام والخليفة، وإن كان أصل الأثنين أعم من ذلك، والإختصاص أيضا فيغالب الإطلاق فقط، قال معاوية_ وقال له سعد: أيه الملك-: مايمنعك أن تدعوني: ياأمير المؤمنيين؟!وقال سعد: أومايكفيك؟! وقال لأبي بكرة- وقد حدثه بالحديث السابق-: تعيرنا بالملك قد رضينا بالملك)[3]
ومع إعتراف معاوية بتحويله الخلافة إلى ملك إلا أن شرعية الغلبة منحت طابعاً مقدساً بإختلاق نصوص نسبت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدعو للصبر على الخليفة(الملك المتغلب)وإن أخذ الحق وجلد الظهر، وكأن الدولة غاية لذاتها، فتميزت الزيدية والإباضية والمعتزلة بالدعوة إلى الخروج على الظالم ولو بحد السيف تطبيقاً لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإعتبار أن وجود الظالم على قمة هرم السلطة في المجتمع الإسلامي منكر يجب إزالته لتعلق الكثير من أحكام الشرع بوجود الحاكم العادل، من ذلك على سبيل المثال الدعوة للجهاد وحمل الناس على أداء الواجب وتحقيق العدل وتطبيق الحدود،ومنع المنكرات العامة....الخ وظائف الدولة والخروج على الظالم فرع من موضوعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكروهو الواجب المتعلق بسلوك الفرد المسلم تجاه غيره، ولأهميته وخطورته عُد عند الزيدية والمعتزلة أصلاً من أصول الدين، والإجماع منعقد على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الواجبات الشرعية، لأنه متعلق بواجب المسلم لمواجهة المنكرات التي تصدر من غيره(ومنها عدم القيام بالواجب)؟ وقبل ذلك في إتخاذ موقف بإزاء مايقوم به الأخر من سلوك يتعداه الى غيره أو متعلق بحقوق الغير عليه وواجباته العامة؟
ويستند الفقهاء إلى عدد من نصوص الكتاب والسنة منها قوله جل وعلا ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(103)وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(104)وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(105) ﴾ آل عمران،
وقوله تعالى ﴿ ُكنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ(110)لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ(111)ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(112)لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ(113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ(114)وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ(115) ﴾ آل عمران 110 وقال تعالى:﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(79) ﴾ المائدة
ومن السنة:- (عن الإمام زيد بن علي عليهما السلام عن أبيه عن أبائه عن الإمام علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم))[[4]].
عن أبي سعيدٍ الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تمنعن أحدكم مخافةً أن يتكلم بالحق إذا رآه)).[[5]]
(( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما من امرئٍٍ مسلمٍ يخذل امرءًا مسلماً في موضعٍ تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطنٍ يحب فيه نصرته، وما من امرئٍ مسلمٍ ينصر مسلماً في موطنٍ ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطنٍ يحب فيه نصرته)).[[6]]
(عن أم هاني بنت أبي طالبٍ (رضي الله عنهما)، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الله تعالى:﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ﴾[العنكبوت:29]، قال: ((كانوا يخذفون أهل الطريق ويسخرون منهم فهو المنكر الذي كانوا يأتونه)).[[7]]
(عن عبد الله أو عبيد الله بن جريرٍ، عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ما من رجلٍ يجاور قوماً فيعمل بين ظهرانيهم بالمعاصي فلا يأخذوا على يده إلا أوشك أن يعمهم الله منه بعقابٍ))[[8]].
(عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من اغتيب عنده أخوه المسلم فنصره نصره الله تعالى في الدنيا والآخرة، وإن ترك نصرته وهو يقدر عليها خذله الله في الدنيا والآخرة)).[[9]]
(عن علي (عليهما السلام) في قول الله عز وجل: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾[البقرة:205] قال: الحرث الدين، والنسل الناس، ثم قرأ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾[الشورى:20] فهلاك دين الله أن يعمل بخلاف كتاب الله، وهلاك عباد الله أن يعمل فيهم بالجور فلا ينكرون ذلك فيهلكون)[[10]].
( قال: وقال زيد بن علي عليه السلام: من أمر بمعروفٍ ونهى عن منكرٍ أطيع أو عصي كان له بمنزلة المجاهد في سبيل الله.)[[11]]
(عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، قال: إن أول ما تغلبون عليه من دينكم الجهاد بأيديكم، ثم الجهاد بألسنتكم، ثم الجهاد بقلوبكم فإذا لم يعرف القلب المعروف ولم ينكر المنكر نكس أعلاه أسفله كالجراب يؤخذ بأسفله فيخرج ما فيه.)[[12]]
(عن الحسين بن زيد بن علي، قال: نظر الحسن بن صالح بن حي إلى المسودة في المسجد ذاهبين وراجعين فبكى ثم قال:﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيد﴾[هود:80] فقال له بعض جلسائه: أهذا الأسف كله يا أبا عبد الله؟ قال: نعم.. وأي أسفٍ وحسرةٍ أعظم من هذا.)[[13]]
(عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، قال: جمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنت من آخر من أتاه فقال: ((إنكم مصيبون ومنصورون ومفتوحٌ لكم، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله عز وجل، وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر))[[14]].
(عن المنذر بن جريرٍ عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما من قومٍ يكون بين أظهرهم من يعمل المعاصي هم أعز منه وأمنع فلم يغيروا إلا أصابهم الله بعذابٍ منه)).[[15]]
(عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: إنما هلك من كان قبلكم بارتكابهم المعاصي ثم لم ينههم الربانيون والأحبار، فلما فعلوا ذلك أنزلت بهم العقوبات، ألا فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقدم أجلاً ولا يدفع رزقًا.)[[16]]
(عن عبيد الله بن أبي عميرٍ الليثي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أنكر المنكر بقلبه فقد أنكر بخصلةٍ من الحق، ومن أنكر بقلبه ولسانه فقد أنكر بخصلتين من الحق، ومن أنكر بقلبه ولسانه ويده فقد أنكر بالحق كله، ألا أنبئكم بميت الأحياء؟ من لم ينكر المنكر بقلبه ولا بلسانه ولا بيده) [[17]].
(روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قوله لتأمرن بالمعروف و لتنهن عن المنكر أو ليسلط الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم )[[18]].
ولاخلاف على الوجوب إلا أن كيفيته وعلى من ومتى وماهي شروطه وأركانه ظلت محل خلاف،فالكثير من المدارس والفرق الإسلامية قصرته على اللسان والقلب(أي إظهار الكراهة)وعلى بعض المنكرات دون بعض،بخلاف الزيدية والمعتزلة وبعض فقهاء الشيعة والسلفيين الذين أجازوا أو أوجبوا منع بعض المنكرات ولو بالقتل،كمنع سفاح من القتل أو مغتصب ولو بالقتل،وكذالك أوجبوا الخروج على الظالم ولو بالسيف،مع توفر شروط،بينما الأغلب تحرج من الدعوة إلى استخدام اليد في منع المنكرات إلا في أضيق الحدود وعندما يكون فاعلها فرداً أو أفراد يسهل قمعهم،وبشرط موافقة السلطة أو إذنها،ولإعطاء فكرة أوسع سنتناول الموضوع في نقاط أو فقرات أو عناوين مدرسية ثم نختمها بمناقشة عامة،لمبررات القائلين بوجوب النهي عن المنكر حتى لو كان الفاعل أو سببه الدولة نفسها،وحجج من ذهبوا إلى النهي عن الخروج على السلطة أو السعي لتغييرها أو حملها على التغير،بل وحتى التصدي للمنكرات إذا لم تأذن السلطة.
وهو فرض على الكفاية
ومعنى كونه فرضاً على الكفاية أنه إذا قام به من يكفي لأدائة سقط الوجوب عن البقية وإذا لم يقم به البعض أو لم يكف من قام به أثم الكل إلا المبادر
ووجوبه كوجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج إجماعا ً وإنما الخلاف في كيفية أداء الواجب وعلى من يجب ومتى يجب ومن حيث المبدأ نشير إلى أن كل المذاهب الإسلامية اتفقت على القول بوجوبه على الكفاية بصورة عامة ومعنى ذلك أنه إذا قام به البعض سقط عن الآخرين. لقوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير.....الآية (ففي الآية بيان الإيجاب فإن قوله تعالى ولتكن أمر وظاهر الأمر الإيجاب وفيها بيان أن الفلاح منوط به إذ حصر وقال وأولئك هم المفلحون وفيها بيان أنه فرض كفاية لا فرض عين وأنه إذا قام به أمة سقط الفرض عن الآخرين إذ لم يقل كونوا كلكم آمرين بالمعروف بل قال ولتكن منكم أمة فإذا مهما قام به واحد أو جماعة سقط الحرج عن الآخرين واختص الفلاح بالقائمين به المباشرين وإن تقاعد عنه الخلق أجمعون عم الحرج كافة القادرين عليه لا محالة)[19]
فمن للتبعيض [[20]] ولأنه لا يصلح لأداء هذا الواجب إلا من علم ما هو المعروف وما هو المنكر وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته وكيف يباشره، (لأن المقصود منه وقوع المعروف وعدم وقوع المنكر وأدلة كونه واجب على الكفاية من ثلاثة أوجه:-
أولها:-أن الآيات الدالة على وجوبه كقوله تعالى "ولتكن منكم أمة...وقوله تعالى لعن الذين كفروا من بني إسرائيل...بينت أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبيح وفي ظاهر الآيتين دلالة على الوجوب ولم يفصل أحد عن أحد وهو المقصود بوجوب الكفاية وثانيها:-أن قيام البعض بالواجب فيه، يحصل المعروف ويمنع المنكر وهذا هو المقصود.
وثالثهما:- أن الإجماع منعقد أنه لو قام به البعض سقط حكمه عن الباقين ولو تعطل فرض الكفاية ولم يقم به أحد فإن الحرج يعم الكل إذا كانوا متمكنين من القيام به وقصروا عنه أما إذا كان لا يتسنى القيام به إلا للآحاد فإن الحرج لا يكون موجها ً إلى الكل ذلك أن فرض الكفاية ربما خص وربما عم، بحسب إلا مكان فقد يتمكن منه الكل وقد لا يتمكن منه إلا الآحاد كإنقاذ الغريق وإسعاف الجريح والمسموم والجهاد) [[21]] (ولا يسقط الحرج عن الكل إلا باجتماع من يكفي لأدائه ويأثم المتخلف، وإذا قام به شخص أو أشخاص ولم يؤثر جهدهم وأحتمل آخر أو آخرون التأثير وجب عليهم مع توفر الشروط)[[22]] التي سنعرض لها لاحقاً ومع تطور الدولة الحديثة ووجود المؤسسات الأمنيةوالرقابية ومؤسسات المجتمع المدني فإن الواجب اليوم متعين أولاً على الأجهزة المعنية بموضوعات الأمر والنهي وإذا لم تكف تعين الواجب على كل قادر عليه،
فعلى سبيل المثال أجهزة الأمن هي المسؤلة عن منع الجريمة(المنكر) قبل وقوعها والضبط عقب وقوعها وبهذا فإن واجب منع المنكر متعين عليها بحكم القانون وبموجب العقد المبرم بين المجتمع وهؤلآء وبه يستلمون أجورهم مقابل قيامهم بما نص عليه القانون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق